فهد الغفيلي
كتاب ظريف وخفيف على النفس، للكاتب السعودي تركي بن عبدالله الدخيل، يبدأ الكتاب بتقديم الإهداء إلى من لم يلتفت إليه أحدٌ قبل تركي؛ فقد تعودت أن يهدي الكتـّـاب إنتاجهم وجهدهم إلى والد أو زوجة أو صديق وغيرهم، أما تركي فقد أهدى كتابه إلى الميزان بنوعيه الإلكتروني والعادي!! ولما لا؟ وقد تحمله سنين طويلة وكان الشخص الوحيد الذي لم يجامله مرة واحدة ويخفي سمنته عنه، حتى تنبه أخيراً وبدأ برحلة لإنقاص الوزن تكللت مع الوقت بالنجاح، وكان أقل ثمراتها ـ على ما أظن بالنسبة للكاتب ـ أن ألف هذه الذكريات، ولم ينس رفيقه الذي تحمله طوال الرحلة، وكان بقدر ما يصدمه ويذهله من ضخامة الأرقام التي يعطيه حين كان بديناً لا يفكر سوى بالموائد المملوءة، إلا أنه كان يسعده ويفرحه ويؤنس وحشته في رحلة الغربة وفك الارتباط بالشحوم، فقد كانت الأرقام تصغر يوماً بعد الآخر، حتى وصلت لمعدلاتها الطبيعية، وإن كان الميزان في نظر الدخيل أول المبشرين بنجاح المشروع، فهو أحقهم بالإهداء.
ويمهد الدخيل لكتابه ويلفت نظر القراء، وعلى ما أظن البدناء منهم، خاصة الذين يبحثون عن قشة يتمسكون بها للهرب من محيطات السمنة، ليقول لهم: إن هذا الكتاب ليس وصفة طبية ولا رياضية، بل هو مجرد ذكريات تستحق في نظره أن يكتب عنها.
يقول تركي الدخيل: إن ما دعاه إلى الهرب من البدانة كان سؤالاً بريئاً طرحه ابنه عليه، حيث سأله ذات مرة هذا السؤال الذي وقع عليه فكان أشد على نفسه من قنبلة تقطع الأشلاء، حيث كان سؤال الطفل ذي الخمسة أعوام "متى أكبر يا بابا كي أكون دباً مثلك؟"!! ويعلق الكاتب على ذلك بقوله: إن عائلته قد تصبر على البلاء في شخص واحد، أما اثنان فلا يمكن ذلك، وكان عليه التدخل فوراً وبدء رحلة إنقاص الوزن. ولكن ماذا عن الطفل؟ يقول تركي: بأنه ترك له حرية اختيار أن يكون سميناً، كما يريد، ولكن لن يتسنى له أن يصبح كوالده الذي هجر السمنة للأبد.
ولكم أن تتخيلوا عظمة ما قام به تركي حين تعلمون أنه فقد من وزنه خمسين كيلاً في غضون ستة أشهر فقط، وهذا يمكن أن تقول عنه إن شخصاً طرح من على ظهره إنساناً آخر كان يحمله سنوات طويلة. بل إنه يقول: إنه أحياناً يشعر وكأنه رمى عن كاهله رجلاً يزن التسعين كيلاً، ويعلق على ذلك بالملفت والمذهل والمؤلم في آن واحد. وأفضل وصف يمكن أن يصف الكاتب جسمه حين كان بديناً بالرافعة أو آلية عسكرية أو مدرعة من مدرعات القتال.
ومن فرط سمنة الكاتب فقد كان يستخدم حزامين في الطائرة وكان مضطراً لتكبد أعباء مالية إضافية للجلوس في مقاعد الدرجة الأولى حين يسافر جواً، وإن لم يتوفر مقعد كان عليه أن يأخذ مقعدين اثنين لتأخذ الشحوم المتراكمة المتدلية من جسمه في كل اتجاه، وقد تسبب ذلك في أن يواجه العديد من المواقف الطريفة والحرجة في الوقت نفسه، كان منها حين أعطي مقعدين بعيدين عن بعضهما، وكيف ساعدته فتاة أمريكية وصديقها في التخلص من ذلك الموقف.
يقول الكاتب إن كل شيء كان يذكره بسمنته حتى في درس الجغرافيا حين الحديث عن مساحة المملكة وأنها مترامية الأطراف كان يتأمل جسده كأقرب الشواهد الحية على كبر المساحة ويضيف: بأن ذلك أثر كثيراً في ارتفاع الحس الوطني لديه ويتمنى أن لا يكون فقده لشحومه ذا تأثير على ذلك الشعور.
ويشعر أن أمريكا هي الوحيدة التي كانت لطيفة معه، فبين كل محلين لبيع الوجبات السريعة كان هناك محل لبيع ملابس البدناء، وأكثر ما أعجبه هناك أن تلك المحلات لا يكتب على لافتاتها للبدناء فقط أو للأحجام غير الطبيعية، بل تسمى طويل وكبير، ويتوفر بها كل ما يحتاجه السمان من الرأس حتى أخمص القدمين.
ويقول تركي: إن السمنة ومع كثرة سلبياتها إلا أن لها إيجابيات أحياناً، ويذكر أنه سافر ذات مرة ضمن وفد صحفي ضم تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض، وخالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة، وهاشم عبده هاشم رئيس تحرير جريدة عكاظ، والثلاثة هم أكبر الصحافيين السعوديين مكانة وسناً، وكانوا يطلبون منه الجلوس في المقعد الأمامي تلافياً لسمنته، وبقدر ما كان يتألم لذلك إلا أنه كان يشعر بالمنة لوزنه الذي منحه مقعداً مريحاً، وميزه على أشخاص يفوقونه عمراً ومرتبة وظيفية، ويعلق على ذلك بأن السمنة لا تمنح الكثير من حالات الانتشاء، ولكن تلك كانت إحداها.
ومن أهم الأشياء التي غنمها بعد رحلة إنقاص الوزن تمكنه لأول مرة من وضع رجلٍ على رجل، حيث يعد ذلك أعظم من تسلق جبال الهمالايا بالنسبة لرياضي أفنى عمره من أجل هذه الغاية، وميزة أخرى اكتسبها بعد أن دخل عالم الرشاقة وتتعلق باستمتاعه بقراءة الإحصائيات حول السمنة ومضارها وأخطارها، بعد أن كان يُعرض عن كل ما يتعلق بالبدانة سابقاً.
يقول تركي: إن الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بمحاربة السمنة، وتعاني منها بشكل كبير، حتى إن الكاتب الأمريكي "جون هيوز" أحد محرري صحيفة أخبار الصحراء كتب في مقالة له تحت عنوان "دعك من الإرهاب... الوجبات الكبيرة هي التهديد الحقيقي": إن العراق ليس أكبر تحد يواجه أمريكا ولا أي هجوم مقابل للقاعدة، ولا هو العجز في الميزانية، ولا تضاؤل منافع التأمين الاجتماعي، فقد اتضح أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأمريكيون هو السمنة.
وبالمناسبة فإني هنا بقدر ما أشيد بتركي الدخيل على كثرة استشهاده بالآيات القرآنية لدرجة أظنه قريباً جداً من القرآن، إلا أني كنت أتمنى على تركي لو لم يقصر إحصاءاته في هذا الكتاب على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، فالعالم كله يعاني من السمنة والإحصاءات موجودة في كل مكان.
وأما السر الذي يكتشفه تركي في رحلة السمنة فيتمثل في أن الأشخاص الذين لا يتصالحون مع أنفسهم لا يمكنهم أن يحققوا نجاحاً في أي جانب من حياتهم، وما أمر السمنة عن هذه القاعدة ببعيد، وأن على السمين أن يتجاوز تعليقات الناس عليه ليبدأهم بالتعليق على نفسه، فإذا قال ما لم يقولوه فماذا بقي لهم ليقولوه.
ويشتكي تركي من عنصرية المجتمعات، خاصة العربية التي تصف البدناء بالدببة وتعيرهم بذلك، فيكون وقع هذا التشبيه شديداً على البدناء، حتى إن أحدهم أراد أن يعبر الطريق ذات مرة فأخرته سمنته، مما أغضب سائق السيارة وصاح عليه بأعلى صوته: يا دب. ولشدة وقع تلك الكلمات قرر ذاك السمين التخلص من سمنته للأبد حتى صار سمينا سابقا.
أما عن الطريقة المثلى للتخلص من الوزن فيلخصها تركي بمقولة أحد الفقهاء المتقدمين "إن تحصيل العلم بحاجة إلى كثرة الدوافع وقلة الصوارف" ويرى أن هذه المقولة تنطبق على كل مشروع يريد الإنسان أن ينجزه، والتخلص من السمنة أحدها. ويحذر من الانجراف خلف الأدوية والمستحضرات التي تستخدم لعلاج السمنة، ويقول كما أن مثيلاتها لا تفيد في علاج الصلع فهي لن تنفع في إزالة الشحوم، وأن التنازل عن المتعة في تناول بعض الأطعمة والحركة هو الحل الأمثل.

رانيا80 @ranya80
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

طيب كيف
•
ماعجبني الكتاااااااااااااااااااااب

الكتاب فعلا رائع وفيه الكثير من حس الفكاهه ..
دايما اقرأه ولا امل منه..
جزاك الله خير
دايما اقرأه ولا امل منه..
جزاك الله خير

الصفحة الأخيرة