● ذكريات على جدار الحي ● ‏

الأدب النبطي والفصيح

إلى الحي الذي أسكن فيه









1-



الشارع



وفِي الشارعِ النائِمِ المستفيقْ ..


أحِسُّ برُوحِي كإسْفِلْتِهِ ..

نَدَاها تَسَرَّبَبينَ الشُّقوقْ ..

ولمْ يَكُ هذا الطريقُ كهذا ..

لقد كانَ يحْمِل رُوحاًوقلباً ..

نُحسّ به ويُحسّ بنا ..

فنمشِيْ الهوينَا حَناناًعَلَيْهْ

ويَحْمِلُ خُطْوَتَنا بيَدَيْه ..

وما زلتُ أذكُرُ ..

حينَأمَازِحُهُ : يا صَدِيقْ ..

نَموت ُوتَبقَى ..

تحَدِّث أحفاَدنا عن خُطانا ..

وهمْ يُنْصِتون ..

كإنْصَاتنا حين حَدّثتَنا عَنْ جُدُودٍ ..

حَفِظْتَمَواطئَ أقدامِهِمْ ..

حين كانوا يَعسُّون في ظلماتِ الدُّجَى لأداءِ الصلاةْ ..

“نموتُ وتَبْقى .. !”

كذلك مازَحْتُه .. لَيْتَ شِعْرِيْ ..

فأينَ صديقيالرحيمُ الرفيقْ ..

وليس أمامي سوى قَطِرَانٍ وزَيْتٍ وقَارْ .. !

تغَيَّرهذا الزمانُ علينا ..



وماتَ الطريقْ !







-2-



البيوت



على الجَانِبَينِ ..


تُرَصُّ البيوتُ ..

كما رُصِفَتْ في العزاءِ الصُّفُوفْ ..

فيا للبيوتْ ..
ت
َمُرُّ بأبوابها الرِّيْحُ عَجْلَى ..

فتجْمَع منها غبَاراً قليلاً ..

وتذرو عليها غبَاراً قليلاً ..

وبينهما لُغَةٌ مِنْ سُكُوتْ ..

أُسَائِلُ أبوابَها المْغلقَاتْ ..

وهُنَّ الأنيقات ..

في حُلّة مِنْنقُوُش ..

لماذا التزَيُّنُ للناظرينَ

إذا كانَتِ الرُّوحُ رُوحاً قبيحَةْ !

لِمَ الضِّيقُ يخنُقُ في كلِّ يَومٍ نُفُوساً ..

مَسَاكنِهُا في البيُوُتِالفَسِيحَةْ !!

وبالأمْسِ ..

كلُّ المَصَاريعِ مُشْرَعَةٌ للضيوف ْ..

وكلالمَجالسِ مشروحَةٌ كاْنِشَراحِ الصدورْ

تُحبُّ اجتماعَ الرِّجَالِ لدَيها ..

ودِفْءُ المَوَدةِ يِطْغَى عَليها ..

تُعَطِّرُه قهوةٌ وبخُورْ ..

وماعاد مِنْ صِلَةِِ الأمْسِ إلا ..

غَليلُ النُّفوسِ ..



وشُحُّ الكفوفْ !






-3-




الشبابيك





سُجونٌ ..


سُجونْ ..

وفي كُلِّ زِنزانةٍ ثَمَّرُوحٌ ..

يُعَذِّبُها الصَّمْتُ حَدَّ الجنونْ ..

ويمتَصُّ منها رَحيقَالحَياةِ ..

إلى أن تَجِفَّ ..

وتذوي كَمَا يَابِسَاتِ الغُصُونْ ..

تُطِلُّ الشَّبِابيكُ صَامتةً

فأقْرَؤُ فيها كَلاماً أليماً ..

عَمِيقَ الشُّجُونْ ..

لأنّ الشبابيكَ مثلُ العُيُونْ ..

وحِينَ تفيضُالدموع بِها ..

وتهْمِيْ .. تَئِنُّ بأوصَابِها ..

إذا بالستائر تُرْخِيعليها قِماشاً غَليظاً ..

لئلا تبَوُح ..



لأنَّ الستائر مِثلُ الجفونْ !





-4-



المسجد





وبينَ يَدَيْكَ وَقَفْتُ بشِعري ..


وكلُّ الزمانِبداركَ واقِفْ !!

مهِيبٌ وَقارُك يا شَيْخَنَا ..

إذا ما أصَخْتُ السَّمَاعَله ..

سَِمعتُ صدىً فِيْ أقاصي كياني ..

له لحْنُ جُرْحٍ ..

وغُربَةُرُوحٍ ..

وزَفرةُ نَازِفْ ..

تُراكَ تَحِنُّ لأصْحَابِكَ الأقْدَمِينَ ..

شُيُوخٌ قد اشْتَعَلَ الشَّيْبُ مِنْهُمْ ..

مَجَالِسُهُمْ في الصُّفُوفِالأوَائلِ ..

تَسْبِيْحُهُمْ كهَدِيلِ الحَمَامْ ..

وفي كُلِّ عامْ ..

يَمُرُّ الفَنَاءُ ..

ويأخُذُ شَيْخاً نَقياً تَقياً ..

كثيرَ الدعاءِقليلَ الكلامْ ..

لقد مَاتَ جَدِّي ..

وصَاحبُ جدي ..

وإذ بالمَصَاحِفِتسألُني عَنْ أخِلاّئِها ..

“أما عَادَ فيكم خَليلُ المَصَاحِفْ ..؟!”

لقدسَرَق الوَقتُ أخيَارَنا ..

وإذ بهديلِ الحَمَائِمْ يَخْفُتُ

شَيئاً فشَيئاً ..

ويعلُو عليهِ رَنينُ الهَوَاتِفْ !

أشَيْخِي الجَلِيل ..

أما زِلْتَتذْكُرُ ذاك الحَصِيرْ..

وقْد كَانَ يَرْفَعُنا للعُلَى ..

لأنَّ الحَصِيرَغنيٌّ فَقِيرْ ..

ويَمْضِي الزمانُ ..

وتغْدُو المَسَاجِدُ مثلَ المَتَاحِفْ..

ثُرَيَّا ..

مَحَارِيبُ مَبنيَّةٌ مِنْ رُخَامْ ..

يُلَوِّنُها صَخَبٌوزَخَارِفْ ..

وما كُنْتُ أعْرِفُ في مَسْجِدِ الأمْسِ ..

إلا الحَصِيرَ ..

وعُنْقُودَ نُورٍ يُدَلَّى مِنَ الخُلْدِ حِينَ نُصَلِّي ..




فتَمْتَدُّتَأخُذُه كَفُّ قَاطِفْ ..!


,


,


,



أحمد المنعي
2
475

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نجمة حياتك
نجمة حياتك
يؤيؤيؤ يعني مو عاجبتكم:(
ومضة خير
ومضة خير
رائع جدآ ..


بوركت يانجمة ...