إنّ المؤمنَ حقًّا معظِّمٌ لله، معظِّمٌ لرسول الله، معظِّمٌ لدينه، فهو يعظِّم الله في قلبِه، ففي قلبِه مِن إجلالِ الله وتعظيمِ الله ما الله بهِ عليم. يُعظِّم أمرَ الله، ويعظِّم نهيَه، يعظّم أسماءَه وصفاتِه، فيكون إيمانه بالله إيمانًا صادقًا، ثمّ هو يعظّم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فيؤمِن أنّه عبد الله ورسوله، ختَم الله به الرّسالاتِ كلَّها، ويؤمن حقًّا أنّه قدوَة كلِّ مسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ}، وهو يعظِّم دينَ الله، فيحبّ هذه الشريعة، ويوالي هذه الشريعةَ، ويعتقد كمالَها وشمولَها وتمامَها، فيرضَى بها كما رضيَها الله لنا: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِينًا} ، هكذا يكون المؤمن حقًّا.
وممّا يُؤْسَف له ما يقَع فيه بعضُ المنتسبِين إلى الإسلام؛ إمّا مِن طريق السّخريَة والهَزل، أو من طريق الجِدِّ -والعياذ بالله-، يقعون في الاستهزاء بالله، في الاستهزاء بسنّة رسول الله، في السُّخرية بأهلِ الإيمان، في الاستهزاء بشرع الله، بأوامر الله ونواهي الله. فترى بعضَهم ـ والعياذ بالله ـ يتفوّه بألفاظٍ قبيحة، فيها سخرية بالخالِق -جل وعلا-، فيها انتقاصٌ لربّ الأرباب، ويتكلّم بكلماتٍ فيها سُخرية بمحمّد -صلى الله عليه وسلم-، وفيها استهزاء بسنّته، واستهزاء بالمتَّبعين والمقتفين أثرَه، وتراه أحيانًا يسْخر بأوامرِ الإسلام ونواهِي الإسلام، ويستهزئ بها، ويسخَر بها، ولا يقيم لها وزنًا. ذا يدلّ على نفاقٍ في القلب، على مرضٍ في القلب؛ إذ لو كان مؤمنًا حقًّا لقدر الله حقَّ قدره، قال تعالى في حقّ أولئك: {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، فالذي يُقَدِّر الله حقّ قدرِه هو المؤمِن به، المعظِّم لأوامِره ونواهيه، هو الذي يديم ذكرَ الله والثناءَ على الله، وتنزيهَ الله عمّا لا يليق به مِن العيوب والنّقائص.
والمؤمن حقًّا يُعظِّم رسولَ الله، يعظّم سنّته، يعظّم أوامرَه ونواهيَه، يعظِّم أهلَ الإيمان، ويوالي أهلَ الإيمان، يعظّم هذه الشريعة، ويعمَل بها، ويعتقِد كمالَها وشمولها.
إنّ الاستهزاءَ بالإسلام مرضٌ في القلب، يدلّ على فسادِ القلب، وعلى ذهابِ الإيمان مِن القلب؛ إذ لو كان في القلب إيمان حقًّا لما صار هذا الاستهزاءُ منه.
وقد جعل الله الاستهزاءَ بشريعتِه دليلاً على النّفاق، قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} . فأخبر الله عن المنافقين أنّهم إذا لَقوا المؤمنين أظهَروا لهم الإيمانَ والاتّباع والثناءَ عليهم وسلوكَ طريقهم، وإذا خَلَوا إلى شياطينهم من شياطين الإنس قالوا: إنّا معكم، ولكنّنا معهم مستهزئون وساخِرون، ولسنا على ما هم عليه من الطريق الذي يسلكونه، هكذا حال المنافق، فليحذَر المسلم من أن يزلَّ لسانه بكلماتٍ بذيئة قد يخرج بها من الدين مِن حيث لا يشعر، قال تعالى عن هؤلاء المستهزئين السّاخرين: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ*لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ} ، لئن سألتَ المنافقين عن بعض ما يقولون وما تتفوّه به ألسنتُهم قالوا: إنّما نحن نخوض ونلعَب، يعني: لسنا جادّين، ولكنه خوضٌ ومزاحٌ وهزل، قال الله: {قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ*لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ} ، فأثبت إيمانًا، ثمّ حكم عليكم بالكفر بهذا الاستهزاءِ بعد الإيمان.
فاتقِ الله في نفسِك، وعَظّم ربَّ العالمين، وعظِّم رسولَه، وعظِّم دينَه، وأحبَّ أهلَ الإيمان، ووالِ أهلَ الإيمان، واحذَر انتقاصَهم والسّخريةَ بهم وبدينِهم، فإنّك إذا استهزأتَ بدينهم فإنّما ذاك استهزاءٌ بربّك واستهزاء بنبيّك.
أيها المسلم: هذا الاستهزاء القبيحُ يقع فيه بعض النّاس، فبعضهم ـ والعياذ بالله ـ قد يستهزئ بربّ العالمين، ويسخَر من ربّ العالمين، ويتفوّه لسانه بكلماتٍ قبيحةٍ بذيئة تدلّ على فَقد الإيمان من القلبِ-والعياذ بالله-، وهذا هو الكفر والضّلال، قال الله عن اليهود: {وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ، قال الله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وقال عنهم: {لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} إلى آخر الآية، فهذه حال اليهود، وصفوا اللهَ بالفقر، وصفوه بأنّ يدَه مغلولة، تعالى الله عن قولهم عُلوًّا كبيرًا.
وهكذا أشباه اليهودِ ممّن يسخَرون بربّ العالمين، ويستهزئون بأسمائِه وصفاتِه، ويسخرون مِن أفعاله وقضائِه وقدَره؛ إذِ المؤمِن يؤمِن بالله، ويؤمن بقضائِه وقدرِه، ويعلَم أنّ الله حكيم عليم، وأنّ كلَّ قضاءٍ وقدَر قضاه وقدّره مبنيٌّ على كمالِ حكمةٍ وكمالِ علم وكمال رحمة وكمال عَدل، هكذا يكون المؤمن حقًّا.
ثمّ المؤمن أيضًا يعظّم سنّةَ محمّد -صلى الله عليه وسلم-، يعتقِد كمالَها، وأنّ محمّدًا -صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلاّ حقًّا، ولا ينطِق إلاّ بالحقّ، قال الله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ} ، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إنّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معَه) ، فسنّته -صلى الله عليه وسلم- وحيٌ أوحاها الله إليه، إذًا فتعظيمُ سنّته من تعظيم الله، ومحبّة سنّته من محبّة الله، طاعتُه طاعةٌ لله، قال -جل وعلا-: {مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ} ، وقال -جلّ جلاله-: {وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} .
إذًا فالذي يسخَر بالسنّة، أو يستهزئ بها، أو يحتقِرها، أو يعتقِد نقصانَها، أو أنّها عملٌ قديم وتراثٌ سابِق لا مجالَ لها ولا عملَ بها، هذا يدلّ على فسادِ إيمانه.
فليتّقِ المسلم ربَّه، وليعلَم أنّ هديَ محمّد -صلى الله عليه وسلم- هديٌ لجميع أمّته إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين، وربّنا يقول: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا} ، ولن يُصلحَ آخرَ هذه الأمة إلاّ ما أصلحَ أوّلَها.
أيّها المسلم: كلّ سُنّةٍ سمعتَها من رسول الله فاقبَلها، واعمَل بها قدرَ استطاعتِك، ولينشَرِح لها صدرُك، ولتقرَّ بها عينك، فإنّ هذا دليل الإيمانِ الصّادق. أمّا من يردّ سنّتَه مستهزئًا بها، ساخرًا بها، محتقرًا لها، غيرَ رافع الرّأس بها، فإنّما يدلّ على نفاقٍ في قلبه، ونبيّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: (عليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي).
أيّها المسلم: البعضُ من الناس ـ هدانا الله وإيّاهم ـ يتفوّهون أحيانًا بكلماتٍ لا يقدرون لها قدرَها، ولا يفهمون النتائجَ المترتّبةَ عليها، فتراه يسخَر بشيء من السنّة، إذا ذكرتَ له سنّة محمّد وأدَبًا من آداب محمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- لم يقبلها منك؛ منها ويستهزئ بها ويردّها -والعياذ بالله-. إذا قلتَ له: إنّ سنّةَ محمّدٍ -صلى الله عليه وسلم- دلّت على وجوبِ إعفاء اللّحية فإنّه يسخر منك، وربما استهزأ بها، ولا يدري المسكين أنّ هذه سخريةٌ برسول الله. هو لو حلَقها لارتكَب محرَّمًا، ولكن إذا استهزَأ بها صار الاستهزاءُ أشدَّ وأعظمَ إثمًا من حلقِها. تذكرُ له سنّةَ رسول الله في أنّ الإسبالَ من كبائرِ الذنوب، لكنّه لا يقبَل ذلك منك، تذكر له أنّ سنّة رسول الله تحرّم على الرّجل لبسَ الذهب والتحلّي بالذّهب فلا يرضى منك ذلك. تذكرُ له أدبَ رسول الله في الأكل باليمين فلا يرضَى منك ذلك. كلّما ذكرتَ له سنّةً من سنّة محمّد فإنّه يردّها من غيرِ مبالاةٍ ولا قبول لها، وذاك ـ والعياذ بالله ـ دليل على ما في القلب من مَرض.
لقد كان أصحاب محمّد -صلى الله عليه وسلم- يشتدّ غضبُهم على مَن ردّ سنّةً من سنّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- مهما كان عندَه من التأويل، حدَّث عبد الله بن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما- قائلًا: إنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا استأذنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعها) ، فقال رجل من أبنائه: والله لنمنعهنّ، قال: فسبّه عبدُ الله سبًّا شديدًا ما سمعتُه سبَّه مثلَه قطّ وقال: أقولُ لك: قال رسول الله وتقول: لأمنعهنّ!
انظر إلى هذا، قد تكون غَيرةٌ حَمَلته، لكن سنّة محمّد أولى بالاتّباع والسّمع والطاعَة، فكيفَ بمَن يسخَر ويستهزِئ بأهلِ الإيمان، يستهزئ بالمتّبعين للسنّة والعاملين بها والمستقيمين عليها؟! كم من كُتّابٍ خطّوا بأقلامِهم أقوالًا ومقالاتٍ فيها سوءٌ وفُحش من سخرية بالإسلام، وسخريةٍ بأوامر الإسلام، وسُخرية بنواهي الإسلام، فليتّق المسلم ربّه، وليحاسِب نفسَه قبلَ أن يقول ما لا يُعذَر به، في الحديث: (إنّ الرجلَ ليتكلّم بالكلمةِ مِن سخَط الله، لا يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، يكتب الله عليه سخطه إلى يوم القيامة).
أيّها المسلم: يسخَر بعضُ النّاس بحجابِ المرأة الذي دعَت إليه الشريعةُ ورغَّبت وأمرت به، فيسخَر بهذا الحجاب، ويصِفه بأوصافٍ على ما في القلبِ من نفاق. إذا ذكرتَ له شرعَ الله في تعدُّدِ الزوجات سخِر منك ومِن شريعتك ومن نبيِّك -والعياذ بالله-.
هذا الصِّنف من النّاس لم يتمكّن الإيمان من قلوبهم، يسخرون بأوامِر الشّرع، إذا ذكرتَ لهم أوامر الله وأوامرَ رسوله سخِروا منك، إذا ذكرتَ لهم ما نَهى الله عنه سخِروا منك، إذا ذكرتَ لهم الحدودَ الشرعية مِن رجم الزاني وقطعِ السارق وجلدِ شارب الخمر إلى غير ذلك من الحدود الشرعيّة فإنّهم يسخرون منك ويقولون: أنتم تهينون الإنسانَ ولا تعرفون للإنسان حقَّه. كلّ هذا ـ والعياذ بالله ـ لِمَا قام في القلب من النّفاق.
إنّ الاستهزاءَ بأهل الإيمان خُلُقِ أعداء الرسُل منذ بُعِثوا إلى أن خُتِموا بمحمّد -صلى الله عليه وسلم-، فقد ذكر الله عن قوم نوحٍ بقوله: {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، فهم سخِروا بنوح، وقالوا له: {وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى} ، فوصَفوا أتباعَ نوحٍ بأنّهم الأراذلُ، قليلو الفكرِ والمَعرفة، وهكذا بعض المنافقين يَصِف أهلَ الإيمان والمتمسّكين بهذه الشريعة والعاملين بها يصِفهم بالرّجعية أحيانًا، وبأهل التخلُّف أحيانًا، وبأنّهم لا بصيرةَ عندهم ولا رأيَ ولا رويّة في أمورهم.
أيّها المسلم: اتّقِ الله في نفسِك، واحذَر أن يزلَّ لسانُك بأمرٍ لا تُقال منه عثرتُك. إنّ علماءَ الإسلام حكَموا على المستهزئ بدين الله والمستهزئ بسنّة رسول الله حكَموا عليه بالكفر، وقالوا: "الاستهزاء بالشّرع بالأوامِر والنّواهي كفرٌ ينقُل عن الملّة -والعياذ بالله-؛ لأنّ هذا الاستهزاءَ يدلّ على عدَم الإيمان والتّصديق؛ إذ لو كان مؤمنًا حقًّا لعظَّم شرعَ الله: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ} ، {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} .
فعظِّموا حرماتِ الله، وعظّموا أوامرَه ونواهيَه، وأحِبّوا أهلَ الإيمان المتمسّكين بشرعِ الله الثابتين على ذلك، إيّاكم والسّخريةَ بهم، إيّاكم والاستهزاءَ
أيّها الكاتِب المسلم: اتّقِ اللهَ فيما يخطّ قلمُك، فكَم نقرأ في كثيرٍ من بعضِ الصّحف لبعض الكُتّاب ـ هدانا الله وإيّاهم ـ سخريةً بشرع الله، سُخريةً بالحِجاب، سُخريةً بأحكامِ الشرع، سخريةً بآدابِ الإسلام، ولا يدري أولئك أنّ هذه المقالاتِ مقالاتٌ خطيرة تنقلهم من ملّة الإسلام ـ والعياذ بالله ـ إن لم يتداركهم ربُّهم بتوبةٍ نصوح وإنابة ورجوعٍ إليه، والله يتوب على مَن تاب.
فليحذرِ المسلم مِن أن يزلَّ لسانُه بأمرٍ يندَم عليه، وكم من كلماتٍ قالت لصاحبِها: دعني: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، فأنت محاسَب على أقوالك وأعمالك، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .
فالنّبزُ لأهل الإسلام، والعَيبُ لأهل الإسلام، والسّخرية بأهل الإسلام أخلاقُ الكافرين والمنافقين. أمّا المؤمن حقًّا فهو يُعظِّم الإسلامَ وأهلَه، يعظّم هذه الشريعة، ويحبّها ويحبّ آدابها، ويحمَد الله أن ثبّته عليها.
إنّ اللهَ قال في كتابه العزيز: {إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يَضْحَكُونَ*وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ*وَإِذَا ٱنقَلَبُواْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ*وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُواْ إِنَّ هَـؤُلاَء لَضَالُّونَ} .
هكذا بعضُ أعداء الإسلام، هكذا بعضُ المنافقين، إذا رأَوا المتمسّكَ بالسّنّة والعاملَ بالسّنّة والثابتَ على السنة، إذا رأوه لمَزوه وعابوه واستنقَصوه واحتقروه، لماذا؟ ما عَيبُه؟ عيبُه أنّه محافظٌ على السنّة ملازِم لها محبٌّ لله ولرسولِه ولعبادِه وشرعِه.
يقول الله -جل وعلا- محذِّرًا المؤمنَ من صُحبة الساخِرين والمستهزئين: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ*قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ} .
فيا أيّها المسلم: تأمّل هذه الآية: {لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا} ، لا تتّخذوا أولئك أولياء، الذين اتّخذوا دينَكم هزوًا واستهزؤوا به، واتّخذوه لعِبًا وسخِروا به: {وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} ، إذا ناديتم إلى الصلاة هزِئوا بكم وقالوا: كيف لهم بهذه الصلاة؟! وما فائدةُ هذه الصلاة؟! وما الثّمَرة من هذه الصلاة؟! وقد يسخَر بالزّكاة وبالصّوم وبالحجّ، يسخَر بأوامر الله، ويسخَر من نواهي الله، أولئك الذين في قلوبِهم مَرض، أولئك الذين تفوّهت ألسنتُهم بما انطوَت عليه ضمائِرهم مِن العداء لله ورسولِه، قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ} .
في عهدِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ أكَل معه، فأكل بشِماله، فقال: (كُل بيمينك)، قال: لا أستَطيع، قال: (لا استَطَعتَ) ، ما منعَه إلا الكبر، قال الراوي: فما رفع يدَه لفيه قطّ. عُوقِب بأن شلّ الله يمينَه؛ لأنّه ردّ السنّة بعدَم الاستطاعة تكبُّرًا وعِنادًا وعدمَ قبولٍ للسنّة.
فالواجبُ على المسلمين تقوَى الله، والمحافظةُ على شرعِه، وتعظيمُ السنّة والعمل بها، ونصيحة من زلّ لسانُه بأمرٍ يخالِف الشرعَ، وتحذيرُهم من هذه المصيبة؛ لأنّ من استهزأ بهذا الدينِ ولقي اللهَ بغير توبةٍ يُخشَى عليه ـ والعياذ بالله ـ مِن عذاب الله. نسأل الله لنا ولكم الثباتَ على الحقّ.
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ-حفظه الله-
الذاكرات @althakrat
محررة ذهبية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزيتم خيراً