لاتزال الطفلة راضية ملتصقة بوالدتها حتى أثناء النوم ومتعلقة بيد والدها طيلة جلوسها معه رغم غربة اللغة التي أصبحت حاجزا بينها بعد أن نسيت اللهجة الأفغانية لم تعد تتحدث مع والدها كثيرا إلا بترجمة ما يقول وحين يحدثها لا تفهم ما يقوله تنحني راضية باكية على قدميه وتعانقه بحرارة لتترجم مشاعرها نحو الأبوة التي حرمت من حنانها سنوات طويلة .. وما هدّأ من فجيعتها إلا أن أخواتها يحيطونها بالفرح ويحدثونها عن الأيام الماضية، وكيف كان الجميع على يقين من عودتها لأن قناعتهم بالجهات الأمنية كبيرة جدا خاصة وإنهم على تواصل مع الأسرة حتى لحظة تسليمها. وللوقوف على تفاصيل حياة الطفلة راضية وكيف كانت تعيش سجينة داخل أربعة جدران تقاسم ثلاث زوجات لقمة مغمسة بالذل والقهر وسوط الجلاد يحفر آثاره على جسدها الضعيف كل ليلة.
“المدينة” التقت بها بعد انتظار طويل في منزلها حتى عادت مع والدتها من صلاة الظهر من المسجد النبوي الشريف ولم أستغرب وقتها شحوب وجهها البريء ونظراتها الخائفة فسألتني بلهجة مصرية متقنة “عاوزة ايه أنا بقيت أخاف من الستات بس قالولي إنك صحفية”. طمأنتها وقدمت لها باقة ورد لرجوعها إلى أسرتها بالسلامة وسط سعادة غامرة من والدها ووالدتها وأخواتها الذين اجتمعوا أمام الكاميرا ملتفين حول راضية ليسجلوا معها أجمل اللحظات بعد عناء وخوف.
ثم بدأت راضية تحدثني عن تفاصيل أربع سنوات عجاف مع مختطفها الذي وصفته بالشيطان حيث أكدت انه لا يستحم إلا مرة واحدة في الأسبوع بالماء بحجة أن الصابون حرام وباقي أيام الأسبوع يتيمم من تراب وضعه في أركان الغرف و على الدوام تبدو رائحته كريهة وقد حبسها في غرفة صغيرة جدا كانت تستخدم مطبخ لا يوجد فيها نافذة أرضيتها من البلاط وتنام على فرشة من الإسفنج لم تتغير منذ دخولها منزله وبطانية رقيقة جدا لا تكاد تدفئها في الشتاء
سألتها ماذا فعلت عندما اقتادتك المرأة إلى منزلهم وكيف اقتفوك بالبقاء معهم ؟
قالت راضية: كنت ابكي طوال الوقت والباب مغلق بالمفتاح وفي اليوم الثاني أخبرتني أخته جمالات ان أمي تشاجرت مع مراقب البلدية عندما سحب بسطتها وقامت أمي بضرب المراقب بالكرسي وتسببت في قتله وسوف تقوم الشرطة بقصاصها وجميع أفراد أسرتي تم تسفيرهم إلى أفغانستان .
**وهل صدقت كلامها ؟
لا، لم أصدقها ولكنني كنت خائفة جدا ولم أعرف كيف أتصرف والأبواب مغلقة كما أنها هددتني بان الشرطة لو شاهدوني في الشارع سوف يأخذونني للسجن.
**ومع من تعيشين في المنزل ؟
-مع أخته جمالات وزوجته زينب النيجيرية وفاطمة المصرية من النوبة وقد تم ترحيلها أثناء بيعها بالبسطة وميرفت مصرية وأولاد أخته اثنين وجمالات مطلقة تم القبض عليها وتم ترحيلها وعادت باسم مستعار (جميلة جنيدي) ثم عادت للسرقة والكذب على الناس و قبضت عليها الشرطة بتهمة السرقة لأنها كانت تذهب للمحلات بفئة الخمسمائة ريال لتصرفها ثم تعود وتؤكد لصاحب المحل أن الفلوس ناقصة حتى انكشف أمرها وقبض عليها منذ ثلاثة أشهر وهي الآن في السجن
** وكيف كانت علاقتك مع زوجاته وأخته؟
-زينب وفاطمة يشفقان علي ويرفضان تصرفاته وهما مثلي لا يخرجان من البيت و أما زوجته ميرفت فقد حضرت للعمرة وبقيت في المدينة وقد تفاجأت بوجودي، وأخته جمالات متوحشة تضربني مع أخيها كلما طلبت العودة إلى أهلي وهي تتعاون معه على ضرب زوجاته الأخريات بسلك الكهرباء.
** ولماذا لم تحاولين الهرب؟
-حاولت زوجته زينب وميرفت مساعدتي على الهرب لكن لم يستطعا؛ لأن مفتاح الباب مع المختطف وأخته جمالات وهي تخفي المفتاح في مكان لا نعرفه وهي الوحيدة التي تملك جوالاً.
**هل خطفتك جمالات من اجل أن تساعد أخيها على الزواج بك؟
-ممكن لأنه بعد مرور سنة احضر ورقة زواج وقال اهلك أرسلوا رسالة من أفغانستان وأنهم يحتاجون إلى (فلوس) ولازم عليك أن تتزوجي بسرعة وسوف أتزوجك بهذا العقد وأرسل لهم الفلوس فبكيت عندما سمعت كلامه وزوجته زينب وميرفت يرفضان هذا الزواج وكانا يبكيان معي فقام بضربهما وحبسهما في الغرفة.
**وهل كان يتحدث معك؟
-قليل جدا كنت إذا احتجت للحمام يخرجني من الغرفة ثم يعيدني وإذا لم يكن موجودا تقوم أخته بإدخالي للحمام وإذا سمعني ابكي يقوم بضربي وتهديدي وقال إذا صرختي واجتمع الجيران سوف أقول أنا اضرب زوجتي وكان يحرقني بالنار في يدي وظهري إذا لم أسمع ما يقول.
**وهل كان يشتري لك أشياء ؟
-لم أغير ملابسي وبنطلوني منذ سنتين كما انه يمنع العطر من البيت ويقول هو حرام وإذا مرضت لا يعالجني ويقول العلاج في المستشفى حرام، ولقد بلغت قبل شهر واحد وأنا لا أعرف عن متطلبات البلوغ أي شيء.
**وهل حاول الاقتراب منك خلال تلك الفترة ؟
دائما يحاول وانأ ادفعه بالصراخ والبكاء وزوجاته ميرفت وزينب يقولان له حرام عليك ليست زوجتك وما تريد فعله من الزنا فيضربهما وآخر مرة ربط يدي بالحبل عندما منعته من الاقتراب مني.
**وهل كان ذهابكم للجوازات خطة للهرب؟
-لا لم تكن خطة ولكن عندما طلب أن نذهب ونسلم أنفسنا إلى الجوازات كان في نية زوجته الاعتراف للتخلص من ظلمه وإخبار الشرطة أنني “راضية” المخطوفة.
**وما شعورك وأنت ترين أسرتك بعد أربع سنوات؟
-عندما دخل والدي للتعرف علي لم أستطع الكلام باللهجة الأفغانية فصرخت وناديته “أبويا “ ليتأكد الجميع أنني راضية وهذا أبي.
**ماذا تقولين لرجال الأمن ؟
-أشكرهم جدا على تعاونهم على عودتي واشكر أمير المدينة المنورة الذي كان حريصا على أن أكون بخير وسط أسرتي وأسال الله لهم التوفيق
لاتزال الطفلة راضية ملتصقة بوالدتها حتى أثناء النوم ومتعلقة بيد والدها طيلة جلوسها معه رغم غربة...
يا رب تحفظ أطفالنا وتحميهم .