بسم الله الرحمن الرحيم
اولا موضوعي للنقاش الجاد وليس للمهاترات الغير موضوعيه وتخرج عن صلب الموضوع , ويعلم الله انني لم انزل الموضوع لغرض خاص ولكن سبق لي وأن قرأت في منتداكم اكتر من موضوع يرجع اصل الرسالات والانبياء الى البدو مع علمي ويقيني ان المعلومات خاطئه لان الرسالات السماويه ترتبط ارتباطا طرديا مع وجود بيئه مستقره حضاريا حتى ان البعض منكن زعمت ان الرسول بدوي من قريش حتى يتماشى مع هوائها لكن كما هو معروف قريش كانت عباره عن قريه ومركز له استقراره التجاري والحضاري ........لكن لااطيل عليكم الرجاء من الاخوات المتعلمات والمثقفات قراءة الموضوع قراءه موضوعيه بعيده عن النقد الذاتي وبعيده عن التاريخ السعودي وربط الوضوع بالتاريخ العربي والاسلامي
هذه الرسالة تتضمن النقاط التالية: التعرب بعد الهجرة ذنب كبير، الأعرابية من الجاهلية، العرب والأعراب في القرآن، أعراب العرب وأعراب العجم، العرب والأعراب عند أهل اللغة، الخلاصة.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، إمام المتقين، وقائد الدعاة المهتدين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
التعرب بعد الهجرة ذنب كبير:
من الظواهر المميزة والملفتة للنظر، موقف الإسلام ومنه موقف الحركة الإسلامية الأولى (الصحابة والتابعين وتابعيهم) من البداوة، وانعكاس ذلك في الموقف من الحضارة، فإذا كان موقف الإسلام سلبيا من البداوة فهذا يعني أنّ موقف الإسلام سيكون ايجابيا من الحضارة.
والموقف الفاعل من أي ظاهرة هو موقف من الحركة المؤدية إليها، أي: موقف من المنحى والاتجاه، وفي مجال التطبيق يظهر مدى التزام الناس بذلك الموقف وذلك الاتجاه، وحتى لو لم يكن الالتزام تاما فإنّ ذلك لا يغير من قيمة الموقف وسموه الإنساني.
وقد حرّم الإسلام على أتباعه من أهل الحضر العودة إلى البادية والعيش فيها بصفة دائمة مع الأعراب، وهذا ما يسميه الحديث النبوي: التعرب بعد الهجرة، واعتبر الإسلام هذه الظاهرة من كبائر الإثم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكبائر سبع)) ذكر منها ((الرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة)) (الطبراني في الأوسط بسند حسن)، وهو أن يعود المرء إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا إلى المدينة النبوية.
وقد قسّم الإسلام يومها المسلمين إلى مهاجرين وأنصار وأعراب، وجعل الأعراب أقل مرتبة من حيث المواطنة في الدولة الإسلامية، فليس لهم نصيب في الفيء والغنيمة، وذلك لأنهم لم يهاجروا ويختاروا المواطنة الكاملة في الدولة القائمة، حيث تتناسب الحقوق مع الواجبات. ومن اختار الهجرة إلى الدولة الإسلامية فليس له حق العودة إلى البداوة بعد هذا الاختيار، فإن فعل ذلك كان مرتكباً لذنبٍ كبير، وكان على الولي المسلم معاقبته بالعقوبة التي تردعه عن هذا الذنب.
وقد ذكر البخاري في صحيحه أنّ الحجّاج لما بلغه أنّ سلمة بن الأكوع قد خرج لسكنى البادية، قال له مستنكراَ: ((أرتددت على عقبيك؟ تعربت))، قال سلمة: ((لا، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في ذلك)) (البخاري )، والملاحظ هنا أنّ الحجّاج اعتبر التعرب بمثابة ارتداد على العقب ، أي نكوص وتراجع وانقلاب إلى الخلف بعد أن كان المسار هو التقدم إلى الأمام، وكذلك سلمة بن الأكوع لم يذهب إلى البادية إلا بإذنٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على خصوصية هذه الحالة وأهميتها.
وذلك أنّ من اختار البداوة ولم يختر العيش في الحاضرة فقد ترك فريضتين: الهجرة والجهاد، الجهاد الدعوي والجهاد القتالي وكلاهما أساس في بناء الدولة الإسلامية والحضارة الإسلامية، وهذا وجه كون التعرب بعد الهجرة من الكبائر .
الأعرابية من الجاهلية:
كما اعتبر الإسلام التعرب بعد الهجرة من الجاهلية، والتي كانت تتمثل أوضح تمثيل في البداوة، ونظر إليها الإسلام كحالةٍ من التسيب، فلا أمير ولا جماعة ولا بيعة ولا دولة ولا رسالة تُحمل إلى الناس، والإسلام جاء ليوحّد العرب وينقلهم من حالة البداوة والأعرابية إلى حالة الحضر والحضارة ، وجاء ليبني لهم دولة ذات إدارة ونظام وقوانين كي يقوموا بحمل الرسالة إلى الناس، ومن هنا اعتبر الخارج على الدولة، سواء خرج كفرد ففضل العيش في البادية كأعرابي أو خرج مع مجموعة تدعو إلى رابطة أقل من رابطة الدولة كرابطة القبيلة والفخذ، مشمول في وصف الجاهلية، وهو إذا مات في هذه الحالة يموت كما يموت أهل الجاهلية.
فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((المرتد أعرابيا بعد الهجرة ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة)) (النسائي وأحمد).
وذكر ابن خلدون في مقدمته أنّ المهاجرين من صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستعيذون بالله من التعرب، وهو سكنى البادية، حيث لا هجرة ولا جهاد.
وقد فرّق الإسلام بين البادية والحاضرة فاستعمل تعبير القرى والمدن للدلالة على الحاضرة، كما فرق الفقه الإسلامي المستنبط من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحاضر (أهل الحضر) والبادي (الأعراب)، كما في الحديث: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادٍ)) (البخاري)، وذلك أنّ البادي لا علم له بالسوق فقد يلحق به الغبن.
وخصّ الله أهل الحاضرة بالرسالات السماوية دون أهل البادية فقال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى( (يوسف: 109)، وقال تعالى: )وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ( (الشعراء: 208). والإسلام لم يضع حداً لحرية التنقل ولا لحرية السكن إلا هذا الحد وهو الانتقال من الحاضرة إلى البادية بقصد السكن والعيش الدائم، وذلك لأنه تحولٌ في المستوى الاجتماعي الحضاري إلى الخلف.
العرب والأعراب في القرآن:
وقد فرّق القرآن بين العرب والأعراب، حيث إنّ العرب هم أهل الحاضرة والأعراب هم أهل البادية، فمدح العرب وذم الأعراب. فقد وردت كلمة العرب في القرآن في أحد عشر (11) موضعاً:
(1) (وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(النحل: من الآية103).
(2) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:195).
(3) (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ) (فصلت:44).
(4) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2).
(5) (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً)(الرعد: من الآية37).
(6) (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ)(طـه: من الآية113).
(7) (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الزمر:28).
(8) (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (فصلت:3).
(9) (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (الشورى:7).
(10) (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3).
(11) (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (الأحقاف: من الآية12).
وكانت كلها مدحاً للعرب لنزول القرآن بلغتهم، كقوله تعالى (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) (يوسف:2).
ووردت كلمة الأعراب في القرآن في عشرة (10) مواضع:
(1) (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ) (التوبة: من الآية90).
(2) (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً) (التوبة: من الآية97).
(3) (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً) (التوبة: من الآية98).
(4) (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (التوبة: من الآية99).
(5) (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) (التوبة: من الآية101).
(6) (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ) (التوبة: من الآية120).
(7) (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ) (الأحزاب: من الآية20).
(8) (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا) (الفتح: من الآية11).
(9) (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (الفتح: من الآية16).
(10) (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات:14) .
وكان الغالب فيها ذم الحالة وبيان تخلفها وبعدها، سواء من حيث نمط الحياة القائم على التخلف والجهل والبعد عن الجهاد والهجرة أم من حيث بعدها عن الإيمان الصحيح والكامل والآداب الاجتماعية الصحيحة، وذلك لقسوة الطبع وجفاء الخلق التي تتسم به هذه الحالة، فقال تعالى: )الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً( (التوبة: من الآية97)، وقال تعالى: )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ( (الحجرات:14).
ونلاحظ في هذه الآيات الربط الوثيق بين الحالة الاجتماعية والحالة العقائدية الأخلاقية، فالكفر والنفاق لهما ارتباط بالحالة الأعرابية البدوية (الأعراب أشد كفرا ونفاقا)، والإسلام الظاهري مع قلة الإيمان له ارتباط بالحالة الأعرابية البدوية: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).
وهذه الآيات وغيرها توحي بأن الإيمان الحقيقي والذي هو أساس في بناء الحضارة الإنسانية لا يتطابق مع حالة البداوة وما فيها من الجفاء والغلظة، وفي الحديث: ((من بدا جفا)) وفي رواية ((من سكن البادية جفا)) (أحمد)، أي: من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب، وفي الحديث: ((لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية)) (أبو داود وابن ماجة)، وقد أوضح الفقهاء سبب ذلك فقالوا: إنما كره الإسلام شهادة البدوي لما فيه من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشرع وعدم القدرة على ضبط الشهادة على وجه الدقة المطلوبة في الدين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا علمت مثل الشمس فاشهد)) (الديلمي).
أعراب العرب وأعراب العجم:
ومصطلح (الأعراب) كما هو واضح لا يقف عند حدود الجزيرة العربية، وإنما هو مصطلح عام يشمل كل حالة بداوة، ولذلك وجدنا أئمة المسلمين كالحافظ ابن عبد الحليم يفرّق بين الترك والتتار، حيث يعتبر التتار هم بدو الترك (أعراب الترك)، وكذلك يفرق بين الفرس والكرد، ويعتبر الكرد هم بدو الفرس (أعراب الفرس)، كما فرّق بين العرب والعجم (غير العرب)، فسمى العرب القبائل وسمى العجم الشعوب، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا( (الحجرات:13)، فالشعوب: غير العرب، والقبائل: هم العرب .
لقد جاء الإسلام ثورة على البداوة وما فيها من العقائد والمسلكيات والعصبيات، وكذلك كانت الرسالات السماوية السابقة، وذلك لأنّ الرسالة السماوية حركة إلى الأمام وباتجاه التاريخ ولبناء الحضارة الإنسانية التي فيها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
وهذه الرسالة ليست موجهة ضد البدو بصفتهم أفرادا أو جماعات، وإنما هي موجهة ضد نمط من الحياة هو نمط متخلف ولا يليق بالحالة الإنسانية والقيم الإنسانية وسعادة الإنسان.
والفرق بين (العربي) و(الأعرابي) هو فرق معيشي بيئي وليس فرقاً شخصياً فردياً إلا بمقدار ما يتلبس المرء بهذه الحالة أو تلك، والمعيار هو الوضع الاجتماعي المعيشي، فإذا تحضّر الأعرابي صار عربياً، وإذا تعرّب الحضري صار أعرابياً، وحالما يتحضّر الأعرابي يصبح حضرياً حكمه كحكم المهاجرين والأنصار من عرب المدن والقرى المستقرين في تجارة أو زراعة أو غيرها من الأعمال التي لا تتطلب التنقل المستمر في البوادي والإيغال في حالة البداوة والصحراء.
هذه الحقائق في التفريق بين(العرب) و(الأعراب) كانت واضحة لأهل الجاهلية قبل الإسلام، وكانت واضحة في القرآن وللأجيال الأولى من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وإن اختلطت فيما بعد عند بعض العلماء المسلمين أو الشعوبيين في القديم أو المستشرقين في العصر الحديث،وكذلك هي مختلطة الآن عند عامة المسلمين، ولذلك وجدنا حاجة إلى إظهارها وبيانها في هذه الرسالة التي قد يستغرب القارئ عنوانها (التعرب بعد الهجرة)، وغاية هذا البيان هي التأكيد على أنّ الإسلام دين الحضارة، وكذلك الرسالات السماوية السابقة .
العرب والأعراب عند أهل اللغة:
العرب: اسم أمة، والعربي: من ينتسب إليها أياً كان مسكنه من بادية أو حاضرة، والأعراب: البدو، والمفرد: أعرابي، وهو من يسكن البادية أياً كانت الأمة التي ينتسب إليها، فتسمية الأعرابي مرتبطة بسكن البادية، وترادف كلمة الأعرابي كلمة البدوي ولو لم يكن عربياً.
جاء في مختار الصحاح للرازي، مادة(عرب) ما يلي:
(( (العرب) جيل من الناس، والنسبة إليهم (عربي) وهم أهل الأمصار، و(الأعراب) منهم سكان البادية خاصة، والنسبة إليهم(أعرابي)، وليس الأعراب جمعا ًلعرب، بل هو اسم جنس. و(العربية) هي هذه اللغة. و(أعرب) بحجته أوضح بها ولم يتق أحداً)).
وفي القاموس المحيط للفيروز آبادي:
(( (الإعراب) الإبانة والإفصاح))، ومنه سميت اللغة العربية عربية، وخلافها العُجمة والأعجمية، وهي قلة إفصاح وقلة إبانة في اللسان.
وجاء في لسان العرب لابن منظور، مادة(عرب)، ما يلي:
((الذي لا يفرّق بين العرب والأعراب، والعربي والأعرابي، ربما تحامل على العرب. ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعرابا، إنما هم عرب لأنهم استوطنوا القرى العربية وسكنوا المدن، سواء منهم الناشئ في البدو ثم استوطن القرى، أم الناشئ بمكة ثم هاجر إلى المدينة. فإن لحقت طائفة منهم بأهل البدو بعد هجرتهم واقتنوا أنعاماً، ورعوا مساقط الغيث، بعدما كانوا حاضرة أو مهاجرة، قيل: ( تعربوا) أي صاروا أعراباً بعدما كانوا عرباً)).
وهذا التمييز بين (عربي) و(أعرابي) على أهميته، ليس تمييزاً عرقياً أو طبقياً أو عنصرياً، كما إنه ليس بالصفة الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير. فالتمييز حضاري معيشي بيئي، وقد كان لكل قبيلة قبل الإسلام عرباً وأعراباً، فهم قبيلة واحدة والفرق بينهم في أسلوب المعيشة ونمط الحياة وما يستلزم ذلك من الصفات في الطباع والأخلاق.
ومن التحق بالأعراب من العرب خالف الإسلام ولذلك جعله الإسلام كالأعراب معيشياً، وألغى عنه صفة الحضرية والعقائدية والالتزام أياً كان نسبه وحسبه ودرجته في الإسلام والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد جاء في حديث طويل كان يوصي به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُأمّره على الجيش أن يدعو عدوه من المشركين إلى ثلاث خصال وفيه: ((ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين)) (مسلم ).
وأما الخلط بين العرب والأعراب عبر عصور التاريخ فمرده إلى الوضع التاريخي الحضاري الذي تعيشه الأمة، ففي عصور الازدهار يبرز في الأمة وجهها (العربي) المتحضر وتكون صفة (عربي) مرادفة للشرف والعدل والشجاعة والحرية والكرامة، وفي عصور الانحطاط يبرز في الأمة وجهها ( الأعرابي) المرادفة للجهل والتخلف، حيث تنطلق الموجات البدوية لتخرب المدن والقرى والعمران، ويزول ذلك الفارق الحضاري الهام الذي شرعه الإسلام في كتابه وسنته وفي واقع الحياة ، حيث لا تفرق الأمة بين العرب والأعراب، وتصف العربي بالأعرابية وتصبح الأعرابية صفة للعربية، حتى تأتي موجة حضارية إسلامية ثورية جديدة فتعيد للعروبة اعتبارها وترد الأعرابية إلى أقل أحجامها.
والخلاصة:
(1) إنّ الصراع بين الحضارة والبداوة أو بين العروبة المتحضرة والأعرابية البدوية ، صراع تاريخي طويل الأمد، وهو صراع بين نمطين من الحياة الاجتماعية المعيشية البيئية، وإذا كانت الأمة العربية الآن لم تحسم هذا الصراع بصفة نهائية فذلك لأنها لم تستوعب حضارة العصر ولا ثقافة الماضي.
(2) وكل حركة تغييرية في المجتمع تنشد الإصلاح والصلاح والحضارة في المجتمع، يجب أن تحدد موقفها أولاً من هذا الصراع بين الحضارة والبداوة، بحيث تعبئ طاقات الأمة المتحضرة في النظام والإنتاج والترقي ضد العناصر المتخلفة والمشتتة وغير المنضبطة وغير العاملة التي تجد في البداوة وقيمها ونمطها الحياتي غطاءً تحتمي به، علماً أنّ البداوة لم تعد تنقلاً في الصحراء وإنما هي صحراء تتنقل في الحاضرة.
(3) إنّ البداوة يمكن أن تتخذ مختلف مظاهر الحضارة أو المدنية بكل أشكالها البراقة، ومع ذلك تبقى بدوية في جوهرها وقيمها ونمط حياتها وأخلاقها، وهذه البداوة المقنّعة هي أخطر أنماط البداوة.
(4) والصراع بين الريف والمدينة هو شكل من أشكال الصراع بين البداوة والحضارة ، ومع الأسف فإنّ كثيراً من الأنظمة في دول العالم الإسلامي بدل أن تمدن الريف ريفّت المدن، فلا الريف تحول إلى المدينة ولا المدينة بقيت على مدنيتها، بل شُوهت المدينة بأنماط من العمران وأنماط من الحياة الريفية فأصبحت ريفاً كبيراً.
(5) وإنّ الصراع بين الفقه الإسلامي الحضري والفقه الإسلامي البدوي هو شكل من أشكال الصراع بين الحضارة والبداوة، وبدل أن ينتصر الفقه الحضري الذي يُركز على الجوهر، نجد الفقه البدوي الذي يركز على الشكل يغزوا المدن ويُركز على الشكليات في اللباس ونمط الحركة ونمط الحياة.
(6) وإذا كانت البداوة تعني التخلف الحضاري بمقوماته الأربعة: الفقر والجهل والمرض والجفاء، فإننا نجد هذه المكونات تغزوا الأمة وتفتك بها، حتى إننا أصبحنا نعيش حالة من التصحر والصحراء وسط المدن والقرى.
(7) والعروبة الحديثة إذا أرادة الانتصار على أعدائها وعلى تخلفها، فيجب أن تنتصر أولا على ما تبقى لديها من بداوة ظاهرة ومقنعة ، مثلما انتصرت عروبة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم على بداوتهم الجاهلية، حيث كان الإسلام ثورة على البداوة ولم يكن دينا بدويا كما يزعم أعداؤه الآن. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شدى السوسن @shd_alsosn
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
شدى السوسن
•
16 مشاهده ولا مشاركه واحده ليش علشان ماوافقت الاهواء سبحان الله
الصفحة الأخيرة