ربي أسألك السلوان ،، رحلت والدتي

إلى كل من فقدت والدتها،،
إلى كل من ذاقت مرارة رحيل الأم،،
إلى كل من فقدت هذا الطريق العظيم إلى الجنة،،


افتحوا لي أذرعكم وضموني إليكم،،
فلقد صرت منكم الآن،،
فقد رحلت حبيبة قلبي،،
أكل المرض أحشاءها حتى فارقت الحياة،،
أبت أن تخبرنا بمدى تطور مرضها لكي لا نقلق بشأنه
وفضلت أن تتعايش مع الحقيقة لوحدها،،
تتنتظر فرج الله يوماً بعد يوم،،
وتكتم آلامها ومخاوفها بداخلها،،
وكلما سألناها ماذا قال لك الأطباء تقول التهاب أو أي شيء آخر..


أمي ابتلاها الله عز وجل بمرض السرطان،
وتعافت منه ونمى شعرها
إلا أنه عاود الانتشار بشراسة
وكنا نظنه ورماً بسيطا على الرئة فقط
فقد صُرف لها أقوى دواء في المستشفى وظننا أنه فعال
وان الآلام التي تشعر بها من مضاعفات العلاج فقط لا غير،،
حتى الأطباء وصتهم بألا يخبرونا الحقيقة!


أيامها الأخيرة كانت صعبة جداً عليها،،
أدخلت إلى المستشفى من بداية شهر ديسمبر،
وسرعان ما ساءت حالتها الصحية،،
فقدت القدرة على الحركة، والأكل،، وأخيرا,, التنفس..
ومع ذلك لم نفكر أبداً بأنها أيامها الأخيرة..
كنت أقول مجرد سوائل متجمعة في بطنها أدت إلى ثقل الحركة وصعوبة التنفس،
سيتم سحبه ثم تعود للمنزل وتسترد صحتها.. كما حصل من قبل..
نتردد عليها أنا واخوتي يومياً ولم نفكر أبداً أبداً بأنها أيامها الأخيرة..
طلبت منا أن ننقلها إلى المنزل فبدأنا البحث عن ممرضة تعرف على أجهزة الاكسجين والسيلان ونحو ذلك.


يوماً طلبت مني دفتراً وقلما وأخذت بصعووبة تكتب وتكتب،
ثم ناولتني الدفتر وقالت: أعيدي كتابته
فرأيت وإذ بها وصيتها في توزيع ذهبها علينا!
فعلت كما قالت وأنا أصارع دموعي
ثم وقعت هي على الورقة وقالت: نفذي في أسرع وقت! قلت لها حاضر.
ولكن تمنعت او استصعبت تنفيذ ذلك لأنه ما زال لدي أمل بأنها ستتعافى وتعود للبيت ثم تتصرف في الذهب كما تشاء!


بعد 3 أيام ألهمني الله ان أغيب عن دوامي وأذهب للمستشفى في الفترة الصباحية لأقابل الأطباء وأستفسر منهم عن سبب تفاقم مشاكلها الصحية،،
فنزل علي الخبر كالصاعقة حين أخذوني بعيداً عنها وأخبروني بالحقيقة:
- لقد وصلت إلى مرحلة متقدمة من المرض.
- لقد انتشر في كل مكان!
- في بطنها وكبدها ورئتها..
- يا دكتور كم تتوقع لها؟؟
- الله وحده اعلم ولكن نتوقع أسابيع!
- حاولي أن تخبري الأهل
- لا فائدة من نقلها إلى علاج خارجي،، تأخر الأمر كثيراً.


كلام الطبيب ووصيته لي بأن أخبر الأهل كانت كجبل ألقي على كتفي..
انعزلت وبكيت،،واحترت ماذا أفعل!
كفكفت دموعي وعدت إلى حيث ترقد،،
كتبت لها في ورقة: احبج يمة. واستلقيت عند قدميها أبكي بصمت لئلا تراني.
أخبرت زوجة عمي (صديقتها المقربة) وخالتي وأختي..
وقلت سأخبر الباقي تباعاً بالتدريج.


في المساء عدت إليها ومعي زوجي وكانت في حال يرثى لها،،
مسدت ساقيها ويدها،، ومسحت على رأسها،،
وبعد ساعة ونصف أشارت إلي بيدها ان أغلق التلفاز
ثم المصابيح،، ثم أشارت لي وزوجي أن نتركها لترتاح .
وقفت أنظر إليها بعطف شديد فلم أكن أريد أن أتركها،،
قبلتها وخرجنا.. سألت الممرضات إن كان مسموحا لي أن أنام لديها في الغد فأجابوا نعم يمكن ذلك.


خططت لليوم التالي: في الصباح لن أذهب للدوام أيضاً،، سأبقى إلى جانب أمي،، وفي الليل سأنام لديها إن شاء الله.


ولكن
لم تمر تلك الليلة على أمي
فقد زارها ملك الموت لينفذ أمر ربه!




سبحااااان الله ما أرحم قلبك با أمي..
أأشفقت علينا أن نتعب لأجلك؟ أخبأت عنا أمراً جللاً كهذا فقط لكي لا نتعب؟
والله إني كنت أود مقاسمتك تلك المتاعب،،
وأن أعيش لحظة بلحظة كل ألم أحسست به،،
سامحك الله وغفر لك يا حبيبتي ،،
وجمعنا بك في جنات الفردوس من غير عذابٍ ولا حساب ،،
إن لله ما أخذ وله ما أعطى.. وكل شيءٍ عنده بمقدار..
وإنا على فراقك يا أمي لمحزونون..