( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء )وقفات مع دعاء ابراهيم عليه السلام

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم



( رب اجعلني مقيم الصلاة ) يعني : ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها

( ومن ذريتي ) يعني : اجعل من ذريتي من يقيمون الصلاة .

(
ربنا وتقبل دعاء ) أي : عملي وعبادتي ، سمى العبادة دعاء ، وجاء في الحديث : " الدعاء هو العبادة " .

وقيل : معناه : استجب دعائي .


هذه الاية الكريمة سبقت بآيات وهي قوله تعالى في سورة ابراهيم دعونا نتوقف معاً مع دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في ذلك الموقف الصعب العصيب
يبدأ الدعاء بقوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام :

(( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾))
فقد بدأ سيدنا الخليل دعاءه بأن دعا ربه بأن يجعل هذا المكان آمناً للبشر كلهم لأنه عند بيت الله الحرام و بحمد الله كان الرد الإلهي بأن جعل هذا البيت أمناً و أمانا لمن يؤمه إلى يوم الدين فقال تعالى :
(( و من دخله كان آمناً ))


و أجمل ملمح أجده في تلك الآية الكريمة حرص سيدنا الخليل عليه السلام على أمر مهم جداً قبل أن يفكر بهمه الفردي و هم عائلته التي تركها بلا مأوى و لا طعام أو شراب


نعم لقد كان همه الأول هو التوحيد ، عبادة الله تعالى وحده ، و يخشى على نفسه و على ذريته من الشرك و يدعو الله تعالى أن يجنبه و ذريته عبادة الأصنام فياله من حرص عظيم و خشية رائعة على دين الله تعالى و على عقيدة التوحيد


و يتابع سيدنا إبراهيم فيقول الله تعالى على لسان نبيه الكريم


((رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٣٦﴾))
فمن تبع عقيدة التوحيد فقد عرف الطريق و نجا أما من عصى و تكبر عن الحق فرحمة الله واسعة و سيغفر له لو تاب و عاد إلى رشده

و بعد أن دعا سيدنا إبراهيم بأمن مكة المكرمة و بالحرص على عقيدة التوحيد نراه يشكو إلى الله الكريم العظيم همه و بأسلوب رائع جدا

(( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿٣٧﴾))

أسلوب رقيق و أدب رفيع في الدعاء فهو يفوض أمر أسرته إلى تعالى بكل ثقة و صبر و إيمان و همه أن يقيموا الصلاة عند بيت الله المحرم و يدعو الله تعالى أن يجعل قلوب الناس تهوى هذا المكان و تتلهف لزيارته و سبحان الله فدعاء سيدنا إبراهيم مجاب إلى اليوم و إلة الأبد فقلوبنا جميعا تهوي و تشتاق لبيت الله الحرام و تتلهف لزيارته و الطواف حوله و الصلاة هناك في أطهر بقاع الأرض


ثم يدعو الخليل ربه بأن يرزق أهله و ذريته من ثمراته و نعمه و انظروا إلى أدب و فكر الخليل العالي عندما ختم دعاءه بقوله لعلهم يشكرون فجعل الغاية من طلب الرزق شكر الله على نعمه
فالشكر من أهم أسس العبادة و طرق النجاة و الفلاح في الدنيا و الآخرة و علينا كلما طلبنا من ربنا الرزق أن نبدأ بالشكر و الحمد على نعمه سبحانه و تعالى التي لا تعد و لا تحصى


و يبدو الهم و الألم في قلب سيدنا إبراهيم عليه السلام مع تسليم كامل لله و توكل عليه سبحانه

(( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴿٣٨﴾))


فالله تعالى عليم بحال عباده مطلع على همومهم و لا يخفى عليه أمرهم و يعلم السر و العلن و ما خفي و ما ظهر


فتوكل على الله أخي الحبيب و فوض أمرك إليه و سيكفيك و يحميك و يعطيك


و مع كل هذا الخوف و القلق و الألم لا ينسى الخليل عليه السلام أن يحمد ربه في كل حال و كل حين على نعمه الكثيرة و منه و كرمه و فضله


((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿٣٩﴾))


فياله من أدب رفيع و خلق عظيم أن تحمد الله تعالى أثناء الكرب و في قلب كل دعاء تدعوه و أنصحكم بأن نبدأ دعاءنا دائما بحمد الله على نعمه التي نعيش بها و لهذا لم ينس الخليل عليه
السلام أن يحمد ربه الذي وهبه الذرية الصالحة بعد أن بلغ من الكبر عتيا


و من منا لا يعيش بنعم الله و فضله ، نتنفس بفضله و نأكل و نشرب من رزقه و لو أردنا أن نعد نعم الله الكثيرة علينا لما أحصينا و لو جزءاً بسيطاً منها


و
يحرص سيدنا الخليل عليه السلام على أن يكون مقيما للصلاة مطيعا لأوامر الله تعالى دائماً هو و ذريته من بعده و يسأل الله تعالى القبول و الإجابة

((رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴿٤٠﴾))


و يختم الخليل عليه السلام دعاءه بملمح في غاية الروعة و الأهمية


فمعظمنا ندعو لأنفسنا و أهلنا فقط ندعو بالرزق و الشفاء و الفرج لأنفسنا و ننسى أمتنا و المسلمين من حولنا بينما يعلمنا الخليل عليه السلام أن نحمل هم المؤمنين ، أن ندعو لأجل الأمة كما ندعو لأنفسنا و لأبوينا و لأهلنا


((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴿٤١﴾))


فسيدنا الخليل عليه السلام يدعو ربه عز و جل بالمغفرة و هذا أمر مهم جدا لنا جميعا أن نطلب المغفرة دائما فإذا كان الكليم يطلب المغفرة و هو معصوم من الخطأ فكيف بحالنا نحن المذنبين المقصرين ؟؟؟


لكن كرم الخليل في الدعاء جعله يدعو لنا جميعا و ليس لنفسه فقط فيضيف كلمة المؤمنين ليكون دعاؤه شاملاً لكل مؤمن إلى يوم القيامة







1
15K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

عزيزة بربي
عزيزة بربي
ررفع