رحم الله جدي* .. وسقى قبره المطر ..
أي جدي !
تتلاطم أفكاري كموج هادر .. حينما أكتب عنك ..
إنهم العظماء حينما تحكي عن قرب عنهم ..
أي جدي !
صورتك الطاهرة تتراءى أمام ناظري ، مجلية ابتسامة مهيبة ، وتواضعا جما ، وأبوة حانية ..
صورة خالدة .. ستبقى في ذهني .. على مر الزمن .
أي جدي !
حينما شاركني أحبابك الكثر حزني عليك ، وعزى الناس أنفسهم قبل أن يعزوني على فراقك ، ورأيت الدموع أسبلت عليك من كل مكان ، أتساءل !
كيف لو عرفوك كما عرفناك !
كيف لو رأوا لطفك مع أهلك ، وابتسامتك الدافئة التي تنتشلهم من أحزانهم !
كيف لو رأوا حرصك على أبناءك وأحفادك .. وسؤالك عنهم واحدا واحدا !
لا يقل اهتمامك ومعرفتك بذي الثلاثة أشهر منهم عن ذي الثلاثة عقود !
حتى تعدى اهتمامك لأبناء أحفادك !
تضمهم إلى صدرك ..وتلاعبهم .... وتشتاق إليهم ..
الإربعاء الخالد ..
إنه يوم تقبيلنا لرأسك الطاهر ..نستنشق حينها نسيم أبوتك .. ونأنس بعبق حديثك !
كم نهم بالنزول إليك في الطابق الأرضي لنسلم عليك ، فلا نلبث إلا وقسماتك الوضيئة تطل على مجلسنا في الطابق العلوي ..
فيسبقنا حنانك رغم شيبتك .. ووهن جسمك ..
وما إن تجلس ، حتى تنهال عليك الأسئلة من كل حدب وصوب ، فتستقبلها بنفس مشفقة ، ووجه رضي باسم ..
أي جدي ..
رحلت عن الدنيا ولم أملأ عيني بعد منك !
رحلت ولم أكتف بعد من القرب منك ..!
قليلة هي الدقائق التي عشناها معا ، بيد أنها نحتت لها مكانا بارزا في ذاكرتي .. !
"جاء أبوي عبدالله"
لن أنسى فرحتي أيام طفولتي بمقدمك للسلام علينا ، حينما نسمع صوت المنادي " جاء أبوي عبدالله "
فنترك لعبتنا ونركض للسلام عليك ، تستقبلنا ابتسامتك الحلوة ، ووجهك الصبوح ، لم تنس أن تداعبنا وتمزح معنا ، ممسكا يد أحدنا ، حال سلامه عليك ، حتى يحاول هو فكاك يده من يدك ؛ فتُضحك أفواهنا البريئة ..
لم تر عيني أحفظ منك لوقته .. كانت كتبك ترافقك في حلك وترحالك ..
كنت لاتتحدث كثيرا .. فإن تحدثت ..فبخير .. وعلى خير .
لم أسمعك يوما تعيب على أحد .. أو تنتقص من أحد .. أوتغتاب أحدا !
ومع هذا كله .. فقد كنت حريصا على الاجتماعات العائلية .. وعلى صلة أرحامك .. لاتترك اجتماعا عائليا إلا وتحضره .. مالم يكن ثمة عذر ..
أي جدي الحبيب !
لن أنسى صورتك الوادعة حينما كنت في مخيم عائلي أيام الربيع .. والناس بين متحدث ولاه ونائم ، أما أنت فنظارتك تعلوا عينيك ، وكتابك في أحضانك..!
رحمك الله ..
فقد كنت للتواضع علما .. فلم تكن تحب السرف والمخيلة .. وكنت تغضب أيما غضب عندما ترى على أبنائك شيئا من ذلك ..
لن أنسى تلك الليلة التي دخلت فيها علينا ، وإذا بسفرة الطعام قد أعدت ، وكان فيها مبالغة ، فغضبت وأنكرت علينا ، وقلت : من سيأكل هذا ؟
كانت كلماتك تجلو همومنا ، و نصيحتك تبهج أفئدتنا ..
لكن الدنيا لا تثبت على حال .. أراد الله فابتلاك ..أسأل الله أن يمحص ذنوبك بما ابتلاك به..
ألم بك مرض قاس دام خمسة أشهر ..
كانت تعتصر قلوبنا حينما نراك تعاني .. كنا ندرك عجز الدواء ولكن نؤمل برب السماء :
يارب هذا والدي عجز الدوا ** وشفاك أقرب ياقدير وأنجع
ياربنا أنت الرحيم ولم تزل ** تهمي من الرحمات خيرا ينفع
أنزل على الشيخ المريض من الشفا **بردا يريح أراه طال المضجع
ولكن قدر الله كان الأسبق .. اختارك إلى جواره .. لترتاح من عناء الدنيا ونصبها ..
قدمت على الكريم .. ولا أكرم منه –سبحانه-
أقبلت على الرحيم .. ولا أرحم منه –سبحانه –
كانت حياتك لي دروسا صامته ، كنت أتعجب من لطفك ، وحسن خلقك ، فبالرغم من كثرة ارتباطاتك في دروسك وأعمالك ، إلا أنك لا تكاد ترد أحد دعاك إلى وليمة أو إلى حاجة !
أي جدي !
غصة فراقك ساكنة الوجدان ، حتى نلتقي في جنان ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..
حفيدتك 26/ 7/ 1430
يا راحلاً عنَّا لـ د. عبد الرحمن العشماوي ..
ما بين مرتحلٍ وبين مقيم
تجري الحياةُ بعمرنا المقسوم
تجري سفائنُها على بحر الرَّدَى
تشكو من الأمواج طولَ هجومِ
ما بينَ غارقةٍ وناجيةٍ ترى
فَرَحَ السَّعيد، ودمعةَ المكلومِ
ما أقصرَ الأعوامَ بين بدايةٍ
ونهايةٍ، ومصيرنا المحتوم
نستقبل الدنيا وفي أَنْفاسها
معنى بلوغ الروحِ للحلقومِ
يا رحلةَ الأيَّامِ، مازلنا نرى
خطواتنا في دربنا المرسومِ
فنحسُّ أنَّ العمرَ صفحةُ قارئٍ
تُمحى إذا سقَطَتْ من (التَّرقيم)
هذي بحار الموتِ يَرفد بعضُها
بعضاً فيّا سُفُنَ التَّصَبُّرِ، عُومي
خبرٌ تناقَلَه الرُّواةُ، وربَّما
ساقت لنا الأخبارُ جيشَ هموم
رَحَل (ابنُ جبرِين)، رويدَك إنَّه
خبرٌ وربِّ الكون جِدُّ أَليمِ
رحل ابن جبرينٍ رحيل مبجَّلِ
بشموخ محتسبٍ وعِلمِ عليمِ
ترك الحياة وقد أنار دروبَها
بجمال أخلاقٍ، ونَشْر علومِ
يا راحلاً عنَّا، أمامَك روضةٌ
من عَفْو غفَّارٍ، وجُودِ كريمِ
انظُرْ إلى خُضر الطيورِ تألَّقَتْ
في جنَّةِ المأوى ودارِ نعيمِ
لكأنَّني بالكأس تُمْلأُ بالرِّضا
ومِزاجُها المختومُ من تَسْنيم
وكأنني بالشيخ يشرب ما صَفَا
من نَبْعها ورحيقها المختومِ
أَمَلٌ مَزَجْتُ به الدعاءَ، وإنَّما
نرجو له فَوْزاً بعفوِ رَحيمِ
يا من كسّرْتَ حواجزَ الدنيا التي
تقسو على مُتَذبْذِبٍ مهزومِ
يا تاليَ القرآنِ في جُنْح الدُّجى
متهجِّداً متعلِّقاً بعظيمِ
للهِ دَرُّك، كم وقَفْتَ مصلِّياً
حتى يَهُزَّ الفجرُ غُصْنَ نسيمِ
تَمتدُّ رحلتُكَ الجميلةُ حُرَّةً
ما بين تكبيرٍ إلى تَسليم
كم جُزْتَ آفاقَ الخشوعِ محلِّقاً
متجاوزاً فيها حدودَ نُجوم
ولكم سَعَيْتَ مع الضَّعيفِ لحاجةٍ
سَعْياً يخفِّف لَوْعَةَ المهمومِ
ولكم مَسَحْتَ دموعَ أرملةٍ، وكم
كَفْكَفْتَ بالإحسانِ دَمْعَ يَتيمِ
كم طالبٍ للعلم جاءَك راغباً
يسعى إليكَ بلهفةِ المحرومِ
فمنحتَهُ من كَنْز علمكَ ثروةً
وسقيتَه بالعَزْم و (التَّصميمِ)
بَطَلُ العقيدةِ أنتَ، لم َتْترُكْ على
أبوابها أَثْراً لكفِّ سقيمِ
جاهدتَ دون صفائها ونقائها
وردَدْتَ عنها وَهْمَ كلِّ خَصيمِ
وصدَدْت عنها بِدْعَةً مشؤومةً
بُنِيَتْ على التَّلفيق والتَّهْويمِ
إني عرفتُك بالتواضُعِ شامخاً
مترفعاً عن سَفْسطاتِ خُصوم
يا راحلاً عنَّا، مكانُكَ لم يزلْ
فينا شِعَارَ العلم والتَّعليمِ
إنْ غيَّبَ الموتُ الكرامَ فإنَّهم
يبقون في عِز وفي تكريمِ
يبقونَ في أذهاننا الفجرَ الذي
ترتدُّ عنه جحافلُ التَّعتيم
فالشمسُ لا تخفى على أنظارنا
مهما تلبَّد أُفْقُها بغيومِ
م / ن

أديــــبـــة @adyb_3
محررة ماسية
رحم الله جدي .. وسقى قبره المطر >>> رثاء حفيدة الشيخ الجبرين في جدها رحمه الله
19
3K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
خلوا همومي بالحشى مستقره
الصمت ثوبي والمواجع مأساتي
والحزن كله وسط قلبي مقره
لو استعيد بواقعي ذكرياتي
احيا واموت في الثانية الف مره
همي يجيني من جميع الجهاتي
وتجاوز حدود الكون والمجره رحم الله شيخنا الجليل