

ورود متناثرة هنا وهناك، وأحلام متراكمة كحكايات ألف ليلة وليلة...
وبين الورود والأحلام سيرة ثوب أبيض، وقلب أبلج، ومساء مطرز بالأمنيات...
هذا ما كان بين دفتي كتاب الحياة..!
وبالخط العريض...
"أمومة تصنع المعجزات، وتُذيب الحجر الصوان"
إنها نعمة من الخالق الوهاب، وهبة أغلى من جواهر الأكوان.
قال تعالى "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"
ففي سكون الليل، وعلى أدراج الفجر الباسم... تهدهد الأم طفلها الجميل.
وتضمه لصدرها الحاني ؛ لعل بكاؤه يتحول لمناغات ومداعبات تُنسيها التعب والسهر...
فكم من لحظات عناء وشقاء تصادفها، وتفقدها توازنها والسيطرة على الذهن قبل الذات.
ولكن ابتسامة من ثغر طفلها، وقبلة حنان على خديه وجبينه كفيلة أن تُحيل الأرض القفراء
إلى روض زاهي المعاني والعواطف...
أختي الكريمة...
الأم وعاء طيب مليء بالمُثل العُليا، والأخلاق الإسلامية السامية.
التي تستطيع بتوفيق الله وعونه أن تنشئ جيلاً صالحاً نافعاً
معطاءً.. لدينه ووطنه.
فالمرأة صانعة القرار، وصانعة الأبطال، وصانعة الهمم في المواقف الصعاب.
وليس لدينا أغلى من فلذاتنا نشكل ونبلور هيكلة شخصياتهم عاطفياً ونفسياً على منهج الإسلام.
فكم من امرأة حُرمت من التعليم، وإثبات ذاتها في الحياة، قد عوضها الله بأبناء يرفعون الرأس.
ويتوجون أمهم العظيمة التي لاتملك سوى الشرف، والحجاب...
الأمومة شلال مشاعر فياض بالحب والتضحيات، وقطف فطري ينمو في شخصيتنا منذ الصغر.
فنجد الطفلة تُجيد تقمص الأدوار، وتقليد أمها - حفظها الله -
نراها تهتم بدميتها، وتحاكيها، وتترنم لها بالغناء، وتسرد لها بعض الحكايات.
هكذا أطفالنا ورودنا امتداد لماضينا في المستقبل القريب ، ولديهم حس الفطرة البريئة...

وقفة للذكرى...
ومن ذاكرة طفولتي الغضة الممزوجة بدهن العود... تمتم عقلي بحكايات كانت بجعبة الزمن القديم.
وسمعتُ صوتاً هزيلاً أظنه الوحدة، والحرمان في بكاء طفل رضيع.
وكسحابة ماطرة تلهث وراء غيوم الماضي. كانت ملامح امرأة عجوز... قسمات وجهها تفيض بشاشة.
ورضاً بالمقسوم، وكفوفها مُحنّاة بالصبر رغم تلطخ جدران عاطفتها بالحرمان من أمومة قد توصلها
لسعادة ليس لها حدود.
سأحكي لكنّ جانباً من حياة امرأة أدركها الأجل، وذكرها باقٍ لم يمت في النفوس !
فعندما تُسرد الحكايات كانت تُبدأ بكان ياما كان..!
ولكن ماذا يقال عند سرد بتلات حزينة من الواقع...
سابدأ بذكر الله، والصلاة على النبي ..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات أبن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،
أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)
فكان جانبها بهذا الشأن... صدقة ...تتمثل في رحمتها وعطفها اللا محدود بالحيوانات.
فكانت رحمها الله تطعمهم وتسقيهم وتداويهم، وفي قلبها حنان وعطف لا مثيل له...
وجانبها في شأن ... أو علم ينتفع به ...فلم تكن ذات علم، بل كانت جاهلة ببعض أمور الدين.ولكنها مع هذا كانت تحب أن تتعلم وكانت
تطلب مني وأنا صغيرة أن اقرأ لها كل يوم جزءاً بسيطاً من القرآن الكريم فهي جارتنا وكانت تكافأني بالحلوى.
وكانت امرأة صالحة مؤمنة... لايفارق لسانها ذكر الله، والصلاة على النبي ..
والكلمة الطيبة لها نبراس...
وجانبها في شأن... أو ولد صالح يدعو له.فهذا مافقدته من الحياة، فقد حرمت من الإنجاب إلى أن لقيت ربها.. رحمة الله عليها .. أسكنها الله جنات الفردوس..!
وهاهي دموعي تذرف ..عندما أتذكرها..!!
فلنكن عزيزاتي... جميعنا في هذه اللحظة ابنها الصالح الذي لم يرزقها الله به، وندعو لها بظهر الغيب ..!
أردتُ من الجميع مشاركتي بالأجر والثواب.
وفي نهاية مطافي أقول:إن الأمومة نعمة عظيمة لاتعادلها سعادة عندما يمنحننا الله أياها.
ولكن عندما نحرم منها لاقدر الله يكون ذلك لغاية لايعلمها سواه.
إنّ ماعند البشر ينفذ....وماعند الله باق..!
فلنشكر الله ونحمده على جزيل كرمه، ونعمه، ونحافظ على هذه الهبة الغالية، ونتعهدها بالرواء على أخلاق الإسلام.
ولندعوا لمن حُرمن منها أن يرزقهن الله بالذرية الصالحة عاجلاً غير آجل..!
وليرددن قوله تعالى " رب لاتذرني فرداً وأنتَ خير الوارثين"
إنّ كل ماكتب على سبورة الحياة ماهو إلا أقدار من الله، واختبارات ذات أهداف...
وأن كل طرقة على الجراح... درس ثمينٌ مردوده إيجابيٌ في الحياة...!