الجزية
مما طعنوا به على الإسلام وعابوه عليه أخذه الجزية من أهل الكتاب إن هم أبوا الدخول في الإسلام ،وجعلوا هذه الجزية دليلا على الظلم،والقهر والاضطهاد وأنكروا فضل الإسلام في الجزية إذ ترك أهل الكتاب أحرارا في دينهم وإقامة شعائرهم وإذ نظم الإسلام الجزية تنظيما حكيما وجعلها جزءا من نظام التكامل الاجتماعي.
ونسي هؤلاء الأعداء أن الجزية كانت نظاما سائدا في العالم كله يدفعه المغلوب للغالب ولم يكن فيه من معنى الإنسانية شيء يذكر بل كان عنوان الإذلال والقهر ووسيلة لابتزاز أموال المغلوبين فجاء الإسلام العظيم ونقل الجزية إلى معنى إنساني كريم فجعلها ثمناً لحماية أعراض المغلوبين وأموالهم ودمائهم وعقائدهم كما جعلوا تعويضاً عن عدم اشتراكهم في الحروب الإسلامية وهذا من أسمى الأدلة على عدالة الإسلام ونبالة قصده.
فالجيش الإسلامي إنما يحارب من أجل عقيدة فكيف يجبر من لا يؤمن بتلك العقيدة على أن يبذل في سبيلها دمه ويفارق أهله ، وعياله، وأعماله،وتجارته؟والدليل على هذا الذمي الذي يدفع الجزية إن رغب أن يدخل الجيش الإسلامي ويقاتل في صفوف المسلمين تسقط عنه الجزية وقد حصل هذا في التاريخ الإسلامي فقد فعلها أبو عبيدة بن الجراح في فلسطين كما فعل ذلك معاوية مع أهل أرمينيا.
بل لم يكن الإسلام أول الأديان والملل تعاطياً مع شريعة الجزية ، بل هي شريعة معهودة عند أهل الكتاب يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فهاهم بنو اسرائيل عندما دخلوا الأرض المقدسة مع نبيهم يشوع أخذوا الجزية من الكنعانيين، فيقول النص في سفر يشوع (فلم يطردوا الكنعانيين في جازر.فسكن الكنعانيون في وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية).
وفي الأعداد نجدهم يضعون الجزية على الكنعانيين ، وعلى سكان قطرون وسكان نهلول وسكان بيت شمس وسكان عناة وغيرهم.
بل إن كتابهم المقدس فيه من الشرائع والأحكام ماهو أشد وأعظم بكثير من حكم الجزية ، فالرب مثلاً يأمر أنبياءه أن يضعوا الناس تحت نظام التسخير والعبودية بخلاف الجزية التي هي أهون بكثير من هذا النظام، فعلى سبيل المثال نجد في سفر التثنية20:10 أن الرب يأمر نبيه موسى قائلاً: (حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح.فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك).
من جهة أخرى فالجزية في الإسلام تجعل للذمي حقاً في التكافل الاجتماعي كالمسلم تماماً، والمسلم يدفع الزكاة ، وهي لا حدَّ لها بالنسبة إلى مال الموسر بينما الجزية أغلاها ثمانية وأربعون درهماً وهو مبلغ ضئيل هزيل جداً، ولكنه يرمز بنبل وشرف إلى اشتراك غير المسلمين في نفقات الدولة مع الخضوع لسلطانها وسيطرتها العامة.
ولو كان الجهاد في الإسلام لإجبار غير المسلمين على الدخول في الإسلام –كما يقول خصومه- لاكتفى الجيش الإسلامي بتخيير العدو بين أمرين إما الإسلام وإما القتال ولكنه جعل بينهما دفع الجزية ليكون الخيار لهم في البقاء على دينهم أو الدخول في الإسلام وليجعل لهم فرصة للتعرف على الإسلام إسهاماً منهم مع بقية المسلمين في حق التكافل الاجتماعي الذي أقره الإسلام لكل عاجز عن العمل لمرض أو شيخوخة أو بطالة.
وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لليهودي العاجز في مال المسلمين جعلاً وفرض له ما يكفيه لقوته وعيشه، فأين الإجبار؟؟ وأية عدالة أسمى من هذه العدالة التي جاء بها الإسلام رحمة للعالمين.
هذا وإن الجزية في الإسلام هي ضريبة مالية تفرض على غير المسلمين الذين اجتمعت فيهم الصفات الآتية :
أولا:لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إيماناً صحيحاً يرتضيه ربنا سبحانه وتعالى.
ثانيا:لا يحرمون ماحرم الله ورسوله فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات.
ثالثا:لا يدينون بالدين الصحيح.
ودليل ذلك قوله تعالى:}قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون{.(التوبة:29)
فهؤلاء نحاربهم حتى يسلموا أو يدخلوا تحت سلطان الإسلام بأن يبذلوا الجزية ، فمتى بذلوها ، وجب قبولها منهم ، وحرم قتالهم وصاروا في حماية المسلمين ورعايتهم ،}والله يحكم لا معقب لحكمه{
وتسقط الجزية ولا تؤخذ من الصبي منهم والمرأة والمجنون والأعمى والمريض والشيخ الكبير والفقير ونحوه....
ونظام الجزية الذي يعد من مفاخر هذا الدين جعله أعداءنا سبة وعاراً وشنعوا به علينا ،وهكذا يفعل الأعداء يقومون بقلب الحقائق وتشويهها ، فما ذكرنا آنفا هو حكم الجزية في هذا النظام الإسلامي الرحيم.

fraternity88 @fraternity88
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

نجدية شرقية
•
جزاك الله خير
الصفحة الأخيرة