اعلم أيها الولد المحب العزيز أطال الله تعالى بقائك بطاعته وسلك بك سبيل أحباؤه أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة عليه الصلاة والسلام إن كان قد بلغك منه نصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي ، وإن لم يبلغك فقل لي : ماذا حصلت في هذه السنين الماضية ؟!!! هذا جزء من نص رسالة أيها الولد المحب للإمام الغزالى وهو الجزء الذى تناوله الشيخ عمر بالشرح فى درس الاثنين 16-5-2005
أيها الولد ..!!
من جملة ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله " علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه ، وإن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته ، ومن جاوز الأربعين ، ولم يغلب خيره شره فليتجهز للنار".
وفى هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.
أيها الولد ..!!
النصيحة سهل ، والمشكل قبولها ، لأنها في مذاق متبعي الهوى مر، إذ المناهى محبوبة في قلوبهم، على الخصوص لمن كان طالب علم مشتغلا فى فضل النفس ومناقب الدنيا ، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه ، وأنه مستغن عن العمل .
وروى : أن الجنيد - قدس الله روحه- رئى في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات، وفنيت الإشارات ، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل.
أيها الولد ..!!
لا تكن من الأعمال مفلسا ، ولا من الأحوال خاليا ، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد .
مثاله : لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى ، وكان الرجل شجاعا وأهل حرب ، فحمل عليه أسد عظيم مهيب فما ظنك ؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه من غير استعمالها وضربها ؟!
ومن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب ، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لا تفيده إلا بالعمل.
أيها الولد ..!!
أيها الولد لو قرأت العلم مائة سنة ، وجمعت ألف كتاب ، لا تكون مستعدا لرحمة الله إلا بالعمل لقوله تعالى : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقوله تعالى " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا " وقوله "جزاء بما كانوا يكسبون " وقوله "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات" .
أيها الولد ما لم تعمل لن تجد أجرا.
حكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة ، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة، فلما بلغه قال العابد : نحن خلقنا للعبادة ، فينبغي لنا أن نعبده . فلما رجع الملك قال الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ قال : إلهي ، أنت أعلم بما قال، فقال الله تعالى : إذا هو لم يعرض عن عبادتنا ، فنحن – مع الكرم- لا نعرض عنه، أشهدوا يا ملائكتي أنى قد غفرت له.
وقال الحسن رحمه الله: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب.
أيها الولد ..!!
عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، وأعمل ما شئت فإنك مجزى به.
أيها الولد ..!!
إني رأيت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال : من ساعة يوضع الميت على الجنازة إلى أن يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالا ، أوله : يقول "عبدي طهرت منظر الخلق سنين وما طهرت منظري ساعة".
أيها الولد ..!!
العمل بلا علم جنون ، والعمل بغير علم لا يكون .
أيها الولد ..!!
اجعل الهمة في الروح، والهزيمة في النفس ، والموت في البدن ، لأن منزلك القبر وأهل المقابر ينتظرونك في كل لحظة متى تصل إليهم ، إياك إياك أن تصل إليهم بلا زاد . وقال أبو بكر الصديق : هذه الأجساد قفص طيور وإصطبل الدواب ، فتفكر في نفسك من أيهما أنت؟
إن كنت من الطيور العلوية فحين تسمع طنين طبل ربك "أرجعى إلى ربك " تصير صاعدا إلى أن تقعد في أعالي بروج الجنان ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "واهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ".
والعياذ بالله إن كنت من الدواب كما قال الله تعالى " أولئك كالأنعام بل هم أضل" فلا تأمن انتقالك من زاوية الدار إلى هاوية النار.
وروى أن الحسن البصري رحمه الله تعالى أعطى شربة ماء بارد ، فلما أخذ القدح غشي عليه وسقط من يده ، فلما أفاق قيل له : مالك يا أبا سعيد ؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار حيث يقولون لأهل الجنة : " أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله".
أيها الولد ..!!
لو كان العلم المجرد كافيا لك ، ولا تحتاج إلى عمل سواه لكان نداء الله تعالى : "هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ " ضائعا بلا فائدة .
وروى أن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ذكروا عبد الله بن عمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم الرجل هو لو كان يصلى بالليل ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه : "يا فلان ....لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه فقيرا يوم القيامة" .
أيها الولد ..!!
"ومن الليل فتهجد به" أمر ، "وبالأسحار هم يستغفرون" شكر ، "والمستغفرون بالأسحار" ذكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة أصوات يحبها الله تعالى صوت الديك ، وصوت الذي يقرأ القرآن ، وصوت المستغفرين بالأسحار " .
وقال سفيان الثوري : ان لله تعالى ريحا تهب بالأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار .
وقال أيضا " إذا كان أول الليل ينادى مناد من تحت العرش : ألا ليقم العابدون ، فيقومون ويصلون ما شاء الله ، ثم ينادى مناد في شطر الليل : إلا ليقم القانتون ، فيقومون ويصلون إلى السحر ، فإذا كان السحر ينادى مناد : ألا ليقم المستغفرون ، فيقومون ويستغفرون ، فإذا طلع الفجر ينادى مناد :ألا ليقم الغافلون ، فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم.
منقول من موقع الدكتور عمر عبد الكافي
للرسالة جزء ثاني يتبع بإذن الله تعالي
Muslima @muslima
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
ولقد أحسن من قال شعرا: لقد هتفت فى جنح ليل حمامة على فنن وهنا وإنى لنائم
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا لما سبقتنى بالبكاء الحمائم
وأزعم أنى هائم ذو صبابة لربى فلا أبكى وتبكى البهائم
أيها الولد ..!!
خلاصة العلم : أن تعلم أن الطاعة والعبادة هى؟
اعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع فى الأوامر والنواهى بالقول والفعل، يعنى : كل ما تقول وتفعل، وتترك قوله وفعله يكون بأوامر الشرع، كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيا، أو صليت فى ثوب مغصوب- وان كانت فى صورة عبادة- تأثم.
أيها الولد ..!!
ينبغى لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع، إذ العلم والعمل بلا اقتداء الشرع ضلالة، وينبغى لك ألا تغتر بشطح الصوفية وطاماتهم، لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة ، لا بالطامات والترهات.
وأعلم ان اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة علامة الشقاوة، فإذا لم تقتل النفس بصدق المجاهدة لن يحيى قلبك بأنوار المعرفة .
ولقد وجب على السالك أربعة أمور:
أول الأمر: اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة.
والثانى: توبة نصوح لا يرجع بعده إلى الذلة.
والثالث: استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق.
والرابع: تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدى به أوامر الله تعالى.
ثم من العلوم الآخرة ما يكون به النجاة.
قال الشبلى أن الرسول قال: " اعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها ، واعمل لله بقدر حاجتك إليه، واعمل للنار بقدر صبرك عليها"
أيها الولد ..!!
إن حاتم الأصم كان من أصحاب شقيق البلخى رحمة الله تعالى عليهما، فسأله يوما قال : صاحبتنى منذ ثلاثين سنة ما حصلت؟
قال : حصلت ثمانى فوائد من العلم ، وهى تكفينى منه لأنى أرجو خلاصى ونجاتى فيها. فقال شقيق ما هى؟
قال حاتم:
الفائدة الأولى:
أنى نظرت إلى الخلق فرأيت لكل منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ، ويتركه فريدا وحيدا، ولا يدخل معه فى قبره منهم أحد فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل معه فى قبره، ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة ، فأخذتها محبوبه لى ، لتكون لى سراجا فى قبرى، وتؤنسنى فيه ، ولا تتركنى فريدا.
الفائدة الثانية:
أنى رأيت الخلق يقتدون أهواءاهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى ( واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنه هى المأوى). وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف النفس وتشمرت بمجاهدتها ، وما متعتها بهواها ، حتى ارتاضت بطاعة الله تعالى وانقادت.
الفائدة الثالثة:
أنى رأيت كل واحد من الناس يسعى فى جمع حطام الدنيا ، ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت فى قوله تعالى : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) فبذلت محصولى من الدنيا لوجه الله تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخرا لى عند الله تعالى.
الفائدة الرابعة :
أنى رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه فى كثرة الأقوام والعشائر فاعتز بهم. وزعم آخرون أنه فى ثروة الأموال وكثرة الأولاد ، فافتخروا بها. وحسب بعضهم أن العز والشرف فى غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم. واعتقدت طائفة أنه فى اتلاف المال واسرافه وتبذيره، فتأملت قوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حق صادق، وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة :
أنى رأيت الناس يذم بعضهم بعضا ، ويغتاب بعضهم بعضا ، فوجدت أصل ذلك من الحسد فى المال والجاه والعلم، فتأملت فى قوله تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا) فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى فى الأزل، فما حسدت أحدا ورضيت بقسمة الله تعالى .
الفائدة السادسة :
أنى رأيت الناس يعادى بعضهم بعضا لغرض وسبب ، فتأملت فى قوله تعالى : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) ، فعلمت أنه لا يجوز عداوة احد غير الشيطان .
الفائدة السابعة :
أنى رأيت كل أحد يسعى بجد ، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع فى شبهة وحرام ويذل نفسه وينقص قدره فتأملت فى قوله تعالى : ( وما من دابه فى الأرض إلا على الله رزقها) فعلمت أن رزقى على الله تعالى وقد ضمنه ، فاشتغلت بعبادته ، وقطعت طمعى عمن سواه .
الفائدة الثامنة :
أنى رأيت كل واحد معتمدا على شىء مخلوق ، بعضهم على الدينار والدرهم ، وبعضهم على المال والملك ، وبعضهم على الحرفة والصناعة ، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت فى قوله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا) ، فتوكلت على الله تعالى فهو حسبى ونعم الوكيل. .
فقال شقيق : وفقك الله تعالى إنى قد نظرت التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانى ، فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة.
أيها الولد ..!!
قد علمت من هاتين الحكاتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم .
إنى أنصحك بأشياء ، اقبلها منى لئلا يكون علمك خصمك يوم القيامة ، تعمل منها ، وتدع منها:
* أما اللواتى تدع:
فأحدها: ألا تناظر أحدا فى مسألة ما استطعت لأن فيها آفات كثيرة ، فإثمها أكبر من نفعها. نعم لو وقع مسأله بينك وبين شخص أو قوم وكانت ارادتك فيها أن تظهر الحق ولا يضيع، جاز البحث، لكن لتلك الارادة علامتان:
إحداهما : ألا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو على لسان غيرك.
والثانية: أن يكون البحث فى الخلاء، أحب إليك من أن يكون فى الملأ.
والثانى مما تدع: وهو أن تحذر وتحترز من أن تكون واعظا ومذكرا ، لأن آفته كثيرة إلا أن تعمل بما تقول أولا، ثم تعظ به الناس فتفكر فيما قيل لعيسى عليه السلام: يا ابن مريم عظ نفسك ، فان اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستح من الله.
والثالث مما تدع: أنه لا تخالط الأمراء والسلاطين ولا ترهم لأن رؤيتهم ومجالستهم ومخالطتهم آفه عظيمة، ولو ابتليت بها دع عنك مدحم وثنائهم، لأن الله تعالى يغضب إذا مدح الفاسق والظالم، ومن دعا لطول بقائهم فقد أحب أن يعصى الله فى أرضه.
والرابع مما تدع: ألا تقبل شيئا من عطايا الأمراء وهداياهم وأن علمت أنها من الحلال ، لأن الطمع منهم يفسد الدين لأنه يتولد منه المداهنة ، ومراعاة جانبهم والموافقة فى ظلمهم ، وهذا كله فساد فى الدين، وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم ، وانتفعت من دنياهم أحببتهم ، ومن أحب أحدا يحب طول عمره ، وبقاءه بالضرورة، وفى محبة بقاء الظالم إرادة فى الظلم على عباد الله تعالى، وإرادة خراب العالم ، فأى شىء يكون أضر من هذا على الدين والعاقبة.
* وأما الأمور التى ينبغى لك فعلها:
الأول: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى، بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها منه، ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب، والذى لا ترضى به لنفسك من عبدك المجازى فلا ترضى أيضا لله تعالى وهو سيدك الحقيقى.
الثانى: كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم، لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه.
الثالث: إذا قرأت العلم أو طالعته ، ينبغى أن يكون علمك علما يصلح قلبك ويزكى نفسك.
أيها الولد ..!!
الآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم، والكلام الفرد يكفى الكيس.
وأما الدعاء الذى سألت منى فاطلبه من دعوات الصحاح ، واقرا هذا الدعاء فى أوقاتك ، خصوصا فى أعقاب صلواتك:
اللهم إنى أسألك من النعمة تمامها ، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده ومن الاحسان أتمه ، ومن الانعام أعمه، ومن الفضل أعذبه ، ومن اللطف أقربه.