إشراق 55

إشراق 55 @ashrak_55

عضوة شرف في عالم حواء

رسالة إلى طالبة الجامعة

الطالبات والمعلمات

رسالة إلى طالب الجامعة
امصدر /موقع المربي


طالب الجامعة والمرحلة الجديدة:
لا شك أن طالب الجامعة يعيش مرحلة جديدة من حياته، ولعلنا أن نشير هاهنا إلى بعض الملامح التي تميز هذه المرحلة التي يعيشها طالب الجامعة، وقد أطيل فيها قليلاً لأني أشعر أنها مهمة لفهم ما يأتي بعدها، أو بعبارة أخرى لتفهموا المنطلقات التي أنطلق من خلالها في الحديث، وفي طرح بعض ما أراه من رؤية حول طالب الجامعة.
أولاً : طالب الجامعة يأتي إلى هذه المرحلة وقد اجتاز مرحلة المراهقة بكل ما تحمله من مشكلات، كنا مع شاب مراهق تسيره حماسة وعاطفة جياشة، شاب فوجئ بدخوله في مرحلة جديدة من حياته فلم يحسن التعامل معها، شاب يعيش على بوابة مرحلة خطيرة فهي التي ترسم مستقبل عمره، وعاش هذا الشاب سني المراهقة ثم اجتازها.
حين جاء إلى الجامعة كان قد اجتاز تلك المرحلة التي كانت تتسم بالحماسة الفائرة التي تتحكم بنسبة كبيرة في تشكيل تفكير الشاب وتوجيهه وصياغة تصرفاته وأعماله فيما بعد، تلك الحماسة التي تشكل سحباً دون الرؤية المنضبطة الحقيقية، وتسهم في حجب جوانب كثيرة ينبغي أن تحكم تصرفات الشاب وتوجهه، اجتاز تلك المرحلة بما فيها من عواطف جياشة وأحلام اليقظة، بما فيها من مؤثرات قد تكون سبباً في انحراف الشباب وانجرافه.
لقد كنا في تلك المرحلة نتحدث عن الشاب، عن الانضباط وعن الاتزان وعن تحكيم العقل والمنطق، كنا نتحدث مع ذاك الشاب حديث المشفق حديث الناصح بضرورة المحافظة على الهداية والاستقامة، والحرص على الانضباط بالضوابط الشرعية؛ لأننا نرى أنه على أبواب مرحلة قد تزل به فيها القدم.
وهذا لا يعني أننا تجاوزنا هذا الحديث؛ فلا يزال المرء ما دام في دار الدنيا بحاجة أيضاً إلى الحديث في هذا الجانب، ما لم يفارق الدنيا ويودعها، لكن هذا الحديث كان أكثر إلحاحاً في تلك المرحلة السابقة.
إذا فقد أتى الشاب إلى هذه المرحلة وقد اجتاز مرحلة المراهقة بكل ما فيها؛ فلا يسوغ أن يتعامل هو مع حياته على ضوء تلك المعطيات السابقة التي عاشها في مرحلة المراهقة، ولا يجوز أيضاً أن نخاطبه ونعامله معاملة المراهقين.
ثانيا: يعيش الشاب في مرحلته الجديدة تغيراً في عاطفته؛ قد كان في السابق يحمل عواطف معينة تتمحور حول دائرة ضيقة، أما الآن فقد صار يحمل عواطف اجتماعية وإنسانية، صار يدرك ما تعيشه الإنسانية، صار يدرك المجتمع والأمة ومصائبها، صار يدرك ذلك كله ويتطلع للتغير، ويتأثر بهذه العواطف أيًّا كانت ثقافته، بل أيًّا كانت أيدلوجيته وفكره ومعتقده؛ فطالب الجامعة في هذه المرحلة يعيش عواطف اجتماعية وإنسانية تتجاوز حدود محيطه الذاتي، وتتجاوز حدود محيطه الأسري القريب.
ومن ثم تشهد هذه المرحلة في الجامعات عموماً مرحلة الانتماء للأحزاب السياسية والتوجهات الفكرية، والحماس لمنطلقاتها؛ لأن تلك الأحزاب والاتحادات والجمعيات تحمل على عاتقها هم الإصلاح، أياً كان هذا الإصلاح الذي تراه.
قد تختلف برامج الإصلاح بل تتناقض، وتتضارب، لكنها كلها تدور حول الرغبة في الإصلاح سواء كان أولئك جادون فعلاً في رغبتهم أو ليسوا جادين، والذي يرفع الشاب في هذه المرحلة إلى الانتماء لتلك الأحزاب والتنظيمات هو شعوره بالعواطف الاجتماعية والإنسانية، ونحن وقد حمانا الله وكنا في مأمن تلك التوجهات والأحزاب والتنظيمات؛ فصرنا نعيش مجتمعاً خاصاً له طبيعته الخاصة وله تفكيره الخاص ونسأل الله عز وجل أن يجنبننا ما يعانيه من حولنا من تفرق وتشرذم، إلا أن حديثنا هنا عن طبيعة طالب الجامعة وأنه يحمل مثل هذه العواطف للإصلاح والتغيير، وليس هذا دعوة للانخراط في مثل هذه الأفكار والتوجهات.
إذا فطالب الجامعة في هذه المرحلة تغيراً نفسيًّا؛ فقد تجاوز التمركز حول ذاته وبرز له خط الغيرية فصار يفكر في الغير، ويحمل العواطف الاجتماعية والإنسانية .
ثالثاً: التغير العقلي والنمو العقلي؛ فهو يعيش مرحلة خصبة من تفكيره العقلي، وهذه أخصب مراحل العمر، ولهذا ترى الطالب في هذه المرحلة يتعامل مع تخصصات جديدة وعلوم جديدة فيستطيع أن يجتازها، دع عنك من قد يفشل في اجتياز تخصص ما أو قد يجد فيه صعوبة، وقد تكون هذه الصعوبة غير عائدة بالضرورة إلى قدراته العقلية، قد تكون عائدة إلى توافقه مع هذا التخصص أو ميوله أو اقتناعه به، أو إلى أسباب نفسية وخارجية، وقد تعود أيضاً إلى أسباب ترجع إلى قدراته العقلية.
لكن حينما تنظر هذه النظرة الشمولية فإنك ترى أن الأسباب العائدة إلى قدراته العقلية قد لا تحمل بالضرورة المسؤولية الكاملة حول فشل الطالب في هذا التخصص أو غيره.
إذا فالشاب في هذه المرحلة يشهد مرحلة متميزة، مرحلة تمتاز بالعمق والقدرة على الاستيعاب أكثر من غيرها، ومن ثم فهذه المرحلة هي التي يقرأ فيها الطالب كثيراً، وهي التي يستوعب فيها الطالب أكثر.
رابعاً: هذه المرحلة مرحلة التفكير في المستقبل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتتحكم رؤية الشاب للمستقبل في تحديد مدى هذا التفكير ومساره، ثم ما يترتب على هذه التفكير فيما بعد من رؤية للإعداد للمستقبل وصياغته.
لقد كان الشاب في المرحلة الثانوية -وكان يعيش مرحلة المراهقة - همه الفريق الرياضي وانتصاره، وهمه ظروف معينة يعيشها داخل أسرته، وحتى الشاب المستقيم الخير فإن همه أيضاً يقف دون خطوط معينة لا يتجاوزها، حتى مستقبله لا يفكر فيه إلا تفكيراً عاجلاً، لكن حين صار إلى السنة ا لأخيرة من المرحلة الثانوية وبالتحديد الفصل الدراسي الثاني بدأ يفكر تفكيراً جادًّا في المستقبل فصار على بوابة مرحلة جديدة، إن خريج المرحلة المتوسطة يلتحق بالمرحلة الثانوية، فهو أمام خيار واحد محدد سلفاً، أما خريج المرحلة الثانوية فهو أمام خيارات عدة.
كما بدأ يفكر تفكيراً آخر: في الزواج، في الوظيفة، في سائر مايتعلق بالمستقبل، بدأ يفكر في ذلك كله تفكيراً جادًّا.
تفكير الشاب وثقافته قد تشكل رؤيته للمستقبل، فهناك من تنحصر رؤيته للمستقبل في الزواج والحصول على الوظيفة المناسبة، وقد تكون الوظيفة المناسبة وظيفة قريبة من موقع أهله وسكنه، أو وظيفة تعطيه مكانة اجتماعية مرموقة، أو وظيفة تتفق مع ميوله؛ فتنحصر دائرة المستقبل أمام هذا الشاب داخل هذا الإطار، وهناك من يتجاوز هذا الإطار فيرى أن مستقبله الحقيقي يتمثل في أن يسهم في صياغة مستقبل مجتمعه وأمته، وأن يفكر في أن يكون له دور فعال في صياغة الأحداث، وفي التغيير في المجتمع، فهو الآن طالب، لكنه بعد سنوات محدودة سيقف أستاذاً يتحدث أمام جمع من الطلاب، أو سيقف خطيباً أو يقف خبيراً في دائرة، أو موظفاً يسهم في اتخاذ قرار يؤثر بصورة أو بأخرى في مجتمعه.
إن هذا يفكر في المستقبل، والشخص الآخر الذي يفكر في الزواج والوظيفة ولا يتجاوز تفكيره هذه الدائرة هو الآخر يفكر في المستقبل، إذا فنحن في المرحلة الجامعية مع طالب يفكر في المستقبل أيًّا كان إطار تفكيره وتوجهه، ويشكل المستقبل حيزاً واسعاً من نطاق تفكيره.
لذا فأدعوكم إلى مراجعة التفكير، ما رؤيتك للمستقبل؟ هل هذه الرؤية تليق بموقعك أم هي رؤية عاجلة لا تتجاوز حدود الحصول على وظيفة مناسبة أو على شريكه الحياة وبناء مسكن يقيك من الشمس والهواء والأمطار؟ إنها الأفكار التي كانت تسود لدى رجل الصحراء والبادية، وأحسب أن ثقافة طالب الجامعة وتفكيره تدفعه إلى تفكير أبعد ورؤية أسمى من هذه الرؤية العجلى القاصرة.
خامساً: لقد انتقل الشاب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية نقله بعيدة، كان في المرحلة الثانوية يدرس كتاباً مطبوعاً بالألوان وعناصر وفقرات محددة، كتاب محدد بصفحاته ثم يتلقى أسئلة الامتحان وهي في الأغلب محددة فيما درس، وتعتمد على حفظه للمعلومات واستظارها فيما بعد، لكنه أتى إلى الجامعة فوجد الصورة تختلف كلية، إما أن يكون مرجعاً أو كتاباً يختلف عن سابقه أو أن يعمد إلى الكتابة مع الأستاذ، أو إلى التصوير ممن يكتب بعد ذلك، المهم أن هذا تغير له أثره في نفسية الطالب فيما بعد، كذلك طبيعة المقررات والتخصصات، فهو الآن أمام مقررات جديدة، قد يقرأ في الجدول عنوان المادة ولا يفهم إلا العنوان وبعض المفردات، أما مضمون هذه العنوان وما وراءه فلا يعرف شيئاً منه، بخلاف دراسته السابقة فقد كان يدرس مادة تتكرر معه طوال دراسته ومراحله .
ونظام الدراسة وطريقتها، القسم، التخصص، ا لجامعة، كل هذه الأوضاع وهذا التغير في طبيعة الدراسة لابد أن يسهم في تغير شخصيه طالب الجامعة ويؤثر فيها بصورة أو أخرى.
سادساً : طالب الجامعة أصبح الناس ينظرون إليه نظرة أخرى تختلف عن نظرتهم إلى طالب المرحلة الثانوية، ولابد أن تترك هذه النظرة أثرها في شخصيته، وفي نظرته هو لنفسه وما ينبغي أن تكون عليه .
سابعاً : كان الشاب يعيش في مدينته وربما في قريته أو ريفه، ثم جاء إلى الجامعة وإلى هذه المدينة بصخبها وضجيجها، جاء وعاش حياة الاغتراب كان في السابق، كانت والدته أو والده يتحمل عناء لإيقاظه لصلاة الفجر، وكان يعتمد على أهله في ذلك، ثم يعود بعد صلاة الفجر ليسترخي على فراشه ويكون على والده أو والدته أو غيرهم مسؤولية إيقاظه إلى المدرسة، وربما إيصاله، أما الآن فهو يتحمل مسؤولية نفسه؛ فيستيقظ للصلاة، ويستيقظ للذهاب إلى الجامعة، ولديه الحرية في الحضور للمحاضرة وعدمه، ولهذا نرى بعض الطلاب قد لا يستطيع أن يحسن استخدام هذه الحرية التي لم يعتد التمتع بها، فتكثر حالات الحرمان والغياب في المراحل الأولى من الجامعة، ثم يستقر به بعد ذلك المطاف.
قد أكون أطلت في الحديث حول المرحلة الجديدة لدى طالب الجامعة، ذلك أني أرى أهميتها، وهي منطلق حديثي وخطابي لطالب الجامعة.
للموضوع بقية ...
1
838

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الاصيل
الاصيل
السلام عليكم ..

جزاك ِ الله خير اشراقنا الغالية على الموضوع الهادف ..
ننتظر البقية:27: