إشراق 55
إشراق 55
تابع ..

آداب طالب العلم :

أولاً : طهارة النفس من رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف ؛ لأن العلم عبادة القلب ، فكما لا تصح الصلاة إلا بتطهير الظاهر ، فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب إلا بعد طهارته من خبائث الأخلاق .

وسأضرب مثالاً قريباً من ذلك ، كلنا يعرف الإمام الشافعي _ رضي الله عنه _ صاحب المذهب المشهور ، فقد كان _ رضي الله عنه _ معروفاً بشدة ذكائه وحفظه الشديد ، فكان يحفظ الصفحة بمجرد وقوع بصره عليها وذات مرة أراد الحفظ فخانته ذاكرته ، فلم يعرف السبب وهنا ذهب إلى شيخه وأستاذه وكيع بن الجراح ، وشكى له حاله ،فأعلمه شيخه بأنه لا بد وأنه قد وقع في معصية من المعاصي ، وطلب منه أن يستغفر الله ، وأخبره بأن هذا العلم نور من الله عز وجل ، فإذا عصى العبد ربه رفع ذاك النور فنظم الإمام الشافعي ذلك بقوله :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي


ثانيـاً : أن يجعل المتعلم ( العلم ) همه الأول والآخر ، وشغله الشاغل ، قال تعالى : } ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه { ، والفكرة المتوزعة أي المنقسمة على أمور متفرقة إنما مثلها مثل نهر صغير يسقي بستاناً تفرق ماؤه في أماكن شتى ، وليس بمجتمع في وضع واحد فتنشف الأرض لقلته .



ثالثـاً : أن لا يتكبر المتعلم على العلم ولا يتأمر على المعلم ، بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق ، وينبغي على المتعلم أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته ، فلقد أخرج البيهقي والحاكم بإسناد صحيح عن الشعبي أنه قال : (( صلّى زيد بن ثابت _ رضي الله عنه _ على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها ، فجاء بن عباس فأخذ بركابه ، فقال زيد : خلّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل مع علمائنا وكبرائنا، فقبل زيد ابن ثابت يد ابن عباس وقال : وهكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم )) .

فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على معلمه ، بل يتواضع له ، فالعلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع ، قال تعالى : } إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد { ، فلا ينال العلم إلا بالانقياد للمعلم وهذا شرط ثان بعد التواضع .



رابعـاً : أن يتأدب المتعلم مع معلمه فلا يكلفه شططاً بأن يبحث عن الأسئلة المحرجة ، فعليك أن تسأل عما ينفعك ، وقد قال علي _ كرم الله وجهه _ : (( إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تصيبه بالعنت ( أي تكلفه شططاً وصعوبة ) في السؤال ولا تلح عليه إذا كَسِلَ ، وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى ، و إن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته )) .

وكثرة السؤال ليست ممنوعة ، وإنما الممنوع الكثرة الموجبة لملل المعلم .



خامسـاً : أن لا يدع الطالب فناً من العلوم المحمودة ولا نوعاً من أنواعه إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغاياته ، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه ، و إلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه ، فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض .

فإياكم أن تكونوا ممن ينظر في علم دون الآخر ، كرجل أعرفه أخذ ( رسالة الدكتوراه في إن وأخواتها ، فإن سألته عن أي شيء في أصناف علوم اللغة يقول لك أنا لا أجيد غير النحو واسألني فقط في اختصاصي ) ، ولا يعرف من العربية غير ذلك .

وذلك متخصص في الأحياء لا يعرف عن الرياضيات شيئاً ، رحم الله علماءنا فلقد كانوا موسوعيين في كل شيء ، ورحم الله من قال :


سادسـاً : ومن آداب المتعلم أن يكون قصده كما قلنا وجه الله ، فلا يقصد به مالاً أو جاهاً أو

مماراة للسفهاء أو مباهاة للآخرين ، فمن قصد وجه الله رفعه الله ونفعه .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .

( منقول للفائدة )