
ما شغلت بالي يوما قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، لأنني كُنت أشعر بأن هذه القضية نسمة باردة تهب على بحر واسع فتتحرك الموجة فقط على هذا الشاطئ العظيم، ولكن بعدما أثارت عضوات مجلس الشورى هذه القضية مؤخرا، شعرت بها إعصارا قادما يعصفُ بالمجتمع السعودي، ومن شأنه أن يقسم المجتمع إلى فرق وطوائف كل يحاول جاهدا دعم أفكاره وقناعاته الشّرعية والقانونية والنّظامية، وبغض النّظر عن قناعاتي وما أذهب إليه في هذا الشّأن، فإن ما أتمناه حقا أن تُحبس هذه التّوصية في أدراج قبة المجلس إلى زمن غير معلوم، فأخشى ما أخشاه أن من يناصر حقوق المرأة قد يهوي– بوعي أم بغير وعي- بالمرأة في حفرة سحيقة أو في بئر عميق في الوقت الراهن تحديدا.
صحيح أن بعض النّساء هنّ في حاجة إلى القيادة، فبعض الأسر تعولها نساء، وبعض الموظفات تعرقلت حياتهن بسبب المواصلات كونهن توظّفن في أماكن نائية وغير معبّدة، بل إن بعض الطالبات الجامعيات تركن الدراسة بسبب المواصلات، لأنها قُبلت في جامعة بعيدة عن منطقتها. ولكن هل تستشعرن وأنتن تُثرن هذه القضية في الفضاء الإعلامي أن قيادة المرأة هي القضية الأهم ومن ضمن أولوياتها؟ لا أستطيع أن أتصوّر أن نوصي بقيادة المرأة للسيارة في المجتمع السعودي ونتجاهل تهيئة الشوارع لزحام جديد، أو أن ننشئ مدارس تعليم فن القيادة، وورش لصيانة السيارات وأن نزيد دخل المرأة لتتحمل مصاريف جديدة وأعباء جديدة ...إلخ.
لاحظنا التّحولات الاجتماعية التي حدثت خلال العقد الأخير في المجتمع السعودي وتحملت معه المرأة السعودية أعباء كثيرة، وكان خروجها إلى سوق العمل مخاطرة بحياتها وحياة أبنائها فمنهن من فقدت كبدها بجريمة تسببت فيها خادمة لأن المرأة لاتجد مكانا آمنا لتضع أطفالها بالقرب منها في بيئة عملها، ومنهن من فقدت حياتها نتيجة حادث سير خلال تنقلها لمكان مُقْفر، ومنهن من فقدت عفتها بعدما مُلئت الأسواق ببنات دون تأهيل.
وطالما كانت قبة المجلس مشغولة بقضايا المرأة السعودية والمطالبة بمنحها حقوقها، لتمنحها أولا بيئة عمل قريبة آمنة لاتتعرض فيها لإشكاليات ولا إزعاج قدر الإمكان، ففي الوقت الحالي لو مُنحت المرأة سيارة لتذهب بها إلى عملها ما مدى فرص نجاح هذه التجربة الآن؟ ستحتاج مضاعفة دخلها لتوفير سيارات أخرى لنقل الأبناء إلى المدارس والبنات إلى الجامعة، وعلاوة على ذلك ستحتاج دخلا لسداد ساهر، فبدل أن نملأ الشوارع بالسيارات ونحمل المرأة أعباء جديدة، فلنجعل أولا الشوارع الحالية مهيأة لسير الرجال قبل أن تُعرقل بها النساء. صحيح أن مجتمعنا قد نما بشكلٍ سريع وواكب الحضارة العالمية ولكنه يحتاج إلى تهيئة فكرية لفن القيادة الحقيقية.
وأحب أن أوجه تساؤلي لعضوات الشورى: هل انتهت قضايا المرأة السعودية لنحصرها في مطلب مخملي واحد لمن يستطعن شراء سيارات وننسى الأهم، أين الدفاع عن مطالب المرأة السعودية الحقيقة، أتمنى أن لا تصبح قضية قيادة المرأة للسعودية مادة إعلام مثيرة ليخوض فيها القاصي والداني، المهتم وغير المهتم، حسناً لعلنا نحبس هذه القضية حالياً لنوصي بإثارة قضايا أهم وأكثر إلحاحا، ويمكن أن نُعيد طرح هذه القضية من جديد حينما نشعر أن الفكر والبيوت والشوارع وورش تصليح السيارات قد تهيأت لتقبل نسمة باردة لكي لا نُعرض المجتمع السعودي لإعصار جارف. والأمل معقود بالله ثم بعضوات مجلس الشورى في الدفاع عن حقوق المرأة الحقيقة، وفي عدم المطالبة في الوقت الحالي بمضاعفة أعباء المرأة السعودية.
هذا اجتهاد من قلب محب غيور، ورسالة تصل إلى من تحملن هم قضايا المرأة وتطوير المجتمع السعودي، أطلب منهن أن يؤجلن هذا المطلب. صوتكن مكسب لحماية المرأة، والله معكن ومع كل من يسعى إلى سن سنة حسنة "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة."
والله من وراء القصد
أختكن
د. أمل بنت الخيَّاط التَّميمي
صحيفة الخليج الإلكترونية