هذه رسالة كتبها أحد الأخوة في تقاعد مدير مدرسة
فيها من المعاني الكثير
أحببت أن تشاركوني فيها ....
وأخيراً.. استراح المحارب
بقلم / .........
حين يتقاعد مرب ناجح في مجال التربية والتعليم, أشعر بالحزن. أشعر أن ركناً مهماً في (مدماك) البناء التربوي قد انهار وسقط. فالمربون الحقيقيون قليلون.. بل هم نادرون!
أقول قولي هذا وفي مخيلتي صديقنا الأستاذ المربي القدير/ .......
مدير متوسطة وثانوية ........., والذي ودع العمل التربوي بعد رحلة صخرية شاقة وطويلة تجاوزت الثمانية والثلاثين عاماً, قضى جُلّها مديراً في مختلف المراحل التعليمية, وتخرّج على يديه الكثيرون من قادة الرأي والفكر والطب والدين ......
...... لم يكن مديراً عادياً من أولئك الذين تعج بهم مدارسنا, بل كان مديراً استثنائياً من أولئك الذين لا يجود الزمن بهم -للأسف- إلا على فترات متباعدة.
بالأمس وقف في طابور الصباح يلقي نظرة الوداع الممزوجة بالحب على طلابه, ومدرسيه, سلَّم مفاتيح مكتبه ودع زملاءه وطلابه.. بنفس الابتسامة التي عرف بها, وخرج إلى الشارع وهو يمسح حبات العرق التي علت جبهته ويتنفس الصعداء بعد هذه الرحلة الطويلة; نعم لم يكن مديراً من هؤلاء المديرين العاديين من عديمي المواهب والإخلاص والمعرفة. لم يكن من هؤلاء المديرين الذين صعدوا السلم بالواسطة والقرابة والعشائرية دون كفاءة أو خبرة.
لم يكن مديراً عادياً -كما قلنا- بل كان مديراً من نوع آخر.. من هؤلاء الذين لا يملك المرء حيالهم إلا أن يرفع كفيه إلى السماء في أن يكثر الرب من أمثالهم. خاصة إذا كان هذا الأب مهموماً بمستقبل أبنائه, وتطورهم, وحسن تربيتهم.
لقد كان سر نجاح الرجل يكمن في قدرته على تحفيز زملائه على محبة العمل, والإخلاص والشعور بالمسؤولية, لقد أشعرهم أنهم مهمون قادرون على أن يؤثروا في طلابهم بعلمهم, وخلقهم, وسلوكهم السوي متى أرادوا.
دائماً ما كانت مدرسته هي النموذج المحتذى, وكان كما يعرف زملاؤه وراء كل نجاح. حاربه أناس كثر من أعداء النجاح.. من هؤلاء الذين لا يعملون ولا يدعون غيرهم يعمل, ورغم ذلك لم يستسلم, لم يفت الوهن في عضده.. بل بقي صلباً, مخلصاً, حريصاً على طلابه وعلى رسالته.
وأنت يا صديقي.. الذكر الطيب لك..
ها أنت تتقاعد بعد رحلة متعبة قاربت الـ(38) عاماً, لم تقضها -والله- في فتح المؤسسات التجارية, والورش الميكانيكية, أو الاشتغال بجلب (العمال) وإلقائهم على قارعة الطريق كما يفعل كثيرون. بل قضيتها في العمل الدؤوب والمخلص, والبحث عن الطرق التربوية المثلى من أجل الارتقاء بمستوى طلابك ومعلميك. وكنت كما يشهد الجميع نموذجاً يحتذى في هذا المجال.
أعرف يا صديقي أن وزارة التربية والتعليم لا تعرفك, ولا أظن أنها مهتمة بأن تعرفك وتعرف أمثالك فالمهم عندها أن تطلّع على التقارير المرفوعة إليها بأن كل شيء على ما يرام حسب التعليمات!!
لو الأمر بيدي لرفضت تقاعدك وأمثالك, ولطالبتك بالاستمرار حتى تنتهي خدمتك, ولمددت لك كما مددت لكثيرين من الذين لم يقدموا ربع تضحياتك, ولا يملكون ربع كفاءتك.
لقد عرفتك زميلاً, وعرفتك كولي أمر, فكنت نعم المربي المؤتمن على فلذات الأكباد خلق رفيع, ثقافة عالية, إخلاص منقطع النظير.., ولعلك من مديري المدارس القلائل -كما أعرف- الذين كان الطلاب يأمنون جانبهم, ويطمئنون إليهم حينما يشعرون بالاضطهاد والعنف من قبل بعض المدرسين ووكيلي المدرسة.
كنت أبا قبل أن تكون مديراً, لم أرك تحمل عصا ترهب بها طلابك كما يفعل آخرون, ولم أسمعك تلقى ألفاظاً بذيئة, لذلك أحبك طلابك, وأحبك زملاؤك, وأحبك أولياء أمور الطلاب.. لقد كنت يا سيدي تربوياً حقيقياً.. ما أحوجنا إلى أمثالهم في زمن كزمننا هذا.
أخي ......لا تثريب عليك!!
أهنئك على أن ارتحت من المعاناة والتعب.. وبقدر تهنئتي لك بقدر ما أعزي التربية والتعليم في فقدانك وأمثالك!!
حـ * ـلم @h_lm
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
سلمت اناملك حلم على الكتابة الرائعة
أهنئك على أن ارتحت من المعاناة والتعب.. وبقدر تهنئتي لك بقدر ما أعزي التربية والتعليم في فقدانك وأمثالك!!
:26: :26: