
بسم الله الرحمن الرحيم
إليك أيها الأب هذه الرسالة من ابنك 000
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
يا أبت هذه رسالتي إليك أبث فيها همومي وأرسل عبرها شكواي وأسطر فيها آمالي وآلامي... يا أبتي جزاك الله خيراً ورفع قدرك ورزقني برك وطاعتك وجعل الجنة مثواك.
يا أبتي : - استمع إلى شكواي أبثها إليك.. ومشكلتي أضعها بين يديك..
فمشكلتي.. يا أبتي.. أنك أنت مشكلتي.. فأين أنت.. يا أبتاه؟!
البيت الذي بنيته.. يناديك.. عشك الذي رعيته.. يناجيك..
إبنك الذي نسيته.. يبحث عنك.. ليدنو منك.. أعمالك.. شركاتك.. عقاراتك.. رفاقك..
إنهم جميعاً ألد أعدائي.. لأنهم أخذوك مني وأبعدوك عني.. بالرغم من علمي أنك لا تعمل بها ولا فيها إلا من أجلي وإخوتي ولكن يا أبتي ( إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولولدك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه ) ( وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت )
يا أبتي : - دعني أقدم لك الشكر كله على ما بذلته من أجلي وفي سبيل راحتي وسعادتي..
فأنت قد جلبت لي أفضل المطايب والمشارب والمراكب.. وأسكنتني أجمل وأهنأ المساكن..
وبذلت لي أسباب الراحة والرفاهية على قدر جهدك وطاقتك.. ولكن .. يا أبتي... قد قصّرت في أهم الجوانب وأعظم المطالب.. إنها مطالب الروح والقلب والإيمان، وكل هذه الأمور غذاؤها الطاعة وزادها التقوى ووقودها العبادة، وبلسمها العمل الصالح 0 فهل قمت بحقوقها كما قمت بحقوق الجسد؟!
فمتى أخذت بيدي يوماً وذهبت بي إلى محاضرة قيمة يزداد فيها علمي وعملي..؟!
ومتى دخلت عليّ يوماً بشريط إسلامي مفيد يعمر به وقتي وتكثر به حسناتي؟!
ومتى أهديتني كتاباً دينياً يأخذ بيدي في دربي في هذا الزمان الذي كثرت ظلماته وأدلهمت شبهاته وشهواته؟؟
ومتى ألصقت قدمي بقدمك وكتفي بكتفك لأداء الصلاة ومتى حفّظتني القرآن؟! ومتى فقّهتني في الدين؟!
قال رسول الله إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته
يا أبتي: هل رأيت يوماً قارباً صغيراً تصارعه أمواج البحر في عتو واستكبار؟؟ أو أبصرت زهرة ندية تقاوم ـ على ضعفها ـ سطوة إعصار؟!
أو لمحت طائراً ضعيفاً مكسور الجناح تطارده سباع وضباع في نهم وسعار؟؟
إني ـ يا أبتي ـ أضعف من هؤلاء جميعاً في جو من الفتن والشهوات والشبهات الذي أعيشه ليلاً ونهاراً..
فالعين لا ترى إلا ما يسحرها.. والأذن لا تسمع إلا ما يطربها..
والجوارح لا تعيش إلا ما يغريها.. والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه..
والعقل لا يدرك إلا ما يغسله..
لقد هيأت لي ـ يا أبتي ـ جو المعصية وأحطتني بسياج الخطيئة، فتنفست رائحة الشهرة في الشهيق فأخرجت ذلك معصية لله تعالى مع الزفير..
إن قنوات التلقي عندي لا تلتقط إلا ما يفتن فأصبح البث ممزوجاً بالخطايا والرزايا والبلايا.
ألقيتني ـ يا أبتي ـ في بحر الشهوات ولم تلبسني طوق نجاة ثم تريدني بعد ذلك أن أكون ملكاً معصوماً!!
هيهات.. هيهات..
يا أبتي : إني لا أريد أن أكون خصيماً لك يوم القيامة ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ , إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(.
فأمسك بتلابيبك يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فأقول: يا رب خذ لي مظلمتي من والدي..
يا رب إنه رآني على المعصية فلم ينهني.. يا رب إنه أبصرني محجماً عن المعروف فلم يأمرني..
يا رب إنه بذل لي أسباب المعصية، وزين في عيني الخطيئة وألقاني في نار الشهوات، فأحرقت إيماني والتهمت حسناتي
يا أبتي : إني أمانة في عنقك.. وأنت مسؤول عني أمام ربي وربك.. فاشغلني بطاعة الله حتى لا أشغل نفسي بمعصيته..
استعملني في مرضاة الله حتى لا أقع فيما يغضبه..
سخرني في قربات الله كي لا أجترح ما يسخطه..
يا أبتي : برّني صغيراً حتى أبرّك كبيراً.
ولا تعقني صغيراً كي لا أعقك كبيراً فكما تدين تدان، و ما تزرعه اليوم تحصده غداً، ومن أراد النجاة أخذ بأسبابها.
..وفي الختام
اتقوا الله فينا.. فنحن فلذات أكبادهم.. ومنشأ أصلابكم.. وامتداد أنسابكم.
ونحن أحلام الماضي الغابر، وسعادة الحاضر العابر، وآمال المستقبل السائر.
اتقوا الله فينا.. وربونا على حب الله وخوفه والرجاء فيما عنده ومراقبته والوقوف عند حدوده والإذعان لأوامره والتمسك بدينه
ربونا على منهج الله.. وأدبونا بآداب وشمائل رسول الله . عودونا على الطاعة وعلمونا العبادة. وخذوا بحجزنا عن النار وغذونا بالحلال فنحن نصبر على الجوع والعطش ولكن لا نصبر على النار.00
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 000
ابنك الحبيب