رسالة الجمعة ~ العناية بأعمال القلوب

حين تصلح السريرة يصلح شأن العبد كله ..
وتصلح أعماله الظاهرة ..
وحين تفسد السريرة تفسد أقوال وأعمال العبد ..
وتكون أقرب إلى النفاق والرياء..
فالقلب محط نظر الله تعالى وعليه يدور قبول عمله أو رده ..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن الله لاينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ..
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ).
**
ويوم القيامة ستبلى ضمائرنا ، وينكشف مافي قلوبنا
وتظهر حقيقتها وما تحتويه من جوانب الخير ..
من إخلاص ومحبة وصدق ويقين وغيرها ، أو مايضادها من
نفاق ورياء وكذب وخيانة ..
**
( يوم تبلى السرائر )...
يقول ابن القيم في معنى الآية :
" وفي التعبير عن الأعمال بالسر .. لطيفة ..
وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة ..
فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً ..
فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحياءً..
ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته،لااعتباراً بصورته
فتبدو سريرته على وجهه سواداً وظلمة وشيناً ..
وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لاسريرته،
فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ..
ويكون الحكم والظهور لها ".
**
من هذا يتبين لنا عظم شأن القلب وسريرته..
فتبعاً لصلاحها أو فسادها يكون حسن الخاتمة و سوؤها .
فالأعمال الصالحة تِزكّى ولو كانت قليلة إن نبعت من سريرة صالحة
بينما حين تفسد السريرة ويصيبها الآفات تفتقر الأعمال إلى البركات .
إذن التفاضل بين العباد عند الله يقاس بما وقر في القلب من صلاح .
**
ولقد كان السلف حريصون على إصلاح سريرتهم ، وأعمال قلوبهم ..
فكانت تقترن محبة الله وخشيته في قلوبهم ، فتنعكس على أعمالهم ..
والزاهد العابد الحسن البصري كان مثالاً لصلاح السر وحسن العمل
وقد وصفه جاره مسلمة بن عبد الملك فقال عنه :
أشبه الناس سريرة بعلانية ..
وأشبهه قولاً بفعل ..
إن قعد على أمرٍ قام به ..
وإن قام على أمرٍ قعد عليه ..
وإن أمر بأمرٍ كان أعمل الناس به..
وإن نهى عن شيءٍ كان أترك الناس له ..
رأيته مستغنياً عن الناس..
ورأيت الناس محتاجين إليه.
**
أختي الفاضلة :
إن أعمال القلوب هي التي تترجم السريرة ..
فعلينا الحرص والعناية وتعهد سرائرنا بالإصلاح الدائم
وذلك بالإخلاص في القول والعمل في الله ..
والزهد في حب الظهور ونبذ المباهاة وطلب الشهرة ..
وسلامة الباطن من الرياء و من الحقد والحسد والغل والبغضاء ..
وسائر الآفات التي تأكل الحسنات ..
**
لنجتهد في إصلاح سرائرنا ..
حتى إذا ابتليت يوم القيامة انكشفت عن خير ..
ونجت من الخزي والعار .