بسم الله الرحمن الرحيم
اعلمي أن إحساس الغيرة أو الحسد الذي يتملّككِ، هو نقطة قوة لدى من تغارين منه وتحسدينه طالما يغيظكِ ويفتِّت أحشاءكِ، ونقطة ضعف لديكِ يمكنكِ بدل الانهيار أمامه، وتناول أدوية الأعصاب، أن تجعليه مبدأ انطلاق لمكامن قوتكِ التي كانت مخبَّأة حتى استدعت البحث عنها لدى غيرك.
ثقي أن احتياجكِ لغيركِ إلى حد أن ينتابكِ اليأس لمجرد أن أحدا سيشارككِ فيه، هو الضعف عينه المفروض أنكِ تجهدين بثورتكِ الآن في إظهار عكسه، فما إن تتوقفي عن النظر إليه بتلك النظرة المثالية على أنه نصفكِ المكمِّل الذي تريدين الانصهار معه، حتى تصبحين أكثر اتزانا.
لا تنظري إلى الوراء؛ فإن الشيء الوحيد الذي يدعو المتسابقين للنظر إلى الوراء هو اهتمامهم بإنجاز غيرهم، بينما واجبهم أن يركزوا في إنجازاتهم، فبدل أن تحاولي منع غيرك من السباق، اسعي للفوز فيه فوز من يؤمن بقدراته، لا من يراها من خلال نظرة الآخرين له، فإنك من خلال الإيمان بنفسك، ستدركين الكثير من المواطن التي تستدعي منكِ الاهتمام عوضا عن النظر بأعين الآخرين.
يمكنكِ الآن أن تقرري إن كنتِ تريدين أن تعبسي معلنة تعاستك، أو تريدين أن تبتسمي لتستجرّي السعادة إلى وجهكِ أوّلا، فلا تتوهمي أن شيئا يشتري السعادة غير رغبتكِ في أن تكون سعيدة. وإذا غزاك الغضب، واستعرت نيرانه في شرايينك، سلي نفسك: هل الأمر يستحق كل ذلك؟! فإن أول شرارة تندلع من رغبتك بالانتقام تقع على رأسكِ، ويزداد الأمر تعقيدا، وتُقطع عنك أية فرصة للإصلاح. لذا فكري في التأقلم مع وضعيتكِ الجديدة، بدل محاولة تحطيم كل شيء حولكِ، فإنه كلما طال احتفاظكِ بأفكار غاضبة، كلما صرتِ أكثر عصبية، فيرتفع ضغط دمكِ، ويُضخ الأدرينالين في أوردتكِ، وتتسارع نبضات قلبكِ، وقد تصابين بنوبة قلبية، لن يكون ضحيتها غيركِ، فهل تفعلين هذا بنفسكِ؟! أدعوكِ للتحلي بمقدار من الأنانية يكفي ليجعلكِ تعتنين بنفسكِ أكثر من الآخرين؟!
ليس الفرار من البيت الذي تجدينه حَبْسَكِ ومصدر تعذيبكِ الآن هو الحل للخلاص من الصراع الذي يمزقكِ، بل حاولي النزوح إلى شواطئ ذكريات الحب في داخلكِ؛ حيث النظرات الدافئة، والكلمات العذبة.
صدقيني ما يجرحكِ من الآخرين ليس بالضرورة موجَّهًا إليكِ، فالحدّاد حينما ينشر الحديد لا يقصد أذية سمعكِ، وإنما يفعل ما يجد أنه يريد أن يفعله، فلا تفرطي في حساسيتكِ، فإن على الإنسان السوي أن يقيِّم الأمور بحجمها الطبيعي، فالهفوة مثلا أمر عادي، لهذا زُوِّدت أقلام الرصاص بالممحاة.
استمعي لمن جرّمتيه، فلعلكِ تنقضين حكمك الأولي. وليكن استماعكِ استماع المنفتح على مشاعر الآخر وأفكاره، وإلا فلن تسمعي منه إلا ما تتوقعين سماعه، ولن يطرق أذنكِ وقلبكِ شيء جديد. وإذا كنت صادقة في إيجاد حل، فابحثي عنه من خلال الحاجات، فإذا فهمت حاجات الآخر، عرفت لماذا سلكَ هذا الطريق، وبدل التقاتل حينها على صحة السلوك وفساده، فكِّري كيف يحصل كل منكما على ما يريد.
أرجوكِ توقّفي عن الشكاية، وتوصيف ما حولكِ بأنه شنيع شنيع شنيع، فإن الكلمات التي نتلفظها تؤثر على تفكيرنا، وما نفكر فيه يؤثر على مشاعرنا.
أقسم عليكِ، كيف تشعرين بعد الفراغ من عزف سنفونية (النقّ) لصديقاتكِ وجيرانكِ؟ هل أجدى هذا العزف يوما، أم تحوّلت نوتاته إلى حقنة اكتئاب اخترقت نخاعكِ العظمي؟ ثم لا تغتري بالآذان المتوجهة نحوكِ؛ فإن هي إلا آذان تحب الاستماع لأنها لا تجيد العزف، ولا أحسبكِ تريدين خوض حرب الآخرين في بيتكِ؛ لأنكِ في النهاية ستكونين الخاسرة الوحيدة، ولربما حمِّلتِ الوزر كلّه، كما قد تقول إحداهن الفصيحة: (هذه المرأة كثيرة الشكاية، وتلقي اللوم على الآخرين، فصحيح كما يقال: الخطيب الفاشل يضع المسؤولية على المذياع).
ولا تنسي أبدا أن الله (تعالى شأنه) خلقنا لنتكامل، لا لنتناقص، والتكامل حركة تجاه الخالق عن المخلوق، فكلما استغنيتِ عمن سوى الحق سبحانه، كلما أسرعتِ إلى الكمال واقتربتِ منه، وكلما أصرَرْتِ على جعل همِّكِ في السير نحو مخلوق، كلما ابتعدتِ عن غاية وجودكِ ومنتهى سلوككِ، وما من شيء يستأهل العزوف عن طريق الهدى والسعادة الأبدية، فاكشفي عن ساقيك كشف بلقيس في طريقها إلى سليمان، ولا تغرنك القوارير من تحتك، فإن ما تدوسه قدميكِ، لا يستحق أن ترمقيه بعينيكِ.
مريم الحبالي @mrym_alhbaly
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️