رسالة بمداد السماء.. حملها ضيوف الرحمن
في بقعة من خير بقاع الأرض (منى).. وفي أيام من خير أيام العام ـ في اليوم الثاني عشر ثاني أيام التشريق ـ تناثرت حبات المطر حانية على هذه البقعة الطاهرة، وأخذت ألسنة الحجيج تلهج بالدعاء؛ فهذا وقت تتنزل فيه الرحمات، ويستجاب فيه الدعاء.
وبمجرد أن صلينا صلاة العصر، فإذا بالمطر ينزل مدراراً، وفي دقائق معدودات - إي والله في دقائق - اجتاحت المياه الخيام لتغرق أمتعة الحجاج وحاجياتهم، وتعالت صرخات الأطفال، وبكت النساء، وذُعر الرجال، وترك الحجيج أمتعتهم، وجوازات سفرهم، ونقودهم، ناجين بأنفسهم - حفاة ـ وهم الذين كانوا قبل سويعات يقيم بعضهم الدنيا ولا يقعدها لا من أجل وجبة فقط، بل من أجل استبدال نوع من الطعام لا يروق له! هرول الحجيج لائذين بالباصات، فالمياه قاربت المتر وفي مناطق أخرى كانت أكثر من ذلك ـ كما روى بعض الحجاج -.
تحركت بهم الباصات على عجل متجهة للبيت الحرام، ولم يستطع المتأخرون أن يتأخروا، وعجل الجميع..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا السيل في هذه المنطقة الصحراوية التي تزورها قطرات المطر كل عام على استحياء؟! ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟! وحجاج بيت الله الحرام يؤدون مناسكهم قاطعين آلاف الأميال تائبين ملبين منيبين إلى ربهم؟ هل غضب الله عز وجل نزل بجميع فئات هذه الأمة المتقاعسة برهم وفاجرهم؟
كلا و الله!! فالله عز وجل ما كان ليُنزل سخطه على من باهى بهم الملائكة منذ سويعات في عرفات.. حاشاه جلّ وعلا..
فمن مظاهر رحمته ـ سبحانه و تعالى ـ بضيوفه الحجاج في هذه الحادثة:
- أنه لم يحدث تماس كهربائي في المخيمات التي انهمرت عليها المياه بغزارة شديدة، وإلا لكانت فجيعة العالم الإسلامي في مئات الآلاف من المسلمين فادحة، وأيضاً ستكون فتنة لباقي المسلمين، وما كان الله ليشمت بهذه الفئة التائبة أعداءه وأعداء الأمة الإسلامية.
- أنها حدثت بعدما أتم الحجاج مناسكهم، وأخذ المتعجلون طريقهم من منى إلى البيت العتيق؛ ليطوفوا طواف الوداع، اجتاح السيل مخيمات منى وأغرق الطرقات في مكة؛ مما أدى إلى عرقلة سير الحجاج المتعجلين ما يقارب ست ساعات حتى يصلوا للمسجد الحرام..
وكان فيما حدث رسالة بالغة المعنى، وكأن الله عز وجل أراد أن تحملها هذه الوفود قبل أن يغادر فرد واحد منها مكة، لعله يعيش ويعايش بنفسه ماذا يعني التشرد، وماذا يعني خوف الأطفال ونحيب النساء، وإن كان ثمة بون شاسع بين هذا الخوف وذاك، بين من تبكي خائفة مذعورة وبين من تبكي قتلاها من فلذات الأكباد والأشقاء.. بين من فقد كل شيء - البيت والأثاث والأحباب - وبين من فقد بعض ملابسه وحاجياته..
بكت إحدى المسلمات كثيراً حينما كنا نهرول من الخيام لنحتمي بالباصات، وكان مما ذكرته عن سبب بكائها أننا تقاعسنا عن مد يد العون لإخواننا منكوبي "تسونامي" وبررنا هذا التقاعس بأن هؤلاء قوم على غير ملتنا، وبأنهم كانوا يحتفلون بالكريسماس و...و.. .و تناسينا أنه كانت هناك قرى إسلامية ومدن كاملة شملتها الكارثة، وكانت المساعدات التي وصلتها من الدول الإسلامية - كما وصفها المراقبون ـ مخجلة!!.. بل ليتها وصلت مبكرة.. كانت بعدما سبقنا الضب إلى هناك!
ولأننا أتخمنا أعيننا بمشاهدة عفة المرأة تذبح في العراق، وبكرامة الرجال تنحر، ثم نردد "حسبنا الله ونعم الوكيل" ونحن نحتسي أكوابا من الشاي بعد متابعة نشرات الأخبار، التي تقطر كل كلمة فيها بدماء المسلمين.. ولأننا منذ سنوات عديدة ونحن نرى أمهاتنا في فلسطين وهن يستغثن ويناشدن المسلمين والحكام العرب لمد يد العون إليهم، وبدلاً من أن نشد الرحال، نشد الأغطية ونخلد في سبات عميق..
حقاً عشنا لحظات خوف وتشرد وذعر.. كانت لحظات بحساب الزمن ولكنها في حسابات الخوف ليست كذلك فما بالك بمن يعيش التشرد أعواما وأعواما!!
كانت رسالة من الرحمن لضيوف الرحمن علهم يستيقظون ويوقظون أقوامهم بعد عودتهم.. نأمل أن تكون رسالة الله عز وجل لنا قد وصلت، وألا يكون جلّ فهمنا لها هو ضرورة تشييد أبنية وعمارات حتى تستطيع مواجهة السيول، مثلما أوعزنا حريق منى قبل ذلك إلى سوءة الخيام فكانت الخيام المطورة!!
منقول من أحد المنتديات... للكاتبة أحلام علي ....

***ريحانة*** @ryhan_3
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الصفحة الأخيرة
الله اكبر
ولله الحمد اللهم اهدي ضال المسلمين يا رب
ربنا يجزاك خير الجزاء ويكرمك يا رب
:26: