

لا شيء أعظم من الله، ولا حديث أحسن من الحديث عنه، فذكره دواء، وكتابه
شفاء، واتباع أمره نجاء..الله العظيم المتفرد بالصفات العلى والأسماء
الحسنى، كمل فيها وعظم، فما من صفة عظيمة في مخلوق إلا وهي
فيه أتم شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
..
فلا يداخله نقص، ولا تأخذه سنة ولانوم، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وليس
له شريك في الملك، وليس له ولي من الذل، له الخلق والأمر..
تبارك وتعالى، عز وتكبر، هيمن وتجبر، فاطر السموات والأرض، لا
تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار..
نور السموات والأرض ومن فيهن، وهو قيوم وملك، ورب وإله، وهو
ُيطعِم ولا يُطع َم، وهو القاهر فوق عباده..
لا تخفى عليه خافية، يعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا
يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين..
السموات والأرض في قبضته، والعباد تحت قدرته، يحيي ويميت، بيده الضر والنفع..
هو الذي خلق، وهو الذي ربَّى ورزق، وهو الذي يهدي، وهو الذي
يشفي، وهو الذي يميت ، وهو الذي يحيي، وهو الذي يبعث، وهو
الذي يثيب: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن
شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
.
يجب على الناس أن يتعبوا أنفسهم في ذكره، فذكره حياة
القلوب:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
..
فالله أجل وأعظم من كل شيء، ينبغي أن يستعلي على كل
اهتماماتنا، وأن يستحوذ على قلوبنا وعقولنا، حتى لا نمشي إلا ونحن نذكره…
نذكره في فرشنا، وفي طرقنا، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي
أسواقنا، وفي أفراحنا، وفي أتراحنا، في كل مكان، إلا مكانا نهانا
الشارع أن نذكره فيه (كالحمام)، فذلك هو طريق السعادة
وزوال الهموم والبلايا وارتفاع المحن والنقم والفتن..
فالمعظمون لله المحبون له يفرحون بذكره ويشمئزون من ذكر
من هو دونه، والأشقياء هم الذين يشمئزون إذا ذكر، ويفرحو
ن من ذكر من هو دونه: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
.
فإذا أردنا سعادة الدنيا فلنكن مع الله دائما وأبدا، نجعله نصب
أعيننا في كل كبيرة وصغيرة، لا نقدم ولا نؤخر إلا بأمره، ولا
نتكلم إلا بما يرضيه، ولا نقتحم إلا مراضيه، ولا نسأل إلا عما
يقربنا إليه، ونجتنب سخطه، ونترك الحيل والأماني الكاذبة، فالله
لن يخدعه أحد، ولن يكذب عليه أحد، ولن يفر منه أحد:
قال الله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}
..
وقال تعالى:
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}
.
لا بد من أن نحبه حبا يفوق كل شيء، فهو أهل المحبة، نحن نحب
آباءنا لأنهم ربونا وسعوا لأجلنا وحفظونا، ولولا أن الله أعطاهم
القدرة والنعم لما قدروا على ذلك، ولولا أن الله عطف قلوبهم علينا لما قدموا إلينا خيرا..
فالله أحق بالمحبة منهم..
ونحن نحب أبناءنا وأزواجنا لأنهم أنس ولذة وتفريج للهموم وسكن
ومودة، والله تعالى هو الذي ينجينا من الكرب، وهو الذي يفرح
قلوبنا، وهو الذي ينزل السكينة في نفوسنا، وهو الذي جعل في
أبنائنا تلك المزايا، ولولا ذلك لكانوا عذابا علينا، فهو المنعم أولا وآخرا..
فهو أحق بالمحبة..
ونحن نحب العلماء والعظماء لكمالهم وقدرتهم، والله تعالى علمه
لا يحاط به، وكلماته لا تنفد: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ
الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِ هِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ
للَّهِ} .. وهو كامل القدرة والعظمة..
فهو الأحق بالمحبة لو تفكر الناس، لكن أكثر الناس لا
يتفكرون: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
.
الله تعالى رحيم بنا، رحمته تتجلى في منعه كما تتجلى في
عطائه، فكم من إنسان منعه الله المال لأنه يعلم أنه لو أعطي
المال لكفر {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن
يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}
.
وكم من إنسان منعه الصحة لأنه يعلم أنه لو أعطاه الصحة
لطغى، فما يصيب الإنسان من مصائب لا يدل على سخط الله عليه، بل ربما كانت رحمة به..
الله أجل وأعظم مما نخاف ونحذر، فهو الذي بيده الملك
والأمر، فلا يجري في الكون شيء إلا بأمره، فيجب علينا أن نتعلق به حبا وخوفا ورجاء..
ونعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على إيقاع الضر بإنسان
والله أراد غير ذلك مضت إرادة الله وتعطلت إرادة البشر..
ولو اجتمعت على إنزال النفع بإنسان والله لم يرد ذلك مضت
إرادته وتأخرت إرادة البشر، فإذا كان كذلك فمن العيب أن نخاف
من مخلوق مهما كان: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ
ن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ (37) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ
هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
.
الله يملك الرزق كله فمن الخطأ أن نتطلع إلى فضل أحد من خلقه، نبذل
له ماء وجهنا من أجل دراهم، فهو لا يملك، وإن بدا كذلك، فالمالك هو
الله ، له خزائن السموات والأرض، لو شاء لقلب ما بأيدينا ذهبا
وفضة، ولو دعوناه بصدق متو كلين لرزقنا رزقا لا نحتسبه، فإن
أخر عنا الرزق لم يؤخر عنا الرضى، فيغرس في قلوبنا الرضى
والقناعة، وتلك أعظم الرزق: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
.
الله يعفو عن زلاتنا، فمهما ركبنا الخطايا، وتعدينا الحدود ثم
ندمنا وصدقنا في التوبة قبِلَنَا ولم يردنا، بل يفرح بتوبتنا أشد
من فرح المضيع راحلته في صحراء عليها طعامه وشرابه
فلما أيس منها، نام تحت ظل شجرة ينتظر الموت، ثم قام فإذا هي قائمة عند رأسه..
إذا تقربنا إليه شبرا تقرب منا ذراعا..
وإذا تقربنا منه ذراعا تقرب منا باعا..
وإذا أتيناه نمشي أتانا هرولة، يتلقى عبده التائب من بعيد، وإذا
أعرض ناداه من قريب، وإذا استغفره غفر له، وإذا جاءه بقراب
الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا جاءه بقرابها مغفرة، غفر
لرجل قتل مائة نفس، وغفر لزانية لما سقت كلبا:
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَ نْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}
..
أينما توجهنا فثم وجه الله، فالله معنا بعلمه وإحاطته، ونصرته
لمن آمن به: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ
وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}
..
ألا يعطينا ذلك شعورا بالأمان.
فالله معنا، ولن يتخلى عنا، ولن يكلنا إلى عدونا ما دمنا مستمسكين بحبله
المتين، ما دمنا نحبه ونخافه ونرجوه، فالله مع أوليائه وأحبائه، يسكن
قلوبهم ويدفع عنهم أذى الظالمين، ولما لحق فرعون بموسى
ومن معه قال أصحاب موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
..
قال موسى: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}




