حنونه511
حنونه511
لم أعهد يوما فهد كاذابا، أو من النوع الذي يختلق القصص والروايات الزائفة حتى يلفت الانتباه إليه. فشخصية فهد معجونة بالثقة في النفس والقوة والصلابة، تركيبة ألفناها من خلال معرفتنا فيه منذ الطفولة، أيام الفريج القديم في منطقة الشامية، وأيام اللعب في عز الصيف على القار الحار. كان صراخ أمهاتنا بالعودة إلى بيوتنا يشق هدوء الظهيرة، ويوقظ العيون الغافية. ولكن فهد كان يأبى أن يسمع كلام أمه، أو بالأحرى زوجة أبيه. فشخصية فهد العنيدة القوية أتت منذ أن سافرت أمه إلى سوريا، مسقط رأسها، بعد طلاقها من أبيه، ومن يوم أن اقتحمت زوجة أبيه برواز العائلة واحتلت موضع الأم فيه. لطالما كان فهد جادا، صريحا، لا يحتاج لأن يختلق قصص وروايات سخيفة حتى يظهر في مظهر البطل بين الربع في الديوانية.
ولكن هذه المرة ما قاله يعد غير مقبولا، ولا يمكن تصديقه، وخارج عن نطاق الاستيعاب. ولكنه فهد .. الجاد الذي لا يكذب ..
يقول فهد :
ليلة البارحة وأثناء سهري في ديوانية البيت وحدي بعد أن عدتم إلى بيوتكم جميعا، جلست أشاهد التلفزيون، ثم سرعان ما شعرت بالملل، لاسيما وأنني لا أنام إلا مع بزوغ خيوط الفجر الأولى، فكما تعلمون هذه هي حالي منذ أن قدمت على الوظيفة وأنا أعيش يومي بلا هدف بانتظار الرد من إدارة الشركة التي قدمت أوراقي فيها.
وبين التنقل بالريموت كنترول بين قنوات التلفزيون من محطات أغاني وأفلام إلى أخبار وبرامج تافهة، تساءلت كيف سأضيع ليلتي هذه والليل لا يزال في أوله. كانت عقارب الساعة تشير للثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل حين قررت أن أسحب مفتاح السيارة وأرتدي الشورت وأنطلق إلى الشاليه. لا تسألوني من أين جاء هذا القرار، خاصة وأن جميعكم لستم متفرغون للذهاب معي فكل منكم لديه عمله أو جامعته في الصباح الباكر.
انطلقت بالسيارة على سرعة 100 كم في الساعة. وأنا استمع لبعض الأغاني أو أتحدث بالتلفون مع الصاحبة.
وبعد مشادة حادة بيني وبينها، سكرت الخط وقررت ألا أرد عليها، مع أنها ظلت تتصل حتى وصلت إلى الشاليه. اتصلت بهاتف الحارس الهندي، ولكنه مغلق، دقيت هرن، وما من مجيب، وهنا فقط تذكرت بأن الهندي سافر قبل اسبوع إلى بلده وأنني أوصلته بنفسي إلى المطار. ترجلت من السيارة، وفتحت البوابة ودخلت بسيارتي إلى ساحة الشاليه الداخلية. كان الظلام دامس، ولا شيء يعكر هدوء المكان سوى هدير الموج الذي كان مدا في تلك الليلة. نزلت من السيارة ولم أقفل أبوابها، فليس هناك من أحد أتوسوس بأن يسرقها أو حتى يمر بقربها. فهذا الوقت من السنة تكون العوائل مشغولة مع أبناءها في الدراسة لاختبارات نهاية العام، وتكون منطقة الشاليهات تقريبا شبه مهجورة.
وضعت المفتاح في باب صالة الشاليه، أدرته بهدوء ودخلت. فتحت الإضاءة وشغلت السنترال، ثم فتحت التلفزيون ووضعت تلفوني والمفاتيح على الطاولة الصغيرة وسط الصالة. وعلى صوت الأغاني المنبعثة من إحدى محطات الأغاني على التلفزيون بدأت أتجول في الشاليه وأعد لي وجبة خفيفة في المطبخ. ثم خرجت لأطل على البحر، فقد كان المنظر خلابا، وبنظرة سريعة على الشاليهات المجاورة تيقنت بأنني الليله وحدي بعيدا عن الديرة وبعيدا عن كل الناس. عدت لصالة الشاليه، وجلست أشاهد التلفزيون. رن تلفوني النقال، ودون أن أنظر عرفت بأن المتصل صاحبتي، وفعلا نظرت فوجدت اسمها على الشاشة، لم أرد عليها، وظلت تتصل حوالي أربع أو خمس مرات متتالية ولكنني لم أرد عليها فقد كنت متضايقا منها.
مر الوقت، تقريبا نصف ساعة أو أكثر، وأنا أشاهد التلفزيون وآكل بعض الفاكهة. وفجأة سمعت رنة صفارة من تلفوني .. صفارة كالتي تسمعها عندما يصلك بلوتوث من أحد. استغربت .. نظرت لشاشة تلفوني فصدمت ! شخص ما يرسل لي بلوتوث في منتصف الليل في منطقة شبه مهجورة بعيدا عن الديره. دققت في إسم المرسل فكان ( ضيف ) ..!
ضيف !.. من هذا الضيف؟ وماذا يفعل هنا في هذا الوقت المتأخر، اعتقدت في البداية بأنه أحد منكم، ربما يكون مقلبا أو مزحة ثقيلة تعدونها لي، ولكن كيف عرفتم بأنني ذاهب للشاليه؟ فلا أحد يعلم بأنني هنا سوى صديقتي !
قد يكون أحدا من الجيران؟ ولكنني متأكد بأن الشاليهات المجاورة خالية تماما من أي مخلوق، إذا كيف وصل هذا البلوتوث؟..
استقبلت .. وانتظرت ثواني حتى أعرف ما محتوى الرسالة.
وصلت الرسالة .. فتحتها .,. وفجأه .. كانت الصدمة الكبرى .. كانت صورة لي التقطت قبل دقائق من وصول البلوتوث وأنا جالس في صالة الشاليه أأكل فاكهة !..
صعقت، ونهضت من مكاني .. شخص ما صورني من وراء نافذة الشاليه وبعث لي بالصورة عن طريق البلوتوث.
اتجهت نحو نافذة الصالة، طليت .. فلم أجد أحدا .. هنا شكيت أن يكون أحد من أخوتي قد أتى للشاليه فوجدني فحب أن يعمل فيني كمين. ولكنني استبعدت هذا الشيء تماما خاصة وأن اليوم هو الأثنين أي في منتصف الأسبوع والساعة قاربت على الثالثة صباحا والكل نيام في الديرة استعدادا لدواماتهم في السابعة صباحا .. !
إذا من يكون؟ صديقتي؟ لا مستحيل، إنها بالكاد تخرج من البيت وإن خرجت فإن حظر التجول يبدأ من الساعة العاشرة مساء، ولديها بدل الأخ خمسه، أي لا أمل لها في التسلل والخروج ليلا، ثم أنها لا تدل طريق شاليهنا فهي تسمع به ولكنها لم تزوره مطلقا !
أسرعت نحو الباب وخرجت، وبخطوات هادئة ثم سرعان ما تسارعت صرت أدور حول الشاليه، أبحث عن أي أثر أو صوت أو حتى طبعات لخطوات أرجل. ولكنني لم أجد شيئا، كان الظلام دامسا، ولا نور ينير المكان سوى ضوء القمر المكتمل في صدر السماء، ونور صالة الشاليه الذي يتسلل من وراء ستائر النوافذ.
احترت، من المرسل؟ من الذي صورني وارسل لي صورتي ثم اختفى فجأة، إنه مقلب .. أكيد مقلب .. مستحيل هذا يحدث دون تدبير وتخطيط ..
فتحت تلفوني بسرعة، وعملت بحث سريع لأسماء أجهزة الهواتف الموجودة في البلوتوث، وكان الرد .. لم يتم العثور على اجهزة بلوتوث، حاول مرة أخرى ..!
وقفت لبرهة أفكر محاولا فهم الموقف، ترى هل هو مقلب؟ أم .. !
فجأة ..
وصلني بلوتوث آخر .. المرسل .. ( ضيف) !
استقبلت دون تفكير، ثوان ووصلت الرسالة .. فتحتها .. وكانت الصورة .. صورتي!
نعم صورتي وأنا أقف خارج الشاليه التقطت لي قبل لحظات وأنا أبحث عن المصدر المرسل للبلوتوث !..
التفت ورائي بسرعة، أبحث وأبحث دون هوادة .. لا بد أنه كمين، مقلب من أحدكم، مستحيل ما يحدث لي، مستحيل أن يتم تصويري دون أن أشعر أو أن يرسل لي أحد بلوتوث دون أن أحس بوجوده في المكان، يا جماعه قصه لا تدخل العقل.
دخلت لداخل الشاليه وأنا أحاول أن أتصل بواحد فيكم .. ولكن لم يرد علي أحد .. شيء طبيعي فالساعة قاربت على الرابعة فجرا ..
جلست أفكر، كتمت صوت التلفزيون، ورحت أقرأ بعض الآيات القرآنية على أمل أن أهدئ من روعي قليلا وأجد تفسيرا منطقيا. هنا فكرت بالنزول للبحر فربما أجد بعض الشباب من الشاليهات القريبة يصطادون في هذا الوقت، شباب لا عمل لهم مثلي ويريدون ملأ وقت الفراغ، وربما يريدون أن يتسلون بي.
خرجت ومشيت على رمل الشاطئ ونور القمر دليلي في هذه الليلة المظلمة، أطل وابحث وأمعن السمع لعلني أمسك خيطا يوصلني لنتيجة تمحي أوهامي التي زرعت في رأسي بعدما حدث معي .
وعلى بعد عشرين قدم من الشاليه، شهقت فزعا وأنا أسمع صوت التلفزيون داخل الشاليه وقد انطلق في فضاء الليل الهادئ وعلو ضجيجه في كل مكان، كانت أغنية أجنبية، وكانت مزعجة جدا. ركضت إلى الشاليه مسرعا، وكل ظني أن أحدا وصل إلى هناك. ركضت وركضت وأنا أقع وأنهض من ثقل التراب الذي تنغمس فيه رجلي على غير هدى وكأنني ضائع ووجد ضالته.
دخلت الشاليه .. التلفزيون شغال، الصوت عالي بطريقة غير طبيعية، وكل شيء في مكانه مثل ما هو. أغلقت التلفاز، تلفت حولي أبحث عن أحد، أبحث في الغرف، في الحمامات، في ساحة الشاليه .. لا أحد .. لا أحد ..
وفجأة .. انفتحت أضواء السيارة الأمامية .. انفتح كشافها العالي، أحسست بعيني يكاد يصيبهما العمى، صرخت :
- منو ؟ .. منو ؟
وبدل أن يجيبني أحد أخذت إضاءة السيارة تنطفئ ثم تنفتح مرة أخرى، وتنفتح ثم تنطفئ مرة أخرى .. وأنا لا أستطيع أن أميز شكل الشخص الذي كان داخلها. وبعد لحظات قليلة مرت كالدهر. ترجل من السيارة رجل طويل القامة، يا جماعة طويل بطريقة مريبة. يرتدي دشداشة سوداء في عز الصيف. وكان حنطاوي اللون، ولكن وجهه يمل للزرقة كالمخنوق، وكانت عيناة ناعستان. أحسست بأن قدماي لا تحملاني، وشعرت بكل وصلة في جسدي ترجف ودقات قلبي تكاد تنتزعه من مكانه وأكاد أراه يسقط أمامي على الأرض من شدة الرعب.
تقدمت خطوة على أمل أن أشعر الرجل بشجاعتي وبأنني لست خائفا منه، قلت وصوتي لا أكاد أسمعه من رهبتي:
- آمر أخوي .. أقدر أساعدك في شيء؟
نظر لي صامتا واجما، ثم صد عني وسار نحو بوابة الشاليه، ظل يسير ويسير حتى أقسم أنني رأيته يختفي في الظلمة.
ودون تفكير مني دخلت الشاليه بسرعة أبحث عن تلفوني ومفاتيحي. سحبتهم من فوق الطاولة وخرجت بسرعة، ركبت السيارة وانطقلت هاربا وأنا لا أكاد أصدق عيني. وفي الطريق فتحت الإذاعة على القرآن الكريم وأنا أهلوس بيني وبين نفسي .. هل ما رأته عيناي صحيح؟ هل كان جن؟ هل كان أنس؟ هل كان من أهل الأرض؟ ماذا كان هذا الرجل؟ ومن أين أتى ؟ وماذا كان يريد؟
مسكت تلفوني، فكرت أتصل بالشرطة ولكن ماذا أقول لهم؟ فكرت أتصل في أخواني .. في أحد منكم ولكن من سيجيب علي في هذه الساعة؟
انطلقت عجلات سيارتي في الخط السريع على غير هدى، وعلى أثير إذاعة القرآن الكريم. بينما أخذ الفجر يرسم خطوطه الأولى في السماء معلنا نهاية ليلة غريبة وبداية يوم جديد.

أخذ الأصدقاء يهزون رأسهم غير مصدقين ونحن نجتمع في ديوانية فهد، وبدأت التعليقات والنكات تنهال عليه وهو يطرق رأسه في الأرض وكأن لسان حاله يقول: علمت بأن لا أحد سيصدقني. الجميع ظن بأن فهد يتوهم أو ربما هو يدعي ما سرده علينا من قصة لا تدخل العقل حتى لا نطالبه بالمزيد من الرحلات إلى شاليهم والنوم هناك كما اعتدنا كل صيف. ولكن شيء ما في داخلي كان يشك بأن قصة فهد حقيقية، وأن هناك شيء مفقود بالقصة لم يذكره فهد يؤكد كلامه ولكن لسبب ما آثر على كتمانه ..!
جلس الجميع في جلسة دائرية يلعبون الكوت، وفهد من ضمنهم. لا أعرف ما الذي جعلني أسحب تلفون فهد وأتعبث فيه .. دخلت على ستوديو الصور، وأول صورة ظهرت لي .. كانت لرجل حنطاوي اللون يرتدي دشداشة سوداء، وجهه يميل للزرقة كالمخنوق، وعيناه ناعستان، الصورة التقطت في شاليه فهد .. بتاريخ ليلة البارحة !

- تمت -
حنونه511
حنونه511
( تحت السرير )

لم أكن أعلم بأنهم سيعطونني هذه الغرفة .. لقد خدعوني ..!
****
منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه بيتنا الجديد و أنا أعلم بأن هناك شيء ما غريب بشأن هذا البيت، لا أعرف حقا لماذا أصر أبي أن يجنح بنا بعيدا عن المدينة إلى منطقة ذات بيوت حكومية صغيرة و متلاصقة و بعيدة مثل هذه؟
عندما فتح أخي الأكبر باب البيت شعرت بهواء بارد يلفح وجهي، مع أننا كنا في شهر يوليو الحارق، إنه لهيب الشمس في الخارج يشوي أي قطعة لحم مسكينة تقف تحت رحمته أكثر من عشرة دقائق، فكيف إذا أتى هذا الهواء البارد من هذا البيت ذو الأثاث البالي ؟
أتذكر أمي عندما أبلغها أبي بخبر الخروج من البيت، كان قد اتخذ قراره و كان حازما كثيرا فيما يقوله .. أو يأمره :
- سنخرج من هذا البيت و سننتقل لآخر في منطقة ( .... ) ولا أريد أن أسمع معارضة من أحد
هنا خضعت أمي دون نقاش لإرادته، رغم ما عرفناه منها أنا و أخوتي من عناد قوي لا يهزمه عادة تنعت أبي و إلحاحه. هناك شيء ما غير طبيعي .. هناك شيء ما يخفيانه أمي و أبي عنا.
في بيتنا القديم، و قبل أن نخرج منه بأسبوع، انتشر نمل أسود .. و صراصير سوداء خرجت من كل مكان، من فتحات الحوائط المتشققة، و من أرضيات البيت المتكسرة، و من الجحور الصغيرة المخفية داخل الحمام. فزعت أختي و أصرت على أن نخرج من البيت، إن رقتها و حساسيتها المفرطتان لا تتحملان العيش في بيت قذر كهذا.
طلبت أمي في اليوم التالي شركة النظافة التي أتت بدورها و رشت المنزل و عقمته من كل الحشرات التي تتربص به. و لكننا أبدا لم نتوقع أن تتحقق أمنية أختي بهذه الطريقة السريعة، فبعد ليلة واحدة فقط من يوم حادث الحشرات هذا .. وافق أبي على طلب أختي و قرر أن نخرج من البيت .. كيف؟ و لماذا؟ و إلى أين سنذهب ؟ اكتفى أبي بالصمت فقط، و حزم أمره .. و قال .. سنخرج .
نعم .. لم أكن أعلم بأنهم سيعطونني هذه الغرفة .. لقد خدعوني ..!
لقد كان اتفاقنا منذ البداية أنا و أخوتي أن تكون الغرفة القريبة من غرفة أمي و أبي لي، فهما يعرفان كم مرة في الليل أنهض فزعا من تلك الكوابيس التي أراها دائما عندما أخوض تجربة النوم في بيت غير بيتنا. فكم من مرة داهمتني الكوابيس في تلك الفنادق ذات النجوم الثلاثة عندما كنا نسافر أنا و أهلي، و كم مرة و مرة صحوت وأنا أختنق و أبكي من كابوس استفرد بي عندما كنا نزور أقاربنا في الشاليه و ننام عندهم، أو عندما كنا نذهب إلى البر و ننام في المخيمات .. لقد كانت تجارب لا رحمة فيها .. تجارب كنت أرى فيها الموت، لذلك كنت أفضل دائما أن أكون قريبا من أمي و أبي حتى أستنجد بهما ليلا عندما تطبق على أنفاسي كوابيس الليل الأسود.
والآن يتعمد أخوتي إعطائي هذه الغرفة البعيدة .. يا إلهي إنها الغرفة الوحيدة في الدور الثالث من البيت! وليس دورا كاملا .. إنه نصف دور بنوه أصحاب البيت قبل أن يتركوه لأسباب مجهولة. أغلب الظن أنهم بنوه لخادمتهم أو لتكون مخزنا لأشيائهم المهملة و الزائدة .. أو ربما هي غرفة أو نصف دور للإيجار.
اليوم هو يومنا الأول في هذا البيت الغريب، و أنا وحدي في هذا النصف دور .. وحدي في غرفة ليست غرفتي .. و على سرير ليس سريري، اليوم هو يوم موعدي مع كوابيسي، ستزورني حتما .. سيطل شبح الكابوس برداء أسود ذو قبعة فضفاضة ملتصقة بثوبه من الخلف، يضعها على رأسه لتقع مقدمتها على وجهه و تغطي نصف ملامحه، يداه كأيدي الهيكل العظمي .. اليوم سأنام .. و ربما لن أصحو ..
ذهبت إلى السرير، و اندسست تحت الغطاء، أريد أن أغمض عيني، و لكنني لا أريد أن أرى الظلمة، أريد أن أغمض عيني ولكنني لا أريد أن أفتحها وأرى الكابوس أمامي .. واقفا في الظلام، يحمل خطاف أبيض .. ربما هذه المرة يريد أن يقطع رأسي .. آسف أنني أطلت عليكم الحديث .. ولكن ربما رسالتي هذه ستكون الأخيرة .. من يعلم .. فربما بعد هذه الليلة لن يراني أحد ..!
التوقيع/ سالم – العمر 13 سنة

****
وعندما انتهى من كتابة رسالته، أطفأ سالم المصباح الصغير الذي كان في يده و أخرج رأسه من تحت اللحاف الذي كان يسنده برأسه مثل عامود الخيمة الصغيرة، و وضع الرسالة و المصباح إلى قربه، ثم استسلم و أغمض عينيه .
مرت اللحظات .. بطيئة ... طويلة .. لا يسمع فيها سوى الصمت. ثم نام سالم قرير العين، سحبته خيوط النوم بعيدا عن مخاوفه.

الليل أسود .. و سكون مطبق على البيت الجديد، الأهل نائمون في غرفهم الجديدة، و سالم وحده في العلية .. في تلك الغرفة الصغيرة. فجأة ... انتشر هواء بارد في الغرفة، تحركت الستارة المعلقة على النافذة الصغيرة، اهتز المصباح الذي وضعه سالم إلى قربه .. فوقع .. لكنه لم يصدر صوت .. لقد وقع على الوسادة الصغيرة التي سبقت المصباح بالوقوع قبل دقائق من فوق سرير سالم .. تحرك سالم دون شعور وهو يتقلب فوق السرير، ثم فجأة .. أحس سالم بشيء .. إنه شيء ما يركل سريره من الأسفل، لم تستوعب مخيلة سالم الموقف، ظن أنه الكابوس .. ظن أنه النوم .. ظن أنه ..... يحلم !
ولكن سالم شعر بالبرد يقترب أكثر، تقلب على الفراش مرة أخرى .. وكلما تحرك .. شعر بشيء ما يركل جسده النحيل من تحت السرير .. خاف سالم .. فتح نصف عين .. تقلب على جنبه الأيسر .. شعر بالركلة هذه المرة و لكنها كانت أقوى .. إنها فعلا أقوى حتى أنه شعر ببعض الألم في خاصرته .. خاف سالم أكثر .. مد يده ليأخذ المصباح .. لكنه لم يكن في مكانه .. لقد وقع المصباح .. "لماذا وقعت الآن؟" همس سالم في سره .. مد يده وسط العتمة يبحث .. تخبط بيده في كل مكان .. هنا و هناك .. لم يجده .. لكنه تذكر .. نعم .. ربما يكون قد سقط على الأرض .. سأمد يدي و أحاول الوصول إليه على الأرض .. مد سالم يده .. تخبط بها ناحية اليمين .. تخبط بها ناحية اليسار .. لامست يده الوسادة الصغيرة، لامست يده أرضية الغرفة فأحس بالبرد الذي تشبع به السيراميك .. مده يده أكثر .. خاف سالم أن يكون المصباح تدحرج لأسفل السرير.. مد يده ليصل إليه .. مدها أكثر يبحث تحت السرير .. و فجأة .. أطبقت يد على يده .. أحسها يد هيكل عظمي تعتصر لحم يده .. فزع سالم .. و بحركة لا إرادية أرد أن يسحب يده .. لكنه لم يستطيع .. لقد أمسكته اليد .. لقد أمسكته بقوة .. أراد أن يصرخ .. و عندما فتح فمه .. شعر بآلاف الأسراب من النمل الأسود تخرج من فمه .. و رآها تنتشر في كل مكان .. على وجهه .. ثيابه .. يديه .. رجليه .. سريره .. الحوائط .. الأرض ..

و في اليوم التالي .. شاع خبر في البلد .. عن فقدان طفل اسمه سالم من بيت ذويه في منتصف الليل .. و أوردوا في الأخبار أنه ترك رسالة تصف خوفه من كوابيس الليل .. وقد نوه الأهل إلى أنه يمتلك مخيلة واسعة و يحب الكتابة و يقرأ بنهم . لم يجدوا أدلة تذكر .. عدا نمل أسود كثير انتشر في البيت دون أن تستطيع فرق مكافحة الحشرات أن تقضي عليه .. أما تحت السرير .. فلم يجد رجال الشرطة دليل يدلهم إليه .. عدا شيء واحد .. عظمة من يد بني آدم .. مات من سنين طويلة !

- تمت -
حنونه511
حنونه511
رفع
حنونه511
حنونه511
رفععععععع
ام رهوفة ا
ام رهوفة ا
انا موقفي قريب الجو كان غبار والمويه مقطوعه ولبيت معفوس انا نمت العشاء وسمعت صوت قوي وقمت اصارخ اقول الخزان انفجر ولي فلبيت وشافو شكلي خافو وبعدين قعدو يضحكون طلع جارنا جايب عمال يشلون غرفتهم وبيركبو الجديده صوت مر قوي صج خفت ووانا نايمه