ام زينب و جويرية @am_zynb_o_goyry
عضوة فعالة
رفقه صلّى الله عليه و سلّم بأصحابه♥ .. فعالية ( شمائل محمدية ) .. ♥
بسم الله و الصلاة و السّلام على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و على آله و صحبه أجمعين
أخجلتني كلماتي و أنا أجول بخاطري في السيرة النبوية العطرة لكي أنتقي منها نفحات من طيب أنثرها دررا تزدان بها صفحات بحثي الذي اعتزمت المشاركة به في فعالية شمائل محمّدية.
فكيف لكلماتي المتواضعة مهما تسامت أن تخط موقفا واحدا من مواقفه صلّى الله عليه و سلّم أو أن تصف خصلة واحدة من خصاله ؟
انتابني إحساس من الحيرة و اليقين في آن واحد , حيرة حول ما يمكن أن أنتقيه من سيرة زخرت بعظيم المواقف و حياة عبقت بعظيم الخلق و يقين بأني مهما اجتهدت و مهما نظمت فإني لن أوفيه حقه .
فهو من اصطفاه الله تبارك و تعالى لتبليغ رسالته و لتأدية أمانة دينه و أعلى به راية التوحيد خفاقة في مشارق الأرض و مغاربها , هو الذي جاء بالحق ليخرج الله به العباد من الظلمات إلى النور و هو الذي تحمل صنوفا من الأذى و العذاب في سبيل إعلاء كلمة الله فما وهن و ما استكان .
و حضرني ههنا قول الشاعر:
رسول الله أخجلني قصيـدي٭٭ فكيف الوصف ما للوصفِ حدُّ
رسول الله يمنعني حيـائـــي٭٭ ويبدو وجه قافيتي يصــــــــــدُّ
رسول الله ما أغناك شِعْرِي٭٭ أيُرجى من دخان السَّمْرِ نَـــــدُّ؟
فعذرًا يا مكان الروح منــي٭٭ سيطرُقُ بابكم شعري فيشــــدو
فمن أين البدء ؟ و كيف الوصف لمن أوجب الله سبحانه وتعالى على المؤمنين طاعته والإقتداء بهديه واتِّباع سُنَّته و توقيره ومحبته فوق محبة الآباء والأبناء والأزواج والعشيرة ، والتجارة والأموال ، وأوعد من تخلف عن تحقيق ذلك بالعقاب ، فقال سبحانه وتعالى : ( قُلْ إِنْ كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (التوبة: 24.)
و لمن قال فيه ربّه تبارك و تعالى مادحا : (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم: 4)
مستعينة بالله لملمت شتات عباراتي و اخترت أن أخطّ سطورا عن رفقه صلّى الله عليه و سلّم مع أصحابه و لم أجد فاتحة لموضوعي خيرا من قول الله تبارك و تعالى له : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ ) (آل عمران: 159)
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش الرفق ويتمثل به في سائر أحواله وشؤون حياته . أليس هو القائل صلّى الله عليه و سلّم كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها:
(إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)
و كذلك القائل باأبي هو و أمي في الحديث المتفق عليه:
(إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله).
و قد تجلّى رفقه صلّى الله عليه و سلّم في مواقف لا تحصى و لا يمكن حصرها لكنني سأورد بعض إشراقات استقيتها من نبع صاف و معين دافق لا ينضبان , و من كلّ إشراقة سأسعى بإذن الله إلى أن أستمدّ إضاءات هي فوائد تنتثر دروسا و عبرا لتنير شيئا من جنبات واقعنا المظلم فتبدّد بعضا من ظلمته.
( إنّ الرفق يعني لين الجانب بالقول والفعل واللطف في اختيار الأسلوب وانتقاء الكلمات وطريقة التعامل مع الآخرين وترك التعنيف والشدة والغلظة في ذلك والأخذ بالأسهل) (1)
الإشراقة الأولى : تنبعث من حديث أبي هريرة رضي الله عنه تحكي لنا رفقه صلّى الله عليه و سلّم بأبي هرّ
كان أبو هريرة رضي الله عنه يصرع بجانب المنبر من شدّة الجوع ممّا دعاه للوقوف على طريق الصحابة يوما طمعا في أن يستضيفه أحدهم على شيء يسد به رمق جوعه . مرّ به أبو بكر فسأله أبو هريرة رضي الله عنهما عن آية من كتاب الله و إنها لمعه غير أنّه رجى بذلك أن يدعوه إلى بيته فأجابه أبو بكر رضي الله عنه و مضى و كذلك مرّ به عمر رضي الله عنه فسأله نفس السّؤال رجاء أن يستتبعه غير أنه أجابه أيضا و مضى حتّى جاء أبو القاسم صلّى الله عليه و سلّم و ما إن نظر إلى وجهه حتى عرف ما به فتبسّم و دعاه إلى أن يلحق به فلحق فلما دخل عنده وجد لبنا
و لمّا سأل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من أين اللبن قيل له أهداه لك فلان فأمر صلّى الله عليه و سلّم أبا هريرة أن يلحق بأهل الصفة لكي يشاركوهم اللبن. يقول أبو هريرة رضي الله عنه واصفا حاله و ما اعتمل في نفسه حينئذ : (فأحزنني ذلك و ما يفعل هذا اللبن في أهل الصفة , لقد رجوت أن أشرب شربة أتقوى بها و لم يكن من طاعة الله ولا طاعة رسوله بدّ )
بقية الخبر نستكشف لطائفه في الحديث الشريف و فيه أنَّ أبا هُرَيرَةَ كان يقولُ : آللهِ الذي لا إلهَ إلا هو، إن كنتُ لأعتمِدُ بكَبِدي على الأرضِ منَ الجوعِ، وإن كنتُ لأشُدُّ الحجَرَ على بطني منَ الجوعِ، ولقد قعَدتُ يومًا على طريقِهم الذي يَخرُجونَ منه، فمرَّ أبو بكرٍ، فسأَلتُه عن آيةٍ من كتابِ اللهِ،ما سأَلتُه إلا ليُشبِعَني، فمرَّ ولم يَفعَلْ، ثم مرَّ بي عُمَرُ، فسأَلتُه عن آيةٍ من كتابِ اللهِ،ما سأَلتُه إلا ليُشبِعَني، فمرَّ ولم يَفعَلْ، ثم مرَّ بي أبو القاسمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتبسَّم حين رآني، وعرَف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال : ( يا أبا هِرٍّ ) . قلتُ : لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال : ( اِلحَقْ ) . ومَضى فاتَّبَعتُه، فدخَل، فاستَأذَنتُ، فأذِن لي، فدخَل، فوجَد لبنًا في قَدَحٍ، فقال : ( من أين هذا اللبنُ ) . قالوا : أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، قال : ( أبا هِرٍّ ) . قلتُ : لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال : ( اِلحَقْ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادعُهم لي ) . قال : وأهلُ الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلامِ، لا يَأوونَ على أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ، إذا أتَتْه صدَقَةٌ بعَث بها إليهم ولم يتناوَلْ منها شيئًا، وإذا أتَتْه هديةٌ أرسَل إليهم وأصاب منها وأشرَكهم فيها، فساءني ذلك، فقلتُ : وما هذا اللبنُ في أهلِ الصُّفَّةِ، كنتُ أحَقُّ أنا أن أُصيبَ من هذا اللبنِ شَربةً أتقوَّى بها، فإذا جاء أمَرني، فكنتُ أنا أُعطيهم، وما عسى أن يَبلُغَني منهذا اللبنِ، ولم يكُنْ من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُدٌّ، فأتَيتُهم فدَعَوتُهم فأقبَلوا، فاستَأذَنوا فأذِن لهم، وأخَذوا مجالسَهم منَ البيتِ، قال : ( يا أبا هِرٍّ ) . قلتُ : لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال : ( خُذْ فأعطِهم ) . قال : فأخَذتُ القَدَحَ، فجعَلتُ أُعطيه الرجلَ فيَشرَبُ حتى يَروى، ثم يَرُدُّ عليَّ القَدَحَ، فأُعطيه الرجلَ فيَشرَبُ حتى يَروى، ثم يَرُدُّ عليَّ القَدَحَ فيَشرَبُ حتى يَروى، ثم يَرُدُّ عليَّ القَدَحَ، حتى انتَهَيتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد رَوِي القومُ كلُّهم، فأخَذ القَدَحَ فوضَعه على يدِه، فنظَر إليَّ فتبَسَّم، فقال : ( أبا هِرٍّ ) . قلتُ : لبَّيكَ يا رسولَ اللهِ،قال : ( بَقِيتُ أنا وأنت ) . قلتُ : صدَقتَ يا رسولَ اللهِ، قال : ( اقعُدْ فاشرَبْ ) . فقعَدتُ فشرِبتُ، فقال : ( اشرَبْ ) . فشرِبتُ، فما زال يقولُ : ( اشرَبْ ) . حتى قلتُ : لا والذي بعَثك بالحَقِّ، ما أجِدُ له مَسلكًا، قال : ( فأرِني ) . فأعطَيتُه القَدَحَ، فحمِد اللهَ وسمَّى وشرِب الفَضلَةَ .(2)
فائدة : إن رفقه صلّى الله عليه و سلّم بأصحابه و تلمّس أحوالهم في كلّ وقت و حين هو ما جعله يرى حاجة أبي هريرة رضي الله عنه في وجهه دون أن يصرح بها في المقابل أبو هريرة كان يتضوّر جوعا لدرجة أنه كان يصرع و كان يرجو شربة اللّبن لكنه الإتباع منعه أن يبادر إليها رغم حاجته الشديدة فيخالف بذلك أمر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم . لله درّهم إنهم صحابة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أبرّ هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه " . كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_ (3) . "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة "(4)
الإشراقة الثانية : من رفقه بصحابته صلّى الله عليه و سلّم أنّه لم يستطب تلبية دعوة جابر بن عبد الله على الطعام و يتركهم جياعا يكدّون على ثغر من ثغور الإسلام أيّام حفر الخندق .
( إنَّا يَومَ الخَندَقِ نَحفِرُ، فعَرَضَت كُدْيَةٌ شَديدَةٌ، فجاءوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا : هذه كُدْيَةٌ عَرَضَت في الخَندَقِ، فقال : ( أنا نازِلٌ ) . ثُمَّ قامَ وبَطْنُهُ مَعصوبٌ بحَجَرٍ، ولَبِثنا ثلاثةَ أيَّامٍ لا نَذوقُ ذَواقًا، فأخذ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المِعْوَلَ فضرب الكُدْيَة، فعاد كَثيبًا أهيَلَ، أو أهيَمَ، فقُلْت : يا رسولَ اللهِ، ائذَن لي إلى البيتِ، فقُلْت لامرأتي : رأيتُ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟يئًا ما كان في ذلك صبرٌ، فعِندَك شيءٌ ؟ قالتْ : عِندَي شَعيرٌ وعَناقٌ، فذَبَحَتِ العَناقَ، وطَحَنَتِ الشَّعيرَ حتى جَعَلنا اللَّحمَ في البُرمَةِ، ثم جئتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والعَجينُ قَد انكَسَر، والبُرمَةُ بينَ الأثافِيِّ قد كادَت تنضَج، فقُلْت : طُعم لي، فقُم أنتَ يا رسولَ ورجلٌ أو رجلانِ، قال : ( كَم هو ) . فذَكَرتُ له، قال : ( كَثيرٌ طَيِّبٌ، قال : قُلْ لها : لا تَنزِعِ البُرمَةَ، ولا الخُبزَ مِنَ التَّنُّورِ حتى آتيَ، فقال : قوموا ) . فقام المُهاجِرونَ والأنصارُ، فلما دخل على امرأتِهِ قال : ويحكِ جاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالْمُهاجِرينَ والأنصارِ ومن مَعَهم، قالتْ : هل سألكَ ؟ قُلْت : نعم، فقال : ( ادْخُلوا ولا تَضاغَطوا ) . فجعل يَكسِرُ الخُبزَ، ويجعَلُ عليه اللَّحمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إذا أخَذَ مِنهُ، ويُقَرِّبُ إلى أصْحابِهِ ثم يَنزِعُ، فلم يَزَل يَكسِرُ الخُبزَ، ويَغرِفُ حتى شَبِعوا وبَقيَ بَقيَّةٌ، قال : ( كُلي هذا وأهْدي، فإنَّ الناسَ أصابَتهُم مَجاعَةٌ ) .)(5)
كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يجوع مع أصحابه ويعرى معهم ويسير على قدميه معهم لذلك كان محلّه في سويداء القلب. فما رآه الصّحابة رضوان الله عليهم قطّ في حالة تباين حالتهم بل كان أدناهم في المعاش . نعم الأسوة و القدوة بأبي هو و أمّي ما كان ليأمرهم بأن يتقلّلوا من الدنيا بينما يرفل في نعيمها و لا كان ليكسر نفوس أصحابه بأن يركن إلى طيب العيش بينما يعيشون عيشة الضّنك . لو أراد لفاق ملوك الأرض ثراء لكنّ نفسه النقية الطّاهرة لم تكن لتتعلّق بشيء من متاع الدّنيا و سمت تطلب ما عند الله.
فائدة : و فيها تسلية للمستضعفين لمّا نستذكر ما تعرّض له رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من صنوف الإيذاء و ألوان الإساءة و أنّه تحمّل الجوع و جاهد في الله حقّ جهاده و قد كسرت رباعيته الكريمة و شجّ رأسه في أحد و في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد قال ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً). متفق عليه.
لمّا نستذكر كلّ هذا فإنّ ذلك يهوّن علينا ما نحن فيه و من سيرته صلّى الله عليه و سلّم نستمدّ الثبات لنقبض على هذا الدّين ولا نفرّط فيه. فما هذه الدنيا إلّا ساعة بعدها يحطّ المؤمن رحله في الجنّة و ينسى بؤسه قطّ بعد أوّل غمسة فيها .
الإشراقة الثالثة : رفقه صلّى الله عليه و سلّم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : (بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). رواه البخاري.
فائدة : إنه الرفق ذلك الخلق الرفيع الصّادر عمّن وصفه ربّه بأنّه على خلق عظيم رفق (يضع الأمور في نصابها ويصحح الأخطاء ويقوّم السلوك ويهدي إلى الفضائل بألطف عبارة وأحسن إشارة وطريقة تأسر القلوب) (6). فعلى من تصدّى لتعليم النّاس الدّين أن يبتعد عن الغلظة وأن يضع في اعتباره في كثير من الأحيان أنّ المخالف جاهل لا معاند.
الإشراقة الرابعة: رفقه صلّى الله عليه و سلّم بصحابته في العبادات و مراعاة ظرفهم و تحذير الناس من التنفير عن الدّين
فقد قال صلّى الله عليه و سلّم (أيها الناس إن منكم منفرين) لمّا قدم إليه رجل يشكو إطالة فلان في الصّلاة كما جاء في الحديث الصّحيح : (قال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، إني لأتأَخَّرُ عن الصلاةِ في الفجرِ ممَّا يُطيلُ بنا فلانٌ فيها ، فغضبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ما رأيتُهُ غضبَ في موضعٍ كان أشدَّ غضبًا منهُ يومئِذٍ ، ثم قال : يا أيها الناسُ ، إنَّ منكم مُنَفِّرِينَ ، فَمَنْ أَمَّ الناسَ فليتجوَّزَ ، فإنَّ خلفَهُ الضعيفُ والكبيرُ وذا الحاجة) (7)ِ .
و في الحديث الآخر :
(كان معاذُ يصلي مع رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ العشاءَ ، ثم يرجعُ فيصلي بأصحابِه ، فرجع ذاتَ ليلةٍ فصلى بهم ، وصلى فتىً من قومِه فلما طال على الفتى ؛ صلى وخرج وأخذ بخطامِ بعيرِه وانطلق ، فلما صلى معاذُ ، ذكر ذلك له ، فقال : إن هذا به لنفاقٌ ! لأخبرن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالذي صنع ، وقال الفتى : وأنا لأخبرن رسولَ اللهِ بالذي صنع . فغدوا على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأخبره معاذُ بالذي صنع الفتى ، فقال الفتى : يا رسولَ اللهِ ! يطيلُ المكثَ عندك ، ثم يرجعُ فيطيلُ علينا ، فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أفتانٌ أنت يا معاذُ ؟ ! وقال للفتى : كيف تصنعُ أنت يا ابنَ أخي ! إذا صليتَ ؟ قال : أقرأُ بفاتحةِ الكتابِ ، وأسأل اللهَ الجنةَ ، وأعوذُ به من النارِ ، وإني لا أدري ما دندنتُك ودندنةُ معاذٍ ! فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إني ومعاذُ حول هاتين ، أو نحو ذا ، قال : فقال الفتى : ولكن سيعلمُ معاذُ إذا قدم القومَ وقد خبروا أن العدوَّ قد أتوا . قال : فقدموا فاستشهد الفتى ، فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعد ذلك لمعاذٍ : ما فعل خصمي وخصمُك ؟ قال : يا رسولَ اللهِ ! صدق اللهُ وكذبت ؛ استشهد) (8)
كذلك عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه به)(9)
فائدة : من قصّة معاذ رضي الله عنه نتربّى على أن لا تنتقص الناس مهما بلغت مكانتنا فإننا لا ندري بم يختم لنا و لهم فإذا وعظنا فالأولى أن نقدّر وضع مخاطبنا فإن لمسنا رقّة في دينه فيجدر بنا أن لا نظهر الورع فيما يجوز التّرخص فيه بل نأخذ بالجواز حتّى نرتقي به شيئا فشيئا وصولا إلى الورع فمن كان حاله ازدراء الخلق و انتقاصهم و التعالي عليهم بما منّ الله به عليه من هداية فإنّه ليس سفيرا جيّدا لدينه . و تأمّلوا قول عليّ رضي الله عنه : ( حدِّثوا النَّاسَ بِما يَعرِفونَ أَتريدونَ أن يُكذَّبَ اللَّهُ ورسولُه)(10)ُ
(فاستعمال الرفق في الأمور يؤدي إلى أحسن النتائج وأطيب العواقب ويبارك الله في هذا السلوك وينفع به. أما استعمال العنف والشدة والغلظة فيفسد الأمور ويصعبها على أصحابها فتكون النتائج عكسية ويحرم الخير من ترك الرفق وترفع البركة في عمله ويصعب عليه الأمر.) (11)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله). رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه). رواه مسلم.
الإشراقة الخامسة : رفقه صلّى الله عليه و سلّم مع العاصي التائب
:عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بينما نحن جلوس عند النّبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال ما لك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلّم هل تجد رقبة تعتقها قال: لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا فقال فهل تجد إطعام ستين مسكينا قال لا فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل فقال: أنا فقال: خذه فتصدق به). متفق عليه.
و من رفقه صلّى الله عليه و سلّم بأمّته عامّة ( أنّه نهاهم عن الوصال خشية المشقة بهم ورفقه بهم في ترك الأمر بالسواك عند الصلاة وترك تأخير العشاء إلى وقتها الفاضل خشية المشقة عليهم وغير ذلك مما يطول ذكره كالإبراد بالصلاة وقت الحر والجمع بين الصلوات حال العذر. ) (12)
ومع كون الرفق تجلّى معلما بارزا في خلق النبي صلى الله عليه و سلّم و اتّسم به كثير من مواقفه فأسر بذلك العقول و الألباب و أخذ بمجامع القلوب إلّا أنه صلّى الله عليه و سلّم لم يتوان عن تنزيل الشّدّة في مواضعها إذا ما تحقّقت فيها المصلحة أكثر
من تلكم المواضع نذكر:
_إقامة الحدود
_مقام التعزير
_قتال الكفار وجهادهم
_زجر العاصي المعاند (كما في حديث مسلم عن الرجل الذي أبى إلّا أن يأكل بشماله خلافا لما أمره به رسول الله صلّى الله عليه و سلّم )
_في النهي عن البدع والمحدثات ( فقد غضب صلّى الله عليه و سلّم عندما رأى عمر رضي الله عنه يمسك التوراه)
( ومع ذلك فلم يكن في شدته ظلم لأحد أو مجاوزة لحدود الله في حقوق الخلق وحرمتهم. و بهذا يتبين أن سلوك الرفق في كل شيء حتى إذا انتهكت محارم الله وضيعت الحقوق وأميتت السنة مسلك خاطئ مخالف للشرع وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب إذا انتهكت محارم الله. وكذلك سلوك الشدة في سائر الأحوال والأمور مسلك خاطئ يفضي إلى تنفير الناس وصرفهم عن الحق ووقوع العداوة والبغضاء وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتيسير وعدم التعسير وكان يرشد أصحابه بذلك إذا بعثهم إلى الأمصار. والحاصل أن الفقه والبصيرة في الدين هي أن الأصل في الأمور كلها الرفق إلا في أحوال قليلة تستعمل الشدة. قال النووي في شرح حديث الرفق: (وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة). وهذا المسلك الحق من توفيق الله للعبد وتيسيره. فهنيئا لمن اقتدى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكان رفيقا لطيفا متسامحا تاركا للعنف والشدة هينا قريبا يألف ويؤلف)(13).
تمّ بفضل اللّه هذا البحث المتواضع و قد كنت أسابق الزّمن لأشارك به في فعاليّة شمائل محمّديّة فأسأل الله أن يتقبّله قبولا حسنا و ما كان فيه من توفيق فهو من الله وحده له الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه و أمّا ما كان فيه من خطأ أو زيغ فمنّي و من الشيطان.
و ختاما أستغفر الله لي و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات و أصلّي و أسلّم على خير من وطئ الثّرى نبيّنا و حبيبنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم و على آله و صحبه أجمعين .
----
االمراجع :
-1 مقال لخالد بن سعود البليهد عضو الجمعيّة العلميّة السّعودية للسّنّة منشور في موقع صيد الفوائد تحت عنوان خلق الرّفق في حياة النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم .
2- الراوي : أبو هريرة المحدث : البخاري , المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6452 خلاصة حكم المحدث :
3- الاستيعاب 1/1
4- تفسير القرطبي 1/60 وروى نحوه أبو نعيم في الحلية 1/305 من قول ابن عمر رضي الله عنهما
5- الراوي : جابر بن عبدالله المحدث : البخاري , المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4101 خلاصة حكم المحدث :
6- من مقال لخالد بن سعود البليهد عضو الجمعيّة العلميّة السّعودية للسّنّة
7- الراوي : عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود , المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 704 خلاصة حكم المحدث : (صحيح)
8- الراوي : جابر بن عبدالله , المحدث : الألباني , المصدر : صفة الصلاة الصفحة أو الرقم: 106 خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد، وأصل القصة في الصحيحين
9- الراوي : أنس بن مالك المحدث : البخاري ,المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 709 خلاصة حكم المحدث :
10- الراوي : علي بن أبي طالب المحدث : السيوطي , المصدر : الجامع الصغير الصفحة أو الرقم: 3693 خلاصة حكم المحدث : حسن
11- من مقال لخالد بن سعود البليهد عضو الجمعيّة العلميّة السّعودية للسّنّة بتصرّف
12- من مقال لخالد بن سعود البليهد عضو الجمعيّة العلميّة السّعودية للسّنّة بتصرّف
13- من مقال لخالد بن سعود البليهد عضو الجمعيّة العلميّة السّعودية للسّنّة
بالإضافة إلى :
- سلسلة أخلاق النبي لفضيلة الشّيخ المحدّث أبي إسحق الحويني
- موقع الدّرر السنية
17
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
والله تعالى يقول ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم *فإن تولوا فقل
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم )
انتقاء جميل جعلني اسرح بخيالي مع خير البرية عليه الصلاة والسلام
فنفع الله بك وبعلمك وزادك الله بصيرة وهدى
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم *فإن تولوا فقل
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم )
انتقاء جميل جعلني اسرح بخيالي مع خير البرية عليه الصلاة والسلام
فنفع الله بك وبعلمك وزادك الله بصيرة وهدى
رضي الله عنهم وهنيئاً لهم صحبة خير البشرية صلى الله عليه وعلى آله وسلم،
نسأل الله من فضله،،
جزيت خيرا أختي.
نسأل الله من فضله،،
جزيت خيرا أختي.
(حسبي ربي) حياك الله حبيبة الله حسبنا و نعم الوكيل و جزاك الله بمثل ما دعوت و أجزل لك المثوبة
زينة و كنز حي هلا بالطيبات من المعرفات الرّاقية التي أستمتع بالإبحار بين كلماتها تصدّقان عرفت موطنكما قبل أن تصرّحا سبحان الله برغم لهجتكما العربية الفصيحة عندما كنت أقرأ لكما كنت أحس نفحا قادما من بلاد المغرب الإسلامي و قلت في نفسي إمّا أنها تونس أو الجزائر سبحان الله نادرا ما يغيب عني من يحمل ريحا من تلك البلاد ولا أدري ما السرّ ربّما لأنّي نبتت و ترعرعت في تلك الأرض سرعان ما آلف أهلها أو هي الأرواح جنود مجنّدة تتعارف و تتآلف أو هو سمت معيّن فينا تفضحه الكلمات لا أدري
ميسون يا ريحانة من الشام أرض سكنت قلبي من أوّل لقاء بيننا و ترك سمت أهلها في نفسي الأثر الكبير الكبييير
ممّا علق في الذاكرة و لن يمحى بإذن الله ما قضيته فيها مع أهلي من طيّب الأيّام قبل أن يعم فيها الخطب و يشتدّ الكرب
و قفلت عائدة إلى موطني بأطيب الذكريات من دمشق و حلب و بلودان
فكّ الله كربها و أقرّها بعزة و نصر شامي الحبيبة
جمع الله كلمتنا و المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها على كلمة لا إله إلّا الله
سعدت بتواجدكن بين صفحاتي أيّما سعادة جزاكنّ الله خيرا
زينة و كنز حي هلا بالطيبات من المعرفات الرّاقية التي أستمتع بالإبحار بين كلماتها تصدّقان عرفت موطنكما قبل أن تصرّحا سبحان الله برغم لهجتكما العربية الفصيحة عندما كنت أقرأ لكما كنت أحس نفحا قادما من بلاد المغرب الإسلامي و قلت في نفسي إمّا أنها تونس أو الجزائر سبحان الله نادرا ما يغيب عني من يحمل ريحا من تلك البلاد ولا أدري ما السرّ ربّما لأنّي نبتت و ترعرعت في تلك الأرض سرعان ما آلف أهلها أو هي الأرواح جنود مجنّدة تتعارف و تتآلف أو هو سمت معيّن فينا تفضحه الكلمات لا أدري
ميسون يا ريحانة من الشام أرض سكنت قلبي من أوّل لقاء بيننا و ترك سمت أهلها في نفسي الأثر الكبير الكبييير
ممّا علق في الذاكرة و لن يمحى بإذن الله ما قضيته فيها مع أهلي من طيّب الأيّام قبل أن يعم فيها الخطب و يشتدّ الكرب
و قفلت عائدة إلى موطني بأطيب الذكريات من دمشق و حلب و بلودان
فكّ الله كربها و أقرّها بعزة و نصر شامي الحبيبة
جمع الله كلمتنا و المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها على كلمة لا إله إلّا الله
سعدت بتواجدكن بين صفحاتي أيّما سعادة جزاكنّ الله خيرا
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك اختي الحبيبة على ما بذلتيه من مجهود في سبيل اخراج بحثك بأبهى صورة لتنفعي به غيرك ، مشكورة 🌹