في هذا الشهر الحافل بآيات الطاعة والإيمان
تظهر أسمى مراتب الخلق الإسلامي
متجلية في مقاصد الصوم وما يرمي إليه من تزكية النفس
وتطهيرها والسمو بها . خاصة أن شهر رمضان جامع لسائر العبادات
من صيام وصلاة وزكاة وتلاوة قرآن ..
🕌
والقرآن الكريم يشير بوضوح إلى الغاية الكبرى من رمضان ألا وهو تحقيق التقوى ..! قال جل وعلا :{ ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام
كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }. التقوى هي الغاية الكبرى والشجرة الخضراء التي تتفرع منها الغصون ..الموصلة إليها .
🕌
إن الصوم للعباد ليس إلا : رحمةً وإحساناً ووقاية من النار
من رب رحيم . يقول ابن القيم : { والمقصود أن مصالح الصوم
لما كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة
شرعه الله لعباده رحمة وإحساناً وحمية وجنة .
🕌
رمضان وإخلاص النية ~ إن شرط قبول الأعمال إخلاص النية
قال تعالى :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ولذلك كانت النية أساساً للصيام .. وينبغي تجديدها كل يوم قبل طلوع الفجر . وهذا العمل القلبي فائدته أن يعوّد المسلم نفسه على النية في كل عمل يهمّ به .. وأن تكون نيته موجهة لله تعالى وحده .. وبذلك يستحق الجزاء والثواب .
🕌
وتتجلى في رمضان بين المسلمين روح الجود والعطاء ومن أعلى مراتب الجود: بذل النفس ~ يقول الشاعر :
والجود بالنفس إن ضن البخيل بها
فالجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقد كان رمضان شهر الفتوحات العظيمة
وكان الصائمون نموذجاً عالياً في التضحية والإقدام والبطولة
ففي السنة الثانية من الهجرة وفي السابع عشر من رمضان
كانت غزوة بدر الكبرى فاتحة الانتصارات.. التي تلألأت على جبين الدهر..
وفي السنةالثامنة للهجرة في العشرين من رمضان كان الفتح الأعظم .. فتح مكة الذي كسر شوكة الكفر ، ورفع راية الحق .. واستبشر به أهل السماء ، وضرب جذور الإسلام بعيداً في الأرض،
فدخل الناس في دين الله أفواجا.
🕌
رمضان والعطاء ~ يقول الله تعالى :{ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } حين يقدم المرء طواعية ، وامتثالاً لأمر الله من ماله
الذي تعب في تحصيله ، للسائل والفقير والمسكين والمحروم .. فتلك درجة عالية من الإيمان .. ورفعة في الشعور الانساني والإحساس بالمحتاجين ومشاركتهم .. كما أن ذلك يجعله يتخطى الأنانية والحرص والأثرة .. وصولاً للفوز برضا الله وطمعاً فيما عنده .. وهو في الوقت ذاته إعانة للصائمين المحتاجين في طاعتهم
واقتداء برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
إذ كان جواداً لايرد محتاجاً ، وفي رمضان كان أجود من الريح المرسلة: تعود بسط الكف حتى كأنه
ثناها لقبض لم تجبه أناملهُ هو البحر من اي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحلهُ
* والجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة .. قال الرسول الكريم :{ إن في الجنة غرفا ، ترى ظهورها
من بطونها ، وبطونها من ظهورها}. فقام أعرابي فقال : لمن هي يارسول الله ؟ قال :{ لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام }. علماً بأن الصدقة تجبر مافي الصوم من خلل .
🕌
رمضان شهر الصبر ~
يتحقق الصبر للنفس بتقوية الإرادة والاحتمال .. وهو مقصد عظيم للصيام ، ولا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الكبيرة . والصبر ثلاثة تجتمع في رمضان : صبر ٌ على طاعة الله .. وصبرٌ عن محارم الله .. وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة فالصبر على مايحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش
وضعف النفس والبدن ، والألم الناشئ من الطاعات
يثاب عليه صاحبه ، كما قال تعالى في المجاهدين فيه : (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ
وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحۚ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ).
🕌
رمضان وتقويم الأخلاق ~ في الصوم تربية للخلق وتقويم للسلوك .. ذلك لانه عبادة مستورة بين العبد وربه ، لامكان فيها
للرياء ، يصوم المرء وحسبه من جوعه وخضوعه علم الله به
واطلاعه على صدق نيته . ومن محاسن الخلق في رمضان وغيره : بسط اليد ، والكرم ، والبشر .. فإن لم يستطع المسلم أن يسع الناس بماله
ملك قلوبهم بحسن خلقه وجميل تعامله .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كريم يحب الكرماء ،جواد يحب الجود ، يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها ) فلنحرص على اجتناب الهفوات ، والارتفاع بمعايير أخلاقنا
وليكن رمضان البداية ، ثم نستمر في الالتزام بالخلق الكريم .
🕌
وأرفع درجات الإيمان خُلُقاً : العفو ، وكظم الغيظ
يقول الله تعالى :{ والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس
والله يحب المحسنين }. الصوم تربية وتقويم اعوجاج النفس ، وما تسوّل به من
كذب وغش ونميمة وعدوان وكل خوض بالباطل .. فإن لم يتحقق ذلك ، فقد خرج المسلم من صيامه.. بالجوع والعطش، وفي الحديث الصحيح : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة
في أن يدع طعامه وشرابه ).
🕌
قيل ليوسف عليه السلام وكان كثير الجوع : لم تجوع وأنت على خزائن الأرض ؟ قال : إني أخاف أن أشبع فأنسى الجائع . الصوم يحرك الإحساس بجوع الفقير .. فيبادر الصائم إلى المساعدة ..
ولو عمل كل صائم بفضيلة المساعدة للمحتاج سواء كان قريباً أو غريباً أو جاراً لما بقي هناك جائع ولا محروم .
🕌
رمضان وتجديد التوبة ~ { كل ابن آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوابون } إن اقتراف الأخطاء من طبيعة البشر ، فلا أحد معصوم من الخطأ .. ولذلك كانت الحاجة ملحّة إلى تجديد التوبة دائماً .. وشهر رمضان خير موسم للتوبة .. ففيه تفتح من أبواب الرحمة والمغفرة مايفوق كل موسم وفيه يكتسب التائب الصادق في توبته صفة ( التوّاب ) التي يحتاجها في مسيرة الحياة المليئة بالعثرات .
🕌
أختي المؤمنة ~ إن شهر رمضان ، شهر عبادة وعمل وإنتاج .. لاشهر رفاهية ، ونوم ، وتعطل ، وكسل .. لاشهر تسابق في المظاهر ، وتفاخر وتباهي
وتفنن في اللباس ، وفي أنواع الأطعمة والأشربة ،
ينبغي أن لانترك اللب ونهتم بالقشور .. ينبغي أن لايفوتنا أو يغيب عنا أبداً الهدف الأسمى
من الصيام .. ألا وهو تحقيق التقوى .. والتي لاتتحقق إلا بالإحاطة والإيمان والالتزام
بكل مقاصد الصيام دون تهاون أو تقصير في أي منها
بأن نعتنق الصوم روحاً وبدناً ، قولاً وسلوكاً وعملاً .. نهتم بالجوهر .. ولا نجري وراء المظهر .. الصوم شرع من رب العباد رحمة بهم ، وإحساناً إليهم
ووقاية لهم من النار.. يقوا ابن القيم :{ ...وأن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده
رحمة بهم ، وإحساناً إليهم ،وحمية لهم وجنّة }.
🕌
ختاماً ~ علينا الاستعانة بالله لتحقيق غابة التقوى
بالنية الصادقة ... بالتوبة النصوح .. بالخلق الفضيل .. مقتدين بالرسول الكريم والسلف الصالح . ليكون صيامنا كاملاً، وأجرنا موفوراً، وقيامنامتقبلاً ، ودعاؤنا مستجاباً.
الله يوفقك لكل خير...