وهي قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي - رحمه الله - في مدح النبي صلى الله عليه وسلم :
ريمٌ على القاعِ بيـن البانِ والعلَمِ # أَحَلّ سفْكَ دمي في الأَشهر الحُرُمِ ..
رمى القضاءُ بعيْني جُؤذَر أَسدًا # يـا ساكنَ القـاعِ أَدرِكْ ساكن الأَجمِ ..
لما رَنا حدّثتني النفسُ قائلةً # يـا وَيْـحَ جنبِكَ بالسهم المُصيب رُمِي ..
جحدتهـا وكتمت السهمَ فـي كبدي # جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غيرُ ذي أَلمِ ..
رزقتَ أَسمح ما في الناس من خُلق # إِذا رُزقـتَ التماس العذْر في الشِّيَمِ ..
يـا لائمي في هواه - والهوى قدَرٌ - # لـو شـفَّك الوجـدُ لم تَعذِل ولم تلُمِِ ..
لقد أَنلْتُك أُذْنًا غـير واعيـةٍ # ورُبَّ متنصتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ ..
يا ناعس الطَّرْفِ لاذقْتَ الهوى أَبدًا # أَسهرْتَ مُضناك في حفظِ الهوى فنمِ ..
أَفْديك إِلفًا ولا آلـو الخيال #أَغراك بالبخلِ مَن أَغراه بالكرمِ ..
سرَى فصادف جُرحًا داميًا فأَسَا # ورُبَّ فضلٍ على العشاقِ للحُلُمِ ..
مَن الموائسُ بانًا بالرُّبى وقَنًا # اللاعباتُ برُوحي السافحات دمِي ..
السافِراتُ كأَمثالِ البُدُور ضُحًى # يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ ..
القاتلاتُ بأَجفانٍ بها سَقَمٌ #وللمنيةِ أَسبابٌ من السّقَمِ ..
العاثراتُ بأَلبابِ الرجال وما أُقِلنَ # مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ ..
المضرماتُ خُدودًا أسفرت وَجَلتْ # عن فِتنة تُسلِمُ الأَكبادَ للضرَمِ ..
الحاملاتُ لواءَ الحسنِ مختلفًا # أَشكالُه وهو فردٌ غير منقسِمِ ..
من كل بيضاء أو سمراء زينتا للعينِ # والحُسنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ ..
يُرَعْنَ للبصرِ السامي ومن عجبٍ # إِذا أَشَرن أَسرن الليثَ بالعَنمِ ..
وضعتُ خدِّي وقسَّمتُ الفؤادَ ربًى # يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منه وفي أَكمِ ..
يـا بنـت ذي اللِّبَـد المحمي جانبه # أَلقـاكِ فـي الغاب أَم أَلقاكِ في الأطُمِ ؟
ما كنتُ أَعلم حتى عنَّ مسكنُه # أَن المُنى والمنايا مضرب الخِيمِ ..
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟ # وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ ؟..
بيني وبينكِ من سُمْرِ القَنا حُجُب # ومثلُها عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ ..
لم أَغش مغناكِ إِلا في غضونِ كَرًى # مَغناك أَبعدُ للمشتاقِ مـن إِرَمِ ..
يا نفسُ دنياكِ تُخْفي كلَّ مُبكيـةٍ # وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ ..
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ # كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ ..
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ - خاطبَةٌ # مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل ولم تَئمِ ..
يَفنى الزّمان ويبقى مـن إِساءَتِها # جـرْحٌ بآدم يَبكـي منه في الأَدمِ ..
لا تحفلي بجناها أَو جنايتها المـوتُ # بالزَّهْر مثلُ المـوت بالفَحَمِ ..
كم نائمٍ لا يَراها وهي ساهرةٌ # لولا الأَمانيُّ والأَحلامُ لـم ينـمِ ..
طورًا تمدّك في نُعْمى وعافيةٍ # وتارةً في قرَار البـؤس والـوَصَمِ ..
كم ضلَّلتـكَ وَمَـن تُحْجَبْ بصيرتُه # إِن يلقَ صابا يَـرِد أَو عَلْقمـا يَسُمِ ..
يا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا # مُسْوَدَّةُ الصُّحْفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ ..
ركَضْتهـا في مَرِيع المعصياتِ وما # أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ ..
هامت على أَثَرِ اللَّذات ِتطلبُهـا # والنفسُ إِن يَدْعُها داعي الصِّبا تَهمِ ..
صلاحُ أَمرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه # فقوِّم النفسَ بالأَخلاقِ تســتقمِ ..
والنفسُ من خيرِها في خـيرِ عافيةٍ # والنفسُ مـن شرها في مَرْتَعٍ وَخِمِ ..
تطغى إِذا مُكِّنَتْ من لذَّةٍ وهوًى # طَغْيَ الجيادِ إِذا عَضـت على الشُّكُمِ ..
إِنْ جَلَّ ذَنبي عن الغُفران ليأَملٌ # في اللهِ يجعلني في خـيرِ مُعتصَمِ ..
أُلقي رجائي إِذا عزَّ المُجـيرُ على # مُفرِّج الكرب في الدارينِ والغمَمِ ..
إِذا خفضتُ جَناحَ الذُّلِّ أَسأَله عِزَّ # الشـفاعةِ لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ ..
وإِن تقدّم ذو تقوى بصالحةٍ # قدّمتُ بين يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ ..
لزِمتُ بابَ أَمير الأَنبياءِ ومَنْ # يُمْسِكْ بمِفتاح باب الله يغتنِمِ ..
فكلُّ فضلٍ وإِحسانٍ وعارفةٍ # ما بين مستلمٍ منه ومُلتزمِ ..
علقتُ من مدحهِ حبلاً أعزُّ بـه # في يوم لا عِزَّ بالأَنسابِ واللُّحَمِ ..
يُزرِي قَرِيضِي زُهَيْرًا حين أَمدحُه # ولا يقاسُ إِلى جودي لـدَى هَـرِمِ ..
محمدٌ صفوةُ الباري ورحمتُـه # وبغيَةُ الله من خَلْقٍ ومن نَسَمِ ..
وصاحبُ الحوض يومَ الرُّسْلُ سائلةٌ # متى الورودُ وجبريلُ الأَمين ظَمي ..
سناؤه وسناهُ الشمسُ طالعةً # فالجِرمُ في فلكٍ والضوءُ في عَلَمِ ..
قد أَخطأَ النجمَ مـا نالت أُبوَّتُـه # من سؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم ..
نُمُـوا إِليـه فـزادوا في الورَى شرَفًا # ورُبَّ أَصلٍ لفرع فـي الفخـارِ نُمي ..
حَوَاه في سُـبُحاتِ الطُّهرِ قبلهـم # نوران قامـا مقـام الصُّلبِ والرَّحِم ..
لما رآه بَحيرا قال: نعرِفُه # بما حفظنا من الأَسماءِ والسيمِ ..
سائلْ حِراءَ وروحَ القدس: هلع َلما # مَصـونَ سِرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟
كم جيئةٍ وذهابٍ شرِّفتْ بهما # بَطحاءُ مكة في الإِصباح والغَسَمِ ..
ووحشةٍ لابنِ عبـدالله بينهما # أَشهى من الأُنس بالأَحباب والحشَمِ ..
يُسامِر الوحيَ فيهـا قبـل مهبِطـه # ومَن يبشِّرْ بسِيمَى الخـير يَتَّسِـمِ ..
لمـا دعا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ # فاضتْ يداه من التسنيم بالسَّنِمِ ..
وظلَّلَته فصارت تستظلُّ بـه #غمامةٌ جذَبَتْها خِــيرةُ الــديَمِ ..
محبـةٌ لرسولِ اللهِ أُشرِبَها # قعائدُ الدَّيْرِ والرُّهبانُ في القِممِ ..
إِنّ الشمائلَ إِن رَقَّتْ يكاد بها # يُغْرَى الجَمـادُ ويُغْرَى كلُّ ذي نَسَمِ ..
ونـودِيَ: اقـرأْ تعالى اللهُ قائلُها # لم تتصلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ ..
هناك أَذَّنَ الرحمنِ فامتلأَت #أَسماعُ مكَّةَ مِن قُدسيّة النَّغـمِ ..
فلا تسلْ عن قريش كيف حَيْرتُها؟ # وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ؟ ..
تساءَلوا عن عظيمٍ قد أَلمَّ بهـم # رمَى المشايخَ والولدانَ باللَّممِ ..
يا جاهلين على الهادي ودعوتِـه # هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟ ..
لقَّبتموهُ أَمينَ القومِ في صِغرٍ # وما الأَمينُ على قوْلٍ بمتّهَمِ ..
فـاق البـدورَ وفاق الأَنبيـاءَ # فكـمْ بـالخُلْق والخَلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ ..
جاءَ النبيون بالآياتِ فـانصرمت # وجئتنا بحكيمٍ غيرِ مُنصرمِ ..
آياتُه كلّما طالَ المـدَى جُـدُدٌ # يَزِينُهنّ جلالُ العِتق والقِـدمِ ..
يكــاد في لفظةٍ منه مشـرَّفةٍ # يوصِيك بالحق والتقوى وبالرحمِ ..
يا أَفصحَ الناطقين الضادَ قاطبـةً# حـديثُك الشّهدُ عند الذائقِ الفهِـمِ ..
حَلَّيتَ مـن عَطَلٍ جِيدَ البيانِ به # في كلِّ مُنتَثِر في حسـن مُنتظِمِ ..
بكلِّ قولٍ كريمٍ أَنـت قائلُه # تُحْيي القلوبَ وتُحْيي ميِّـتَ الهِممِ ..
سَـرَتْ بشائِرُ بالهادي ومولِده# في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ ..
تخطَّفتْ مُهَجَ الطاغين من عربٍ # وطيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ ..
رِيعت لها شُرَفُ الإِيوان فانصدعت # مـن صدمـة الحق لا من صدمة القُدمِ ..
أَتيـتَ والناسُ فَوْضَى لا تمـرُّ بهم # إِلاّ عـلى صَنـم قـد هام فـي صنمِ ..
والأَرض مملوءَةٌ جورًا مُسَخَّرَةٌ # لكلّ طاغيةٍ في الخَـلْق مُحـتكِمِ ..
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ # وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ ..
يُعذِّبان عبادَ اللهِ في شُـبهٍ #ويذبَحـان كما ضحَّيت َبـالغَنَمِ ..
والخلقُ يَفْتِك أَقواهم بـأَضعفِهم # كاللَّيث بـالبَهْم أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ ..
أَسرَى بك اللـهُ ليلاً إِذ ملائكُـه # والرُّسْلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ ..
لما خطرتَ بـهم التفُّـوا بسـيدِهم # كالشُّهْبِ بالبدرِ أَو كالجُند بـالعَلمِ ..
صلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ # ومن يفُز بحبيبِ اللـه يـأْتممِ ..
جُبْتَ السمواتِ أَو ما فوقهن دجى # على منوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ ..
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ # لا فـي الجيـادِ ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ ..
مَشِيئةُ الخالق الباري وصَنعتُـه # وقدرةُ الله فوق الشـك والتُّهَـمِ ..
نصر @nsr_1
محرر في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️