زائرة الفجر

الأدب النبطي والفصيح

زَائِرَة ُ الفـَجْر

جَاءَتْ تُذَكرُنِي الهَوَى العُذْرِي

فِي ليلةٍ قَمرَاءَ ، فِي الفَجْرِ

طَرَقَتْ عَليَّ البابَ فِي قَلَقٍ

وَتَلَفّتَتْ مِنْ شِدَّةِ الذُّعْرِ

مَا كُنتُ أُبصِرُ غَيرَ هَالَتِها

وَشذَا العَبِيرِ بِجِسمِها يَسرِي

أَخفَى النِّقَابُ بَهِيَّ طَلعَتِها

وعَدا على الوَجَناتِ والثَّغْرِ

كَمْ كُنتُ أرغَبُ أنْ أُمَزِّقَهُ

قِطَعَاً ، وَأكشِفُ وَجهَهَا الخَمرِي

دَخلَتْ وألقَتْ عَنْ مَفاتنِها

ذَاكَ النِّقابَ ، وَدَمعُها يَجرِي

مَاكَفْكَفَ المَندِيلُ فِي يَدِها

نَـهرَ الجُمَانِ وَسَاقِطَ الدُّرِ

لَمْ أدرِ أنَّ الحُزنَ يَملؤُها

فَلقَدْ شُغلتُ بِخَدِّها البِكْرِ

لَمْ أدرِ أنَّ الدَّمعَ يَغْمُرُها

مِنْ فَرْطِ سِحْرِ عُيونِها الخُضْرِ

لاقيتُها كالبَدرِ مُشرِقَةً

بَلْ دُونَها إشرَاقَةُ البَدرِ

لا قيتُها أصدافَ لؤلؤةٍ

تُغرِي المَحَارَ وَكَوكباً دُرِّي

لاقيتهُا أشذاءَ سَوسَنَةٍ

مَلأى بِكُلِّ رَوائِعِ العِطْرِ

سَاءلْتُها: مالخَطْبُ؟ مُلهِمَتي:

سِحْرَ البَيانِ ورِقَّةَ الشِّعْرِ

قَالَتْ - فَديتُك يازَكيُّ – فَقَدْ

أضنانِيَ التَّفكِيرُ فِي الهَجْرِ

أغفُو على أنَّاتِ مُحتَرِقٍ

وأفيقُ فِي دُنياً مِنَ الجَمْرِ

ألّليلُ أطوَلُ مَا يكونُ إذا

يَغزُو فِراقُكَ لَحظَةً فِكرِي

هِيَ أنَّةُ المَوجوعِ أُطلِقُها

فَتَكَادُ أنْ تَقضِي على الصَّدْرِ

هِيَ حُرّقَةُ المُشتَاقِ أَنفُثُها

فتَشُلُّنِي مِنْ حَيثُ لا أدرِي

يَالَلهُمومِ الكُثْرِ أحمِلُها

فَكَأنَّها جَبَلٌ مِنَ الصَّخْرِ

ياَ مَنْ بَذْرتَ الشَّكَ فِي جَسَدِي

إنَّي قُتلتُ بِذلِكَ البَذْرِ

يَا مَنْ وَثقتُ بِهِ فَخَادَعَنِي

أرهَقتَنِي مِنْ كَثرَةِ المَكْرِ

أينَ الأمَانِيْ إذْ تُدَبِجُهَا

فِي مُقلَتَيَّ كَلامعِ الدُّرِ

أينَ الوعودُ فقدْ مَضَى زَمَنٌ

وَلقدْ سَئِمتُ لِقاءَنا السِّري

ألعَامُ تِلوَ العَامِ يَطحَنُنِي

والذّكرياتُ تَئِنُ فِي صَدرِي

والنَّاسُ تَأكلُنِي بِنَظرَتِها

يَا ثِقْلَ هذِي النَّظرَةِ الشَّزْرِ

وَصدِيقَتي دَومَاً تُعَنِفُنِي

وَتقولُ: وَضعُكِ هَكَذَا مُزرِي

لا بُدَّ أن يَحيَا غَرامُكمَا

أو يَستَرِيحَ بِظُلْمَةِ القَبْرِ

لا بُدَّ أنْ تَصِليهِ فِي عَجَلٍ

أو أنْ تُحِيليهِ إلى البَتْرِ

يَا حُبَّيَ الغَافِي عَلى نَغَمِي

والمُستَلِذُّ بِلَحنِهِ السِّحرِي

ارحَمْ جَرِيحَتَكَ التي عَصَفَتْ

فيها الشُّكوكُ كَهائِجِ البَحْرِ

أقسمتُ لم أعرِفْ سِواكَ كمَا

أقسَمْتُ إنكَ عَاشِقٌ غَيرِي

هَلْ تَحسبُ الأُنثَى إذا انكَسَرَتْ

أحلامُها تغفو عَلى الكَسْرِ

هَلْ تَعرِفُ الأُنثَى إذا انتَقَمَتْ

مِنْ لاعِبٍ بفؤادِها مُغرِي

تَنقَضُّ كالإعصارِ نَاشِرَةً

هَلاكَها وَدَمَارَها الذّرِي

وَتُحِيلُ دُنِيا العَابِثِينَ لَظَىً

مُتَحَرِقَاً للأخذِ بالثَّأْرِ

فَتَّانَةَ العَينَينِ والثغرِ

يَا أعذَبَ الألحَانِ فِي عُمرِي

يَا جَنَّةَ الفِردَوسِ زاخِرَةً

بِالحُورِ وَالوِلدَانِ والخَمرِ

يَا درها المكنون في صدفٍ

يانَهرَها مِنْ تَحتِها يَجرِي

قَسَماً بِسحرِكِ والهَوى العُذرِي

والأُمنياتِ وَخدِّكِ البِكْرِ

والليلِ نَقطَعُهُ بِشقوَتِنا

مَرِحَينِ حَتى مَطلعِ الفَجرِ:

مَا راقَنِي إلاكِ سَيدَتِي

وَلو التقيتُ عَروسَةَ البحرِ

فَخُذِي رَبيعاً وَارِفَاً ألِقَاً

مُتَضَوِّعاً بِنسَائمِ الزَّهْرِ

لَمْ يَبقَ فِي شَفَتيَّ مِنْ كَلِمٍ

وَيدِيْ تَشُدُّ بِقوّةٍ ثَغرِي

أمسَكتُ كَفَّيها وقد طَفَحتْ

فَوقَ الجبينِ عَلائِمُ النَّصْرِ


للشــــــــــاعر *زكي سالم*
1
388

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بحور 217
بحور 217
قصيدة بلغت من الروعة كل مكان ...

لآخر اللحظات لم أكن أعلم من ستكون الزائرة

وإن كنت شعرت أن في الأمر سرا ..

والسر جذاب ساحر ..

بوركت يمينك التي نقلت لنا هذه الرائعة .