*زاد المــؤمن في الفتن والمحــن *د.عبدالســلام بن إبراهيم الحصــين *

ملتقى الإيمان



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد :


فإنَّ الله لما أنزلَ على نبيِّهِ الكتابَ العظيمَ، وأمرَهُ بإبلاغِ هذا الدينِ القويمِ، إلى الناسِ أجمعين، لم يكن ليطيقَ ذلك صلواتُ الله وسلامُهُ عليه إلا بقوةٍ تُمِدُّهُ؛ فكانت هذه القوةُ هي القوةَ الإلهيةَ، والتي تمثلت في مظهرين؛ مظهرِ العلم، ومظهرِ الارتباط بالله، فأنتجا من الصبر والثبات ما رفع الله به مقامَ نبيه r في أعلى عليين.


فأولُ ما نزلَ عليه قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم }، ثم نزل قوله تعالى: {يا أيها المدثر ، قم فأنذر ، وربك فكبر ، وثيابك فطهر ، والرجز فاهجر ، ولا تمنن تستكثر ، ولربك فاصبر}، ثم نزل قوله تعالى: {يا أيها المزمل ، قم الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً ، إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً }؛ ففي الأولى أمر بالعلم، وفي الثانية أمر بالإنذار والبلاغ، مع الصبر والتنزه عن حظوظ النفس، وفي الثالثة أمر بالصلة بالله، والارتباط به، وإدامة ذكره.


فهذه ثلاثة أركان: علم صحيح نافع، يثمر عملاً ويقيناً، يثمر صبراً وثباتاً.


إن المؤمنَ لن يُطيقَ أن يصبر على طاعةِ الله في واقعٍ لا يُعينُه على ذلك، بل يشدُّه إلى ضد ذلك، ما لم يكن له من العلم الصحيح، واليقين الراسخ، والصلةِ بالله ما يقويه ويثبِّتُه، حتى كان رسولُنا صلوات الله وسلامه عليه يُخبر عن ذلك اليقين الذي يتغذى به بقوله: ((إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني))، ثم هكذا كان شأن الصالحين من أمته، السائرين على دربه، يصبرون على الطاعة وأذى الناس؛ لما يحصل في قلوبهم من اليقين الذي يمدهم ويقويهم.


استمع إلى قوله تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}، فقد أمر بالصبر، مع ذكر السبب المعين عليه، وهو أن وعد الله حق، وهذا هو اليقين الذي يغذِّي الصبر، ثم حذَّرَ من الذين لا يوقنون، ألَّا يستخفوا عقلك، ويحتقروا عملك، ويسخروا من صبرك وثباتك؛ فتترك ما أنت فيه من الخير العظيم فتكون خفيف العقل والدين .


وكثيراً ما يقرِنُ ربنا وتبارك وتعالى بين الصبر والذِّكر؛ فيقول في سورة ق: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، ومن الليل فسبحه وأدبار السجود}، ويقول في سورة غافر: {فاصبر إن وعد الله حق واستعفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار }، ويقول في سورة طه: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}، وينادي ربنا عباده المؤمنين بقوله: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ..}.


إن الواقع الذي يعيشهُ العبد قد يحول بينه وبين ما يصبوا إليه من طاعة الله وعبادته، والاستقامة على دينه، بل ربما حمله هذا الواقع على فعل ما يكره، وترك ما يحب، وإن نظرات الآخرين وكلماتهم، وأفعالَهُم قد تكون حائلاً عظيماً بين العبد وبين الهداية، ولكن الله رحِمَ عباده، وجعل لهم من الزاد والغذاء ما يعينهم على تحمل ذلك كله.


إن اللذة التي لا تعدلها لذة؛ هي انتصار العبد على شهواته، وانتصاره على أعداء الخير والعدل، حين يرى جهودهم قد باءت بالفشل، وأن مكرهم قد ارتد عليهم، وأنه لا يزداد يوماً بعد يوم - بسبب ذكره لله واتصاله به– إلا ثباتاً ويقيناً ورضى بالله وبرسوله وبدينه، إنها لذة تسبق اللذة الأخروية التي تصفوا فيها تلك اللذة، وتسلم من منغصات الدنيا، حتى إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس.


وهذه وصايا للحصول على هذه القوة:


1- الصدق مع الله وإخلاص العمل له دون سواه؛ فالصدق سيف الله في الأرض، ما وقع على شيء إلا قطعه، وإن العبد إذا صدق مع الله صدق الله معه، أو ليس الله يقول: {يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وكونو مع الصادقين}، ويقول نبينا r: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة...)).


إن من علامات الصدق مع الله أن يترفع العبد عن الحظوظ النفسية، والشهوات الباطنة، والملاذ الدنيوية، ويكون حبه لله، وبغضه لله، وعمله كله لله: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.


2- تعلم العلم الصحيح الموروث عن سيد البشر، وعن صحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان؛ فإن الله يقول لنبيه r :{فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ..}، ويقول: {وقل رب زدني علماً}، وكيف يحصل اليقين إلا بعلم؟! وكيف يستقيم العمل ويقبل إلا إذا كان مبنياً على علم صحيح؟!


3- العمل الصالح، وهو ثمرة للعلم، فالعلم النافع هو الذي يثمر عملاً صالحاً، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}.


وأول ما يبدأ العبد من العمل الصالح: أداء الفرائض من العبادات والمعاملات؛ فيؤدي الصلاة المفروضة، ويصوم شهر رمضان، ويؤدي الزكاة، ويحج بيت الله الحرام، ويصل الرحم، ويبر والديه، ويصدق في الحديث، ولا يغش أو يخون في المعاملة، ويفي بالوعد، ويعدل في أقواله وأفعاله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصلح بين الناس، ويبتعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.


ثم إذا استكمل فعل الفرائض توجه إلى النوافل، وأعظم ذلك وأحبه إلى الله: ذكره جل وعلا؛ فإنه سبب لكل خير، والذاكرون الله كثيراً والذاكرات هم السابقون، والذكر قد يكون مُفْرَداً بالقول، وقد يكون في الصلاة؛ فالصلاة أعظم أنواع الذكر، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه؛ فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، روجله التي يمشي بها، ولئن سأله ليعطينه، ولئن استعاذه ليعيذنه.


4- الرفقة الصالحة التي تعين على الحق وعلى الصبر؛ فالله جل وعلا يقول: {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، فالرفيق الصالح يعين على الحق، بالتنبيه على المخالفات، وتصحيح الأخطاء، والتذكير بالواجبات، ويعين على الصبر حين تراه صابراً مثلك، أو يواسيك بكلمة أو بفعل، فالجليس الصالح لا تخرج منه إلا بخير.


5- الدعاء ، وهو من العبادات، ولكن أفردته لأهميته، وقد أمرنا الله أن ندعوه في كل ركعة بقراءة الفاتحة، وفيها: {إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم..}، وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..}، فكيف شعور العبد وهو يعلم أن الله قريب منه يجيب دعوته، ويكشف كربته، ويدفع عنه المكاره، ويحفظه من الشرور، إنه شعور تتصاغر أمامه قوى الأرض الهزيلة الضعيفة، التي لا تملك أمام قوة الله شيئاً، بل هي إنما تتحرك بإرادة الله وقدرته، ولا تخرج عن ذلك أبداً.


6- التوكل على الله، والتبرؤ من الحول والطول، والإكثار من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله )؛ فإنها كنز من كنوز الجنة، وإننا لن نطيق فعل شيء بحولنا أو قوتنا، بل قوتنا من الله، وحولنا من الله، ولو وَكَلَنا إلى أنفسنا طرفة عين لهلكنا، فاحذر من أن ترى لنفسك شيئاً، بل كل ما أنت فيه من الهداية والنعمة والصحة والعافية والذكاء، هو من الله وحده لا شريك له، {وما بكم من نعمة فمن الله}.


وأخيراً اعلم أن الله لا يهدي لهذا الدين إلا من يحب، وأن عِظَم البلاء مع عظم الجزاء، وأن من كان في دينه صلابة زيد في بلائه؛ حتى يرفع الله درجته في عليين، ويُعلي مقامه في جنات النعيم.


والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله


13
768

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

*هبة
*هبة
الامــيــرة01
الامــيــرة01
أسال من جلت قدرته
وعلا شأنه
وعمت رحمته
وعم فضله
وتوافرت نعمه
أن لا يرد لك دعوة
ولا يحرمك فضله
وان يغدق عليك رزقه
ولا يحرمك من كرمه
وينزل في كل أمر لك بركته
ولا يستثنيك من رحمته ويجعلك من

(إن لله تعالي أهلين من الناس هم أهل القرآن أهل الله وخاصته )

ومن ( بلغوا عني ولو آية ) حديث صحيح في البخاري
ام حنان 2
ام حنان 2
سطور رائعه بارك الله فيك وآثابك الله تعالى
وجعل الله الجنة موطني وموطنك
و الفردوس داري ودارك
وأسأل الله أن يغفر لي ولك
عائشة المشرقة
عين شيهانة
عين شيهانة