
أنشودة المطر @anshod_almtr
زهرة الواحة
زعلانة .. متكدرة .. نفسيتك تعبانة .. تعالي واقري بهدوء
بســم الله الرحمـن الرحيــم
والصلاة والسلام على أشـرف الأنبياء والمرسلين
وبعــد
ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثلاً معبراً للمؤمن في هذه الحياة، فقال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأَرْزِ لا تهتز حتى تُستحصد»
لقد اختلطت جذور الزرع في الأرض وتماسكت؛ فالريح ـ وإنْ أمالته ـ لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه. وكذلك المؤمن فإنّ المصائب وإنْ آلمته وأحزنته فإنها لا يمكن أنْ تهزمه أو تنال من إيمانه شيئاً؛ ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك.
وهذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع، والأمراض والقواصم؛ فبينا الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينا الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدر حياته ويقضي على آماله
هكذا هي الدنيا، وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر؛ فذلكم دواء أدوائها. قال الحسن ـ رحمه الله ـ: «جرَّبْنا وجرَّب المجرِّبون فلم نر شيئاً أنفع من الصبر، به تداوى الأمور، وهو لا يُداوى بغيره».
«وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر»،
وكان أمر المؤمن ـ من بين الناس ـ أمراً عجيباً؛ لأنّه «إنْ أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيراً له».
أمرنا الله بالصبر، وجعله من أسباب العون والمعيّة الإلهية؛ فقال ـ سبحانه ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،
ثم أخبر مؤكِّداً أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات، وأطلق البشرى للصابرين، وأخبر عن حالهم عند المصائب، وأثبت جزاءهم؛ فقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ} .
واليك أخيتي عشر وصايا تعين المسلم في الصبر على المصائب. وهي:
ولاً: إعداد النفس:
على المسلم أن يهيِّئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأنْ يدرِّبها عليها قبل حدوثها
عليه أنْ يتذكّر دوماً وأبداً زوال الدنيا وسرعة الفناء، وأنْ ليس لمخلوق فيها بقاء
وقد مثَّل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حالَه في الدنيا «كراكب سار في يوم صائف، فاستظلَّ تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها»
ثانياً: الإيمان بالقضاء والقدر:
من آمن بالقضاء والقدر، وعلم أنّ الدنيا دار ابتلاء وخطر، وأنّ القدر لا يُردّ ولا يؤجَّل اطمأنت نفسه، وهان أمره. ومن المشاهَد المعلوم أنّ المؤمنين هم أقلّ الناس تأثُّراً بمصائب الدنيا، وأقلُّهم جزعاً وارتباكاً؛ فالإيمان بالقضاء والقدر صار كصِمَام الأمان الواقي لهم ـ بإذن الله ـ من الصدمات والنكسات.
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وكَّل الله بالرَّحِم مَلَكاً، فيقول: أيْ ربِّ نُطفةٌ؟ أيْ ربِّ عَلقةٌ؟ أيْ ربِّ مُضغَةٌ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال: أيْ ربِّ أذَكَر أم أنثى؟ أشقيٌّ أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب كذلك في بطن أمه»
ثالثاً: تذكر حال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح:
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة لكل مسلم، كما قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ، وفي تأمُّل حاله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عظة وسلوى وعزاء؛ فقد كانت حياته كلها صبراً وجهاداً؛ ففي فترة وجيزة مات عمه أبو طالب الذي كان يمنع المشركين من أذاه، وماتت زوجته الوفيّة الصابرة خديجة، ثمّ ماتت بعض بناته، ومـات ابنـه إبـراهيم، فلـم يـزد على أنْ قـال ـ وقد دمعت عيناه ـ: «إنّ العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، ومات الكثير من أصحابه الذين أحبَّهم وأحبّوه، فما فَتَّ ذلك في عضُدِه، ولا قلَّل من عزيمته وصبره.
ومن تأمَّل أحوال السـلف الصـالـح وجدهم ـ رضي الله عنهم ـ قد حازوا الصبر على خير وجوهه، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} .
رابعاً: استحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله:
المؤمن الصادق في إيمانه يُحْسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا عند ظن عبدي بي»، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
خامساً: التأسي بغيره من أهل المصائب:
تأسَّوْا بغيركم، وتذكَّروا مصاباتهم، وانظروا إلى من هو أشدّ مصيبة منكم؛ فإنّ في ذلك ما يُذهب الأسى، ويخفف الألم، ويقلِّل الهلع والجزع، وتذكَّروا أنّ «مَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله»
ليتذكَّرْ من أصيب بعاهة أو مرض مَنْ أصيب بما هو أشدّ، وليتذكَّرْ من فجع بحبيب مَن فُجع بأحباب، وليتذكَّرْ من فقد ابنه مَن فقد أبناء، وليتذكَّرْ مَن فقد أبناءً مَن فقد عائلة كاملة.
سادساً: تذكّر أنّ المصائب من دلائل الفضل:
المصائب من دلائل الفضل، وشواهد النبل، وكيف لا يكون ذلك، وقد سأل سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله! أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياءُ، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان دينه صُلْباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه؛ فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»
سابعاً: تذكر حُسن الجزاء:
ليتذكر كل منا حُسن الجزاء ليخف حمل البلاء عليه؛ فإنّ الأجر على قدر المشقة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، والراحة لا تنال إلا على جسور من التعب، وما أقدم أحد على تحمُّل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجّلة، والصبر على مرارة العاجل يفضي إلى حلاوة الآجل، و «إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء»
ثامناً: كف النفس عن تذكر المصيبة:
على من أصيب بمصيبة أنْ يكفَّ نفسه عن تذكُّرها، وتردادها في ذهنه وتجوُّلها، وأنْ ينفيَ الخواطر والمهيِّجات إذا مرَّتْ به، ولا ينمّيها ويعايشها؛ فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنًى وراءها، وأمثال هـذه الأمانـي رؤوس أموال المفاليس؛ لأنّ من مـات لا يعـود، وما قُضي لا يـردّ، وقـد روي عن عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قوله: «لا تستفزُّوا الدموع بالتذكُّر».
وممّا يقع فيه كثير ممّن أصيب بفقد حبيب أو قريب أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشـياء الميـت التـي تذكِّـره به في كـل حـين، ممـا يحـول دون برء جراحه، ويجدِّد همومه وأحزانه.
تاسعاً: الابتعاد عن العزلة والانفراد:
ابتعد ـ أيُّها المصاب ـ عن العزلة والانفراد؛ فإنّ الوسـاوس لا تزال تجاذب المنعزل المتفرِّغ، والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره.
وأشغـل نفـسك بمـا فيـه نفعـك، واحـزم أمـرك، واشـتغل بـالأوراد المتـواصـلة والقـراءة والأذكـار والصـلوات، واجعلها أنيـسك ورفيـقك؛ فـإنّـه بـذكر الله تطمئنّ القلوب.
عاشراً: ترك الجزع والتشكي:
إيّـاكم ـ عنـد المصائـب ـ والجـزعَ وكثـرةَ الشـكـوى، فإنّ مـن غفـل عـن أسبـاب العـزاء ودواعـي السلـوة تضـاعـفت عليه شـدّة الأسـى والحـسرة، وهـو بهـذا كمن سعى في حتفه وأعـان علـى تلـفه، فـلا يطـيـق علـى مصابه صبراً، ولا يـجد عنـه سُلُـوّاً، ولئـن كـان الصبر مستأصِلَ الحَدَثان فإنّ الجزع مـن أعـوان الزمان. من علم أنّ المقدَّر كائن والمقضيَّ حاصل كان الجزع عناءً خالصاً، ومصاباً ثانياً، وقد قال ـ تعالى ـ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} . حُكي أنّ أعرابية دخلت من البـادية، فسمـعت صُــراخاً في دار، فقـالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان. فقالت: ما أراهم إلا من ربهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون!
تـذكَّـروا أنّ الجـزع لا يــردّ الفـائــت، ولكـنه يُحزن الصـديق ويـسرّ الشـامـت، ولا تـقـرنـوا بحــزن الحـادثــة قـنـوط الإيـاس؛ فإنـهـما لا يـبقـى معـهمـا صـبر، ولا يتّسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصبر أعظم المصيبتين. مات لرجـل وامـرأة ابـنٌ يُحِبَّـانِهِ، فــقال الرجــل لزوجــته: اتـقي اللـه واحتـسبيه واصبري! فقالت: مصيبتي أعظم من أنْ أفسدها بالجزع.
وقال بعض العقلاء: «العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر ... فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أنْ يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره!
:27:
منقول عن مجلة البيان عدد ذي الحجه الماضي
ويعلم الله أني حاولت الاختصار قدر المستطاع ..
فعذرآ على الإطــــالة ..:29:
21
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

اسماء_m
•
الله يجزاك الف خير على هذا النقل




الصفحة الأخيرة