زمانهم وزماننا

الأدب النبطي والفصيح




زمانهم وزماننا




جلست هناك بالقرب من النافذة أرتشف قهوتي وبيدي رواية جديدة أريد أن أبدأ فيها .. الجو في الخارج مشمس يوجه دعوة صارخة للجميع بالخروج ..




في ركن بعيد لفت نظري مجموعة من سيدات المنطقة ( إنهن جميعاً جدات ) منهن من تحيك بيدها ملابس حفيدها المرتقب .. ومنهن من تقرأ كتاباً .. والثالثة مشغولة بملاعبة حفيدها الرضيع ..




تارة يتجاذبن أطراف الحديث .. وتارة تنشغل كل واحدة بما كان في يدها .. وتارة أخرى يرتشفن فناجين القهوة ..




رحلت بأفكاري بعيداً وأنا أشاهدهن .. الى زمان جميل كان


معطراً بعبق التاريخ .. زمانٍ كانت تفوح منه رائحة المسك والعنبر ..


كان زمناً بسيطاً بريئاً بِكراً لم تلوثه العولمة ولا الإنفتاح ولا مسميات التحرر الساذجة ..


كانت القلوب بيضاء نقية ، البواطن فيها مثل الظواهر .. لا زيف ولا غش .. الناس كانوا على سجيتهم .



ارتشفت قهوتي وبدأت بقراءة الرواية كانت لأحلام مستغانمي ( ذاكرة الجسد ) ولجتُ الى عالم آخر بين دفتي الرواية .. وأنا بين الحينة والأخرى أسترق النظر الى جَمعةِ الجدات ..



وفجأة لفت نظري منظر آخر مغاير تماماً للمنظر الأول !!! إنه تجمع شبابي في الجهة المقابلة



مجموعة من الشباب يجلسون مع بعضهن البعض ولكنهم ليسوا مع بعض !!!


فَبِيَدِ كل واحد منهم جهاز صغير ( تكنولوجيا ) فهذا مشغول بتلفونه الذكي .. وذاك بالآيباد .. وآخر بجهاز آخر مشابه .. وهكذا


تأملتهم لفترة طويلة عَلي أسجل لحظة تخاطب بين أولئك الشباب !!! أو لحظة تواصل بينهم بأي شكل من الأشكال !!


ولكني لم أوفق لتلك اللحظة ،،




هذا هو زماننا مغلف بالثلوج .. سمائه تشوبها السحب الغامقة .. وبساتينه لا عشب ينبت فيها ولا زهر ..


كل شي أصبح آلياً .. جامداً .. حتى أصبحنا نحن وتلك الأجهزة سواء في كل شي!!!


زمانهم عطاء ومحبة ورحمة .. الجار يعرف فيها جاره السابع وأبعد من ذلك .. الغني يعلم بحال الفقير ويمد له يد المساعدة .. الكبير يعطف فيها على الصغير .. والصغير يحترم فيها الكبير


زماننا رمادي اللون ... الكتروني المنبع ... أصبح البشر أقرب صفةً الى الإنسان الآلي وكأن هناك صلة قرابة بينهم !!!


الجار لا يعرف من يسكن في البيت الملاصق له .. الغني والفقير صار بينهم الجدار العازل !!!


زمان أبنائنا ..


لا أعلم كيف سيكون ؟! ولكني أعتقد أنه زمانٌ ليس للبشرية مكان فيها!!!


اللهم ألطف بأبنائنا وأبناء المسلمين جميعاً


رجعت الى قهوتي وجدتها باردة ..


حاولت تكملة الرواية فلم أستطع .. فتحت الباب وذهبت لأشارك الجدات حكايات أزمانهم علها تزيح بعضاً مما إعتراني ..




15
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نسنس 2008
نسنس 2008
~ جزاك الله خير
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
~ جزاك الله خير
~ جزاك الله خير
مرحباً أم أحمد ..
بعد انتظار .. أمطرت أخيراً سحابة الكلمات
فجاءت بعذب الحكايات
في مزيج ومقارنة جميلان بين الماضي والحاضر
أتقن قلمك التصوير
ورسم بريشة الحروف لوحات دقيقة نقلتنا إليها ..
وصورت نفسك متربعة بين الماضي والحاضر تمثلين خط الوسط
أما بالنسبة لكتابك الذي تقرأينه
فلقد أنهيت قراءته قبل يومين وما استهواني كثيراً
فحرمة الجسد مباحة هنا أمام الحواس !!
هي أديبة وكانبة لايشق لها غبار
ولكن ....!
أعجبني جداً ماكتبت
وطالما أحببت وضوح أفكارك وطريقتك في التعبير عنها..!
فإلى مزيد من الإرتقاء
وبوركت ..!
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
~ جزاك الله خير
~ جزاك الله خير
بارك الله في مرورك العذب نسنس
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
مرحباً أم أحمد .. بعد انتظار .. أمطرت أخيراً سحابة الكلمات فجاءت بعذب الحكايات في مزيج ومقارنة جميلان بين الماضي والحاضر أتقن قلمك التصوير ورسم بريشة الحروف لوحات دقيقة نقلتنا إليها .. وصورت نفسك متربعة بين الماضي والحاضر تمثلين خط الوسط أما بالنسبة لكتابك الذي تقرأينه فلقد أنهيت قراءته قبل يومين وما استهواني كثيراً فحرمة الجسد مباحة هنا أمام الحواس !! هي أديبة وكانبة لايشق لها غبار ولكن ....! أعجبني جداً ماكتبت وطالما أحببت وضوح أفكارك وطريقتك في التعبير عنها..! فإلى مزيد من الإرتقاء وبوركت ..!
مرحباً أم أحمد .. بعد انتظار .. أمطرت أخيراً سحابة الكلمات فجاءت بعذب الحكايات في مزيج...
الخير كله في قدومك غاليتي
ورأي في ذاكرة الجسد لا يبعد كثيراً عن رأيك!!
لك خالص الشكر على كلماتك العطرية في قلمي المتواضع ..
حماكِ المولى يازنبقة الواحة
حنين المصرى
حنين المصرى
الغالية نعمة
سعدت جدا بموضوعك الجديد كما اسعد عندما اضم بين يدى كتاب جديد
حقا زماننا وزمانهم يانعمة
عيبي اننى مثلك ﻻ اكف عن المقارنة والشعور بالمرارة فانا وانا طفلة مقارنة بطفلتى
اشعر بالفرق بين الشتاء والربيع
زماننا يا نعمة هو زمن طفولتنا وصبانا اما هذا الزمان بكل مايحمله فهو ليس زماننا
كنت منذ قليل ادعو لبناتى ان يحفظهن من زمن الفتن فاذا بي اقرا موضوعك
سلمت يداك يانعمة حقا سعدت بكلماتك وبموضوعك رغم الغصة التى تجتاحنى بعد ما قراته وتذكرت زمان جدتى رحمها الله
حبيبتى ﻻ تحرميننا من طﻻت جديدة لمواضيع واقعية مغلفة برونق اﻻدب
تقبلي مرورى وحبى حبيبتى