
عاشت مراهقتها و شبابها في انتظار فارس أحلامها ،
عاشت سنوات طويلةً و صدى دعاء أمها يتردد في أذنها : ( ربنا يرزقك بابن الحلال ) ...
جمدت عطاءها كله في ثلاجة الانتظار ، و انتظرت من سيذيب حبه لها هذا العطاء فيتدفق حناناً و حباً و سعادةً و احتواءً ...
أغمضت عينيها على حلمها و حفظته و أنامته بين جفونها ،
و لكنها استيقظت فجاءه على الواقع ؛
فلم يخطفها فارس أحلامها على فرسه الأبيض ،
و ما دق ابن الحلال باب منزلها ، و ما احتضنت كفيها مفتاح مملكتها و قلب زوجها ...
و من قمة الأحلام إلى سفح الحقيقة فسقطت و تهاوت و انهارت عزائمها ،
فتحولت إلى مجرد كائن هلامي بلا هوية و لا تعريف ،
بعد أن تربت في طفولتها ، و شبت بالحياة ؛
على أن هويتها هي أن تكون زوجة و أم ،
و مادام هذا لم يحدث فستظل ناقصة الأهلية ...
إنها واحدة من ضحايا خطأ تربوي بل جريمة نرتكبها في حق بناتنا ،
حين نُحصِر غَدَّهُن و اهتمامهن على دائرة واحدة و هي ( الزوج )
،
فتجد نفسها عندما لا يأتي الزوج وحيدة مهزوزة مخذولة ،
تدور في عجلة الإحباط و اليأس ،
فتخسر نفسها و يخسرها مجتمعها الذي يُمكن أن يستفيد منها في الكثير و الكثير ...
إن الزواج و الأمومة و إن كانتا الدور الأساسي في حياة المرأة ،
إلا أنه يبقى مجرد بعض من أدوراها المتعددة في المجتمع ،
فلقد سطر تاريخنا الإسلامي نماذج مشرفة لنساء تعددت أدوارهم و تباينت ، و أسدين لدينهن و لمجتمعاتهن و أوطانهن خدمات و أعمال عظيمة ،
سواء و هن زوجات ، أمهات ، أو فتيات لم يُقدر لهن الزواج ...
إن هناك الكثيرات ممن يجدن سعادتهن الأولى و الأخيرة في خدمة الزوج ، و تربية أولادهن ،
و هذا أمر لا اعتراض عليه ،
و لكن عندما نُغرس في بناتنا منذ صغرهن على أن السعادة كل السعادة في هذين العملين الجليلين فحسب ؛
فإننا نُجرم في حق بناتنا ، و نوصد أمامهن أبواب كثيرة و متعددة من أبواب السعادة و الإشباع النفسي و العقلي ...
زوجة ، أم ، مربية ، داعية ، ناشطة اجتماعية ، قارئة ، ناقدة ،
مفكرة ، عالمة ، باحثة ، عابدة ، و دوائر و مجالات أخرى يجب علينا أن نُفتح أعين بناتنا عليها ،
حتى إذا فشلن في مجال ؛ تفوقن و نبغن في أخر ،
و إذا ضاعت منهن مفاتيح كنز ؛ عثرن على مفاتيح كنز أخر...
معاً نُعيد النظر في تربية بناتنا ، لكيلا تُصبح العنوسة الوحش المفترس الذي يُهدد كل فتاة ،
و لكيلا تُصبح العنوسة وصمة عار على جبهة بناتنا ، و سلباً لحق الحياة ، و طمساً على الهوية .....
==========================
احسنت