زيد ولغة اليهود

ملتقى الإيمان

كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصا على أن يتعلم المسلمون اللغات المختلفة ، من أجل التواصل مع الآخرين لدعوتهم إلى الإسلام وأمْن شرِّهم ، ولذلك أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ، كما يقرأ عليه كتبهم إذا وردت إليه ، ويوضح للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرادهم .

وفي السنة الرابعة من الهجرة تعلم زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ لغة اليهود كما أمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعن خارجة بن زيد بن ثابت قال : قال زيد بن ثابت : ( أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتعلمت له كتاب يهود ، وقال : إني والله ما آمن يهود على كتابي ، فتعلمته ، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته ، فكنت أكتب له إذا كتب ، وأقرأ له إذا كُتِب إليه )(أبو داود) .

إن تعلم زيد ـ رضي الله عنه ـ لغة اليهود في نصف شهر ، يدل على ذكاء مفرط ، وقوة حافظة ، فقد كان ـ رضي الله عنه ـ ممن حفظ القرآن كله على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن أشهر كتاب الوحي بين يديه ، وهو الذي تولى كتابة القرآن في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ .

وأمْرُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ لزيد بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحث المسلم على تعلم لغة الغير وكتابتهم ، والتعرف على علومهم ومعارفهم إذا دعت لذلك ضرورة وكان لخدمة الإسلام ونصرة قضاياه ، ومن ذلك أيضا يتضح جسامة مهمة الترجمان في الدولة الإسلامية ، فهو الذي يطلع على أسرار الدولة ومراسلاتها ، ولا يصلح أن يطلع كل إنسان على تلك الكتب الصادرة والواردة ، لئلا تختل الدولة وتكشف أسرارها ، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ بتعلم لغة اليهود . ومن المعلوم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طلب من زيد أن يتعلم لغة اليهود بعد أن حذق اللغة العربية ، وحفظ من القرآن الكريم ما حفظ .

ومن فوائد أمْرِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لزيد بتعلم لغة اليهود : أن كل ميدان من الميادين الدعوية النافعة للإسلام لابد أن يكون في هذه الأمة من يتولاه .

ولا شك أن دعوة الناس بلغتهم التي يعرفونها سبيل لا بد منه ، ولا سيما مع كثرة المجتمعات واختلاف اللغات ، وتمسك كل مجتمع بلغته . فدعوة الذين لا يدينون بالإسلام ولا يعرفون اللغة العربية لابد أن تكون بلغتهم ، وكيف يمكن إخراجهم من الكفر إلى الإيمان ، ومن الظلمات إلى النور ، وهم لا يعرفون لغة القرآن الكريم ومعانيه ، وخصائص دين الإسلام؟! .. ومن ثم فإن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما غزوا بلاد العجم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين . ولما فتحوا البلاد الأعجمية دعوا الناس إلى الإسلام باللغة العربية ، وأمروا الناس بتعلمها ، ومن جهلها منهم دعوه بلغته ، وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها ، فقامت بذلك الحجة ، وانقطعت المعذرة .

وفي ذلك أيضا دليل على جواز تعلم لغات الكفار إذا كانت هناك حاجة لِتعلمها ، أما ما يُشاهَد من افتتان بعض المسلمين بِتعلم لغات الكفار لا لشيء إلا لمجرد التفاخر والتباهي بها ـ وربما كان على حِساب لغة القرآن ـ ولا شك أن هذه من الضعف والانهزامية ، وعلى هذا يُحْمل كراهة السلف وأهل العلم لِتعلم لُغات الكفار والتحدث بألسنتهم مِن غير حاجة ، قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : " لاتَعَلَّمُوا رَطانة الأعاجم .. " .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى : " .. وأما مخاطبة أهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم ، فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك ، وكانت المعاني صحيحة ، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعُرفهم ، فإن هذا جائز حسن للحاجة ، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يُحْتج إليه " . ثم يقول : " .. وكذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة ، ولذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم ، وكلامهم بلغتهم ، ويترجمها بالعربية ، كما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأ له ويكتب له ذلك ، حيث لم يأمن من اليهود عليه .." .

ونستفيد من هذه الواقعة أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يختار في تربيته الشخص المناسب للمكان المناسب والمهمة المناسبة .
والمتأمل في سيرة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يلمس هذا واضحاً ، فكل شخص له ميدان ومجال يؤدي فيه دوراً لا يمكن أن يؤديه الآخر ، فمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وهذا لا يعني أنه أفضلهم لمجرد كونه أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وإنما معايير التفضيل معايير أخرى . وابن عباس ـ رضي الله عنه ـ لتفسير القرآن . وعمرو بن سلمة ـ رضي الله عنه ـ على صِغر سنه كان إذا حضرت الصلاة يؤم قومه ، لضبطه وحفظه كثيرا من آي القرآن الكريم . وتميز عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ بشدة عنايته بكتابة السنة وتحريرها . وزيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ كان من كُتَّاب الوحي .

والناظر في مجتمع شباب الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يُعْجَبُ من قوة عزمهم وعلو همتهم ، فلقد كان الواحد منهم لا يدخر وسعا في تقديم النفع للإسلام على حسب طاقته وقدرته

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

موقع مقالات اسلام ويب
4
503

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

لجين الحرير
لجين الحرير
جزاك الله الخير
متجر ضي القمر
متجر ضي القمر
جزاك الله خير
معدن أصيل
معدن أصيل
جزاك الله خير

لا اله الا الله
الحمد لله
الله اكبر
سبحان الله
أدورني
أدورني
رائع جدا 
جزاك الله خير 
الله أكبر