السلام عليكم اخواتى الحبيبات:26:
اسعد الله ايامكن وزينها بالطاعات
ارجو منكن مساعدتى فى جمع بعض المعلومات عن موضوعين ينقصانى لاتمام بحثى فى الجامعة فى الدراسات العليا التربوية
كنت قد رايت هنا جزء ميسر لاحد مواضيع بحثى ولكنه ليس بوافى للموضوع
حتى لا اطيل عليكن فان موضوع بحثى هما عن (الامام القابسى ومنظومة االتربية فى العصر الاسلامى)
والاخر عن(جون اموس كومنيوس والتربية فى العصور الاوربية الحديثة)
فعلى كل من تجد اى معلومة عن هاذين العالمين ان تصلنى بها ارجوكن
جزاكن الله كل خير
والرجاء الاهتمام بهذا الموضوع اختكن تائهة ومحبطة من كم المعلومات الناقصة عندى:(
كل الشكر والتقدير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رؤية الحق @roy_alhk
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
قبل المسارعة إلى الإحاطة بدور الإسلام والثقافة العربية الإسلامية وسبق التربية العربية الإسلامية وما لها من فضل على البشرية في تفهم عالم الطفولة الخاص، وفي فهم أن الطفل طفل قبل أن يكون رجلاً، وأن له عالمه السيكولوجي والنفسي الخاص، يحسن الإحاطة بآراء المربين والعلماء والفلاسفة من الأمم والشعوب الأخرى الذين تعتبر جهودهم ومنجزاتهم في هذا المجال هي الركائز والقواعد، التي قام عليها في عصرنا الحاضر تفهم خصوصية عالم الطفولة، وحصل بنتيجتها الأطفال على كل ما يتمتعون به في بعض المجتمعات المعاصرة من امتيازات الرعاية والعناية الخاصة، والتربية المتميزة المناسبة لعالمهم ولمرحلة العمر التي يمرون بها، ثم تبيان ما للإسلام والتربية العربية الإسلامية من فضل السبق على الإنسانية من ناحية، وتصور مدى التقدم والإنجاز والسعادة الذي كان من الممكن أن تحققه الإنس
انية، ومذن وقت طويل في تفهمها لخصوصية عالم الطفولة، وما يترتب على ذلك من تأصيل لأساليب العناية والرعاية للطفل، لولا التعصب الذميم الذي تواجه به الأمم الأوروبية في ربوع الغرب وغير الأوروبية، الثقافة العربية الإسلامية والإسلام ومنجزاته وعطائه للإنسانية من ناحية، ولولا كما يقول المستشرق والطبب الفرنسي المعاصر "موريس بوكاي" في كتابه "دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة" أن المعطيات الخاصة بمنجزات الإسلام وما جاء به، ما زالت مجهولة عموماً في الغرب نتيجة للطريقة التي اتبعت في تثقيف الأجيال الغربية على مر العصور، فيما يتعلق بالقضايا الدينية لدى الإنسان في الغرب، تلك الطريقة المتعصبة (الحاقدة) التي فرضت على الغرب الأوروبي كله، الجهل التام، لكل ما يتعلق بالإسلام، وتوضيح تعاليمه لدرجة ظل الاستعمال السائد في الغرب المسيحي في تسمية الإسلام "بالدين المحمدي" زمناً طويلاً مؤثراً في عقول الغربيين، ومنها نسبة الإسلام إلى صنع رجل واحد، على اعتبار أنهم ينسبون (خاطئين) الإسلام والمسلمين إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيسمون المسلمين (المحمديين) (جريدة صوت الشعب الأردنية، ص8، تاريخ 29 حزيران 1983) ويؤكد هذه الحقيقة الشيخ محمد قطب قائلاً: لقد كانت أمام أوروبا ومعها الغرب كله والإنسانية جمعاء من بعد - لو أرادت - أن تخرج من ضلالات الكنيسة، وقيم الحضارة والثقافة الإغريقية - الرومانية الوثنية، والاعتقاد بالخطيئة الأولى للإنسان، إلى تكريم الإسلام للإنسان وتفضيله على كل مخلوقات الله، ومن الاعتقاد أن طبيعة الطفل مشوبة بالشر والخبث الذي ينبغي أن يطهر منه بالعقاب؟ إلى إعلاء الإسلام والثقافة العربية الإسلامية لشأن الطفل واعتباره كائناً بريئاً طاهراً، ولكن الكنيسة كانت قد سدت الطريق بين أوروبا والإسلام حين كلفت كتّابها في القرون الوسطى أن يكتبوا ضد الإسلام ويشوهوا صورته في نفوس الأوروبيين، وحين أشعلت الحروب الصليبية بحمية جاهلية تقاتل بدافع العصبية لا بحثاً عن الحق، ولا تمكيناً للقيم العليا في الأرض، لذلك فإن أوروبا - حين خرجت من قرونها الوسطى المظلمة وبدأت تبني نهضتها - قد عادت إلى الجاهلية الإغريقية الرومانية تستمد منها أصول نهضتها وتبني فوقها "حضارتها" ومن المعلوم أن الجاهلية الإغريقية الرومانية كانت جاهلية وثنية تعبد العقل وتعبد الجسد ولا تكاد تؤمن بالروح، ولكن الحقيقة الأكثر اتصالاً بموضوعنا هي تصورها لحقيقة الصلة بين الإنسان والآلهة. إنها ليست علاقة مودة بين الطرفين بل علاقة خصام ونزاع، الآلهة تريد سحق الإنسان وتحطيمه، والإنسان يريد أن يتمرد على الآلهة ليثبت وجوده وفاعليته في الأرض.
المجتمعات الغربية والطفولة
بدأت مطالع وعي المجتمعات الغربية لأهمية فترة الطفولة، وضرورة توجيه القسط الضروري من العناية والرعاية المتخصصة للأطفال، مع بدايات الثورة الصناعية، وازداد هذا الوعي حدة بعد التطور الذي عرفته هذه المجتمعات، أثر الثورة الصناعية إذ اقتحمت المرأة الأوروبية والغربية ميدان العمل وتحولت الأسر من شكلها التقليدي إلى أسر "زواجية" محدودة الأفراد، مما أدى إلى بقاء الأطفال بدون رعاية سليمة. وقد حتمت هذه العوامل كلها الاسراع في التفكير لتوفير مؤسسات إيوائية وتربوية لأطفال ما قبل سن السادسة، كدور الحضانة ورياض الأطفال، كما حثت الباحثين في علم النفس وعلوم التربية على الاهتمام بمرحلة الطفولة المبكرة وما تستوجبه من أسس تربوية سليمة الاليكسو مشروع خطة تربية الطفل العربي (ص8).
ويعتبر القس جون آموس كومنيوس (1592-1671) من أوائل المربين الذين أنشأوا مدارس لصغار الأطفال وقد اهتم بإسداء النصائح وتقديم التوجيهات للأمهات والآباء حول أهمية التربية المبكرة لأبنائهم وكان كتابه "عالم الموضوعات الحسية المصورة" أول كتاب ينشر للأطفال. ولقد كان حب كومنيوس للأطفال كبيراً واهتمامه بتربيتهم تربية سليمة كان متصلاً إلى حدٍ كبير بالقيم الدينية التي ميزت تفكيره. لقد اعتبر كومنيوس الأطفال أعظم هبة وهبها الله للإنسان. ولو أن هذه الفكرة مقبولة لدينا الآن، كفكرة إنسانية تستحق الثناء والتقدير لإيماننا بصدقها، إلا أن هذه الفكرة بالنسبة لمعاصريه، كانت تعتبر ساذجة، إذ كان الاعتقاد السائد في عصره، هو أن طبيعة الطفل مشوبة بالشر والخبث، الذي ينبغي أن يطهر منه بالعاقب. وليس هذا فحسب، فلقد عومل الأطفال في عصره وحتى أوائل القرن التاسع عشر معاملة قاسية. فقد زُجّ بهم في المصانع ومناجم الفحم للعمل وهم لا زالوا أطفالاً صغاراً.
لقد كان "كومنيوس" رجل دين مشبعاً بالنوايا الإنسانية الخيرة تجاه الكبار والصغار على حدٍ سواء ولأن الأطفال في زمانه كانوا يلاقون القسوة في المعاملة ويواجهون الصعوبة والمعاناة في دراستهم مع ظلم المجتمع الأوروبي للطفولة وعدم فهم طبيعتها فإن المرء يشعر أن "كومنيوس" كان بحق ذا رحمة وشفقة بالأطفال، أراد التخفيف من أعباء الحياة عنهم وقيادتهم برفق نحو العلم والفضيلة والتقوى مع استعمال أيسر الطرق وأحبها إليهم. وعلى الرغم من أهمية أفكار "كومنيوس" التي وصفت بأنها كانت كالنهر الفياض الذي ظهر فجأة في صحراء جدباء - بالرغم من أهميتها فإنها لم تجد آذاناً صاغية في عصره- لكونها:
أولاً: أفكاراً جديدة - مما يجعلها محاطة بالريبة.
ثانياً: فإن أوروبا في تلك الأوقات كانت غارقة في الحروب (حرب الثلاثين سنة) وما رافقها وتبعها من عذاب ودمار للأفراد والمجتمعات.
ولم تثمر جهود كومنيوس لصالح الأطفال وخيرهم بأكثر من انتفاع عدد من المفكرين والمهتمين لشؤون تربية الأطفال والعاملين بأفكاره في مجال تربيتهم، ممن جاءوا بعده، ومن أهمهم "جان جاك روسو، ويمكن الاشارة كذلك إلى "جون هنري بستالوزي" (1746-1827) وجهوده في توجيه أنظار المجتمعات الأوروبية إلى تفهم "خصوصية عالم الطفولة"، ولذلك فقد درس خصائص سلوك الأطفال وطبيعتهم وارتكزت آراؤه التربوية على أن الملاحظة والإدراك الحي بعدان أساسيان لعملية التعليم وأن المحبة والحنان غذاءان تبنى عليهما العلاقة بين المربي والطفل.
أما فريدريك وليم فروبل (1782-1852) فيعتبر أول من أدرك أهمية اللعب في حياة الطفل وأنشأ مدرسة سماها "روضة الأطفال". وأنشأ الاسكتلندي روبرت أوين (1771-1858) سنة 1816 أحد رواد التعاونيات أول دار للحضانة واستقبل فيها الأطفال في السنة الأولى من عمرهم بقصد استيعاب أطفال العاملات في مصانعه.
ويحلو لبعض الباحثين والدارسين من العلماء، أن يوهموا الإنسانية، بأن معظم القناعات والدراسات المعاصرة والنتائج العلمية التي أدت إلى تفهم البشرية لخصوصية عالم الطفولة، وأن الطفل هو طفل قبل أن يكون رجلاً، وأنه ليس رجلاً مصغراً، كما كانت تعتقد لقرون طويلة معظم المجتمعات الإنسانية، بفعل تأثير الثقافة الإغريقية الرومانية الوثنية، يعود إلى الصيحة التي أطلقها الفليسوف الفرنسي المشهور جان جاك روسو (1712-1778) في كتبه ومؤلفاته وخاصة كتابه "اميل" ابتداءً من مقدمة الكتاب التي يقول فيها:
"إننا لا نعرف الطفولة، وإن سلوكنا نحوها مستمد من فكر خاطىء عنها يجعلنا نحيد عن طريقها الصحيح، إن أكثرنا حكمة ينحو في التفكير عما يناسب الطفولة من معرفة نحو ما يجب أن يعرفه البالغون ونخفق في التفكير فيما يمكن للصغار أن يستوعبوه ويتفهموه. نحن - دائماً - نتصور الرجل البالغ في الطفل ولا نفكر في ماذا ينبغي أن يكون عليه الطفل قبل أن يصبح رجلاً وهذا هو موضوع الدراسة التي كرست نفسي - حتى النهاية - للقيام بها. وحتى لو كانت طريقتي في هذه الدراسة غير عميقة وبعيدة عن الصواب في بعض الأحيان فإن قارءها سوف يستفيد من ملاحظاتي" ولكن ما هو جدير بالتسجيل والتنويه فيما يتعلق بصيحة الفيلسوف جان جاك روسو لصالح الأطفال وخيرهم على أهميتها أنها:
أولاً: ظلت مجرد كلمات وآراء فيلسوف ولم تأخذ طريقها إلى التطبيق والتنفيذ العملي في واقع الحياة وأساليب التعامل مع الأطفال والعناية بهم وتربيتهم إلا في وقت متأخر وبفضل العلماء والمربين الذين جاءوا بعده.
كذلك فبينما كان روسو، كما يقول الدكتور عادل العوا في كتابه المذاهب الأخلاقية (ج2 ص415) يحرص على إدراك المجد، فأصبح صديقاً لعدد من الفلاسفة، مثل كوندياك وغريم وديدرو، والتزم حياة أصدقائه، وفاز بحماية بعض الموسرين المتنفذين، أما أطفاله فلم يكتف بإهمال تربيتهم والعناية بهم ورعايتهم فقط، ولكنه تركهم للظروف القاسية متخلياً عنهم لمؤسسة الأطفال اللقطاء ليتفرغ هو للعيش الرغيد في ضيافة صديقته السيدة أبيني (Epinay) ) التي وضعت تحت تصرفه منـزلها الجميل الواقع قرب إحدى الغابات.
وبينما كان روسو يتشدق في فلسفته وكتابه التربوي اميل... "لسنا بملزمين أن نجعل من الإنسان فيلسوفاً، قبل أن نجعل منه إنساناً" فقد هدر إنسانية أبنائه وأسلمهم إلى مأتم اللقطاء أي ملجأ الأطفال الذين لا يعرف لهم والدون... أي أنه ساوى بين أبنائه وبين اللقطاء، وتخلى عن واجبه الأبوي الإنساني وعن عاطفة الرحمة والرأفة التي يدعي أنها أصيلة في الإنسان... وساوى بين نفسه كأب (يدعو بلسانه فقط لتشكيل إنسانية الأطفال وبنائها) بطرق جديدة تتناسب وخصوصية عالمهم، وبين الآباء الذين اقترفوا جريمة الزنا المحرّمة وتخلوا عن عاطفة الرحمة والرأفة.. وهربوا ناجين بجلودهم من عقاب المجتمع... تاركين ثمرة جريمته البريئة لأقسى الظروف في ملجأ اللقطاء المحرومين من حنان الوالدين والأسرة وحنانها وحدبها.
ويصف الدكتور عادل العوا ص (416) كيف قضى روسو بقية حياته بعد أن وضع أولاده في ملجأ اللقطاء متخلياً عن مسؤولياته كأب وإنسان، وبالرغم مما يسر له أصدقاؤه من أسباب العيش الرغيد بقوله: وأخذ روسو يتنقل كالمخبول حقاً من مكان إلى آخر، انتابته الوساوس والأوهام كما وصفها في "أحلام المتنـزه الوحيد" وصار يجنح إلى العزلة والتوحد، إلى أن استضافة المركيز (دي جيراردان) واختصه ببيت صغير في كنف قصره في حديقة (ارمونفيل)، وكان هذا المركيز قد أحاط قصره بحديقة رائعة، وأشاهد في أحد جوانبها معبداً لم يكمله عن عمد ورمز به إلى الفلسفة، إلى جانب واد جميل تترقرق فيه مياه الجداول العذبة، وكان (روسو) يعتبر تلك الخلوة "بيداء" مقفرة لا يرى فيها إنسان، وقد توفي (روسو) فجأت في سنة 1778 ودفن في جزيرة البلوط، على شفا الغدير الكبير في تلك الحديقة، والمتأمل بهذا الوصف لأخريات حياة روسو ونهايته المفاجئة يحس وكأنه عاش أخريات أيامة، طريد العدالة الإلهية لما اقترفته يداه بوعي وإدراك من جريمة بحق أطفاله الأبرياء.
وبينما كان روسو (العوا، ص421) يدعي أن أول يقظة الحس الأخلاقي عند الإنسان إنما تكون بتأثير عاطفة فطرية أصيلة عند الإنسان هي عاطفة الرأفة والرحمة، وأن الأصل بتأثير هذه العاطفة الفطرية الأصيلة، أن تأخذ الشفقة والرحمة الإنسان، أي إنسان عندما يرى إنساناً آخر يألم ويذوي..." فإنه تخلى عن هذه العاطفة الفطرية الإنسانية، وترك أبناءه يعانون أقسى أنواع الألم والعذاب، حتى تذوي إنسانيتهم، وفطرتهم السليمة، وقابلياتهم وقدراتهم، التي منحها لهم الله عز وجل، بفعل عدم وجود البيئة التربوية الأولى للأطفال وهي الأسرة التي يتضوع فيها حنان الوالدين.
ولذلك فإن دعوة روسو لمعاملة الأطفال معاملة خاصة تتناسب مع خصوصية عالمهم، هي دعوة وصيحة تبددت في واد، من ناحية، وهي من ناحية أخرى دعوة وصيحة تعوزها المصداقية والواقعية، والأسوة الحسنة، وهو يقول ويدعو إلى ما لا نفعل، وصدق رب العالمين: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (سورة الصف:آية 3).
بينما نرى عند الكلام في سبق الإسلام لمعاملة الأطفال معاملة خاصة تتلاءم وخصوصية عالم الطفولة، أن أقوال الرسول وسنته صلى الله عليه وسلم والصحابة والمسلمين من بعده هي تعاليم الإسلام التي وقرت في القلب وصدقها العمل والفعل والتطبيق... (كما سنرى في الفصول القادمة من الكتاب).
ثانياً - هناك جهود أخرى بذلت في هذا السبيل، وقام بها العديد من العلماء والمربين تضارع في أهميتها ونتائجها جهود روسو ونتائج صيحته وقد تفوقها، من مثل جهود جان بياجيه عالم النفس الفرنسي المشهور الذي قضى حوالي ثلاثين عاماً في التعرف على معالم "عالم الطفولة الخاص". وكان "محور نظريته النمائية" هو "النمو والتطور المعرفي، أو العقلي للأطفال، ويقول بياجيه في هذا الصدد "أن الطفل ليس رجلاً صغيراً، بل إنه يمر بعدة مراحل عقلية، ولكل مرحلة من المراحل سماتها النمائية المميزة، بمعنى أن نمط التفكير في كل مرحلة يختلف عنه في مرحلة أخرى".
ثالثاً: لقد ظلت جهود هؤلاء العلماء الجليلة لصالح الاعتراف بخصوصية عالم الأطفال ابتداءً من كومنيوس، وفروبل وبستالوزي وانتهاءً بروسو وبياجيه وغيرهم، جهود أفراد، ولم تكن جزءاً من تعاليم ومبادىء عقيدة أمة واضحة ومحددة، تظل على الدوام توجه الجهود المتنامية لمزيد من العمل والإنجاز لصالح الطفولة كما هي الحال في نظرة الإسلام والتربية الإسلامية إلى عالم الطفولة وخصوصيته، كما سنرى بعد قليل.
وقد أدت جهود كل هؤلاء العلماء والفلاسفة والمهتمين بشؤون تربية الطفل ورعايته، ومن تلاهم من العلماء والباحثين والمهتمين، إلى إقتناع الأمم والشعوب غير الإسلامية، وفي وقت تأخر (15) قرناً عن إقتناع الأمة العربية الإسلامية بخصوصية عالم الطفولة وضرورة العناية بهم وتربيتهم على أساس أنهم أطفال قبل أن يكونوا بالغين.
واستتبع ذلك، وخاصة بفضل الدراسات النفسية والبحوث التربوية الحديثة، الإقتناع والإقرار بأن تربية الأطفال في فترة "ما قبل المدرسة تشكل مرحلة أساسية في تربية الفرد بصفة عامة إذ عليها ترتكز بقية مراحل التعليم الموالية ولذلك اعتبر أن لهذا الصنف من التربية دوراً هاماً في تهيئة أطفال ما قبل السادسة لتقبل التعليم الذي سيسدى لهم في المدرسة الابتدائية.
كما رأى جانب من هؤلاء العلماء والباحثين أنه يمكن للتربية ما قبل المدرسة المنظمة في شكل مؤسسات أن تعلب دوراً تعويضياً يخفف من الآثار السلبية التي تخلفها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتدهورة التي يعيشها طفل ما قبل السادسة في كثير من المجتمعات الإنسانية.
وبقطع النظر عن دور الاعداد للمدرسة الابتدائية والدور التعويضي، فقد اتفق أن تربية الأطفال في فترة ما قبل المدرسة المنظمة، التي أعطتها التربية الإسلامية وقبل (15) قرناً الكثير من اهتمامها وعنايتها، (كما سنبين فيما بعد) أنها تلعب دوراً أساسياً في تحقيق أقصى قدر من النمو المتناسق والمتوازن لطفل ما قبل السادسة وفي مساعدة قدراته وطاقاته الكامنة على البروز والتطور.
وقد أصبح واضحاً (وسف يزداد الوضوح كلما تقدمنا في فصول الكتاب) مقدار الغبن والتجاهل والبعد عن الصدق والموضوعية الذي يمكن أن يوصف به عمل كل من يحاول أن يتجاهل دور الإسلام والتربية الإسلامية في تفهم خصوصية عالم الطفولة وقبل أن تصل الإنسانية إلى شواطىء هذا التفهم بـ (15 قرناً). ولعله ينطبق على مثل هؤلاء العلماء والدارسين المتجاهلين لدور الإسلام في تفهم خصوصية عالم الطفولة ما ينطبق من وصف على جماعة "إخوان الصفا وخلان الوفاء" الذين ادعوا أن الشريعة قد دنستها الجهالات وخالطتها الضلالات ولا سبيل إلى غسلها من الجهالة وتطهيرها من الضلالة إلا بالفلسفة، حيث قال أحد أساتذة الشيخ أحمد حسن الباقوري بعد أن ساق عنهم هذا اللغو البغيض في كلماتهم البذئية فقال: ومن شاء أن يعرف مقدار التعسف في تفكير أولئك الحمقى، فإنه واجد ذلك فيما وصفهم به واصف دقيق الحس واسع الإطلاع حيث قال في شأنهم "أنهم تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا، وحاموا وما وردوا، وغنوا وما أطربوا، ونسجوا فهلهلوا، ومشطوا ففلفلوا، إذ ظنوا ما لا يمكن ممكناً وما لا يكون كائناً وما لا يستطاع مستطاعاً، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.
وقد ظلت، وبالرغم من ذلك كله، محاولات المفكرين والفلاسفة والمهتمين بشؤون الطفل في ربوع الغرب والعالم غير الإسلامي التي تسعى لجعل تلك المجتمعات تضرب صفحاً عن الاعتقاد الإغريقي الروماني الخاطىء، الذي يعتبر الطفل رجلاً صغيراً (أو مصغراً) ويتفهم "خصوصية عالم الطفولة" وأن الطفل هو طفل قبل أن يكون رجلاً، ظلت محاولات فردية معزولة، لم تعط أية نتائج ملموسة مهمة تصل مثلاً إلى مستوى إقرار هذه المجتمعات بخصوصية عالم الطفولة" وحق الطفل بالرعاية والعناية والتربية المناسبة لمرحلتهم العمرية المبنية على "تفهم خصائص الطفولة السيكولوجية.
وظل الأطفال وخاصة أطفال البيئات الفقيرة والمحرومة في تلك المجتمعات الغربية يعانون شظف العيش، ويعيشون طفولة شقية معذبة، حتى استطاع أتباع "فروبل" والمعتنقون لمذهبه في رعاية وتربية الطفل، في وقت متأخر من القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، تحقيق كسب حقيقي للطفولة، وإقرار حقها الخاص بالتربية والعناية والرعاية التي تتناسب مع متطلباتهم السيكولوجية والبيولوجية والاجتماعية والإنسانية وتأكد هذا الحق بإقامة اتحاد دولي لرياض الأطفال يعرف باسم "رابطة تربية الطفل، كما صدرت المراسيم الدولية برعاية الأمومة والطفولة، كما دعا ميثاق حقوق الإنسان الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948 إلى "خلق عالم أفضل للطفل".
وتوجت الأمم المتحدة الجهود المبذولة لتحقيق الاعتراف بحق الأطفال بالتربية والرعاية والعناية الخاص بإعلانها في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني 1959 "الميثاق العالمي لحقوق الأطفال" وهكذا يتضح أن مطالع القرن العشرين فقط هي التي بدأت ترى بدايات الاعتراف بحق الطفولة في تربية خاصة قائمة على الحاجات الأساسية للأطفال التي ساعدت على كشفها البحوث والدراسات العلمية الحديثة، وبزغ فجر ما اصطلح على تسميته كما توقعت الكاتبة السويدية المشهورة "آلن كي" بعصر الطفولة. ولكن ومع الأسف فإن الأخذ بمبادىء حقوق الطفل لا تزال بعيدة كثيراً عن واقع التطبيق العملي والواقعي في العديد من ربوع الغرب، والكثير الكثير من بلدان العالم الأخرى.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لمراحل تطور حصول الأطفال على حقهم في الرعاية الخاصة والتربية المناسبة لخصوصية عالمهم، هنا يحسن بنا الإسراع في التساؤل: كيف كانت نظرة الإسلام وقبل (15) قرناً للطفل، وهو دين الله الذي لا تطمس لمبادئه وتعاليم عقيدته جدة، ولا يخبو له إشراق، وهل نظر الإسلام إلى الطفل كطفل قبل أن يكون رجلاً له عالمه السيكولوجي والنفسي... إذن دعونا... نرى...