*فراشة*

*فراشة* @frash_5

عضوة نشيطة

ساعدوني الله يعافيكم.. عندي درس عن سلامة الصدر

ملتقى الإيمان

السلام عليكم
كيف حالكم يابنات .. انشالله بخير
لو سمحتوا ابي مساعدتكم ..
انشالله بنلقي محاضرة عن سلامة الصدر
وابي مواضيع او مواقع او نشرات تفيدني
لا تردوني .. الله يجزاكم بالجنة
1
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نصر
نصر
سلامة الصدر
عبدالملك القاسم
دار القاسم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات، وقد نهى النبي عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء فقال : { لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } . وقال حاثاً على المحبة والألفة: { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. } وعندما سُئل النبي أي الناس أفضل؟ قال: { كل مخموم القلب صدوق اللسان } قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: { هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد } وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ وسلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة. قال ابن حزم وكأنه يطل على واقع كثير من المتحاسدين والمتباغضين، أصحاب القلوب المريضة:

( رأيت أكثر الناس - إلا من عصم الله وقليل ما هم - يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً، من نيات خبيثة يضبون عليها من تمنى الغلاء المهلك للناس وللصغار، ومن لا ذنب له، وتمنى أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه أو يوجب كونه وأنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يريدونه أو يمنع كونه، فأي غبن أعظم من هذا الحال التي نبهنا عليها؟ وأي سعد أعظم من الحال التي دعونا إليها ).

وكثير من الناس اليوم يتورع عن أكل الحرام أو النظر الحرام ويترك قلبة يرتع في مهاوي الحقد والحسد والغل والضغينة، عن فتح به شخرف قال: قال لي عبد الله الأنطاكي: ( يا خرساني. إنما هي أربع لا غير: عينك ولسانك وقلبك وهواك، فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل، وانظر لسانك لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكون منه غل ولا حقد على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا يهوى شيئاً من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الخصال الأربع فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت ).

وبعض الناس يظن أن سلامة القلب تكمن في سهولة غشه وخداعه والضحك عليه وهذا خلاف المقصود.

قال ابن القيم رحمه الله: ( الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يحمد إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه ). والكمال أن يكون عارفاً بتفاصيل الشر سليماً من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لست بخبِ ولا يخدعني الخب ) وكان عمر أعقل من أن يُخدع وأروع من أن يَخدَع.

وسلامة الصدر من أسباب دخول الجنة فعن أنس بن مالك قال: ( كنا جلوساً مع الرسول فقال: { يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة }، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن أوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) .


من أسباب التشاحن والتباغض:

1 - طاعة الشيطان: قال تعالى: وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً وقال : { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم } .

2 - الغضب: فالغضب مفتاح كل شر وقد أوصى رجلاً بالبعد عن الغضب فقال: { لا تغضب } فرددها مراراً فإن الغضب طريق إلى التهكم بالناس والسخرية منهم وبخس حقوقهم وإيذائهم وغير ذلك مما يولد البغضاء والفرقة.

3 - النميمة: وهي من أسباب الشحناء وطريق إلى القطيعة والتنافر ووسيلة إلى الوشاية بين الناس وإفساد قلوبهم، قال تعالى ذاما أهل هذه الخصلة الذميمة: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ وقال : { لا يدخل الجنة فتان } وهو النمام.

4 - الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها وفيه تعد وأذى للمسلمين نهى الله عنه ورسوله قال : { إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } والحسد يولد الغيبة والنميمة والبهتان على المسلمين والظلم والكبر.

5 - التنافس على الدنيا: خاصة في هذا الزمن حيث كثر هذا الأمر واسودت القلوب، فهذا يحقد على زميلة لأنه نال رتبة أعلى، وتلك تغار من أختها لأنها حصلت على ترقية وظيفية، والأمر دون ذلك فكل ذلك إلى زوال.


وما هي إلا جيفة مستحيلة *** عليها كلاب همهن اجتذابها


فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها

6 - حب الشهرة والرياسة: وهي داء عضال ومرض خطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير ). وهذا مشاهد في أوساط الموظفين والعاملين.

7 - كثرة المزاح: فإن كثيره يورث الضغينة ويجر إلى القبيح والمزاح كالملح للطعام قليله يكفي وإن كثر أفسد وأهلك. وهناك أسباب أخرى غير هذه.

والمسلم مطالب بتزكية نفسه والبعد عن الغل والحقد والحسد، ومما يعين على سلامة الصدر:

أولاً: الإخلاص:

عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله : { ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } .

ومن المعلوم أن من أخلص دينه لله عز وجل فلن يحمل في نفسه تجاه إخوانه المسلمين إلا المحبة الصادقة، وعندها سيفرح إذا أصابتهم حسنة، وسيحزن إذا أصابتهم مصيبة؛ سواءً كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة.

ثانياً: رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به:

قال ابن القيم رحمه الله في الرضا: ( إنه يفتح للعبد باب السلامة، فيجعل قلبه نقياً من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا ).

ثالثاً: قراءة القرآن وتدبره:

فهو دواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: قُل هُوَ لِلذِينَ ءَامَنُوا هُدىً وَشِفَآءٌ ، وقال: وَنُنَزِلُ مِنَ القُرءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَاراً . قال ابن القيم رحمه الله: ( والصحيح أن "من" ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: يَاأيُها النّاسُ قَد جَآءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِكُم وَشِفَآءٌ لِمَا فىِ الصُدُورِ .

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.

رابعاً: تذكر الحساب والعقاب:

الذي ينال من يُؤذي المسلمين من جراء خُبث نفسه وسوء طويته من الحقد والحسد والغيبة والنميمة والإستهزاء وغيرها.

خامساً: الدعاء:

فيدعو العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليماً على إخوانه، وأن يدعوا لهم أيضاً، فهذا دأب الصالحين، قال تعالى: وَالذِّينَ جَآءُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَنَا اغفِر لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجعَل في قُلُوبِنَا غِلاً لِلّذِينَ ءَامَنُوا رَبَنَا إنّكَ رَءُوفٌ رّحِيم .

سادساً: الصدقة:

فهي تطهر القلب، وتُزكي النفس، ولذلك قال الله تعالى لنبيه : خُذّ مِن أموالِهم صَدَقَةً تُطَهِرُهُم وَتُزَكِيِهِم بِهَا .

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: { داووا مرضاكم بالصدقة } . وإن أحق المرضى بالمداواة مرضى القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.

سابعاً: تذكر أن من تنفث عليه سُمُومك، وتناله بسهامك هو أخ مُسلم:

ليس يهودياً ولا نصرانياً بل يجمعك به رابطة الإسلام. فلِمَ توجه الأذى نحوه.

ثامناً: إفشاء السلام:

عن أبي هريرة قال رسول الله : { والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم } .

قال ابن عبد البر رحمه الله: ( في هذا دليل على فضل السلام لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود ).

تاسعاً: ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس:

امتثالاً لقول النبي : { من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه } .

عاشراً: محبة الخير للمسلمين:

لقوله : { والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } .

الحادي عشر: عدم الاستماع للغيبة والنميمة:

حتى يبقى قلب الإنسان سليماً: قال : { لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر } والكثير اليوم يلقي بكلمة أو كلمتين توغر الصدور خاصة في مجتمع النساء وفي أوساط البيوت من الزوجات أو غيرهن.

الثاني عشر: إصلاح القلب ومداومة علاجه:

قال : { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } .

الثالث عشر: السعي في إصلاح ذات البين:

قال تعالى: فَاتَقُوا اللّهَ وَأصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم قال ابن عباس رضي الله عنه: ( هذا تحريم من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم ).

وقال : { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ } قالوا: بلى. قال: { إصلاح ذات البين } .

جعل الله قلوبنا سليمة لا تحمل حقداً ولا غلاً على المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------------------------------------------------------

سلامة الصدر
محمد الغريب


الحمد لله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فطره الله على مكارم الأخلاق فهو على خلق عظيم , اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد أيها الاخوة المسلمون : اتقوا الله وأطيعوه واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } (البقرة 197) .
عباد الله : ليس أسعد للمرء ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم الصدر بعيداً عن الحسد والحقد فإذا رأى أحداً في نعمة رضي له بها وفرح وأدى فضل الله فيها وفقر عباده إليه وذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر) رواه أبو داود . وإذا رأى أذى يلحق بأحد من مصيبة في المال أو الولد أو البدن أشفق عليه ورق له قلبه ورجا الله أن يفرج كربه ويغفر ذنبه ويخلف عليه ما فقد خيراً منه وبهذا يكون المسلم سليم الصدر مستريح النفس من نزعات الحسد والحقد , ومثل هذا الإنسان قلبه مشرق يبارك الله فيه لأنه إلى كل خير أسرع . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق , قيل ما القلب المحموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد , قيل فمن على أثره ؟ _قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة , قيل فمن على أثره ؟ قال مؤمن في خلق حسن ) رواه بن ماجة.
وقد وعد الله سبحانه بالفضل العظيم من وقى شح نفسه , وشح النفس ليس مقصورا على الشيء المادي كالمال والأكل والإنفاق بل يتعداه إلى الشيء المعنوي مثل العفو والسماحة وسلامة الصدر ونقاوته من الحقد والضعينة والكراهية للخلق دون مبرر { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ }(الحشر 9) وسلامة الصدر خصلة عظيمة يغفل عن معرفة فضلها كثير من المسلمين ويجهلونها مع أنه من أسباب دخول الجنة . عن أنس ين مالك رضي الله عنه قال كنا جلوسا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة ) قال فطلع علينا رجل من الأنصار لحيته من وضوئه علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان من الغد قال عليه الصلاة والسلام مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي عليه الصلاة والسلام مثل مقالته الأولى فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام الرسول عليه الصلاة والسلام تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني حتى تمضي الثلاث قال نعم . قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال لم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار من الليل لا يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أحقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فلم أرك تعمل كثير عمل , فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجذ في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على خير أعطاه الله تبارك وتعالى قال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) رواه أحمد بسند صحيح.
ولقد ضرب سلف هذه الأمة أروع الأمثلة في سلامة الصدور ونظافتها من الأحقاد والحسد والضغينة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم آذاه قومه بجميع الأنواع من ضرب وطرد وإهانة وسخرية فيأتيه ملك الجبال فيقول يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت , إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ( وهي جبال عالية محيطة بمكة ) فماذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري
ولما قيل له ( يا رسول الله ادع على ثقيف فقال اللهم اهد ثقيفا و ائت بهم ) أخرجه أحمد و الترمذي
و في مكة لما دخل المسجد الحرام و خطب بأهلها و أعلن فيها كلمة التوحيد و قضى على الأصنام قال : ( يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيرا ، أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال _يوسف لأخوته ، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله ، لكم اذهبوا فأنتم الطلقاء ) أحمد وابن ماجة والنسائي
وقد كان رضوان الله عليهم قمة في سلامة الصدر والعفو ولهذا أثنى الله عليهم بقوله { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } الحشر ( 9 ) . { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر(10)
يروى أن أبا ضمضم وهو أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال : اللهم إنه لا مال لي أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل , فقال عليه الصلاة والسلام : ( من منكم يستطيع أن يكون كأبي ضمضم )
قال ابن القيم في مدارج السالكين بعد هذا الموقف " وفي هذا الجود من سلامة الصدر وراحة القلب والتخلص من معاداة الخلق ما فيه "
وهذا الإمام أحمد رحمه الله يقول ( أحللت المعتصم من ضربي ) . وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لقي صنوفا من العذاب والسجن أزمنة طويلة من أجل إعلاء كلمة التوحيد وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه رحمه الله لم يختصم لنفسه طرفة عين , وحين يتكلم عمن وقف في وجهه وظلمه وخالفه وحقد عليه يقول ( أول ما أبدأ به من هذا الأصل ما يتعلق بي فتعلمون رضي الله عنكم أني لا أحب أن يؤذى أحد من المسلمين بشيء لا باطناً ولا ظاهراً ولا عندي عتب على أحد ولا لوم أصلا بل لهم عندي من الإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان , كل بحسبه ولا يخلو الرجل منهم إما أن يكون مجتهدا أو مخطئا مذنبا فالأول مأجور مشكور والثاني مع أجره على اجتهاده معفو عنه مغفورله والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المسلمين والذين كذبوا أو ظلموا فهم في حل من جهتي )
وهكذا كان سلف هذه الأمة سليمة صدورهم نظيفة من الحقد والحسد والبغضاء . وقد يعجز الشيطان عن الإنسان العابد لله أن يجعله يتجه بالعبادة لغير الله ولكنه مع ذلك يحتال في إيقاد نار العداوة والبغضاء في القلوب فإذا اشتعلت هذه النار استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم وتقطع أواصرهم , ويقوم شياطين الإنس بإلهابها كلما خمدت أو كادت . يقول عليه الصلاة والسلام : ( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم ) رواه مسلم ولهذا فإن دين الإسلام يسعى لعلاج بوادر الجفاء وما يثير البغضاء وينمي الشحناء . يقول عليه الصلاة والسلام : ( لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ) رواه مسلم ( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه مسلم والبخاري
أيها المسلمون : لقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار و خسة الطبيعة أن يرسب الغل والحقد في أعماق النفس فلا يخرج منها بل يبقى يموج في جوانبها كما يموج البركان , وكثير من هؤلاء الذين يترسب الغل في نفوسهم يتلمسون متنفسا له فيؤذون عباد الله لأنهم لا يسترحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا وآذوا وأفسدوا . عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قال ألا أنبئكم بشراركم قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال إن شراركم الذي ينزل وحده ويجلد عبده ويمنع رفده ، أفلا أنبئكم بشر من ذلك : قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال من يبغض الناس ويبغضونه قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال : الذين لا يقيلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغفرون ذنبا , قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى إن شئت يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ) رواه الطبراني
ومن متنفس الحقد الاعتداء على الأبرياء بدافع الكره الشديد والرغبة في تشويه سمعتهم . روت عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ( أتدرون ما أربى الربا استحلال عرض امرئ مسلم ثم قرأ { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } الأحزاب(58)
إن سلامة الصدر تقتضي أن يتمنى المؤمن الخير للناس إن عجز عن سوقه إليهم بيده . فكيف بمن ينتحل الشر انتحالا على الناس ويزوره عليهم فهذا أفاك أثيم متعرض لعذاب الله . يقول سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } النور (19)
ومن فضل الله على عباده أن استحب ستر عيوب الخلق ونهى عن إشاعتها وفضحها ولو صدق اتصافهم بها . وما يجوز لمسلم أن يتشفى بالتشنيع لأن كل ذلك ينافي سلامة الصدر على مسلم ولو ذكره بما فيه ولذا حرم الإسلام الغيبة والنميمة ونهى عن سوء الظن وتتبع العورات والغمز وتعيير الناس . فلنسعى أيها الاخوة المسلمون إلى ما به سلامة صدورنا ولنبتعد عن كل أسباب البغضاء والشحناء والعداوة والحقد ولنتذكر قوله عليه السلام ( تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم.
وقد كان المصطفى عليه الصلاة والسلام ينهى أن يبلغه عن أصحابه ما يسوؤه قال عليه الصلاة والسلام ( لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) رواه أبو داود
وعلى من سمع شيئا من ذلك ألا يوسع الخرقة على الراقع ويحمل الكلمة ما لا تتحمل فرب كلمة شر تموت لو تركت مكانها حيث قيلت ورب كلمة شر سعرت الحروب لأن أحمقا نقلها ونفخ فيها فأصبحت شرارة تحرق ما حواليها , وكم في واقع المسلمين من الشحناء والعداوة والبغضاء ما كان سببه إلا كلمة سارت بها الركبان وزادوا فيها .
وقد كان أحد السلف الصالح إذا بلغه أن أحدا اغتابه أو وقع في عرضه أرسل إليه بهدية ثم قال : بلغني أنك أهديت لي حسنات فأردت أن أكافئك بهذه الهدية . فأين نحن من هؤلاء ؟؟
إن كثيرا من الناس عندما يبلغه أن أحدا وقع في عرضه أو تعرض له بأي أذى يبادله الوقيعة والسباب والشتم وليس هذا من أدب الإسلام ولا من أخلاقه , فلنحرص على سلامة صدورنا فمل ينفعنا يوم القيامة غير ذلك { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء (88)(89). ولنعلم أن الشحناء والبغضاء والحقد التي كرهها الإسلام وكره ما يدفع إليها أو ينشأ عنها هي التي تنشب من أجل الدنيا وأهوائها وملذاتها ومتعها ومناصبها . أما الغضب لله والعداوة لله والبغضاء لله فذللك من الإيمان . يقول تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } التوبة(23)



--------------------------------------------------------------------------------

خطبة الجمعة الثانية

هناك أسباب تعين على سلامة الصدر منها :- صدق اللجوء إلى الله والاستعانة به على طرد الخواطر والهواجس .
1- معرفة خطورة هذا الأمر( البحث عن الحق واتباعه وإن خالف رأيك )
2- دراسة السيرة ومواقف السلف من ذلك
3- ضبط النفس في كل ميدان ولاسيما عند النقاش والجدل والحوار
4- سلامة القصد وحسن النية
5- التجاوز عن الهفوات والزلات وتعويد النفس على الصبر
6- الدعاء لمن خالفك بصفة خاصة والمسلمين عامة والذكر واشتغال النفس بذلك
7- إفشاء السلام بين المسلمين
8- الإيثار بين المسلمين وتجنب الأثرة وحب الذات
9- البعد عن إساءة الظن بالمسلمين بل وحسن الظن بهم


--------------------------------------------------------

الشيخ خالد عبدالله المصلح


سلامة الصدر

الخطبة الأولى

أما بعد..

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله تعالى حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعلموا أيها المؤمنون أن من لوازم التقوى سلامة الصدر من الغل والحقد والحسد والضغائن والرذائل قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾(1) ولا يكون صلاح ذات البين إلا بسلامة الصدر من تلك الآفات. لذا فإن دين الإسلام قد حرص حرصاً شديداً على أن تكون الأمة أمةً واحدة في قلبها وقالبها. تسودها عواطف الحب المشترك والود الشائع والتعاون على البر والتقوى، والتناصح البناء الذي يثمر إصلاح الأخطاء مع صفاء القلوب وتآلفها دون فرقة وغل وحسد ووقيعة وكيد وبغي. وقد جاءت الآيات القرآنية والآثار النبوية منسجمة متناسقة متضافرة لتحقيق ذلك المقصد الشرعي الكبير. فمن تلك الآيات قول الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(2) فالأخوة الإيمانية تعلو على كل خلاف مهما اشتدت وطأته واضطرمت شدته وبلغ حد الاشتباك المسلح.

أما الأحاديث فمنها قوله r: (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً))(3) رواه الشيخان. ومنها قوله r: (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه ))(4) رواه الشيخان.

ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في سلامة القلوب وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر الحظ والنصيب، فلقد كانوا رضي الله عنهم صفاً واحداً يعطف بعضهم على بعض ويرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً كما وصفهم جل وعلا بذلك حيث قال: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾(5) وكما قال جل ذكره في وصفهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾(6) ولقد كان لسلامة الصدر عندهم منزلة كبرى حتى إنهم جعلوها سبب التفاضل بينهم قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي r: ((كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة)) وقد قال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولم ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم.

أيها المؤمنون إن المرء لا ينقضي عجبه من ذلك الجيل الصالح الكريم حيث إن قلوبهم بقيت صافية وسليمة، طيبة السريرة، رغم ما وقع بينهم من فتن كبار أشهرت فيها السيوف واشتبكت فيها الصفوف فلا إله إلا الله ما أطيب المعشر وأكرمه. ومن تلك المواقف ما حفظه التاريخ عن الشعبي رحمه الله قال: رأى علي بن أبي طالب t طلحة بن عبيد الله t في واد ملقى – بعد وقعة الجمل التي كانت بين علي t وبين عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم- فنزل t فمسح التراب عن وجه طلحة وقال: عزيز علي يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء إلى الله أشكو عجري وبجري )).

أيها المؤمنون إن سلامة الصدر خصلة من خصال البر عظيمة غابت رسومها واندثرت معالمها وخبت أعلامها حتى غدت عزيزة المنال عسيرة الحصول، مع مافيها من الفضائل والخيرات. وها أنا ذا أذكر بعض فضائلها عسى أن تكون حافزة لنا على الأخذ بها والحرص عليها، فإنه قبل الرماءتملأ الكنائن.

فمن فضائل سلامة الصدر أنها صفة أهل الجنة الذين هم خير أهل ومعشر قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(7).

ومن فضائل سلامة الصدر أن صاحبها خير الناس وأفضلهم فإن النبي t قد سئل أي الناس أفضل؟ فقال: ((كل مخموم القلب صدوق اللسان)) قالوا: فما مخموم القلب؟ قال r: ((هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد))(8) رواه ابن ماجه بسند لا بأس به فبدأ r بالتقوى التي تثمر صفاء القلوب وسلامتها من الآفات والرذائل.

ومن فضائل سلامة الصدر أنها من موجبات الجنة فعن أنس بن مالك t قال: كنا جلوساً مع رسول الله r فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان اليوم الثاني قال النبي r مقالته الأولى. فطلع ذلك الرجل، وكذلك في اليوم الثالث. فلما قام النبي r تبع عبد الله بن عمرو بن العاص ذلك الرجل فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً؟ فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي؟ فقال: نعم. قال أنس ( راوي الحديث ): وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: ياعبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات. فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به. فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ذلك قال: ما هو إلا مارأيت. قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق))(9) رواه أحمد وغيره بسند صحيح.

أيها المؤمنون إن من فضائل سلامة الصدر جمعية القلب على الخير والبر والطاعة والصلاح فليس أروح للمرء ولا أطرد للهم ولا أقر للعين من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين.

ومن فضائل سلامة الصدر أنها تقطع سلاسل العيوب وأسباب الذنوب فإن من سلم صدره وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة والظنون السيئة عف لسانه عن الغيبة والنميمة وقالة السوء.

ومن فضائل سلامة الصدر أن فيها صدق الإقتداء بالنبي r فإنه r أسلم الناس صدراً وأطيبهم قلباً وأصفاهم سريرة. وشواهد هذا في سيرته كثيرة ليس أعظمها أن قومه أدموا وجهه r يوم أحد وشجوا رأسه وكسروا رباعيته فكان يسلت الدم ويقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).

الخطبة الثانية

أما بعد..

فياأيها الناس اتقوا الله وطيبوا قلوبكم وطهروها من الآفات كما أمركم الله تعالى حيث قال: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْأِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾(10) فإن سوء الطوية وفساد الصدور ومرض القلب من باطن الإثم الذي أمرتم بتركه.

أيها المؤمنون اعلموا أنه لا نجاة ولا فلاح للعبد يوم القيامة إلا بأن يقدم على مولاه بقلب طيب سليم كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ` إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(11) وصاحب القلب السليم هو الذي سلم صدره وعوفي فؤاده من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدينار والرياسة فسلم من كل آفة تبعد عن الله تعالى.

أيها المؤمنون إن لسلامة الصدر أسباباً وطرقاً لابد من سلوكها. فمن تلك الأسباب الإخلاص لله تعالى فعن زيد بن ثابت مرفوعاً: ((ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل ومناصحة ولاة الأمرو لزوم جماعة المسملين))(12) رواه أحمد بسند صحيح قال ابن الأثير عند هذا الحديث: إن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدخل والشر.

ومن أسباب سلامة الصدر الإقبال على كتاب الله تعالى الذي أنزله شفاء لما في الصدور قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(13) فكلما أقبلت ياعبدالله على كتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً وفهماً صلح صدرك وسلم قلبك.

ومن أسباب سلامة الصدر دعاء الله تعالى أن يجعل قلبك سليماً من الضغائن والأحقاد على إخوانك المؤمنين قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾(14).

أيها المؤمنون إن من طرق إصلاح القلب وسلامة الصدر إفشاء السلام بين المسلمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم))(15) وقد أجاد من قال:

قد يمكث الناس دهراً ليس بينهم ود فيزرعه التسليم و اللطفُ

ومن أسباب سلامة الصدر الابتعاد عن سوء الظن فإنه بئس سريرة الرجل قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾(16) وقد قال النبي r: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً))(17) رواه الشيخان. فانظر كيف بدأ بالنهي عن سوء الظن لأنه الذي عنه تصدر سائر الآفات المذكورة في الحديث فالواجب عليك ياعبدالله أن تطهر قلبك من سوء الظن ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.

أيها المؤمنون هذه بعض أسباب صلاح القلب وسلامة الصدر فإنه من صدق في طلبها أدركها فـ:

لوصح منك الهوى أرشدت للحيل

اللهم إنا نسألك صدوراً سليمة وقلوباً طاهرة نقية اللهم طهر قلوبنا من الشرك والشك والنفاق وسائر الآفات.



--------------------------------------------------------------------------------


(1) الأنفال: 1.
(2) الحجرات: 10.
(3) أخرجه البخاري في الأدب من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه برقم 6065 وأخرجه مسلم في البر والصلة برقم 2559.
(4) أخرجه البخاري في الأدب من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه برقم 6027 وأخرجه مسلم في البر والصلة برقم 2585 .
(5) الحشر: 9.
(6) الفتح: 29.
(7) الشعراء: 88-89.
(8) أخرجه ابن ماجه في الزهد من حديث عبدالله بن عمرو برقم 4216 وسنده لا بأس به.
(9) أخرجه أحمد من حديث أنس بن مالك برقم 12286 وسنده صحيح.
(10) فتح الباري (3477).
(11) الأنعام: 120.
(12) الشعراء: 88، 89.
(13) أخرجه أحمد من حديث زيد بن ثابت برقم 12937 وسنده صحيح.
(14) يونس: 57.
(15) الحشر: 10.
(16) أخرجه مسلم في الإيمان برقم 54.
(17) الحجرات: 12.
(18) أخرجه البخاري في الأدب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم 6066 وأخرجه مسلم في البر والصلة برقم 2563.