السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم ؟ان شاء الله مبسوطين:)
مطلوب مني موضوع في مادة التوحيد للصف الثالث الثانوي,وطبعاً داخ راسي وأنا أفتر بين المواقع :rotaeye:
والمطلوب ياحبيباتي إني أختار موضوع واحد بس من هذي المواضيعومايتجاوز صفحتين بس:
1ـ((التوسل بغير الله))
2ـ((محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم النهي عن الغلو))
3ـ((طاعة الرسول صلى الله عليه وسلمو الاقتداء به والصلاة والسلام عليه)
4ـ((فضل الصحابة وما يجب اعتقاده فيهم ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم))
5ـ((النهي عن سب الصحابة وأئمة الهدى))
6ـ((الولاء والبراء وتعامل المسلم مع المسلم وغير المسلم))
طبعاً لازم أكون كاتبه اسم الكتاب وقم الصفحة والناشروالمؤلف,:42: :06:
الله يخليكم يابنات أبغاكم تساعدوني برابط أوبموضوع
هيا لاتفشلوني:( :biggthump

star2002 @star2002
عضوة فعالة
هذا الموضوع مغلق.

*أم يزن*
•
1ـ((التوسل بغير الله))
السؤال :
هناك من يقع في التوسل بغير الله، ويطلب المدد من الأولياء والصالحين رغم أنه يوحد الله بالقول ويصلي ويصوم، وإذا نهيناه عن ذلك كابر وجادل وحاول أن يحرِّف في معاني القرآن ويقول: إنني لا أطلب الرزق مباشرة أو دفع الضر، ولكني أطلب من الله ببركتهم وصلاحهم وتقواهم فهل في هذا فرق بين من يطلبهم مباشرة أو يطلب الله بواسطتهم وهل هذا القائل على حق أم لا؟
المفتي: صالح بن فوزان الفوزان
الإجابة:
التوسل بالأموات والغائبين أمر محرم ولا يجوز، لأن الميت والغائب لا يقدر أن يعمل شيئًا مما طلب منه ثم هذا يختلف حكمه باختلاف نوع التوسل، فإن كان توسلاً بالغائب والميت، ويتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة كالذبح له والنذر له ودعائه فهذا شرك أكبر ينقل من الملة ـ والعياذ بالله ـ لأنه صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، أما إذا كان التوسل بالغائب والميت بمعنى أنه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويجعل هذا واسطة فيقول: أسألك بحق فلان فهذا بدعة لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، لكنه بدعة محرمة، وهو وسيلة إلى الشرك، وباب إلى الشرك، فلا يجوز التوسل بالأموات والغائبين بهذا المعنى، فإن كان يطلب منهم الحاجة، ويذبح لهم فهذا شرك أكبر، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} .
الموقع طريق الاسلام
________________________
بعض فتاوي علماء الاسلام في موضوع التوسل بالنبي :
أولا :
عرض المسألة بعنوان : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:
فأجاب قائلاً : التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أقسام :
الأول : أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول : : "اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به ؛ وقد ذكره الله-تعالى- في القرآن الكريم في قوله : ] ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرارولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماًولو أنهم إذ ظلمواإذإذ ظلموا متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاَ ليس عليه أمرنا فهو رد)) أخرجه مسلم في صحيحه، وإنما المشروع للمسلمين التوسل بمحبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباع شريعته في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقوله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} إلى قوله سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} الآية. ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين توسل أحدهم إلى الله ببر والديه، والثاني بالعفة عن الزنا بعد القدرة عليه، والثالث بأداء الأمانة فأجاب الله دعاءهم، وفرج كربتهم. وهكذا التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة وذلك بأن يطلب منه المسلم أن يدعو له، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر يوم الاستسقاء: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) فيسقون وهذا توسل من الصحابة بدعاء النبي لهم في حياته، فلما توفي عليه الصلاة والسلام تركوا ذلك لعلمهم بأنه لا يجوز واستسقوا بدعاء العباس؛ لأنه حي حاضر يدعو لهم ويؤمنون على دعائه. وهكذا يوم القيامة يفزع المؤمنون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، فكلهم يعتذرون، فيقول لهم عيسى عليه الصلاة والسلام اذهبوا إلى محمد عبد قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتونه عليه الصلاة والسلام فيسألونه أن يشفع لهم إلى الله حتى يريحهم من كرب الموقف، فيتقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه، ويسجد بين يديه، فيقول الله سبحانه له: ((ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيرفع رأسه ويشفع عليه الصلاة والسلام)) والأحاديث في هذا المعنى ثابتة ومتواترة وهكذا يشرع التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} والله ولي التوفيق.
--------------------------------------------------------------------------------
رواه البخاري في الصلح برقم 2499، ومسلم في الأقضية برقم 3242 واللفظ متفق عليه.
رواه مسلم في الأقضية برقم 3243.
سورة آل عمران الآية 31.
سورة آل عمران الآيات 190 – 193.
رواه البخاري في الجمعة برقم 954.
رواه البخاري في التوحيد برقم 6956 واللفظ له، ورواه مسلم في الإيمان برقم 286.
سورة الأعراف الآية 180.
موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز
______________________
أنواع التوسل
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: التوحيد (الحلقة العاشرة)
التوسل المشروع
وأعظم ما يكون به التوسل عند أهل السنة هو التوسل بتوحيد الله وبطاعته.
فمن أراد أن يتوسل إِلَى الله فهذا طريقه الذي أمر الله به أن تبتغى إليه الوسيلة هي: أن يطاع وأن يتقرب إليه بما شرع فهذا هو ابتغاء الوسيلة، وهذا هو توسل عباد الله الصالحين أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ في أنهم يعبدون الله ويتقونه ويخشونه، ولا يبتدعون في دين الله بل ولا يعصونه فيما هو أقل من ذلك.
التوسل المشروع
وهو ماذكر في الفقرة الثالثة، وهذا النوع من التوسل لا خلاف فيه وَلله الحمد بين العلماء بل هو الذي ينبغي أن نتوسل به إِلَى الله تَعَالَى بعد توسلنا إليه بأسمائه الحسنى. كما علَّمنا ربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وأخبرنا عن حال أولي الألباب الذين قالوا: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا وهذا العمل الصالح هو أعظم الأعمال، كما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل أي العمل أفضل؟ قَالَ: (إيمان بالله وبرسوله) فهذا هو العمل المتوسل به والمطلوب في هذا التوسل هو رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ومثل هذا في القُرْآن والسنة كثير، وسوف نذكره إن شاء الله في موضعه.
والمقصود أنه يبقى نوعان من التوسل هما اللذان فيهما الإجمال أو الإشكال، النوع الأول كقوله: "اللهم بحق نبيك" أو "بحق الشيخ فلان" أو "بحق الوالي فلان"، وهو يقصد بذلك: أن يقسم عَلَى الله تعالى بهذا المتوسل به، وهذا فيه محذوران كما تقدم، ويأتي بعد ذلك إن شاء الله تفصيل الكلام في النوع الثاني.
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: .
والمقصود بهذا النوع في الحديث: (لا يعذبهم) من حقق كمال اليقين وكمال الإخلاص، وفي الوقت نفسه لم يأت بكبائر الذنوب التي تضعف ذلك وتوهنه. والأحاديث التي وردت في فضل قول: "لا إله إلا الله" عَلَى نوعين:
النوع الأول: التي تدل عَلَى أن من قال: "لا إله إلا الله" عَلَى الروايات المطلقة، والروايات المقيدة {خالصاً من قلبه} أو {غير شاك} ، وأمثالها دخل الجنة.
والنوع الثاني: التي تدل عَلَى أن من قال: "لا إله إلا الله" حرم الله عليه النَّار كما في حديث عتبان الطويل وفيه {فإن الله حرم عَلَى النَّار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه} .
والوعد بدخول الجنة ليس معناه أنه لا يدخل النَّار إذ يحتمل أن يدخل النار، ثُمَّ يخرج منها، لأنه من أهل التوحيد -كما سبق معنا في أبواب الشَّفَاعَة الماضية-، أما النصوص التي جاءت بتحريم النَّار عليه كما في قوله: {فإن الله قد حرم النار} وقوله: {إلا غفرت لك ولا أبالى} وأمثال ذلك مما جَاءَ فيمن حقق التوحيد فإنها تفيد معنى آخر.
وهو أن الذي حرم الله تَعَالَى عليه النَّار لاشك أن توحيده ويقينه وإخلاصه وصدقه أعظم من ذلك الذي جَاءَ فيه الوعد بأنه يدخل الجنة.
وحديث معاذ قوله: {حقهم عليه أن لا يعذبهم} من النوع الثاني ومثل حديث عتبان رضى الله تَعَالَى عنه الذي يفيد أن من حقق التوحيد يحرم عَلَى النار، وهذا كما ذكر شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أن هذا الذي شهد أن لا إله إلا الله، وأتي بهذه الشهادة مع اليقين والإخلاص والصدق، ولم يأتِ معها بسيئات تضعفها أو توهنها، وهذا يحتمل في حقه حالتين:
الحالة الأولى:
أن يكون شهد أن لا إله إلا الله بهذا اليقين والإخلاص والصدق وحقق سائر الشروط، ثُمَّ ظلَّ يقوي إيمانه ويجاهد نفسه وكلما أرادت نفسه أن تضعف درجتها ومنزلتها في التوحيد والإيمان قواها، فلقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو لم يزل عَلَى تلك القوة في الإيمان وفي تحقيق الشهادة، فلذلك حَرُمَ عَلَى النَّار.
الحالة الثانية:
ارتكب المعاصي ثُمَّ حقق شروط التوحيد: كمن ارتكب من الموبقات والذنوب والمعاصي ما شاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعند قرب الموت تاب توبة نَصوحاً، وشهد أن لا إله إلا الله بيقين وصدق وإخلاص، وحقق شروطها، لقي ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو لم يقارف ما يوهنها من كبيرةٍ أو إصرارٍ عَلَى صغيرة، فهذا حاله يكون من النوع الأخير وهو الذي (حرم الله عليه النَّار) ومن هذه الطائفة السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهَؤُلاءِ هم قمة وذروة من حقق التوحيد من المؤمنين، وبهذا نعرف حقيقةُ مذهبِ السلف الصالح رِضْوُانُ اللهِ تَعَالَى عليهم، ومباينته لما كَانَ عليه الخوارج والمعتزلة من جهة، والمرجئة من جهة أخرى، عافانا الله وإياكم من الضلال.
التوسل الممنوع
ثُمَّ يقول المصنف: أي: أن السبب هو ما جعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى سبباً، لا ما يتوهمه النَّاس سبباً، فترك تعذيب أهل التوحيد معنى من المعاني لم يجعله الله تَعَالَى سبباً من الأسباب التي نتوسل بها إليه، بل هو مسألة أجنبية بعيدة فقول القائل: "بحق فلان" أو "بجاه فلان" أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فله جاه عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ومنزلة عظيمة، لكن هذا القائل أجنبي عن هذا الجاه وعن هذه المنزلة.
وقد وعد اللهُ تَعَالَى أهل الخير والصلاح والتقوى بالأجر العظيم، فما شأن هذا القائل عندما يتوسل إِلَى ربه بمنزلة غيره؟! وما العلاقة؟! لِمَ يسأل الله بعمل غيره والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعلنا جميعاً عبيداً له، وافترض علينا عبادته وطاعته، وجعل لنا أسباباً مشروعة هي الوسيلة إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة بها، وهي توحيده جل وعلا وطاعته، وشرع لنا ما نتوسل به إليه وهي أسماؤه الحسنى، وكذلك الأعمال الصالحة عَلَى ما يأتي تفصيله إن شاء الله، ولكن المقصود هنا أن السبب هو ما جعله الله تَعَالَى سبباً لا ما جعله النَّاس أو توهموه أنه سبب، وهذا من القول عَلَى تَعَالَى بغير علم، أن يظن بعض النَّاس أن منزلة فلان عند الله تشفع للأجنبي فلان بن فلان!!
أما إذا قال قائل: "اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي أو باتباعي لرسولك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لم تعد القضية علاقة أجنبية؛ بل أصبح هناك رابطاً لأن اتباعه ومحبته للرَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمله، وهو في هذه الحالة يتوسل إِلَى ربه بعمله الذي عمله، وهو محبته له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعه له، وهذه هي الوسيلة المشروعة التي شرعها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، والتي وصف بها أولياءه في القُرْآن بأنهم يتوسلون إليه بالإيمان به وبطاعته.
------------------------------------------------
ما حكم التوسل بالموتى؟ وما حكم زيارة القبور؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد :
فقد سئلت عن حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور؟ فأجبت بما يلي: إذا كانت الزيارة لسؤال الموتى والتقرب إليهم بالذبائح والنذر لهم والاستغاثة بهم ودعوتهم من دون الله فهذا شرك أكبر. وهكذا ما يفعلونه مع من يسمونهم بالأولياء سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، حيث يعتقدون فيهم أنهم ينفعونهم أو يضرونهم أو يجيبون دعوتهم أو يشفون مرضاهم، كل هذا شرك أكبر والعياذ بالله. وهذا كعمل المشركين مع اللات والعزى ومناة ومع أصنامهم وآلهتهم الأخرى.
والواجب على ولاة الأمر والعلماء في بلاد المسلمين أن ينكروا هذا العمل، وأن يعلِّموا الناس ما يجب عليهم من شرع الله، وأن يمنعوا هذا الشرك وأن يحولوا بين العامة وبينه، وأن يهدموا القباب التي على القبور ويزيلوها؛ لأنها فتنة ولأنها من أسباب الشرك ولأنها محرمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، وأن تجصص، وأن يقعد عليها، وأن يصلى إليها، ولعن من اتخذ عليها المساجد، فلا يجوز البناء عليها لا مساجد ولا غيرها، بل يجب أن تكون بارزة ليس عليها بناء كما كانت قبور المسلمين في المدينة المنورة، وفي كل بلد إسلامي لم يتأثر بالبدع والأهواء.
أما زيارة القبور للذكرى والدعاء للميت والترحم عليه فذلك سنة في حق الرجال من دون شد رحل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)) خرجه مسلم في صحيحه. وكان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين))، وخرج الترمذي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر)).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المصدر :
نشر هذا السؤال وجوابه بالمجلة العربية التي تصدر بالرياض - مجموع الفتاوى مقالات متنوعة الجزء الثالث.
من موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز
________________________
السؤال :
هناك من يقع في التوسل بغير الله، ويطلب المدد من الأولياء والصالحين رغم أنه يوحد الله بالقول ويصلي ويصوم، وإذا نهيناه عن ذلك كابر وجادل وحاول أن يحرِّف في معاني القرآن ويقول: إنني لا أطلب الرزق مباشرة أو دفع الضر، ولكني أطلب من الله ببركتهم وصلاحهم وتقواهم فهل في هذا فرق بين من يطلبهم مباشرة أو يطلب الله بواسطتهم وهل هذا القائل على حق أم لا؟
المفتي: صالح بن فوزان الفوزان
الإجابة:
التوسل بالأموات والغائبين أمر محرم ولا يجوز، لأن الميت والغائب لا يقدر أن يعمل شيئًا مما طلب منه ثم هذا يختلف حكمه باختلاف نوع التوسل، فإن كان توسلاً بالغائب والميت، ويتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة كالذبح له والنذر له ودعائه فهذا شرك أكبر ينقل من الملة ـ والعياذ بالله ـ لأنه صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، أما إذا كان التوسل بالغائب والميت بمعنى أنه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويجعل هذا واسطة فيقول: أسألك بحق فلان فهذا بدعة لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، لكنه بدعة محرمة، وهو وسيلة إلى الشرك، وباب إلى الشرك، فلا يجوز التوسل بالأموات والغائبين بهذا المعنى، فإن كان يطلب منهم الحاجة، ويذبح لهم فهذا شرك أكبر، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} .
الموقع طريق الاسلام
________________________
بعض فتاوي علماء الاسلام في موضوع التوسل بالنبي :
أولا :
عرض المسألة بعنوان : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
السؤال
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم التوسل بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:
فأجاب قائلاً : التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أقسام :
الأول : أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول : : "اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به ؛ وقد ذكره الله-تعالى- في القرآن الكريم في قوله : ] ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرارولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماًولو أنهم إذ ظلمواإذإذ ظلموا متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاَ ليس عليه أمرنا فهو رد)) أخرجه مسلم في صحيحه، وإنما المشروع للمسلمين التوسل بمحبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباع شريعته في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقوله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} إلى قوله سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} الآية. ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين توسل أحدهم إلى الله ببر والديه، والثاني بالعفة عن الزنا بعد القدرة عليه، والثالث بأداء الأمانة فأجاب الله دعاءهم، وفرج كربتهم. وهكذا التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة وذلك بأن يطلب منه المسلم أن يدعو له، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر يوم الاستسقاء: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) فيسقون وهذا توسل من الصحابة بدعاء النبي لهم في حياته، فلما توفي عليه الصلاة والسلام تركوا ذلك لعلمهم بأنه لا يجوز واستسقوا بدعاء العباس؛ لأنه حي حاضر يدعو لهم ويؤمنون على دعائه. وهكذا يوم القيامة يفزع المؤمنون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، فكلهم يعتذرون، فيقول لهم عيسى عليه الصلاة والسلام اذهبوا إلى محمد عبد قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتونه عليه الصلاة والسلام فيسألونه أن يشفع لهم إلى الله حتى يريحهم من كرب الموقف، فيتقدم عليه الصلاة والسلام إلى ربه، ويسجد بين يديه، فيقول الله سبحانه له: ((ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيرفع رأسه ويشفع عليه الصلاة والسلام)) والأحاديث في هذا المعنى ثابتة ومتواترة وهكذا يشرع التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} والله ولي التوفيق.
--------------------------------------------------------------------------------
رواه البخاري في الصلح برقم 2499، ومسلم في الأقضية برقم 3242 واللفظ متفق عليه.
رواه مسلم في الأقضية برقم 3243.
سورة آل عمران الآية 31.
سورة آل عمران الآيات 190 – 193.
رواه البخاري في الجمعة برقم 954.
رواه البخاري في التوحيد برقم 6956 واللفظ له، ورواه مسلم في الإيمان برقم 286.
سورة الأعراف الآية 180.
موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز
______________________
أنواع التوسل
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من درس: التوحيد (الحلقة العاشرة)
التوسل المشروع
وأعظم ما يكون به التوسل عند أهل السنة هو التوسل بتوحيد الله وبطاعته.
فمن أراد أن يتوسل إِلَى الله فهذا طريقه الذي أمر الله به أن تبتغى إليه الوسيلة هي: أن يطاع وأن يتقرب إليه بما شرع فهذا هو ابتغاء الوسيلة، وهذا هو توسل عباد الله الصالحين أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ في أنهم يعبدون الله ويتقونه ويخشونه، ولا يبتدعون في دين الله بل ولا يعصونه فيما هو أقل من ذلك.
التوسل المشروع
وهو ماذكر في الفقرة الثالثة، وهذا النوع من التوسل لا خلاف فيه وَلله الحمد بين العلماء بل هو الذي ينبغي أن نتوسل به إِلَى الله تَعَالَى بعد توسلنا إليه بأسمائه الحسنى. كما علَّمنا ربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وأخبرنا عن حال أولي الألباب الذين قالوا: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا وهذا العمل الصالح هو أعظم الأعمال، كما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل أي العمل أفضل؟ قَالَ: (إيمان بالله وبرسوله) فهذا هو العمل المتوسل به والمطلوب في هذا التوسل هو رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ومثل هذا في القُرْآن والسنة كثير، وسوف نذكره إن شاء الله في موضعه.
والمقصود أنه يبقى نوعان من التوسل هما اللذان فيهما الإجمال أو الإشكال، النوع الأول كقوله: "اللهم بحق نبيك" أو "بحق الشيخ فلان" أو "بحق الوالي فلان"، وهو يقصد بذلك: أن يقسم عَلَى الله تعالى بهذا المتوسل به، وهذا فيه محذوران كما تقدم، ويأتي بعد ذلك إن شاء الله تفصيل الكلام في النوع الثاني.
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: .
والمقصود بهذا النوع في الحديث: (لا يعذبهم) من حقق كمال اليقين وكمال الإخلاص، وفي الوقت نفسه لم يأت بكبائر الذنوب التي تضعف ذلك وتوهنه. والأحاديث التي وردت في فضل قول: "لا إله إلا الله" عَلَى نوعين:
النوع الأول: التي تدل عَلَى أن من قال: "لا إله إلا الله" عَلَى الروايات المطلقة، والروايات المقيدة {خالصاً من قلبه} أو {غير شاك} ، وأمثالها دخل الجنة.
والنوع الثاني: التي تدل عَلَى أن من قال: "لا إله إلا الله" حرم الله عليه النَّار كما في حديث عتبان الطويل وفيه {فإن الله حرم عَلَى النَّار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه} .
والوعد بدخول الجنة ليس معناه أنه لا يدخل النَّار إذ يحتمل أن يدخل النار، ثُمَّ يخرج منها، لأنه من أهل التوحيد -كما سبق معنا في أبواب الشَّفَاعَة الماضية-، أما النصوص التي جاءت بتحريم النَّار عليه كما في قوله: {فإن الله قد حرم النار} وقوله: {إلا غفرت لك ولا أبالى} وأمثال ذلك مما جَاءَ فيمن حقق التوحيد فإنها تفيد معنى آخر.
وهو أن الذي حرم الله تَعَالَى عليه النَّار لاشك أن توحيده ويقينه وإخلاصه وصدقه أعظم من ذلك الذي جَاءَ فيه الوعد بأنه يدخل الجنة.
وحديث معاذ قوله: {حقهم عليه أن لا يعذبهم} من النوع الثاني ومثل حديث عتبان رضى الله تَعَالَى عنه الذي يفيد أن من حقق التوحيد يحرم عَلَى النار، وهذا كما ذكر شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أن هذا الذي شهد أن لا إله إلا الله، وأتي بهذه الشهادة مع اليقين والإخلاص والصدق، ولم يأتِ معها بسيئات تضعفها أو توهنها، وهذا يحتمل في حقه حالتين:
الحالة الأولى:
أن يكون شهد أن لا إله إلا الله بهذا اليقين والإخلاص والصدق وحقق سائر الشروط، ثُمَّ ظلَّ يقوي إيمانه ويجاهد نفسه وكلما أرادت نفسه أن تضعف درجتها ومنزلتها في التوحيد والإيمان قواها، فلقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو لم يزل عَلَى تلك القوة في الإيمان وفي تحقيق الشهادة، فلذلك حَرُمَ عَلَى النَّار.
الحالة الثانية:
ارتكب المعاصي ثُمَّ حقق شروط التوحيد: كمن ارتكب من الموبقات والذنوب والمعاصي ما شاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعند قرب الموت تاب توبة نَصوحاً، وشهد أن لا إله إلا الله بيقين وصدق وإخلاص، وحقق شروطها، لقي ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو لم يقارف ما يوهنها من كبيرةٍ أو إصرارٍ عَلَى صغيرة، فهذا حاله يكون من النوع الأخير وهو الذي (حرم الله عليه النَّار) ومن هذه الطائفة السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهَؤُلاءِ هم قمة وذروة من حقق التوحيد من المؤمنين، وبهذا نعرف حقيقةُ مذهبِ السلف الصالح رِضْوُانُ اللهِ تَعَالَى عليهم، ومباينته لما كَانَ عليه الخوارج والمعتزلة من جهة، والمرجئة من جهة أخرى، عافانا الله وإياكم من الضلال.
التوسل الممنوع
ثُمَّ يقول المصنف: أي: أن السبب هو ما جعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى سبباً، لا ما يتوهمه النَّاس سبباً، فترك تعذيب أهل التوحيد معنى من المعاني لم يجعله الله تَعَالَى سبباً من الأسباب التي نتوسل بها إليه، بل هو مسألة أجنبية بعيدة فقول القائل: "بحق فلان" أو "بجاه فلان" أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فله جاه عند الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ومنزلة عظيمة، لكن هذا القائل أجنبي عن هذا الجاه وعن هذه المنزلة.
وقد وعد اللهُ تَعَالَى أهل الخير والصلاح والتقوى بالأجر العظيم، فما شأن هذا القائل عندما يتوسل إِلَى ربه بمنزلة غيره؟! وما العلاقة؟! لِمَ يسأل الله بعمل غيره والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعلنا جميعاً عبيداً له، وافترض علينا عبادته وطاعته، وجعل لنا أسباباً مشروعة هي الوسيلة إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة بها، وهي توحيده جل وعلا وطاعته، وشرع لنا ما نتوسل به إليه وهي أسماؤه الحسنى، وكذلك الأعمال الصالحة عَلَى ما يأتي تفصيله إن شاء الله، ولكن المقصود هنا أن السبب هو ما جعله الله تَعَالَى سبباً لا ما جعله النَّاس أو توهموه أنه سبب، وهذا من القول عَلَى تَعَالَى بغير علم، أن يظن بعض النَّاس أن منزلة فلان عند الله تشفع للأجنبي فلان بن فلان!!
أما إذا قال قائل: "اللهم إني أتوسل إليك بمحبتي أو باتباعي لرسولك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لم تعد القضية علاقة أجنبية؛ بل أصبح هناك رابطاً لأن اتباعه ومحبته للرَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمله، وهو في هذه الحالة يتوسل إِلَى ربه بعمله الذي عمله، وهو محبته له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعه له، وهذه هي الوسيلة المشروعة التي شرعها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، والتي وصف بها أولياءه في القُرْآن بأنهم يتوسلون إليه بالإيمان به وبطاعته.
------------------------------------------------
ما حكم التوسل بالموتى؟ وما حكم زيارة القبور؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد :
فقد سئلت عن حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور؟ فأجبت بما يلي: إذا كانت الزيارة لسؤال الموتى والتقرب إليهم بالذبائح والنذر لهم والاستغاثة بهم ودعوتهم من دون الله فهذا شرك أكبر. وهكذا ما يفعلونه مع من يسمونهم بالأولياء سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً، حيث يعتقدون فيهم أنهم ينفعونهم أو يضرونهم أو يجيبون دعوتهم أو يشفون مرضاهم، كل هذا شرك أكبر والعياذ بالله. وهذا كعمل المشركين مع اللات والعزى ومناة ومع أصنامهم وآلهتهم الأخرى.
والواجب على ولاة الأمر والعلماء في بلاد المسلمين أن ينكروا هذا العمل، وأن يعلِّموا الناس ما يجب عليهم من شرع الله، وأن يمنعوا هذا الشرك وأن يحولوا بين العامة وبينه، وأن يهدموا القباب التي على القبور ويزيلوها؛ لأنها فتنة ولأنها من أسباب الشرك ولأنها محرمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، وأن تجصص، وأن يقعد عليها، وأن يصلى إليها، ولعن من اتخذ عليها المساجد، فلا يجوز البناء عليها لا مساجد ولا غيرها، بل يجب أن تكون بارزة ليس عليها بناء كما كانت قبور المسلمين في المدينة المنورة، وفي كل بلد إسلامي لم يتأثر بالبدع والأهواء.
أما زيارة القبور للذكرى والدعاء للميت والترحم عليه فذلك سنة في حق الرجال من دون شد رحل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)) خرجه مسلم في صحيحه. وكان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين))، وخرج الترمذي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر)).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ((لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
المصدر :
نشر هذا السؤال وجوابه بالمجلة العربية التي تصدر بالرياض - مجموع الفتاوى مقالات متنوعة الجزء الثالث.
من موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز
________________________

*أم يزن*
•
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم النهي عن الغلو
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
لقد صدق ربي حين قال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(البقرة120)
ففي حين يحاول بعض العلمانيين أن يشككوا بمصداقية القرآن والنبوات والغيبيات والآخرة والقدر وكل ما هو إسلامي، حاولوا التشكيك في هذه الآية قصدًا منهم لضرب الإسلام في كتابه ثم تثبت الأيام خطأ ما قالوه وما روجوا لها وضاعت تفاهاتهم وذهبت أدراج الرياح حين قام ثلة ممن امتلأت قلوبهم حقدًا وحنقًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعملهم الشائن والذي يستنكره كل ذي لب فضلاً عمن يكن لهذا النبي الكريم كل تعظيم وتبجيل واحترام، نعم لقد صدق الله وكذب هؤلاء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن().
وعلى النقيض من أولئك حاول آخرون تزوير حقائق الدين بالدعاوى العريضة الباطلة وجعلوا من المخلوق شريكًا للخالق وناقضوا أصل ما جاء به الرسل وأصلت له الكتب السماوية فادعوا في النبي صلى الله عليه وسلم الخالقية سواء صرحوا بهذا أم أتوا بمعناه مما ستراه في هذه الرسالة، وهم بهذا لم يأتوا بجديد إذ قد سبقهم سابقون, فهاهم اليهود يدعون في عزير أنه ابن الله ويدعي النصارى أن المسيح ابن الله, كذبوا جميعًا فما هؤلاء إلا عبيده له سبحانه.
لقد وقف الناس في شأن الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على طرفين: الجحود والغلو وكلا القولين منبوذان ذميمان تردهما الحقائق القرآنية والنبوية والتاريخية والواقعية، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، وهذه الوسطية في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو ما تتحدث عنه هذه الرسالة مبينة ما يتعلق بها من جوانب مهمة ينبغي أن يتنبه لها المسلم وأن يتذكرها دومًا، محذرة من الغلو الذي وقع فيه البعض جهلًا أو تجاهلًا، كما أبغي من كل من طالع هذه الرسالة أن يدعو لي في ظهر الغيب والله المستعان.
تمهيــد
تعريف المحبة لغة واصطلاحًا
المحبة لغة:-
ذهب ابن القيم إلى أن مادة كلمة حب تدور في اللغة على خمسة أشياء هي:-
1. الصفاء والبياض ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حبب الأسنان.
2. العلو و الظهور ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه عند المطر الشديد.
3. اللزوم و الثبات و منه حب البعير وأحب إذا برك و لم يقم.
4. اللب ومنه حبه القلب للبه وداخله.
5. الحفظ والإمساك و منه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضًا.
ثم قال: ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة فإنها صفاء المودة وهيجان إرادة القلب للمحبوب وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا تفارقه ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده وهو قلبه ولاجتماع عزماته وإرداته وهمومه على محبوبه()
المحبة اصطلاحًا:
قال ابن حجر: وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانًا ولا يمكن التعبير عنها() ونحو هذا قال ابن القيم: لاتحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف اظهر من المحبة().
المبحث الأول :وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في الدين ومن أعظم الحقوق الواجبة علينا تجاهه صلى الله عليه وسلم على هذا دل القران والسنة من هذه الأدلة:
1- قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة24)دلت هذه الآية على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك فقط بل يجب أن تكن هذه المحبة مقدمه على كل محبوب() كالأب والابن والأخ...الخ
قال القاضي عياض: "كفى بهذه الآية حظًا وتنبيهًا ودلالة وحجة على لزوم محبته ووجوب فرضها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله"()
2- ثبت في البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شي إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له: عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"()
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"().
4- عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"().
5- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" ()
6- عن أنس بن مالك قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة ؟ قال: وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله قال: "فإنك مع من أحببت".
قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: فإنك مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم()
هذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعظمها في الدين ولهذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس حبًا له صلى الله عليه وسلم فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه()
وسئل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الضمأ().
والمطالع في كتب السير يجد صورا كثيرة رائعة تدل على مدى حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم وإيثارهم له وتقديم أرواحهم رخيصة فداء له صلى الله عليه وسلم.
أما الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انقسموا في محبته إلى ثلاثة أقسام:
1- أهل إفراط
2- أهل تفريط.
3- الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط.
فأهل الإفراط منهم الذين بالغوا في محبته صلى الله عليه وسلم بابتداعهم أمورًا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن فعل هذه الأمور علامة المحبة وبرهانها كالاحتفال بمولده والمبالغة في مدحه لدرجة إشراكه في صفات خاصة لله عز وجل كما سأذكر نماذج منه لاحقًا، وهؤلاء ينبغي أن يعلموا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون بالغلو فيه بل بتصديقه فيما اخبر به عن الله، وطاعته فيما أمر به ومتابعته ومحبته وموالاته.
أما أهل التفريط وهم المقصرون في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقدموا حبه على حب النفس والأهل و المال والولد ولم يعزروه ويوقروه ويتبعوا سنته والسبب في ذلك يعود إلى:
1- جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم والتي من ضمنها محبته فهؤلاء يجب عليهم أن يتعلموا أمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم.
2- إعراض هؤلاء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي وإسرافهم على أنفسهم وتقديمهم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي.
فالواجب على هؤلاء الإقلاع عن الذنوب والمعاصي التي هي سبب نقصان إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى.
وأما الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط فهؤلاء هم السلف الصالحين من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم من الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكماً وقاموا بمقتضاها اعتقادًا وقولاً وعملاً فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والأهل وجميع الخلق امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فجعلوه أولى بهم تصديقًا لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وقاموا بمقتضى هذه المحبة فآمنوا وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به عن ربه عز وجل، واعتقدوا أنه ليس من المحبة فيء شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه بأمور اختص الله بها وحده بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أخبر به سبحانه وتعالى().
أقسام محبتهr:-
وهنا يذكر ابن رجب أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على درجتين:
أحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديق في كل ما أخبر به وطاعته فيما أمر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة فهذا القدر لابد منه ولا يتم الإيمان يدونه.
والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الإقتداء بسنته وأخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته، وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة().
وفي فتح الباري عن بعض العلماء أنه قال: محبة الله على قسمين فرض وندب،
فالفرض: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه، والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع، كذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على قسمين كما تقدم، ويزداد: ألا يتلقى شيئًا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجًا مما قضاه ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها().
بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم:-
يدعو المسلم إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم أمور عدة منها:-
1- موافقة مراد الله عز و جل في محبته لنبيه وتعظيمه له فقد أقسم بحياته تعظيما له في قوله (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) كما أثنى عليه فقال:(وانك لعلى خلق عظيم)(القلم4) وقال: (ورفعنا لك ذكرك).
قال ابن القيم: وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له فهي محبه لله من موجبات محبة الله، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم – وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ()
2- أن محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم من شرط إيمان العبد بل الأمر كما قال ابن تيمية: "إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله"().
3- ما ميزه الله تعالى به من شرف النسب وكرم الحسب وصفاء النشأة وكمال الصفات والأخلاق والأفعال.
4- شدة محبته صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليها ورحمته بها قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(التوبة125) وكم كان يسأل الله تعالى الخير لأمته ويفرح بفضل الله عليها وكم تحمل من مشاق نشر الدعوة وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة().
علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم:-
اعلم أن من أحب شيئًا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقًا في حبه وكان مدعياً() ولا يوافق قوله فعله، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تخرج عن هذا الإطار، ولا شك أن لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامات ودلائل تدل على حقيقة صدق هذه المحبة، ولهذا كان لزاماً على المسلم أن يعرفها ليحققها ويعمل بها وأهم هذه العلامات ما يلي:-
1- الإقتداء به صلى الله عليه وسلم واستعمال سنته وسلوك طريقته والاهتداء بهديه وسيرته والوقوف عندما حد لنا من أحكام شريعته ومحبته صلى الله عليه وسلم من مهماتها وهذه أعظمها() فعن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة().
وتأمل قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي الشأن في أن الله يحبكم، لا في أنكم تحبونه وهذا لا ينالونه إلا بإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم () قال المحاسبي: وعلامة محبة العبد لله عز و جل اتباع مرضاة الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان، ووجد طعمه ظهرت ثمرة ذلك على جوارحه ولسانه()
وقال غيره: من الزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره ونواهيه وأفعاله وأخلاقه و قال أبو إسحاق الرقي: علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال غيره: لا يظهر على أحد شئ من نور الإيمان إلا بإتباع السنة ومجانبة البدعة()
2- أن يرضى مدعيها بما شرعه الله حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضى() قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}(النساء65) فسلب الإيمان عمن وجد في صدره حرجًا من قضائه و لم يسلم له.
3- وهي داخله فيما قبلها :إيثار ما شرعه وحض عليه على هدى نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر9) وإسخاط العبد في رضا الله تعالى()
4- كثرة ذكره له فمن أحب شيئا أكثر ذكره() و لبعضهم : المحبة دوام ذكر المحبوب() قال ابن القيم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: إنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها و تضاعفها، و ذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لان العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه و استولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره و إحضاره، و إحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه، ولا شئ أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره و إحضار محاسنه، فإذا قوى هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، و تكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه().
و ذكره صلى الله عليه وسلم يكون بالصلاة عليه وبهذا يعلم فضيلة الحديث و أهله لذكرهم له صلى الله عليه وسلم كثيرًا ()و صح في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي على().
وقد شرع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لإظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم و هذا من علامات محبته، ولقد ورد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يذكرونه إلا خشعوا و اقشعرت جلودهم وبكوا، وكذلك كان كثير من التابعين من يفعل ذلك محبة له و شوقًا إليه().
و يدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله وخصائصه وما وهبه الله من الصفات و الأخلاق والخلال الفاضلة، وما أكرمه به من المعجزات و الدلائل و ذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته والتأسي بصفاته وأخلاقه و تعريف الناس وتذكيرهم بذلك ليزدادوا إيمانًا ومحبه له صلى الله عليه وسلم ولكي يتأسوا به، ولا محظور في التمدح بذلك نثرًا وشعرًا مادام ذلك في حدود المشروع الذي أمر به الشارع الكريم().
5- نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والصبر والتواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، ومن وجدها استلذ الطاعات و تحمل المشاق في الدين، واثر ذلك على أغراض الدنيا الفانية().
6- كثرة الشوق إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه()، أما في حياته صلى الله عليه وسلم فمعروف وأما بعد موته فبأن يشتاق إلى لقائه في الآخرة ويشاهد ذاته الكريم صلى الله عليه وسلم ().
و قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العلامة فقال: "من أشد أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله و ماله"().
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي محمد في يده ليأتيني على أحدكم يوم لا يراني ثم لأن يراني معهم أحب إليه من أهله و ماله"().
ومن الأمثلة التطبيقية لهذه العلامة أن الأشعريين عند قدومهم المدينة كانوا يرتجزون: غدًا نلقى الأحبة... محمدًا و حزبه()
و روي إن بلالاً و حذيفة بن اليمان و عمار بن ياسر كانوا يقولون لما حضرتهم الوفاة: غدًا ألقى الأحبة محمدًا و حزبه()
7- حب القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم ، وهدى به واهتدى و تخلق به حتى قالت عائشة: رضي الله عنها: إن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن() أي كان دأبه صلى الله عليه وسلم التمسك به والتأدب بآدابه والعمل بما فيه من مكارم الأخلاق فجعلت عائشة رضي الله عنها القرآن نفس خلقه مبالغة في شدة تمسكه به، وأنه صار سجية له وطبيعة كأنه طبع عليها().
وتمثيل حب القران بكثرة تلاوته له على الوجه المرضي فيها عند أهل الأداء، و ليس المراد مطلق القراءة كذا قال الخفاجي() و الصواب أن كثرة تلاوته تدل على حب القرآن و الشغف به، و قد صح أن من يتعتع في قراءته له أجران فلا وجه لقصر محب القرآن على المقرئين فقط، وإضافة إلى كثرة تلاوته ودوام قرأته، العمل بما فيه من أحكام و مواعظ، و تفهمه أي طلب فهمه في مواعظه و قصصه ووعده ووعيده و بيان أحوال أنبيائه وأوليائه و عاقبة أعدائه() وكذا التقيد بفهم معانيه().
هذا والسنة مليئة بالحث على تعلم القران وإتباعه، فصح عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القران وعلمه"().
و صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة"().
و لهذا إذا أردت إن تعرف ما عندك وعند غيرك من محبة الله و رسوله فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم، فإنه من المعلوم أن من أحب محبوبًا كان كلامه وحديثه أحب شئ إليه كما قيل:
إن كنت تزعم حبي... فلم هجرت كتابي
أما تأملت ما فيـ... ـه من لذيد خطابي
و يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله().
8- محبة سنته صلى الله عليه وسلم، والذي يشمل: طريقه وهديه بالإقتداء به قولاً وفعلاً، وأحاديثه فيقف عند حدودها، وهي أوامرها ونواهيها() وأن يكثر من قراءتها فإن من دخلت حلاوة الإيمان في قلبه إذا سمع كلمه من كلام الله تعالى أو من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم تشربتها روحه وقلبه ونفسه() قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القران وعلامة حب القران حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة()
9- محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو بسببه من آل بيتة وحمايته من المهاجرين والأنصار، وعداوة من عاداهم، وبغض من يبغضهم وسبهم، فمن أحب سيئاً أحب من يحب() فعن زيد بن رقمه رضي الله عنة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً بما يدعي ((ضمًا)) بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: "أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به،فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي،أذكركم الله في أهل بيتي"().
ومن آل بيته أزواجه صلى الله عليه وسلم قال البهيقي: ويدخل في جمله حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه؛ لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ...}(الفتح29) وغيرها من الآيات() وصح في السنة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغضهم()
10- بغض من أبغض الله ورسوله، ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينة واستثقاله كل أمر يخالف شريعته() قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22
وهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته، وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبي: لو شئت لأتيتك برأسه –يعني أباه-"().
11- شفقته على الأمة بأن يحبهم ويتلطف بهم ويرقق قلبه عليهم ونصحه لهم في أمرهم ونهيهم وموعظتهم وبيان ما يصلحهم من أمورهم وسعيه في مصالحهم الدينية والدنيوية بشفاعته ومعاونته وقضاء حوائجهم ورفع المضار عنهم بدفع المظالم وإزالة مضايقتهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا"().
ثواب محبتهr:
لقد صحت أحاديث تبين عظم ثواب محبة النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله، قال: فإنك مع من أحببت.
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت.. قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.()
ففي هذا الحديث بشارة عظيمة للسائل ولكل من أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس المراد بالمعية هنا المساواة في المنزلة وعلو الرتبة وإنما المراد أنه يدخل الجنة في زمرة المؤمنين وإن كانت مراتبهم متفاوته().
ونحو الحديث السابق جاء عن عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب"().
ومعلوم أن المحبة القلبية لابد أن تنعكس على الجوارح ويكون لها الأثر الواقعي الذي يدل على تلك الصفة الإيمانية، فدعوى المحبة القلبية دون برهان واقعي يجسد معانيها ويدل عليها تبقى دعوى، إذ إن المحبة تعني الاتباع والمتابعة له صلى الله عليه وسلم والاجتهاد في الطاعة لكي يصل إلى مرتبة عالية في الجنة والتي يتيسر لها من خلالها معيته صلى الله عليه وسلم ومما يدل على هذا حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال:كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك ؟ قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود()
ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: " {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}(النساء69).
ومما يدخل في ثواب محبته صلى الله عليه وسلم ثواب كل طاعة من الطاعات ذلك لأنها في الحقيقة ثمرة للمحبة لأن المحبة أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين().
المبحث الثاني: وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم
إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله شعبة عظيمة من شعب الإيمان وهذه الشعبة غير شعبة المحبة بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة ذلك لأنه ليس كل محب معظمًا ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة().
وفي تعظيمه صلى الله عليه وسلم يقول سبحانه: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) أي تعظموه وتفخموه، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه()، فأوجب سبحانه تعزيره وتوقيره وإلزام إكرامه وتعظيمه()، وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره ولا خلاف أن التعزير هاهنا التعظيم() فقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف157) وفي القرآن ما يبين بعضًا من مظاهر تعظيمه منها:
1- قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً}(النور63) أي لا تغلظوا له بالخطاب أو رفع الصوت ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم لبعض أو تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة أو الرجوع بغير استئذان ولكن عظموه ووقروه ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به نحو يا رسول الله، يا نبي الله()، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة: أمرهم أن يشرفوه ويفخموه().
2- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ () يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ()إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ()وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(الحجرات5:1) لقد بين الله سبحانه في هذه الآيات جملة آداب مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي:
أ- حرمة المسارعة ومسابقته صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلاً.
ب-حرمة رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
ت-حرمة الغلظة له بالخطاب ومناداته باسمه.
ث-ذم الله سبحانه الذين ينادونه من وراء حجرات نسائه إذ هو منافي للأدب معه صلى الله عليه وسلم وبين لهم أن يصبروا حتى يخرج إليهم.
3- قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}(التوبة120) قال الحليمي: "فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم وأشرف وأزكى وأجمل من أنفسهم، فلا يسعهم من ذلك أن يصرفوا أنفسهم عما لا يصرف نفسه عنه فيتخلفوا عنه إذا خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر أو طول طريق أو عوز ماء أو قلة زاد بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال رضيها لنفسه وفي هذا أعظم البيان لمن عقل وأبين الدلالة على وجوب تعظيمه وإجلاله وتوقيره"().
4- قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً()وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}(الأحزاب57،58) فالله تعالى من تعظيمه لنبيه حفظ له كرامته وصان له حقه ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين فأوجب على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من رحمته وهذا حكم على من آذاه بالكفر وفي الآخرة له العذاب المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير بينما حكم على من آذى المؤمنين بالبهتان والإثم والفرق بين الحكمين ناتج عن الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره().
هذا وتذكر لنا كتب الآثار نماذج رائعة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس صحابة رسول الله منها ما جاء عن عمرو بن العاص السابق الذكر والذي فيه "وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت".
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ إلا ابتدر الصحابة وضوءه وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يمدون إليه النظر تعظيما له().
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب واللسان والجوارح:
أما تعظيم القلب فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدًا رسولاً من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين والتي من لوازمها الإكثار من ذكره وتعظيم القلب له صلى الله عليه وسلم واستشعاره لهيبته وجلالة قدره وعظيم شأنه.
وأما تعظيم اللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير ومن أعظم ذلك الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم كما أمر الله تعالى حين قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب56) ذلك أن معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا: اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: (صلوا عليه) ادعوا ربكم بالصلاة عليه"().
ومن تعظيم اللسان ألا نذكره باسمه فقط بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة والصلاة والسلام عليه لقوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا).
ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله وما كان من أمر دعوته وسيرته وغزواته والتمدح بذلك شعرًا ونثرًا بشرط أن يكون ذلك في حدود ما أجازه الشرع بعيدا عن مظاهر البدعة والغلو والإطراء المحظور.
وأما تعظيم الجوارح له صلى الله عليه وسلم فهو العمل بشريعته والتأسي بسنته ظاهرًا وباطنًا والتمسك بها والحرص عليها وتحكيم ما جاء به في الأمور كلها والسعي في إظهار دينه ونصر ما جاء به والاجتناب عما نهى عنه().
المبحث الثالث: النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم
الغلو في اللغة: هو مجاوزة الحد.
وشرعًا: مجاوزة حدود ما شرع الله سواء كان ذلك التجاوز في جانب الاعتقاد أو القول أو العمل().
وقد نهى عز وجل عن الغلو فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}(النساء171) وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}(المائدة77).
قال ابن القيم: " ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعل فيه حظ من الإلهية وشبهوه بالله سبحانه وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله"().
وعن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"().
وهذا التحذير من الغلو عام في جميع أنواع الغلو فيشمل الاعتقادات والأعمال كما قال شيخ الإسلام، ولهذا كانت الوسطية مما تميز به هذا الدين عن غيره من الأديان التي دخلها التحريف فسار بعضها مشرقا وبعضه الآخر مغربًا، ونرى بجلاء هذا التوسط والاعتدال في جوانب شتى منها عقيدة الإيمان بالأنبياء، فاليهود كذبوا الرسل وعذبوهم وقتلوهم، والنصارى غالوا فيهم لدرجة رفع بعضهم إلى مرتبة الإلهية، ولهذا حذر الله من هذا الغلو ونسبه إلى أهل الكتاب كما في الآيات السابقة.
ولخطر الغلو في الأنبياء وخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد امتلأ القرآن ببيان بشريته صلى الله عليه وسلم وعبوديته لخالقه سبحانه، فقال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)(الكهف110) وذكره سبحانه بصفة العبودية في عدة آيات فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)(الإسراء1) وقال: (فأوحى إلى عبده ما أوحى)(النجم10).
وبين سبحانه أن الرسل لا يملكون شيئا من خصائص الألوهية والربوبية فقال سبحانه: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}(الأنعام50) وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }(الأعراف188) وقال سبحانه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}(آل عمران128) وبين سبحانه كفر من يرفع النبيين فوق مقامهم قال تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}(آل عمران80) أي كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى.
ووصف الأنبياء بما سبق لا يعني البتة الانتقاص من قدرهم أو مكانته بل لهم المقام الرفيع والمكانة السامية كيف لا وهم مبلغوا دين الله إلى البشر والدعاة الأول إلى الإيمان، يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}(النساء150) فحكم سبحانه بكفر من يرفع النبيين فوق قدرهم بحيث يضفي عليهم صفات اختص بها الله سبحانه كما حكم بكفر من كذب بنبي واحد إذ الكفر بواحد "كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض"().
وفي النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله"().
وصح عنه أيضا قوله: "لا تتخذوا قبري عيدًا"().
وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله عدلا –أي ندا- بل ما شاء الله وحده "().
نماذج من الغلو:
رغم النهي الوارد في القرآن والسنة عن الغلو فيه بما يجعله ندا لله أو إضفاء صفات أو بعض صفات الألوهية عليه صلى الله عليه وسلم رغم ذلك فقد وجد من لم يفقه ذلك كله، ورفضه قولًا وعملًا، ولم يكتف بهذا بل جادل وناظر وألف حاضر في سبيل بث هذه الروح والرؤية المنحرفة التي لا تمت إلى شريعة الإسلام الحقة النقية بأدنى صلة، وقد تنوعت أساليب الغلو وأخذت أشكالا عقدية عدة ورغم أنها بدأت بذرات وأفكار متناثرة هنا وهناك إلا أن فترة الجمود والتقليد والتي خيم ظلامها على الأمة في الأعصر المتأخرة كانت كفيلة بأن ترعى تلك البذرة بالري كي تنمو وتزداد مع مرور الأيام، فكان لا يأتي عصر إلا وقد زادت البدعة بدعًا والظلام حلوكًا، وكان كل من يريد أن يجعل لنفسه موطئ قدم في هذا الفكر البدعي أضاف بدعًا، لتغدو هذه البدع ككرة الثلج المتدحرجة التي تبدأ أول الجبل صغيرة خفيفة لتصل نهايته ضخمة كبيرة، وإنك لتقرأ لبعض هؤلاء الغلاة فتجد العجب لدرجة أنك ربما لا تستطيع المواصلة لما تجد من ضلالات هي أقرب إلى الحماقات ومضادة الشرع، وليصبح هذا الغلو مجالا للمزايدات فكل من أراد تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ظنه زاد على غيره وكل من أراد أن يصل إلى مرتبة الولاية والمعرفة اللدنية سحب من الصفات الإلهية وألقاها على رسول الله، وفي النهاية لا يصبح لهذا الغلو حدود يقف عنده، وبموجبه يزال الحاجز بين الخالق والمخلوق، أو أن يصبح الله عز وجل خالقا بلا خلق فليس له الأمر والنهي وكل متعلقات الألوهية والربوبية كما سيظهر هذا مما يأتي.
لغد غدا الغلو فلسفة ليس فقط في جانبه الكلامي بل والصوفي كذلك، ولم يسلم من هذه الفلسفة خير ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدون حياء من البعض يتبنى مناهج فلسفية مغايرة تمام المغايرة لشرعه صلى الله عليه وسلم ولما جاء به لينزلها بعد ذلك عليه صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن هناك تيارات عقدية اغترفت من العلوم والمعتقدات الفلسفية الآسنة والتي تنوعت بين إغريقية وفارسية وهندية وتمثلت في مدارس شتى مشائية وغنوصية وإشراقية وأفلوطنية محدثة وصاغتها صياغة توحي بإسلاميتها حيث استبدلت الأسماء الأجنبية بأخرى إسلامية، وسمت بعض تلك الجهالات بأسماء عربية لتخفي الأسماء الحقيقية وليبدو لمن لا يعلم أن ما قيل نابع من القرآن والسنة والحقيقة أن الأمر ليس كذلك.
وهنا أسوق هنا بعض الأمثلة على الغلو الممقوت والذي يتعارض مع الشرع الحنيف مهما حاول قائلوه أن يأسلموه فالماء والنار لا يجتمعان:
1- الحقيقة المحمدية:
يقول النبهاني وهو من المنظرين لهذا الفكر الغريب عن الأمة مبينا معنى هذا المصطلح الغريب عن عقيدة الأمة والذي ظهر متأخرًا تأثرًا بالفكر الوافد يقول: "اعلم أنه لما تعلقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها...ثم ابجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فهو الجنس العالي على جميع الأجناس والأب الأكبر لجميع الموجودات"().
معنى هذا أن الله سبحانه خلق محمدًا صلى الله عليه وسلم من نوره، وأنه خلقه قبل آدم بل قبل خلق العوالم جميعًا، بل إن الأشياء جميعها خلقت من نوره صلى الله عليه وسلم وهذه دعاوى باطلة لا دليل عليها لا من قرآن ولا من سنة وما احتج به قائلوا هذه الكلام من أحاديث كلها موضوعة كحديث "كنت نبيًا وآدم ولا آدم ولا ماء ولا طين" وحديث "إنه كان نورًا حول العرش فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور" وغيرها من الأحاديث الموضوعة والمنكرة سندًا ومتنًا، ومن المعلوم أن الاستدلال لا يكون إلا بالأحاديث الصحيحة والتي بذل حفاظ الإسلام جهودًا جبارة في بيانها وتنقيتها، ولكن هؤلاء لجئوا إلا هذه الموضوعات لأنهم لم يجدوا دليلاً يؤيد رأيهم من القرآن أو صحيح السنة، كما أن منهج هؤلاء الاستدلال بالمتواتر فيما يتعلق بالعقديات وقد أقام أسلافهم الدنيا وأقعدوها في قبول صحيح أحاديث الآحاد في هذا المجال وتفريقهم بين الأصول والفروع العقدية في هذا المجال غير مقبول، وإذا بهم يدعمون بدعًا مخالفة للنصوص الثابتة مثل قوله سبحانه: (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) وقوله سبحانه: (قل ما كنت بدعا من الرسل).
2- زعم بعضهم أن الدنيا خلقت من أجل النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أحد هؤلاء تعبيرًا عن هذه العقيدة:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر... ولا نجوم ولا لوح ولا قلم()
وعندما يطالب هؤلاء بالدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة يحتجون بحديث موضوع وهو: "لولاك ما خلقت الأفلاك" فهل يصح هذا دليلا في دين الله، كيف يستدل بحديث مكذوب من يريد رضا الله عز وجل دنيا وأخرى، كيف يستحق هذا القائل محبة الله ومغفرته وجنته وهو يكذب عليه ويعارض قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لقد بين الله سبحانه في هذه الآية أنه ما خلق الجن والإنس جميعًا بما فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم إلا لعبادته وحده ثم يأتي هؤلاء ويحرفون مسار العقيدة الإسلامية والتي هي توحيده سبحانه ليصبح سبب خلق المخلوقات جميعا إنما هو لكي يرسل رسول الله إليهم!!! وهم انتحوا هذا الضلال ليضيعوا معنى التوحيد وليعبدوا الناس لأهوائهم وشهواتهم وقبورهم وليدخلوا من هذه البدعة الكثير والكثير من البدع، ولست أدري كيف مررت هذه العقيدة على بعض المسلمين وكأنهم لم يقرؤوا الآية السابقة ربما كان للجهل المطبق دوره الفعال.
3- وصف بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم واستغاثتهم به بما لا يجوز إلا لله سبحانه والأمثلة على هذا كثيرة في كلامهم منها قول أحدهم:
ألا بأبي من كان ملكا وسيدا... وآدم بين الماء والطين واقف
إذا رام أمرا لا يكون خلافه... وليس لذاك الأمر في الكون صارف()
وقال آخر:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي... يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصير يا عمدتي يا مجيري... يا خفيري يا عدتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي.. عند ربي واعطف وجد بالرضاء
أنت غوثي وملجئي وغياثي... وجلا كربتي وأنت غنائي()
وقال آخر:
يا رسول الله إني ضعيف... فاشفني أنت مقعد للشفاء()
وقال النبهاني:
سيدي أبا البتول أغثني... أنت أدرى بما حواه الضمير()!!!
ويقول صاحب البردة:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به... سواك عند حلول الحادث العمم
ويقول آخر: "إن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مالك الكل وإنه النائب الأكبر للقادر وهو الذي يملك كلمة كن"()
وقال أيضًا : "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبرئ من السقم والآلام والكاشف عن الأمة كل خطب، وهو المحيي وهو الدافع للمعضلات والنافع للخلق والرافع للرتب وهو الحافظ والناصر وهو دافع البلاء وهو الذي برد على الخليل النار وهو الذي يهب ويعطي وحكمه نافذ وأمره جار في الكونين"() فماذا أبقى لله؟!!!
إن المقالات الشركية التي تنحو هذا المنحى كثيرة() وهي من مخلفات عصور الانحطاط، مع أن القرآن قد رد هذه المزاعم جميعها وقد أوردنا سابقًا بعضًا من البيان القرآني والنبوي لعقيدة الإسلام والداعية إلى توحيده سبحانه، ونزيد هنا آيات لها تعلق بما قال هؤلاء فنقول:
لقد بين الله سبحانه في القرآن أنه :
هو الذي ينجي من كل كرب فقال: {قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }الأنعام64
وأن النعم كلها منه سبحانه فقال: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}النحل53
وأنه هو كاشف الضر فقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}الأنعام17
وأن كل ما سوى الله لا يملك مثقال ذرة فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}سبأ22) وأمر نبيه أن يبين أن الإضرار والإرشاد بيد الله وحده {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً () قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}(الجن21،22) والمعنى كما يقول ابن كثير: " أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد أي لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه"().
ويلاحظ بجلاء من الآيات مقدار التشنيع والتقريع والتوبيخ لمن يدعو مع الله غيره ويرجوه، ولمن دعا الله في الضراء والكرب فلما نجاه مما هو فيه إذا به يشرك مع الله غيره، فكيف بالله عليك من يدعو غير الله في كلتا الحالتين الضراء والسراء أليس أتعس حالًا.
كما بين سبحانه بأنه القادر وحده والمالك وحده والمجيب دعوة المطر وكاشف السوء وأن من يضفي هذه الصفات على غيره سبحانه يكون مشركا ويكون قد اتخذ إلها من دون الله يقول سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل62)
وصدق ربي فقليلا ما يتذكر هؤلاء أن الله هو الخالق البارئ الذي بيده مقاليد السموات والأرض وأن الأمر كله له (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(آل عمران 154) {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(هود123).
إن من يغلو بالباطل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لهو ممن يعارض ويضاد شرعه، فلا يحسبن أنه بعمله هذا يحسن صنعا، بل هو جرأة عظيمة في القول على الله بالباطل وزيغ عن الطريق، وهو لا يقل فداحة عن أولئك الذين يتنقصون من قدره صلى الله عليه وسلم ممن كان بعضهم أبناء لهذا الفكر أو قريبين منه أو ممن ـاثروا بالثقافات الوافدة ألا فاليعلموا جميعًا أنهم قد سلكوا الطريق الخطأ وأنهم سيدركون الحق عما قريب ولكن أخشى أن يكون بعد فوات الأوان.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
)) البخاري 6/2669، ومسلم 4/2054
)) انظر لسان العرب.
)) الفتح 10/463
)) انظر مدارج السالكين 3/9
)) انظر تفسير القرطبي 8/95
)) الشفاء للقاضي عياض
)) البخاري 11/523 مع الفتح
)) البخاري 1/58 مع الفتح
)) البخاري 1/58 مع الفتح ومسلم 1/48
)) البخاري 1/72 مع الفتح ومسلم 8/42
)) مسلم 8/145
)) مسلم 8/145
)) الشفاء
)) انظر هذه الأقسام في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد التميمي
)) استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس 35،34
)) فتح الباري 1/61
)) جلاء الأفهام 297
)) انظر الصارم المسلول 72
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال 72
)) الشفاء 2/24
)) المواهب اللدنية مع الشرح 9/117
)) الترمذي5/46
)) المواهب اللدنية 9/120 مع شرح الزرقاني
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق 9/121
)) المصدر السابق 9/124
)) الشفاء 2/24
)) المصدر السابق 2/25
)) المواهب 9/132
)) جلاء الأفهام 248
)) انظر نسيم الرياض للخفاجي 3/361
)) أخرجه الترمذي 5/551 وصححه، كما صححه ابن حبان 3/189 والحاكم 1/549 ووافقه الذهبي
)) الشفاء
)) حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 1/328
)) المواهب 9/129
)) الشفاء 2/20
)) انظر نسيم الرياض 3/361
)) مسلم 8/145
)) مسلم 7/96
)) أحمد 3/105 وانظر الشفاء 2/25
)) انظر الشفاء
)) مسلم 2/168
)) نسيم الرياض 3/368
)) المصدر السابق
)) شرح الشفاء للقاري بهامش نسيم الرياض 3/368
)) نسيم الرياض 3/369
)) أخرجه البخاري 4/1919
)) أخرجه مسلم 4/1873
)) المواهب 9/143،142
)) انظر المصدر السابق 9/146، والشفاء 2/28، وشرحه للقاري والخفاجي 3/369
)) المواهب 9/147،146
)) الشفاء 2/28
)) المرجع السابق 2/26
)) مسلم 4/1873
)) انظر شعب الإيمان 1/287
)) البخاري 1/14، ومسلم 1/85
)) الشفاء 2/27
)) المرجع السابق 2/28،27
)) انظر الشفاء وشرحيه 3/369
)) سبق تخريجه
)) انظر عمدة القاري 22/196 ونسيم الرياض 3/348
)) البخاري 5/2283 ومسلم 4/2034
)) مسلم 1/353
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 1/382
)) انظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 2/124 نقلا عن المرجع السابق 2/423
)) فتح القدير للشوكاني 5/56
)) الشفاء 2/34
)) انظر فتح القدير 5/56
)) المرجع السابق
)) انظر المنهاج في شعب الإيمان 2/125 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 2/424
)) المنهاج في شعب الإيمان 2/128 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته 2/436
)) حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته2/439
)) البخاري 2/974
)) انظر المنهاج للحليمي 1/134
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته 2/466 وما بعدها
)) المصدر السابق 2/643
() إغاثة اللهفان2/226
() سنن النسائي 5/268، وصححه ابن حبان9/183
() تفسير ابن كثير 1/342
()البخاري 3/1271
() أبو داود 1/622 وصححه الألباني
() المسند 1/214وصححه الأرنؤوط في تحقيقه للمسند.
() الأنوار المحمدية 9
() تنبيه الحذاق 27 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 2/714
() المواهب 1/3
() شواهد الحق للنبهاني 355 نقلا عن الشرك في القديم والحديث لمحمد زكريا 2/893
() المصدر السابق 352
() المرجع السابق 362
() الاستمداد على أجيال الارتداد للبريلوي 32
() المرجع السابق 352
() انظر الكثير من هذه الشركيات في كتاب الشرك بين القديم والحديث 2/893 وما بعدها
)) تفسير ابن كثير4/555
بقلم /فهد عبد الله الحبيشي
موقع الارسول الله صلى الله عليه وسلم
__________________________________
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب نصرته والتحذير من الغلو فيه
هشام برغش
الحمد لله الذي أنزل علينا خير كتبه، وأرسل إلينا خير رسله، وجعلنا خير أمة أرسلت للناس { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. فأرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وجعله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وجعل طاعته من طاعته واتباعه دليل محبته، وأمر الأمة بتوقيره وإجلاله، وجعل ذلك دليل الإيمان والتقوى، وجعل حقه آكد من حق النفس والمال والولد فقال عز وجل: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد بلغت محبته ومكانته عليه الصلاة والسلام في قلوب أصحابه الغاية القصوى من المحبة والمنزلة التي تجوز لبشر، وقد شهد بهذه الحقيقة المشركون أنفسهم.
فهذا أبو سفيان، وقد كان مشركا يسأل زيد بن الدثنة وقد أتوا به ليقتلوه: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان للملأ من حوله: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!!
وفي غزوة أحد حين انكشف المسلمون وتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لخطر شديد وقد أحاط به المشركون يريدون قتله عليه الصلاة والسلام حتى شجت جبهته الشريفة وأصيبت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته في هذه اللحظات العصيبة لم يكن أحد من أصحابه الكرام يفكر إلا في شيء واحد ألا يصل إليه عليه الصلاة والسلام أذى، فأحاطوا به بأجسادهم يصدون بها عنه الرماح وضربات السيوف.
روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد: انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه فقلت: كن طلحة فداك أبي وأمي. كن طلحة فداك أبي وأمي. فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحة بن يديه صريعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)).
وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى استله ندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)) قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشر ضربة.
فلما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم في الأموات)) فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأموات أنت أم في الأحياء؟ قال: أنا في الأموات فأبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبينا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: لا عذر لكم عند الله إن خلص لنبيكم وفيكم عين تطرف .. والأمثلة غير ذلك كثير.
ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والإجلال والمكانة العظيمة له عليه الصلاة والسلام في قلوب صحابته الكرام فإنهم لم ينزلوه فوق منزلته صلى الله عليه وسلم ولم ينسبوا إليه شيئا من خصائص الألوهية .. كما يفعل كثير من الناس اليوم، قادهم إلى ذلك الغلو الذي حذرهم منه عليه الصلاة والسلام فقال: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله)).
وهذه مسألة من المسائل العظيمة زلت فيها أقدام كثير من الناس فينبغي على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه وعبده لا يجوز هذه المنزلة وهو سيد ولد آدم والشافع لهم يوم الحشر بإذن الله كما قال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) فكون الرسول بشرا لا ينقص من قدره ولا يجعلنا نرفض الاقتداء به كما قال المشركون: أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر بل إن بشريته هي التي تجعل منه القدوة التي نقتدي بها والأسوة التي نتأساها لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كما أمر وتحمل في سبيل ذلك صنوف الأذى والإضطهاد وكابد المشقات حتى نصره الله وبلغ دينه، وله في ذلك بكل مسلم أجر، وله على كل مسلم حق.
فما هو حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ أهو إطراؤه وقد نهى عنه؟ أم هو المدائح وفيها من الغلو الشيء الكثير؟ أم هو صرف شيء من العبادة إليه كالاستشفاع والإغاثة ودعائه من دون الله؟
والجواب أنها ليست شيئا من ذلك بل هذا يناقض أمره صلى الله عليه وسلم وقد نهى عنه أشد النهي إذن، ما هي حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ يمكن أن نجمل هذه الحقوق في أربعة أمور:
الأول: تصديقه والإيمان به واتباع سنته وطاعته.
الثاني: محبته صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته ومحبة ما يحبه.
الثالث: توقيره وتعزيره.
الرابع: الصلاة والسلام عليه.
ونعرض لهذه الأمور بشيء من التفصيل:
الأمر الأول: وهو تصديقه عليه الصلاة والسلام والإيمان به واتباع سنته وطاعته :
وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله قال تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ً وقد أمر الله عباده بطاعة نبيه فقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
وقد أمر الله عباده المؤمنين باتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، وجعل ذلك شرط محبته عز وجل ودليلها فقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وقال: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ، ولا يتحقق إيمان أحد حتى يقبل حكمه ويسلم لقضائه ويرضى بأمره فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً .
وحذر من مخالفته والخروج عن أمره فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أو تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً .
الأمر الثاني وهو محبته صلى الله عليه وسلم:
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) وأخرجا عن أنس أيضا: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: ((أنت مع من أحببت)).
ولمحبته صلى الله عليه وسلم علامات منها الاقتداء به وإيثار شرعه وتقديمه على أهواء النفس وذكره بالصلاة عليه كما شرع ومحبة أصحابه وما يحبه صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: وهو تعزيره وتوقيره وتعظيم أمره صلى الله عليه وسلم:
فقد قال تعالى: إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً وروى الإمام مسلم عن عمرو بن العاص قال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
وخير تعظيم لرسول الله تعظيم سنته وهديه عليه الصلاة والسلام وتعظيم أمره ونهيه وعدم تقديم رأي أحد مهما كان على رأيه، لا كما يفعل كثير من الناس اليوم فتقول لهم: قال الرسول .. فيقولون لك: إن الشيخ الفلاني يقول كذا أو الأستاذ فلان يقول كذا أو أخبار اليوم تقول كذا.
وقد أنكر ابن عباس على قوم يقول لهم: قال الله، وقال الرسول، فيقولون: قال أبو بكر وعمر، وحذرهم من أن يحل عليهم عذاب من الله.
وكذلك ما يفعله كثير من العوام وغيرهم ممن ينتسبون إلى الدعوة من السخرية بسنته عليه الصلاة والسلام وممن يحرص عليها في ملبسه وهيئته ومختلف أموره فيسخرون منهم، بل ذلك من أمور الكفر التي اتصف بها المنافقون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .
ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وتعزيره: الذب عن عرضه إذا تعرض له سفيه وبذل لأجل ذلك الغالي والنفيس ؛ وهذا مقتضى محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيم شأنه وقدره ، وهو واجب على كل مسلم ، ولايتصور أن يوجد مسلم يحب الرسول صلى الله عليه وسلم بحق وصدق ثم لايهب لنصرته والذب عن عرضه الشريف.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يبذلون مهجهم وأرواحهم دون الشوكة تصيب قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم فكيف بما فوق ذلك وأعظم؟!!!
يقولُ شيخُ الإسلامِ :"التعزيرُ: هو اسمٌ جامعٌ لنصرهِ وتأييدهِ ومَنْعُهُ منْ كُلِّ ما يؤذِيهِ، والتوقيرُ : اسمٌ جامعٌ لكُلِّ مافيهِ سكينةٌ وطمأنينةٌ منْ الإجلالِ والإكرامِ ، وأنْ يُعاملَ منَ التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بِما يَصونهُ عنْ كُلِّ ما يُخْرِجُهُ عنْ حَدِّ الوقارِ " اهـ.
وأمَّا سَابُّهُ ومُؤْذِيهُ والمُستهزيءُ بهِ فهو في أحطِّ منزلةٍ وأخَسِّ مرتبةٍ ، فإنْ كانَ مسلماً فإنَّهُ يُصِبحُ مُرتداً بإجماعِ أهلِ العلمِ ، ويُقتلُ كذلكَ بالإجماعِ ولا يُعلمُ لهُ مُخالفٌ بينَ علماءِ المسلمينَ ، وإنَّ كانَ معاهَداً أو ذِمِّياً أو مستأمناً فإنَّ عهدهُ مُنتقِضٌ ويستحقُ أنْ تُضربَ عُنُقُهُ بالسَّيفِ انتصاراً لرسولِ الإسلامِ ونَبِيِّ الأنامِ .
كيفَ لا وربُّنا جلَّ في عُلاه يقولُ : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } ، ويقول سبحانه : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ،واللهُ يقولُ : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } .
و قد تكفَّلَ اللهُ سبحانهُ بصيانةِ عرضِ النّّبِيِّ والانتقامِ لهُ فقالَ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) .
وفي" الصحيحين" عنْ أبي هريرة قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " ألا ترونَ كيف يَصْرِفُ الله عنِّي شَتْمَ قريشٍ ولعنَهم، يشتمون مُذَمَّمَاً، ويلعنون مُذَمَّمَاً، وأنا مُحَمَّدٌ!".واللهُ سبحانهُ بيَّنَ أنَّ مُبْغِضَ النَِّبيِّ صلى الله عليه وسلم هو الأقطعُ الخاسرُ الذَّليلُ، فقالَ جلَّ شأنهُ { إنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبترُ } .
ومنْ أوجهِ الكفايةِ أنَّ يُكْرِمَ اللهُ ويُنْعِمَ على بعضِ عبادهِ بالذَّوْدِ والدِّفاعِ عنْ نبيهِ بكُلِّ مايستطيعُ وهي مرتبةٌ عظيمةٌ وشرفٌ كبيرٌ لكُلِّ منْ تصدِّى للدِّفاع عنْ النَِّبيِّ صلى الله عليه وسلم فاللهُمَّ شَرِّفْنَا بالدِّفاعِ عنْ نبيكَ الكريمِ صلى الله عليه وسلم
الأمر الرابع من حقوقه عليه الصلاة والسلام هي الصلاة عليه:
لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما والصلاة من الله ثناؤه على أنبيائه، والصلاة من الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء والتعظيم والتكريم.
والصلاة عليه من أعظم الذكر روى الإمام أحمد بن عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر)) وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)) وتتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأعمال منها:-
1- إذا ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)).
2- الصلاة عليه في المجالس لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: ((ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)).
3- الصلاة عليه عند سماع المؤذن لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه مسلم وغيره: ((إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإن من صلى علي صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة)).
4- الصلاة عليه عند دخول المسجد والخروج منه وعند المرور بالمساجد فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)) ولقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. رواه إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة.
5- الصلاة عليه في التشهد الأخير، وهو ركن من أركان الصلاة أو واجب، وأما الصلاة عليه في التشهد الأول فهي مستحبة.
6- الصلاة عليه في صلاة الجنائز.
7- وتستحب الصلاة عليه عند ختم الدعاء لقول عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك.
8- يوم الجمعة يستحب فيه الإكثار من الصلاة عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أفضل أيامكم يوم الجمعة، ففيه خلق آدم وفيه قبض، فيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)) قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت – يعني وقد بليت – قال: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) .
فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومة الجهل وأن نعظم ربنا بامتثال أمره واجتناب نهيه وإخلاص العبادة له وتعظيم نبينا صلى الله عليه وسلم باتباعه والاقتداء به في تعظيم الله والإخلاص له والاقتداء به في كل ما جاء به وألا نفعل شيئاً يشعر بعدم التعظيم والاحترام كرفع الأصوات قرب قبره صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يشفعه فينا، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واسقنا من يديه الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا وصل اللهم وبارك على نبينا محمد كما صليت وباركت على سيدنا لإبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
من نفس الموقع السابق
_________________
حق الرسول صلى الله عليه وسلم والتحذير من الغلو فيه
خطبة لهشام بن محمد برغش بعنوان حق الرسول صلى الله عليه وسلم والتحذير من الغلو فيه
من موقع المنبر
ملخص الخطبة
1- صور من محبة الصحابة للنبي . 2- تحذير النبي من الغلو فيه. 3- من حقوق النبي علينا اتباعه والإيمان به. 4- محبة النبي وتوقيره وتعزيزه. 5- الصلاة على النبي.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد بلغت محبته ومكانته عليه الصلاة والسلام في قلوب أصحابه الغاية القصوى من المحبة والمنزلة التي تجوز لبشر، وقد شهد بهذه الحقيقة المشركون أنفسهم.
فهذا أبو سفيان، وقد كان مشركا يسأل زيد بن الدثنة وقد أتوا به ليقتلوه: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان للملأ من حوله: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!!
وفي غزوة أحد حين انكشف المسلمون وتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لخطر شديد وقد أحاط به المشركون يريدون قتله عليه الصلاة والسلام حتى شجت جبهته الشريفة وأصيبت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته في هذه اللحظات العصيبة لم يكن أحد من أصحابه الكرام يفكر إلا في شيء واحد ألا يصل إليه عليه الصلاة والسلام أذى، فأحاطوا به بأجسادهم يصدون بها عنه الرماح وضربات السيوف.
روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد: انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه فقلت: كن طلحة فداك أبي وأمي. كن طلحة فداك أبي وأمي. فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحة بن يديه صريعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)).
وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى استله ندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)) قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشر ضربة.
فلما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم في الأموات)) فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأموات أنت أم في الأحياء؟ قال: أنا في الأموات فأبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبينا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: لا عذر لكم عند الله إن خلص لنبيكم وفيكم عين تطرف .. والأمثلة غير ذلك كثير.
ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والإجلال والمكانة العظيمة له عليه الصلاة والسلام في قلوب صحابته الكرام فإنهم لم ينزلوه فوق منزلته صلى الله عليه وسلم ولم ينسبوا إليه شيئا من خصائص الألوهية .. كما يفعل كثير من الناس اليوم، قادهم إلى ذلك الغلو الذي حذرهم منه عليه الصلاة والسلام فقال: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله)).
وهذه مسألة من المسائل العظيمة زلت فيها أقدام كثير من الناس فينبغي على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه وعبده لا يجوز هذه المنزلة وهو سيد ولد آدم والشافع لهم يوم الحشر بإذن الله كما قال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) فكون الرسول بشرا لا ينقص من قدره ولا يجعلنا نرفض الاقتداء به كما قال المشركون: أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر بل إن بشريته هي التي تجعل منه القدوة التي نقتدي بها والأسوة التي نتأساها لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كما أمر وتحمل في سبيل ذلك صنوف الأذى والإضطهاد وكابد المشقات حتى نصره الله وبلغ دينه، وله في ذلك بكل مسلم أجر، وله على كل مسلم حق.
فما هو حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ أهو إطراؤه وقد نهى عنه؟ أم هو المدائح وفيها من الغلو الشيء الكثير؟ أم هو صرف شيء من العبادة إليه كالاستشفاع والإغاثة ودعائه من دون الله؟
والجواب أنها ليست شيئا من ذلك بل هذا يناقض أمره صلى الله عليه وسلم وقد نهى عنه أشد النهي إذن، ما هي حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ يمكن أن نجمل هذه الحقوق في أربعة أمور:
الأول: تصديقه والإيمان به واتباع سنته وطاعته.
الثاني: محبته صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته ومحبة ما يحبه.
الثالث: توقيره وتعزيره.
الرابع: الصلاة والسلام عليه.
ونعرض لهذه الأمور بشيء من التفصيل:
الأمر الأول: وهو تصديقه عليه الصلاة والسلام والإيمان به واتباع سنته وطاعته :
وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله قال تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ً وقد أمر الله عباده بطاعة نبيه فقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
وقد أمر الله عباده المؤمنين باتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، وجعل ذلك شرط محبته عز وجل ودليلها فقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وقال: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ، ولا يتحقق إيمان أحد حتى يقبل حكمه ويسلم لقضائه ويرضى بأمره فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً .
وحذر من مخالفته والخروج عن أمره فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أو تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً .
الأمر الثاني وهو محبته صلى الله عليه وسلم:
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) وأخرجا عن أنس أيضا: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: ((أنت مع من أحببت)).
ولمحبته صلى الله عليه وسلم علامات منها الاقتداء به وإيثار شرعه وتقديمه على أهواء النفس وذكره بالصلاة عليه كما شرع ومحبة أصحابه وما يحبه صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: وهو تعزيره وتوقيره وتعظيم أمره صلى الله عليه وسلم:
فقد قال تعالى: إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً وروى الإمام مسلم عن عمرو بن العاص قال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
وخير تعظيم لرسول الله تعظيم سنته وهديه عليه الصلاة والسلام وتعظيم أمره ونهيه وعدم تقديم رأي أحد مهما كان على رأيه، لا كما يفعل كثير من الناس اليوم فتقول لهم: قال الرسول .. فيقولون لك: إن الشيخ الفلاني يقول كذا أو الأستاذ فلان يقول كذا أو أخبار اليوم تقول كذا.
وقد أنكر ابن عباس على قوم يقول لهم: قال الله، وقال الرسول، فيقولون: قال أبو بكر وعمر، وحذرهم من أن يحل عليهم عذاب من الله.
وكذلك ما يفعله كثير من العوام وغيرهم ممن ينتسبون إلى الدعوة من السخرية بسنته عليه الصلاة والسلام وممن يحرص عليها في ملبسه وهيئته ومختلف أموره فيسخرون منهم، بل ذلك من أمور الكفر التي اتصف بها المنافقون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه الغر الميامين إلى يوم الدين وبعد:-
فالأمر الرابع من حقوقه عليه الصلاة والسلام هي الصلاة عليه:
لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما والصلاة من الله ثناؤه على أنبيائه، والصلاة من الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء والتعظيم والتكريم.
والصلاة عليه من أعظم الذكر روى الإمام أحمد بن عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر)) وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)) وتتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأعمال منها:-
1- إذا ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)).
2- الصلاة عليه في المجالس لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: ((ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)).
3- الصلاة عليه عند سم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
لقد صدق ربي حين قال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(البقرة120)
ففي حين يحاول بعض العلمانيين أن يشككوا بمصداقية القرآن والنبوات والغيبيات والآخرة والقدر وكل ما هو إسلامي، حاولوا التشكيك في هذه الآية قصدًا منهم لضرب الإسلام في كتابه ثم تثبت الأيام خطأ ما قالوه وما روجوا لها وضاعت تفاهاتهم وذهبت أدراج الرياح حين قام ثلة ممن امتلأت قلوبهم حقدًا وحنقًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعملهم الشائن والذي يستنكره كل ذي لب فضلاً عمن يكن لهذا النبي الكريم كل تعظيم وتبجيل واحترام، نعم لقد صدق الله وكذب هؤلاء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن().
وعلى النقيض من أولئك حاول آخرون تزوير حقائق الدين بالدعاوى العريضة الباطلة وجعلوا من المخلوق شريكًا للخالق وناقضوا أصل ما جاء به الرسل وأصلت له الكتب السماوية فادعوا في النبي صلى الله عليه وسلم الخالقية سواء صرحوا بهذا أم أتوا بمعناه مما ستراه في هذه الرسالة، وهم بهذا لم يأتوا بجديد إذ قد سبقهم سابقون, فهاهم اليهود يدعون في عزير أنه ابن الله ويدعي النصارى أن المسيح ابن الله, كذبوا جميعًا فما هؤلاء إلا عبيده له سبحانه.
لقد وقف الناس في شأن الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على طرفين: الجحود والغلو وكلا القولين منبوذان ذميمان تردهما الحقائق القرآنية والنبوية والتاريخية والواقعية، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، وهذه الوسطية في شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو ما تتحدث عنه هذه الرسالة مبينة ما يتعلق بها من جوانب مهمة ينبغي أن يتنبه لها المسلم وأن يتذكرها دومًا، محذرة من الغلو الذي وقع فيه البعض جهلًا أو تجاهلًا، كما أبغي من كل من طالع هذه الرسالة أن يدعو لي في ظهر الغيب والله المستعان.
تمهيــد
تعريف المحبة لغة واصطلاحًا
المحبة لغة:-
ذهب ابن القيم إلى أن مادة كلمة حب تدور في اللغة على خمسة أشياء هي:-
1. الصفاء والبياض ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حبب الأسنان.
2. العلو و الظهور ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه عند المطر الشديد.
3. اللزوم و الثبات و منه حب البعير وأحب إذا برك و لم يقم.
4. اللب ومنه حبه القلب للبه وداخله.
5. الحفظ والإمساك و منه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضًا.
ثم قال: ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة فإنها صفاء المودة وهيجان إرادة القلب للمحبوب وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا تفارقه ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده وهو قلبه ولاجتماع عزماته وإرداته وهمومه على محبوبه()
المحبة اصطلاحًا:
قال ابن حجر: وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد وإنما يعرفها من قامت به وجدانًا ولا يمكن التعبير عنها() ونحو هذا قال ابن القيم: لاتحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف اظهر من المحبة().
المبحث الأول :وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في الدين ومن أعظم الحقوق الواجبة علينا تجاهه صلى الله عليه وسلم على هذا دل القران والسنة من هذه الأدلة:
1- قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة24)دلت هذه الآية على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك فقط بل يجب أن تكن هذه المحبة مقدمه على كل محبوب() كالأب والابن والأخ...الخ
قال القاضي عياض: "كفى بهذه الآية حظًا وتنبيهًا ودلالة وحجة على لزوم محبته ووجوب فرضها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله"()
2- ثبت في البخاري من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شي إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له: عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر"()
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"().
4- عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"().
5- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" ()
6- عن أنس بن مالك قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة ؟ قال: وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله قال: "فإنك مع من أحببت".
قال أنس فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: فإنك مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم()
هذه الأحاديث وغيرها تدل على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعظمها في الدين ولهذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس حبًا له صلى الله عليه وسلم فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه()
وسئل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الضمأ().
والمطالع في كتب السير يجد صورا كثيرة رائعة تدل على مدى حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم وإيثارهم له وتقديم أرواحهم رخيصة فداء له صلى الله عليه وسلم.
أما الناس بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انقسموا في محبته إلى ثلاثة أقسام:
1- أهل إفراط
2- أهل تفريط.
3- الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط.
فأهل الإفراط منهم الذين بالغوا في محبته صلى الله عليه وسلم بابتداعهم أمورًا لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن فعل هذه الأمور علامة المحبة وبرهانها كالاحتفال بمولده والمبالغة في مدحه لدرجة إشراكه في صفات خاصة لله عز وجل كما سأذكر نماذج منه لاحقًا، وهؤلاء ينبغي أن يعلموا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون بالغلو فيه بل بتصديقه فيما اخبر به عن الله، وطاعته فيما أمر به ومتابعته ومحبته وموالاته.
أما أهل التفريط وهم المقصرون في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقدموا حبه على حب النفس والأهل و المال والولد ولم يعزروه ويوقروه ويتبعوا سنته والسبب في ذلك يعود إلى:
1- جهل الكثير منهم بأمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم والتي من ضمنها محبته فهؤلاء يجب عليهم أن يتعلموا أمور دينهم بما فيها الحقوق الواجبة له صلى الله عليه وسلم.
2- إعراض هؤلاء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن اتباع شرعه بسبب ما هم عليه من المعاصي وإسرافهم على أنفسهم وتقديمهم شهوات أنفسهم وأهوائهم على ما جاء في الشرع من الأوامر والنواهي.
فالواجب على هؤلاء الإقلاع عن الذنوب والمعاصي التي هي سبب نقصان إيمانهم وضعف محبتهم وبعدهم عما يقربهم إلى الله تعالى.
وأما الذين توسطوا بين الإفراط والتفريط فهؤلاء هم السلف الصالحين من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم من الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكماً وقاموا بمقتضاها اعتقادًا وقولاً وعملاً فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس والولد والأهل وجميع الخلق امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فجعلوه أولى بهم تصديقًا لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وقاموا بمقتضى هذه المحبة فآمنوا وصدقوا بنبوته ورسالته وما جاء به عن ربه عز وجل، واعتقدوا أنه ليس من المحبة فيء شيء الغلو في حقه وقدره ووصفه بأمور اختص الله بها وحده بل علموا أن في هذا مخالفة ومضادة لتلك المحبة ومناقضة لما أخبر به سبحانه وتعالى().
أقسام محبتهr:-
وهنا يذكر ابن رجب أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على درجتين:
أحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديق في كل ما أخبر به وطاعته فيما أمر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة فهذا القدر لابد منه ولا يتم الإيمان يدونه.
والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الإقتداء بسنته وأخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته، وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة().
وفي فتح الباري عن بعض العلماء أنه قال: محبة الله على قسمين فرض وندب،
فالفرض: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه والرضا بما يقدره فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه، والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع، كذلك محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على قسمين كما تقدم، ويزداد: ألا يتلقى شيئًا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه حرجًا مما قضاه ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها().
بواعث محبة النبي صلى الله عليه وسلم:-
يدعو المسلم إلى محبة النبي صلى الله عليه وسلم أمور عدة منها:-
1- موافقة مراد الله عز و جل في محبته لنبيه وتعظيمه له فقد أقسم بحياته تعظيما له في قوله (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) كما أثنى عليه فقال:(وانك لعلى خلق عظيم)(القلم4) وقال: (ورفعنا لك ذكرك).
قال ابن القيم: وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له فهي محبه لله من موجبات محبة الله، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم – وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ()
2- أن محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم من شرط إيمان العبد بل الأمر كما قال ابن تيمية: "إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله"().
3- ما ميزه الله تعالى به من شرف النسب وكرم الحسب وصفاء النشأة وكمال الصفات والأخلاق والأفعال.
4- شدة محبته صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليها ورحمته بها قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(التوبة125) وكم كان يسأل الله تعالى الخير لأمته ويفرح بفضل الله عليها وكم تحمل من مشاق نشر الدعوة وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة().
علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم:-
اعلم أن من أحب شيئًا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقًا في حبه وكان مدعياً() ولا يوافق قوله فعله، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تخرج عن هذا الإطار، ولا شك أن لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامات ودلائل تدل على حقيقة صدق هذه المحبة، ولهذا كان لزاماً على المسلم أن يعرفها ليحققها ويعمل بها وأهم هذه العلامات ما يلي:-
1- الإقتداء به صلى الله عليه وسلم واستعمال سنته وسلوك طريقته والاهتداء بهديه وسيرته والوقوف عندما حد لنا من أحكام شريعته ومحبته صلى الله عليه وسلم من مهماتها وهذه أعظمها() فعن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة().
وتأمل قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي الشأن في أن الله يحبكم، لا في أنكم تحبونه وهذا لا ينالونه إلا بإتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم () قال المحاسبي: وعلامة محبة العبد لله عز و جل اتباع مرضاة الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان، ووجد طعمه ظهرت ثمرة ذلك على جوارحه ولسانه()
وقال غيره: من الزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره ونواهيه وأفعاله وأخلاقه و قال أبو إسحاق الرقي: علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال غيره: لا يظهر على أحد شئ من نور الإيمان إلا بإتباع السنة ومجانبة البدعة()
2- أن يرضى مدعيها بما شرعه الله حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضى() قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}(النساء65) فسلب الإيمان عمن وجد في صدره حرجًا من قضائه و لم يسلم له.
3- وهي داخله فيما قبلها :إيثار ما شرعه وحض عليه على هدى نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر9) وإسخاط العبد في رضا الله تعالى()
4- كثرة ذكره له فمن أحب شيئا أكثر ذكره() و لبعضهم : المحبة دوام ذكر المحبوب() قال ابن القيم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: إنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها و تضاعفها، و ذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لان العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه و استولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره و إحضاره، و إحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه، ولا شئ أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره و إحضار محاسنه، فإذا قوى هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، و تكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه().
و ذكره صلى الله عليه وسلم يكون بالصلاة عليه وبهذا يعلم فضيلة الحديث و أهله لذكرهم له صلى الله عليه وسلم كثيرًا ()و صح في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:البخيل من ذكرت عنده فلم يصلي على().
وقد شرع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لإظهار محبته واحترامه وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم و هذا من علامات محبته، ولقد ورد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا يذكرونه إلا خشعوا و اقشعرت جلودهم وبكوا، وكذلك كان كثير من التابعين من يفعل ذلك محبة له و شوقًا إليه().
و يدخل ضمن الذكر المشروع تعداد فضائله وخصائصه وما وهبه الله من الصفات و الأخلاق والخلال الفاضلة، وما أكرمه به من المعجزات و الدلائل و ذلك من أجل التعرف على مكانته ومنزلته والتأسي بصفاته وأخلاقه و تعريف الناس وتذكيرهم بذلك ليزدادوا إيمانًا ومحبه له صلى الله عليه وسلم ولكي يتأسوا به، ولا محظور في التمدح بذلك نثرًا وشعرًا مادام ذلك في حدود المشروع الذي أمر به الشارع الكريم().
5- نصر دينه بالقول والفعل والذب عن شريعته والتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والصبر والتواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، ومن وجدها استلذ الطاعات و تحمل المشاق في الدين، واثر ذلك على أغراض الدنيا الفانية().
6- كثرة الشوق إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه()، أما في حياته صلى الله عليه وسلم فمعروف وأما بعد موته فبأن يشتاق إلى لقائه في الآخرة ويشاهد ذاته الكريم صلى الله عليه وسلم ().
و قد نص النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العلامة فقال: "من أشد أمتي لي حبًا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله و ماله"().
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي محمد في يده ليأتيني على أحدكم يوم لا يراني ثم لأن يراني معهم أحب إليه من أهله و ماله"().
ومن الأمثلة التطبيقية لهذه العلامة أن الأشعريين عند قدومهم المدينة كانوا يرتجزون: غدًا نلقى الأحبة... محمدًا و حزبه()
و روي إن بلالاً و حذيفة بن اليمان و عمار بن ياسر كانوا يقولون لما حضرتهم الوفاة: غدًا ألقى الأحبة محمدًا و حزبه()
7- حب القرآن الذي أتى به صلى الله عليه وسلم ، وهدى به واهتدى و تخلق به حتى قالت عائشة: رضي الله عنها: إن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن() أي كان دأبه صلى الله عليه وسلم التمسك به والتأدب بآدابه والعمل بما فيه من مكارم الأخلاق فجعلت عائشة رضي الله عنها القرآن نفس خلقه مبالغة في شدة تمسكه به، وأنه صار سجية له وطبيعة كأنه طبع عليها().
وتمثيل حب القران بكثرة تلاوته له على الوجه المرضي فيها عند أهل الأداء، و ليس المراد مطلق القراءة كذا قال الخفاجي() و الصواب أن كثرة تلاوته تدل على حب القرآن و الشغف به، و قد صح أن من يتعتع في قراءته له أجران فلا وجه لقصر محب القرآن على المقرئين فقط، وإضافة إلى كثرة تلاوته ودوام قرأته، العمل بما فيه من أحكام و مواعظ، و تفهمه أي طلب فهمه في مواعظه و قصصه ووعده ووعيده و بيان أحوال أنبيائه وأوليائه و عاقبة أعدائه() وكذا التقيد بفهم معانيه().
هذا والسنة مليئة بالحث على تعلم القران وإتباعه، فصح عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القران وعلمه"().
و صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة"().
و لهذا إذا أردت إن تعرف ما عندك وعند غيرك من محبة الله و رسوله فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم، فإنه من المعلوم أن من أحب محبوبًا كان كلامه وحديثه أحب شئ إليه كما قيل:
إن كنت تزعم حبي... فلم هجرت كتابي
أما تأملت ما فيـ... ـه من لذيد خطابي
و يروى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله().
8- محبة سنته صلى الله عليه وسلم، والذي يشمل: طريقه وهديه بالإقتداء به قولاً وفعلاً، وأحاديثه فيقف عند حدودها، وهي أوامرها ونواهيها() وأن يكثر من قراءتها فإن من دخلت حلاوة الإيمان في قلبه إذا سمع كلمه من كلام الله تعالى أو من حديث رسوله صلى الله عليه وسلم تشربتها روحه وقلبه ونفسه() قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القران وعلامة حب القران حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة()
9- محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو بسببه من آل بيتة وحمايته من المهاجرين والأنصار، وعداوة من عاداهم، وبغض من يبغضهم وسبهم، فمن أحب سيئاً أحب من يحب() فعن زيد بن رقمه رضي الله عنة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً بما يدعي ((ضمًا)) بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: "أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به،فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي،أذكركم الله في أهل بيتي"().
ومن آل بيته أزواجه صلى الله عليه وسلم قال البهيقي: ويدخل في جمله حب النبي صلى الله عليه وسلم حب أصحابه؛ لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ...}(الفتح29) وغيرها من الآيات() وصح في السنة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغضهم()
10- بغض من أبغض الله ورسوله، ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينة واستثقاله كل أمر يخالف شريعته() قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22
وهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته، وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبي: لو شئت لأتيتك برأسه –يعني أباه-"().
11- شفقته على الأمة بأن يحبهم ويتلطف بهم ويرقق قلبه عليهم ونصحه لهم في أمرهم ونهيهم وموعظتهم وبيان ما يصلحهم من أمورهم وسعيه في مصالحهم الدينية والدنيوية بشفاعته ومعاونته وقضاء حوائجهم ورفع المضار عنهم بدفع المظالم وإزالة مضايقتهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا"().
ثواب محبتهr:
لقد صحت أحاديث تبين عظم ثواب محبة النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله، قال: فإنك مع من أحببت.
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت.. قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم.()
ففي هذا الحديث بشارة عظيمة للسائل ولكل من أحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس المراد بالمعية هنا المساواة في المنزلة وعلو الرتبة وإنما المراد أنه يدخل الجنة في زمرة المؤمنين وإن كانت مراتبهم متفاوته().
ونحو الحديث السابق جاء عن عبد الله بن مسعود: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب"().
ومعلوم أن المحبة القلبية لابد أن تنعكس على الجوارح ويكون لها الأثر الواقعي الذي يدل على تلك الصفة الإيمانية، فدعوى المحبة القلبية دون برهان واقعي يجسد معانيها ويدل عليها تبقى دعوى، إذ إن المحبة تعني الاتباع والمتابعة له صلى الله عليه وسلم والاجتهاد في الطاعة لكي يصل إلى مرتبة عالية في الجنة والتي يتيسر لها من خلالها معيته صلى الله عليه وسلم ومما يدل على هذا حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال:كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنة قال أو غير ذلك ؟ قلت هو ذاك قال فأعني على نفسك بكثرة السجود()
ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى: " {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}(النساء69).
ومما يدخل في ثواب محبته صلى الله عليه وسلم ثواب كل طاعة من الطاعات ذلك لأنها في الحقيقة ثمرة للمحبة لأن المحبة أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين().
المبحث الثاني: وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم
إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله شعبة عظيمة من شعب الإيمان وهذه الشعبة غير شعبة المحبة بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة ذلك لأنه ليس كل محب معظمًا ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة().
وفي تعظيمه صلى الله عليه وسلم يقول سبحانه: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه) أي تعظموه وتفخموه، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه()، فأوجب سبحانه تعزيره وتوقيره وإلزام إكرامه وتعظيمه()، وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره ولا خلاف أن التعزير هاهنا التعظيم() فقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف157) وفي القرآن ما يبين بعضًا من مظاهر تعظيمه منها:
1- قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً}(النور63) أي لا تغلظوا له بالخطاب أو رفع الصوت ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم لبعض أو تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة أو الرجوع بغير استئذان ولكن عظموه ووقروه ونادوه بأشرف ما يحب أن ينادى به نحو يا رسول الله، يا نبي الله()، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة: أمرهم أن يشرفوه ويفخموه().
2- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ () يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ()إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ()وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{(الحجرات5:1) لقد بين الله سبحانه في هذه الآيات جملة آداب مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي:
أ- حرمة المسارعة ومسابقته صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلاً.
ب-حرمة رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
ت-حرمة الغلظة له بالخطاب ومناداته باسمه.
ث-ذم الله سبحانه الذين ينادونه من وراء حجرات نسائه إذ هو منافي للأدب معه صلى الله عليه وسلم وبين لهم أن يصبروا حتى يخرج إليهم.
3- قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ}(التوبة120) قال الحليمي: "فأعلمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم وأشرف وأزكى وأجمل من أنفسهم، فلا يسعهم من ذلك أن يصرفوا أنفسهم عما لا يصرف نفسه عنه فيتخلفوا عنه إذا خرج لجهاد أعداء الله معتذرين من شدة حر أو طول طريق أو عوز ماء أو قلة زاد بل يلزمهم متابعته ومشايعته على أي حال رضيها لنفسه وفي هذا أعظم البيان لمن عقل وأبين الدلالة على وجوب تعظيمه وإجلاله وتوقيره"().
4- قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً()وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً}(الأحزاب57،58) فالله تعالى من تعظيمه لنبيه حفظ له كرامته وصان له حقه ففرق بين أذاه وأذى المؤمنين فأوجب على من آذى النبي صلى الله عليه وسلم اللعن والطرد من رحمته وهذا حكم على من آذاه بالكفر وفي الآخرة له العذاب المهين ومصيره إلى جهنم وبئس المصير بينما حكم على من آذى المؤمنين بالبهتان والإثم والفرق بين الحكمين ناتج عن الفرق بين حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق غيره().
هذا وتذكر لنا كتب الآثار نماذج رائعة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من خير الناس صحابة رسول الله منها ما جاء عن عمرو بن العاص السابق الذكر والذي فيه "وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت".
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ إلا ابتدر الصحابة وضوءه وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يمدون إليه النظر تعظيما له().
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم محله القلب واللسان والجوارح:
أما تعظيم القلب فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبدًا رسولاً من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين والتي من لوازمها الإكثار من ذكره وتعظيم القلب له صلى الله عليه وسلم واستشعاره لهيبته وجلالة قدره وعظيم شأنه.
وأما تعظيم اللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير ومن أعظم ذلك الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم كما أمر الله تعالى حين قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب56) ذلك أن معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا: اللهم صل على محمد عظم محمدا والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: (صلوا عليه) ادعوا ربكم بالصلاة عليه"().
ومن تعظيم اللسان ألا نذكره باسمه فقط بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة والصلاة والسلام عليه لقوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا).
ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله وما كان من أمر دعوته وسيرته وغزواته والتمدح بذلك شعرًا ونثرًا بشرط أن يكون ذلك في حدود ما أجازه الشرع بعيدا عن مظاهر البدعة والغلو والإطراء المحظور.
وأما تعظيم الجوارح له صلى الله عليه وسلم فهو العمل بشريعته والتأسي بسنته ظاهرًا وباطنًا والتمسك بها والحرص عليها وتحكيم ما جاء به في الأمور كلها والسعي في إظهار دينه ونصر ما جاء به والاجتناب عما نهى عنه().
المبحث الثالث: النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم
الغلو في اللغة: هو مجاوزة الحد.
وشرعًا: مجاوزة حدود ما شرع الله سواء كان ذلك التجاوز في جانب الاعتقاد أو القول أو العمل().
وقد نهى عز وجل عن الغلو فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}(النساء171) وقال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}(المائدة77).
قال ابن القيم: " ومن أسباب عبادة الأصنام الغلو في المخلوق وإعطاؤه فوق منزلته حتى جعل فيه حظ من الإلهية وشبهوه بالله سبحانه وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله"().
وعن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"().
وهذا التحذير من الغلو عام في جميع أنواع الغلو فيشمل الاعتقادات والأعمال كما قال شيخ الإسلام، ولهذا كانت الوسطية مما تميز به هذا الدين عن غيره من الأديان التي دخلها التحريف فسار بعضها مشرقا وبعضه الآخر مغربًا، ونرى بجلاء هذا التوسط والاعتدال في جوانب شتى منها عقيدة الإيمان بالأنبياء، فاليهود كذبوا الرسل وعذبوهم وقتلوهم، والنصارى غالوا فيهم لدرجة رفع بعضهم إلى مرتبة الإلهية، ولهذا حذر الله من هذا الغلو ونسبه إلى أهل الكتاب كما في الآيات السابقة.
ولخطر الغلو في الأنبياء وخاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد امتلأ القرآن ببيان بشريته صلى الله عليه وسلم وعبوديته لخالقه سبحانه، فقال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)(الكهف110) وذكره سبحانه بصفة العبودية في عدة آيات فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)(الإسراء1) وقال: (فأوحى إلى عبده ما أوحى)(النجم10).
وبين سبحانه أن الرسل لا يملكون شيئا من خصائص الألوهية والربوبية فقال سبحانه: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}(الأنعام50) وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }(الأعراف188) وقال سبحانه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}(آل عمران128) وبين سبحانه كفر من يرفع النبيين فوق مقامهم قال تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}(آل عمران80) أي كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى.
ووصف الأنبياء بما سبق لا يعني البتة الانتقاص من قدرهم أو مكانته بل لهم المقام الرفيع والمكانة السامية كيف لا وهم مبلغوا دين الله إلى البشر والدعاة الأول إلى الإيمان، يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}(النساء150) فحكم سبحانه بكفر من يرفع النبيين فوق قدرهم بحيث يضفي عليهم صفات اختص بها الله سبحانه كما حكم بكفر من كذب بنبي واحد إذ الكفر بواحد "كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض"().
وفي النهي عن الغلو في حقه صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله"().
وصح عنه أيضا قوله: "لا تتخذوا قبري عيدًا"().
وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله عدلا –أي ندا- بل ما شاء الله وحده "().
نماذج من الغلو:
رغم النهي الوارد في القرآن والسنة عن الغلو فيه بما يجعله ندا لله أو إضفاء صفات أو بعض صفات الألوهية عليه صلى الله عليه وسلم رغم ذلك فقد وجد من لم يفقه ذلك كله، ورفضه قولًا وعملًا، ولم يكتف بهذا بل جادل وناظر وألف حاضر في سبيل بث هذه الروح والرؤية المنحرفة التي لا تمت إلى شريعة الإسلام الحقة النقية بأدنى صلة، وقد تنوعت أساليب الغلو وأخذت أشكالا عقدية عدة ورغم أنها بدأت بذرات وأفكار متناثرة هنا وهناك إلا أن فترة الجمود والتقليد والتي خيم ظلامها على الأمة في الأعصر المتأخرة كانت كفيلة بأن ترعى تلك البذرة بالري كي تنمو وتزداد مع مرور الأيام، فكان لا يأتي عصر إلا وقد زادت البدعة بدعًا والظلام حلوكًا، وكان كل من يريد أن يجعل لنفسه موطئ قدم في هذا الفكر البدعي أضاف بدعًا، لتغدو هذه البدع ككرة الثلج المتدحرجة التي تبدأ أول الجبل صغيرة خفيفة لتصل نهايته ضخمة كبيرة، وإنك لتقرأ لبعض هؤلاء الغلاة فتجد العجب لدرجة أنك ربما لا تستطيع المواصلة لما تجد من ضلالات هي أقرب إلى الحماقات ومضادة الشرع، وليصبح هذا الغلو مجالا للمزايدات فكل من أراد تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ظنه زاد على غيره وكل من أراد أن يصل إلى مرتبة الولاية والمعرفة اللدنية سحب من الصفات الإلهية وألقاها على رسول الله، وفي النهاية لا يصبح لهذا الغلو حدود يقف عنده، وبموجبه يزال الحاجز بين الخالق والمخلوق، أو أن يصبح الله عز وجل خالقا بلا خلق فليس له الأمر والنهي وكل متعلقات الألوهية والربوبية كما سيظهر هذا مما يأتي.
لغد غدا الغلو فلسفة ليس فقط في جانبه الكلامي بل والصوفي كذلك، ولم يسلم من هذه الفلسفة خير ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدون حياء من البعض يتبنى مناهج فلسفية مغايرة تمام المغايرة لشرعه صلى الله عليه وسلم ولما جاء به لينزلها بعد ذلك عليه صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن هناك تيارات عقدية اغترفت من العلوم والمعتقدات الفلسفية الآسنة والتي تنوعت بين إغريقية وفارسية وهندية وتمثلت في مدارس شتى مشائية وغنوصية وإشراقية وأفلوطنية محدثة وصاغتها صياغة توحي بإسلاميتها حيث استبدلت الأسماء الأجنبية بأخرى إسلامية، وسمت بعض تلك الجهالات بأسماء عربية لتخفي الأسماء الحقيقية وليبدو لمن لا يعلم أن ما قيل نابع من القرآن والسنة والحقيقة أن الأمر ليس كذلك.
وهنا أسوق هنا بعض الأمثلة على الغلو الممقوت والذي يتعارض مع الشرع الحنيف مهما حاول قائلوه أن يأسلموه فالماء والنار لا يجتمعان:
1- الحقيقة المحمدية:
يقول النبهاني وهو من المنظرين لهذا الفكر الغريب عن الأمة مبينا معنى هذا المصطلح الغريب عن عقيدة الأمة والذي ظهر متأخرًا تأثرًا بالفكر الوافد يقول: "اعلم أنه لما تعلقت إرادة الحق تعالى بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من أنواره ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها...ثم ابجست منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فهو الجنس العالي على جميع الأجناس والأب الأكبر لجميع الموجودات"().
معنى هذا أن الله سبحانه خلق محمدًا صلى الله عليه وسلم من نوره، وأنه خلقه قبل آدم بل قبل خلق العوالم جميعًا، بل إن الأشياء جميعها خلقت من نوره صلى الله عليه وسلم وهذه دعاوى باطلة لا دليل عليها لا من قرآن ولا من سنة وما احتج به قائلوا هذه الكلام من أحاديث كلها موضوعة كحديث "كنت نبيًا وآدم ولا آدم ولا ماء ولا طين" وحديث "إنه كان نورًا حول العرش فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور" وغيرها من الأحاديث الموضوعة والمنكرة سندًا ومتنًا، ومن المعلوم أن الاستدلال لا يكون إلا بالأحاديث الصحيحة والتي بذل حفاظ الإسلام جهودًا جبارة في بيانها وتنقيتها، ولكن هؤلاء لجئوا إلا هذه الموضوعات لأنهم لم يجدوا دليلاً يؤيد رأيهم من القرآن أو صحيح السنة، كما أن منهج هؤلاء الاستدلال بالمتواتر فيما يتعلق بالعقديات وقد أقام أسلافهم الدنيا وأقعدوها في قبول صحيح أحاديث الآحاد في هذا المجال وتفريقهم بين الأصول والفروع العقدية في هذا المجال غير مقبول، وإذا بهم يدعمون بدعًا مخالفة للنصوص الثابتة مثل قوله سبحانه: (سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) وقوله سبحانه: (قل ما كنت بدعا من الرسل).
2- زعم بعضهم أن الدنيا خلقت من أجل النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أحد هؤلاء تعبيرًا عن هذه العقيدة:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر... ولا نجوم ولا لوح ولا قلم()
وعندما يطالب هؤلاء بالدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة يحتجون بحديث موضوع وهو: "لولاك ما خلقت الأفلاك" فهل يصح هذا دليلا في دين الله، كيف يستدل بحديث مكذوب من يريد رضا الله عز وجل دنيا وأخرى، كيف يستحق هذا القائل محبة الله ومغفرته وجنته وهو يكذب عليه ويعارض قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لقد بين الله سبحانه في هذه الآية أنه ما خلق الجن والإنس جميعًا بما فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم إلا لعبادته وحده ثم يأتي هؤلاء ويحرفون مسار العقيدة الإسلامية والتي هي توحيده سبحانه ليصبح سبب خلق المخلوقات جميعا إنما هو لكي يرسل رسول الله إليهم!!! وهم انتحوا هذا الضلال ليضيعوا معنى التوحيد وليعبدوا الناس لأهوائهم وشهواتهم وقبورهم وليدخلوا من هذه البدعة الكثير والكثير من البدع، ولست أدري كيف مررت هذه العقيدة على بعض المسلمين وكأنهم لم يقرؤوا الآية السابقة ربما كان للجهل المطبق دوره الفعال.
3- وصف بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم واستغاثتهم به بما لا يجوز إلا لله سبحانه والأمثلة على هذا كثيرة في كلامهم منها قول أحدهم:
ألا بأبي من كان ملكا وسيدا... وآدم بين الماء والطين واقف
إذا رام أمرا لا يكون خلافه... وليس لذاك الأمر في الكون صارف()
وقال آخر:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي... يا معاذي يا مقصدي يا رجائي
يا نصير يا عمدتي يا مجيري... يا خفيري يا عدتي يا شفائي
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي.. عند ربي واعطف وجد بالرضاء
أنت غوثي وملجئي وغياثي... وجلا كربتي وأنت غنائي()
وقال آخر:
يا رسول الله إني ضعيف... فاشفني أنت مقعد للشفاء()
وقال النبهاني:
سيدي أبا البتول أغثني... أنت أدرى بما حواه الضمير()!!!
ويقول صاحب البردة:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به... سواك عند حلول الحادث العمم
ويقول آخر: "إن مفاتيح الكون كلها في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مالك الكل وإنه النائب الأكبر للقادر وهو الذي يملك كلمة كن"()
وقال أيضًا : "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبرئ من السقم والآلام والكاشف عن الأمة كل خطب، وهو المحيي وهو الدافع للمعضلات والنافع للخلق والرافع للرتب وهو الحافظ والناصر وهو دافع البلاء وهو الذي برد على الخليل النار وهو الذي يهب ويعطي وحكمه نافذ وأمره جار في الكونين"() فماذا أبقى لله؟!!!
إن المقالات الشركية التي تنحو هذا المنحى كثيرة() وهي من مخلفات عصور الانحطاط، مع أن القرآن قد رد هذه المزاعم جميعها وقد أوردنا سابقًا بعضًا من البيان القرآني والنبوي لعقيدة الإسلام والداعية إلى توحيده سبحانه، ونزيد هنا آيات لها تعلق بما قال هؤلاء فنقول:
لقد بين الله سبحانه في القرآن أنه :
هو الذي ينجي من كل كرب فقال: {قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ }الأنعام64
وأن النعم كلها منه سبحانه فقال: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}النحل53
وأنه هو كاشف الضر فقال: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}الأنعام17
وأن كل ما سوى الله لا يملك مثقال ذرة فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}سبأ22) وأمر نبيه أن يبين أن الإضرار والإرشاد بيد الله وحده {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً () قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}(الجن21،22) والمعنى كما يقول ابن كثير: " أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد أي لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه"().
ويلاحظ بجلاء من الآيات مقدار التشنيع والتقريع والتوبيخ لمن يدعو مع الله غيره ويرجوه، ولمن دعا الله في الضراء والكرب فلما نجاه مما هو فيه إذا به يشرك مع الله غيره، فكيف بالله عليك من يدعو غير الله في كلتا الحالتين الضراء والسراء أليس أتعس حالًا.
كما بين سبحانه بأنه القادر وحده والمالك وحده والمجيب دعوة المطر وكاشف السوء وأن من يضفي هذه الصفات على غيره سبحانه يكون مشركا ويكون قد اتخذ إلها من دون الله يقول سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل62)
وصدق ربي فقليلا ما يتذكر هؤلاء أن الله هو الخالق البارئ الذي بيده مقاليد السموات والأرض وأن الأمر كله له (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(آل عمران 154) {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(هود123).
إن من يغلو بالباطل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لهو ممن يعارض ويضاد شرعه، فلا يحسبن أنه بعمله هذا يحسن صنعا، بل هو جرأة عظيمة في القول على الله بالباطل وزيغ عن الطريق، وهو لا يقل فداحة عن أولئك الذين يتنقصون من قدره صلى الله عليه وسلم ممن كان بعضهم أبناء لهذا الفكر أو قريبين منه أو ممن ـاثروا بالثقافات الوافدة ألا فاليعلموا جميعًا أنهم قد سلكوا الطريق الخطأ وأنهم سيدركون الحق عما قريب ولكن أخشى أن يكون بعد فوات الأوان.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
)) البخاري 6/2669، ومسلم 4/2054
)) انظر لسان العرب.
)) الفتح 10/463
)) انظر مدارج السالكين 3/9
)) انظر تفسير القرطبي 8/95
)) الشفاء للقاضي عياض
)) البخاري 11/523 مع الفتح
)) البخاري 1/58 مع الفتح
)) البخاري 1/58 مع الفتح ومسلم 1/48
)) البخاري 1/72 مع الفتح ومسلم 8/42
)) مسلم 8/145
)) مسلم 8/145
)) الشفاء
)) انظر هذه الأقسام في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد التميمي
)) استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس 35،34
)) فتح الباري 1/61
)) جلاء الأفهام 297
)) انظر الصارم المسلول 72
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإجلال والإخلال 72
)) الشفاء 2/24
)) المواهب اللدنية مع الشرح 9/117
)) الترمذي5/46
)) المواهب اللدنية 9/120 مع شرح الزرقاني
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق 9/121
)) المصدر السابق 9/124
)) الشفاء 2/24
)) المصدر السابق 2/25
)) المواهب 9/132
)) جلاء الأفهام 248
)) انظر نسيم الرياض للخفاجي 3/361
)) أخرجه الترمذي 5/551 وصححه، كما صححه ابن حبان 3/189 والحاكم 1/549 ووافقه الذهبي
)) الشفاء
)) حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 1/328
)) المواهب 9/129
)) الشفاء 2/20
)) انظر نسيم الرياض 3/361
)) مسلم 8/145
)) مسلم 7/96
)) أحمد 3/105 وانظر الشفاء 2/25
)) انظر الشفاء
)) مسلم 2/168
)) نسيم الرياض 3/368
)) المصدر السابق
)) شرح الشفاء للقاري بهامش نسيم الرياض 3/368
)) نسيم الرياض 3/369
)) أخرجه البخاري 4/1919
)) أخرجه مسلم 4/1873
)) المواهب 9/143،142
)) انظر المصدر السابق 9/146، والشفاء 2/28، وشرحه للقاري والخفاجي 3/369
)) المواهب 9/147،146
)) الشفاء 2/28
)) المرجع السابق 2/26
)) مسلم 4/1873
)) انظر شعب الإيمان 1/287
)) البخاري 1/14، ومسلم 1/85
)) الشفاء 2/27
)) المرجع السابق 2/28،27
)) انظر الشفاء وشرحيه 3/369
)) سبق تخريجه
)) انظر عمدة القاري 22/196 ونسيم الرياض 3/348
)) البخاري 5/2283 ومسلم 4/2034
)) مسلم 1/353
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 1/382
)) انظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 2/124 نقلا عن المرجع السابق 2/423
)) فتح القدير للشوكاني 5/56
)) الشفاء 2/34
)) انظر فتح القدير 5/56
)) المرجع السابق
)) انظر المنهاج في شعب الإيمان 2/125 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 2/424
)) المنهاج في شعب الإيمان 2/128 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته 2/436
)) حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته2/439
)) البخاري 2/974
)) انظر المنهاج للحليمي 1/134
)) انظر حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته 2/466 وما بعدها
)) المصدر السابق 2/643
() إغاثة اللهفان2/226
() سنن النسائي 5/268، وصححه ابن حبان9/183
() تفسير ابن كثير 1/342
()البخاري 3/1271
() أبو داود 1/622 وصححه الألباني
() المسند 1/214وصححه الأرنؤوط في تحقيقه للمسند.
() الأنوار المحمدية 9
() تنبيه الحذاق 27 نقلا عن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 2/714
() المواهب 1/3
() شواهد الحق للنبهاني 355 نقلا عن الشرك في القديم والحديث لمحمد زكريا 2/893
() المصدر السابق 352
() المرجع السابق 362
() الاستمداد على أجيال الارتداد للبريلوي 32
() المرجع السابق 352
() انظر الكثير من هذه الشركيات في كتاب الشرك بين القديم والحديث 2/893 وما بعدها
)) تفسير ابن كثير4/555
بقلم /فهد عبد الله الحبيشي
موقع الارسول الله صلى الله عليه وسلم
__________________________________
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب نصرته والتحذير من الغلو فيه
هشام برغش
الحمد لله الذي أنزل علينا خير كتبه، وأرسل إلينا خير رسله، وجعلنا خير أمة أرسلت للناس { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }. فأرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وجعله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وجعل طاعته من طاعته واتباعه دليل محبته، وأمر الأمة بتوقيره وإجلاله، وجعل ذلك دليل الإيمان والتقوى، وجعل حقه آكد من حق النفس والمال والولد فقال عز وجل: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد بلغت محبته ومكانته عليه الصلاة والسلام في قلوب أصحابه الغاية القصوى من المحبة والمنزلة التي تجوز لبشر، وقد شهد بهذه الحقيقة المشركون أنفسهم.
فهذا أبو سفيان، وقد كان مشركا يسأل زيد بن الدثنة وقد أتوا به ليقتلوه: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان للملأ من حوله: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!!
وفي غزوة أحد حين انكشف المسلمون وتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لخطر شديد وقد أحاط به المشركون يريدون قتله عليه الصلاة والسلام حتى شجت جبهته الشريفة وأصيبت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته في هذه اللحظات العصيبة لم يكن أحد من أصحابه الكرام يفكر إلا في شيء واحد ألا يصل إليه عليه الصلاة والسلام أذى، فأحاطوا به بأجسادهم يصدون بها عنه الرماح وضربات السيوف.
روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد: انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه فقلت: كن طلحة فداك أبي وأمي. كن طلحة فداك أبي وأمي. فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحة بن يديه صريعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)).
وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى استله ندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)) قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشر ضربة.
فلما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم في الأموات)) فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأموات أنت أم في الأحياء؟ قال: أنا في الأموات فأبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبينا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: لا عذر لكم عند الله إن خلص لنبيكم وفيكم عين تطرف .. والأمثلة غير ذلك كثير.
ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والإجلال والمكانة العظيمة له عليه الصلاة والسلام في قلوب صحابته الكرام فإنهم لم ينزلوه فوق منزلته صلى الله عليه وسلم ولم ينسبوا إليه شيئا من خصائص الألوهية .. كما يفعل كثير من الناس اليوم، قادهم إلى ذلك الغلو الذي حذرهم منه عليه الصلاة والسلام فقال: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله)).
وهذه مسألة من المسائل العظيمة زلت فيها أقدام كثير من الناس فينبغي على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه وعبده لا يجوز هذه المنزلة وهو سيد ولد آدم والشافع لهم يوم الحشر بإذن الله كما قال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) فكون الرسول بشرا لا ينقص من قدره ولا يجعلنا نرفض الاقتداء به كما قال المشركون: أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر بل إن بشريته هي التي تجعل منه القدوة التي نقتدي بها والأسوة التي نتأساها لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كما أمر وتحمل في سبيل ذلك صنوف الأذى والإضطهاد وكابد المشقات حتى نصره الله وبلغ دينه، وله في ذلك بكل مسلم أجر، وله على كل مسلم حق.
فما هو حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ أهو إطراؤه وقد نهى عنه؟ أم هو المدائح وفيها من الغلو الشيء الكثير؟ أم هو صرف شيء من العبادة إليه كالاستشفاع والإغاثة ودعائه من دون الله؟
والجواب أنها ليست شيئا من ذلك بل هذا يناقض أمره صلى الله عليه وسلم وقد نهى عنه أشد النهي إذن، ما هي حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ يمكن أن نجمل هذه الحقوق في أربعة أمور:
الأول: تصديقه والإيمان به واتباع سنته وطاعته.
الثاني: محبته صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته ومحبة ما يحبه.
الثالث: توقيره وتعزيره.
الرابع: الصلاة والسلام عليه.
ونعرض لهذه الأمور بشيء من التفصيل:
الأمر الأول: وهو تصديقه عليه الصلاة والسلام والإيمان به واتباع سنته وطاعته :
وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله قال تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ً وقد أمر الله عباده بطاعة نبيه فقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
وقد أمر الله عباده المؤمنين باتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، وجعل ذلك شرط محبته عز وجل ودليلها فقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وقال: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ، ولا يتحقق إيمان أحد حتى يقبل حكمه ويسلم لقضائه ويرضى بأمره فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً .
وحذر من مخالفته والخروج عن أمره فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أو تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً .
الأمر الثاني وهو محبته صلى الله عليه وسلم:
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) وأخرجا عن أنس أيضا: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: ((أنت مع من أحببت)).
ولمحبته صلى الله عليه وسلم علامات منها الاقتداء به وإيثار شرعه وتقديمه على أهواء النفس وذكره بالصلاة عليه كما شرع ومحبة أصحابه وما يحبه صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: وهو تعزيره وتوقيره وتعظيم أمره صلى الله عليه وسلم:
فقد قال تعالى: إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً وروى الإمام مسلم عن عمرو بن العاص قال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
وخير تعظيم لرسول الله تعظيم سنته وهديه عليه الصلاة والسلام وتعظيم أمره ونهيه وعدم تقديم رأي أحد مهما كان على رأيه، لا كما يفعل كثير من الناس اليوم فتقول لهم: قال الرسول .. فيقولون لك: إن الشيخ الفلاني يقول كذا أو الأستاذ فلان يقول كذا أو أخبار اليوم تقول كذا.
وقد أنكر ابن عباس على قوم يقول لهم: قال الله، وقال الرسول، فيقولون: قال أبو بكر وعمر، وحذرهم من أن يحل عليهم عذاب من الله.
وكذلك ما يفعله كثير من العوام وغيرهم ممن ينتسبون إلى الدعوة من السخرية بسنته عليه الصلاة والسلام وممن يحرص عليها في ملبسه وهيئته ومختلف أموره فيسخرون منهم، بل ذلك من أمور الكفر التي اتصف بها المنافقون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .
ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وتعزيره: الذب عن عرضه إذا تعرض له سفيه وبذل لأجل ذلك الغالي والنفيس ؛ وهذا مقتضى محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيم شأنه وقدره ، وهو واجب على كل مسلم ، ولايتصور أن يوجد مسلم يحب الرسول صلى الله عليه وسلم بحق وصدق ثم لايهب لنصرته والذب عن عرضه الشريف.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يبذلون مهجهم وأرواحهم دون الشوكة تصيب قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم فكيف بما فوق ذلك وأعظم؟!!!
يقولُ شيخُ الإسلامِ :"التعزيرُ: هو اسمٌ جامعٌ لنصرهِ وتأييدهِ ومَنْعُهُ منْ كُلِّ ما يؤذِيهِ، والتوقيرُ : اسمٌ جامعٌ لكُلِّ مافيهِ سكينةٌ وطمأنينةٌ منْ الإجلالِ والإكرامِ ، وأنْ يُعاملَ منَ التَّشريفِ والتَّكريمِ والتَّعظيمِ بِما يَصونهُ عنْ كُلِّ ما يُخْرِجُهُ عنْ حَدِّ الوقارِ " اهـ.
وأمَّا سَابُّهُ ومُؤْذِيهُ والمُستهزيءُ بهِ فهو في أحطِّ منزلةٍ وأخَسِّ مرتبةٍ ، فإنْ كانَ مسلماً فإنَّهُ يُصِبحُ مُرتداً بإجماعِ أهلِ العلمِ ، ويُقتلُ كذلكَ بالإجماعِ ولا يُعلمُ لهُ مُخالفٌ بينَ علماءِ المسلمينَ ، وإنَّ كانَ معاهَداً أو ذِمِّياً أو مستأمناً فإنَّ عهدهُ مُنتقِضٌ ويستحقُ أنْ تُضربَ عُنُقُهُ بالسَّيفِ انتصاراً لرسولِ الإسلامِ ونَبِيِّ الأنامِ .
كيفَ لا وربُّنا جلَّ في عُلاه يقولُ : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } ، ويقول سبحانه : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ،واللهُ يقولُ : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } .
و قد تكفَّلَ اللهُ سبحانهُ بصيانةِ عرضِ النّّبِيِّ والانتقامِ لهُ فقالَ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) .
وفي" الصحيحين" عنْ أبي هريرة قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " ألا ترونَ كيف يَصْرِفُ الله عنِّي شَتْمَ قريشٍ ولعنَهم، يشتمون مُذَمَّمَاً، ويلعنون مُذَمَّمَاً، وأنا مُحَمَّدٌ!".واللهُ سبحانهُ بيَّنَ أنَّ مُبْغِضَ النَِّبيِّ صلى الله عليه وسلم هو الأقطعُ الخاسرُ الذَّليلُ، فقالَ جلَّ شأنهُ { إنَّ شانِئَكَ هُوَ الأبترُ } .
ومنْ أوجهِ الكفايةِ أنَّ يُكْرِمَ اللهُ ويُنْعِمَ على بعضِ عبادهِ بالذَّوْدِ والدِّفاعِ عنْ نبيهِ بكُلِّ مايستطيعُ وهي مرتبةٌ عظيمةٌ وشرفٌ كبيرٌ لكُلِّ منْ تصدِّى للدِّفاع عنْ النَِّبيِّ صلى الله عليه وسلم فاللهُمَّ شَرِّفْنَا بالدِّفاعِ عنْ نبيكَ الكريمِ صلى الله عليه وسلم
الأمر الرابع من حقوقه عليه الصلاة والسلام هي الصلاة عليه:
لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما والصلاة من الله ثناؤه على أنبيائه، والصلاة من الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء والتعظيم والتكريم.
والصلاة عليه من أعظم الذكر روى الإمام أحمد بن عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر)) وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)) وتتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأعمال منها:-
1- إذا ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)).
2- الصلاة عليه في المجالس لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: ((ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)).
3- الصلاة عليه عند سماع المؤذن لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه مسلم وغيره: ((إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإن من صلى علي صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة)).
4- الصلاة عليه عند دخول المسجد والخروج منه وعند المرور بالمساجد فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)) ولقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. رواه إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة.
5- الصلاة عليه في التشهد الأخير، وهو ركن من أركان الصلاة أو واجب، وأما الصلاة عليه في التشهد الأول فهي مستحبة.
6- الصلاة عليه في صلاة الجنائز.
7- وتستحب الصلاة عليه عند ختم الدعاء لقول عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك.
8- يوم الجمعة يستحب فيه الإكثار من الصلاة عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أفضل أيامكم يوم الجمعة، ففيه خلق آدم وفيه قبض، فيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)) قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت – يعني وقد بليت – قال: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) .
فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومة الجهل وأن نعظم ربنا بامتثال أمره واجتناب نهيه وإخلاص العبادة له وتعظيم نبينا صلى الله عليه وسلم باتباعه والاقتداء به في تعظيم الله والإخلاص له والاقتداء به في كل ما جاء به وألا نفعل شيئاً يشعر بعدم التعظيم والاحترام كرفع الأصوات قرب قبره صلى الله عليه وسلم، نسأل الله عز وجل أن يشفعه فينا، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واسقنا من يديه الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا وصل اللهم وبارك على نبينا محمد كما صليت وباركت على سيدنا لإبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
من نفس الموقع السابق
_________________
حق الرسول صلى الله عليه وسلم والتحذير من الغلو فيه
خطبة لهشام بن محمد برغش بعنوان حق الرسول صلى الله عليه وسلم والتحذير من الغلو فيه
من موقع المنبر
ملخص الخطبة
1- صور من محبة الصحابة للنبي . 2- تحذير النبي من الغلو فيه. 3- من حقوق النبي علينا اتباعه والإيمان به. 4- محبة النبي وتوقيره وتعزيزه. 5- الصلاة على النبي.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد بلغت محبته ومكانته عليه الصلاة والسلام في قلوب أصحابه الغاية القصوى من المحبة والمنزلة التي تجوز لبشر، وقد شهد بهذه الحقيقة المشركون أنفسهم.
فهذا أبو سفيان، وقد كان مشركا يسأل زيد بن الدثنة وقد أتوا به ليقتلوه: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان للملأ من حوله: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!!
وفي غزوة أحد حين انكشف المسلمون وتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لخطر شديد وقد أحاط به المشركون يريدون قتله عليه الصلاة والسلام حتى شجت جبهته الشريفة وأصيبت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته في هذه اللحظات العصيبة لم يكن أحد من أصحابه الكرام يفكر إلا في شيء واحد ألا يصل إليه عليه الصلاة والسلام أذى، فأحاطوا به بأجسادهم يصدون بها عنه الرماح وضربات السيوف.
روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق لما كان يوم أحد: انصرف الناس كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أول من فاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بين يديه رجلا يقاتل عنه ويحميه فقلت: كن طلحة فداك أبي وأمي. كن طلحة فداك أبي وأمي. فلم أنشب أن أدركني أبو عبيدة بن الجراح وإذا هو يشتد كأنه طير حتى لحقني فدفعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلحة بن يديه صريعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)).
وقد رمي النبي صلى الله عليه وسلم في وجنته حتى غابت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فذهبت لأنزعهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو عبيدة: ناشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذ بفيه فجعل ينضضه كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استل السهم بفيه، فندرت ثنية أبي عبيدة قال أبو بكر: ثم ذهبت لآخذ الآخر فقال أبو عبيدة: نشدتك بالله يا أبا بكر إلا تركتني قال: فأخذه فجعل ينضضه حتى استله ندرت ثنية أبي عبيدة الأخرى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دونكم أخاكم فقد أوجب)) قال: فأقبلنا على طلحة نعالجه وقد أصابته بضع عشر ضربة.
فلما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء أم في الأموات)) فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأموات أنت أم في الأحياء؟ قال: أنا في الأموات فأبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنا خير ما جزى نبينا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: لا عذر لكم عند الله إن خلص لنبيكم وفيكم عين تطرف .. والأمثلة غير ذلك كثير.
ولكن بالرغم من كل هذه المحبة والإجلال والمكانة العظيمة له عليه الصلاة والسلام في قلوب صحابته الكرام فإنهم لم ينزلوه فوق منزلته صلى الله عليه وسلم ولم ينسبوا إليه شيئا من خصائص الألوهية .. كما يفعل كثير من الناس اليوم، قادهم إلى ذلك الغلو الذي حذرهم منه عليه الصلاة والسلام فقال: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) . وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله)).
وهذه مسألة من المسائل العظيمة زلت فيها أقدام كثير من الناس فينبغي على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله رسول الله ونبيه وعبده لا يجوز هذه المنزلة وهو سيد ولد آدم والشافع لهم يوم الحشر بإذن الله كما قال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)) فكون الرسول بشرا لا ينقص من قدره ولا يجعلنا نرفض الاقتداء به كما قال المشركون: أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر بل إن بشريته هي التي تجعل منه القدوة التي نقتدي بها والأسوة التي نتأساها لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كما أمر وتحمل في سبيل ذلك صنوف الأذى والإضطهاد وكابد المشقات حتى نصره الله وبلغ دينه، وله في ذلك بكل مسلم أجر، وله على كل مسلم حق.
فما هو حق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ أهو إطراؤه وقد نهى عنه؟ أم هو المدائح وفيها من الغلو الشيء الكثير؟ أم هو صرف شيء من العبادة إليه كالاستشفاع والإغاثة ودعائه من دون الله؟
والجواب أنها ليست شيئا من ذلك بل هذا يناقض أمره صلى الله عليه وسلم وقد نهى عنه أشد النهي إذن، ما هي حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته؟ يمكن أن نجمل هذه الحقوق في أربعة أمور:
الأول: تصديقه والإيمان به واتباع سنته وطاعته.
الثاني: محبته صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته ومحبة ما يحبه.
الثالث: توقيره وتعزيره.
الرابع: الصلاة والسلام عليه.
ونعرض لهذه الأمور بشيء من التفصيل:
الأمر الأول: وهو تصديقه عليه الصلاة والسلام والإيمان به واتباع سنته وطاعته :
وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله قال تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا اعتدنا للكافرين سعيرا ً وقد أمر الله عباده بطاعة نبيه فقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)).
وقد أمر الله عباده المؤمنين باتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، وجعل ذلك شرط محبته عز وجل ودليلها فقال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم وقال: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ، ولا يتحقق إيمان أحد حتى يقبل حكمه ويسلم لقضائه ويرضى بأمره فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً .
وحذر من مخالفته والخروج عن أمره فقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أو تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً .
الأمر الثاني وهو محبته صلى الله عليه وسلم:
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الشيخان: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) وأخرجا عن أنس أيضا: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)) وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه)) فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ((ما أعددت لها؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: ((أنت مع من أحببت)).
ولمحبته صلى الله عليه وسلم علامات منها الاقتداء به وإيثار شرعه وتقديمه على أهواء النفس وذكره بالصلاة عليه كما شرع ومحبة أصحابه وما يحبه صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: وهو تعزيره وتوقيره وتعظيم أمره صلى الله عليه وسلم:
فقد قال تعالى: إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعذروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً وروى الإمام مسلم عن عمرو بن العاص قال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه).
وخير تعظيم لرسول الله تعظيم سنته وهديه عليه الصلاة والسلام وتعظيم أمره ونهيه وعدم تقديم رأي أحد مهما كان على رأيه، لا كما يفعل كثير من الناس اليوم فتقول لهم: قال الرسول .. فيقولون لك: إن الشيخ الفلاني يقول كذا أو الأستاذ فلان يقول كذا أو أخبار اليوم تقول كذا.
وقد أنكر ابن عباس على قوم يقول لهم: قال الله، وقال الرسول، فيقولون: قال أبو بكر وعمر، وحذرهم من أن يحل عليهم عذاب من الله.
وكذلك ما يفعله كثير من العوام وغيرهم ممن ينتسبون إلى الدعوة من السخرية بسنته عليه الصلاة والسلام وممن يحرص عليها في ملبسه وهيئته ومختلف أموره فيسخرون منهم، بل ذلك من أمور الكفر التي اتصف بها المنافقون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. . .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه الغر الميامين إلى يوم الدين وبعد:-
فالأمر الرابع من حقوقه عليه الصلاة والسلام هي الصلاة عليه:
لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما والصلاة من الله ثناؤه على أنبيائه، والصلاة من الملائكة الاستغفار، ومن الناس الدعاء والتعظيم والتكريم.
والصلاة عليه من أعظم الذكر روى الإمام أحمد بن عامر بن ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر)) وروى الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)) وتتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع وأعمال منها:-
1- إذا ورد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة)).
2- الصلاة عليه في المجالس لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة: ((ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم)).
3- الصلاة عليه عند سم

الصفحة الأخيرة
قلت لاتفشلوني!!!!!!!!!!!
أنا في الانتظار