جررت خطواتي نحو ذلك العجوز المسكين ومددت له بحذائي عله يصلحه لي ,فنظر إلى الحذاء وأخذ يقلبه في يديه يمنه ويسره ثم حول نظره وتفحصني من منبت شعري حتى أخمص قدمي ,ثم عاد ينظر إلى الحذاء وقال :"أتظن أن هذا الحذاء قابل للإصلاح "
بادلته ابتسامة خفيفة وقلت "لاشي يستعصي على عم صالح "
"متى تستطيع الانتهاء من إصلاحه"؟
"متى أردته أنت"؟
"سأمر لآخذه بعد صلاة المغرب"
هز برأسه موافقا وابتسم وهو لا يزال يصلح حذاء امرأة كان بيده
"ما الذي يجعلك تتشبث بحذاء قديم بالِ"؟
"ليست حالي بأحسن من حالك ياعم صالح "
ترك مابيده والتفت إلي بكامل جسده راجعت كلامي في ذهني مخافة ان اكون قد اثرت غضبه بإساءتي إليه ولكني اعتدت أن أمارس مثل هذا النوع من المزاح مع العم صالح المشهور بخفة دمه أخرجني من دوامة تفكيري
بقوله "ماذا تأكل في وجبه الإفطار ؟
"بعض الخبز وقليل من العسل والحليب ؟
هز رأسه وقال :"وفي وجبه الغداء ؟
"غالبا مايوجد طبق من اللحم والدجاج "
"وفي وجبه العشاء؟"
"بقايا طعام الفطور والغداء والفاكهه إن وجدت".. "وأين تنام يافتى "؟
"على حصير في غرفه ضيقه يشاركني فيها جميع أفراد عائلتي "
"وهل ترتاد المدرسة"؟
"أتلقى تعليمي في المنزل على يد أمي "
"وهل تلعب مع أقرانك "؟
"في ظهيرة كل يوم "
عاد إلى وضعه وانكفأ على نفسه يتابع إصلاح الحذاء بهمة ونشاط وأخيراَ نطق بعد عدة ثوان حسبتها ساعات ..
"حسنا إنك فعلاً يابني أحسن مني حالاً"
"أو تعد ماقلته نعمه"
"انتظر حتى تسمع مني , أنا يا بني لا أضع طعاما في فمي إلا تفاحة حين استيقظ وتفاحة أخرى أنهى بها يومي , لا أنام ملئ البطن إلا حين يدعوني أحدهم إلى طعام في منزله "..
ثم أشار الى الرصيف وقال " وأنام هنا كل ليله إلا حين يتفضل علي حارس المسجد بتركه الباب مفتوحاَ"
أما عن التعليم فأنا أمي لا أجيد القراءة والكتابة فأمي وأبي توفيا حين فتحت عيني على الدنيا "..
"أما عن اللعب مع أقراني "فهز كتفه وأكمل حديثه ".. أنا لا اعرف معنى اللعب فقد بترت ساقي اليمنى حينما كنت في الخامسة من عمري "
أحسست وكأني أصبت بالخرس فلم أكن اعرف انه يوجد في هذه الحياة من هو أكثر بؤسا مني , نظرت مليا نحو العم صالح تأملت التجاعيد التي في وجهه وحبات العرق التي تتساقط من جبينه وأدركت ماكانت امي تقصده بقولها "الحياة كفاح "
خرجت من عند العم صالح على أمل العوده إليه بعد المغرب لاخذ الحذاء وخرجت بغير الوجه الذي دخلت به ,فقد أحسست اني ملكت الدنيا ومافيها بقناعتي وإيماني بالنعمه التي اعطاها الله لي .
وفي وقت لاحق وعندما صدح صوت المسجد ,وحينما فرغت من أداء الصلاه سلكت الطريق المؤدي للعم صالح لاستلام حذائي ,شاهدت عند العم صالح امراءة متسربله بالسواد لايظهر منها شي عرفت من هيئتها أنها أمي فهممت بالتوجه إليها لاقول لها ماكان عليها ان تتكبد عناء المجئ الى العم صالح فقد اخبرتها اني سأذهب انا لاستلام حذائي ولكنني غيرت خطتي واكتفيت بالمشاهده من بعيد لقد رايت العم صالح في مظهر الاب الحنون لامراءة أربعينية أرمله تجاهد مثله تماما في الحصول على لقمه عيش وتوفير حياة كريمه لاطفالها الثمانية ,حينما فرغت من الحديث ناول العم صالح أمي عدة اوراق ماليه ,بعد أن شاهدت هذاالمنظر الذي تجسدت فيه كل معاني الأخوه والرحمة والإنسانية أحببت العم صالح كلما لم أحبه من قبل وعرفت حقا ان الناس للناس وأدركت سر فقر العم صالح الذي شغلني موضوعه منذ إخباره لي في ظهيرة هذا اليوم مع كونه الأسكافي الوحيد في هذه القريه وذهبت أمي مسرعة ,واتيت إلى العم صالح وتظاهرت بعدم رؤيتي للقاء الذي حدث قبل قليل بينه وبين امي ,أعطاني الحذاء واعطيته المال رغم رغبتي الشديدة في البوح له أنه ليس ثمة حاجة أن أعطيه المال وهو سيعود إلي عاجلا أم آجلا .
مما رآق ليـ..
لكم ودي.. :26:
roze violet @roze_violet
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
emanmoh :قصه رائعه ننتظر المزيد من مواضيعك الشيقهقصه رائعه ننتظر المزيد من مواضيعك الشيقه
يعطيك العافيه على الرد
نورتي ..:26:
نورتي ..:26:
الصفحة الأخيرة
ننتظر المزيد من مواضيعك الشيقه