بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين أما بعد
فقد قرأت في مقال ذكر صاحبه فيه أن صديقاً له كان يدرس في إحدى الجامعات الغربية ودخل عليهم المعلم يوماً فكتب على اللائحة كلمة (الأديان البشرية) ففرع منها فرعين فقط وهما عامود (ذات معبود واحد) والآخر (ذات أكثر من معبود) فكتب تحت العامود الأول الإسلام وتحت العامود الثاني باقي الأديان . انتهى 0
فلنا وقفة مع سبب تميز العقيدة الإسلامية بالتوحيد الذي هو سبب جعلها الحق وما سواها باطل,0
والسبب هو اتساقها مع الكون , فإن الله تعالى خلق الكون على طبيعتين متقابلتين , الخير والشر , الحق والباطل , العلو والدنو ....الخ , ويلزم من وجود هاتين الطبيعتين وجود قاعدة عظيمة وهي قاعدة النفي والإثبات , ولذلك عندما قال الله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) أتبعها بقوله: ( ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 0 ولا تجعلوا مع الله إله آخر إني لكم منه نذير مبين ) فلما ذكر أنه خلق الأشياء على إحدى طبيعتين , أمر بالفرار إليه ويكون باختيار ما يحبه الله من هاتين الطبيعتين من الأقوال والأفعال والأحوال وترك ما يبغضه الله منها , ثم نهى عن الشرك بعد ما أمر بالعبادة , وليس هذا من تقدم الإثبات على النفي ولكنه من باب تعلق المشروط بشرطه , أي أنه لايتم الفرار إلى الله إلا بترك الشرك0
حيث لا يستقيم الإثبات إلا باستقامة النفي وكمال الإثبات بحسب كمال النفي , وهذا معنى قول الإمام ابن القيم – رحمه الله – ( التحلية بعد التخلية ) و( من أراد أن يتحلى فليتخلى ) ولذلك لو سكبنا كيساً من السكر على كوب ممتلئ رمل لن يكون فيه سكر أبدا ولكن إذا فرغناه من الرمل فيكفيه مقدار كوب من السكر فيمتلئ أي أنه لم يحصل له التحلية إلا بعد التخلية , وهكذا القلب وعاء فلا تتقوى محبة الله فيه إلا بإضعاف محبة غيره , ولذا قال الشاعر – وهو يصف قوة محبة حبيبه في قلبه – ( فوافق قلباً خالياً فتمكن ) , وقس على غيرها من أنواع العبادة كالتعظيم والخوف وغيرها 0 فالحاصل أن سر قوة عقيدة الإسلام أنه لا يستحق أحد مهما كان أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة مع الله وذلك لأنها تضعف عبادة الله , ومن أجل ذلك صار النفي والإثبات هو الشأن كله, فلو تأملت الأذكار النبوية لوجدت أفضلها ما كان على صيغة النفي والإثبات وهي ثلاثة ( لا إله إلا الله ) و( سبحان الله وبحمده ) و ( لا حول ولا قوة إلا بالله) والأحاديث في ذلك كثيرة, فلا إله إلا الله هي النفي والإثبات في باب توحيد الألوهية وسبحان الله وبحمده في باب الأسماء والصفات فالشطر الأول منها نفي جميع العيوب والنقائص عن ذات الله وصفاته والشطر الثاني إثبات جميع المحامد لذاته وصفاته وكذلك لاحول ولا قوة إلا بالله في باب الربوبية( أفعال الله) نفي القدرة على التحول من حال إلى حال إلا بالله ونفي القوة على الطاعة إلا بالله, فهي نفي وإثبات في هذا الباب كما نقل ابن القيم و شيخ الإسلام –رحمهما الله – عن بعض السلف (لا تحول من المعصية ولا قدرة على الطاعة إلى بقوة من الله) 0
وفي النهاية سأختم بقصة لطيفة جداً , كان طالب يدرس في بريطانيا وكان كثيرا ما يرتاد حديقة هايد بارك التي فيها المنبر الحر فإذا برجل يعلو المنبر بشكل مستمر ويدعو إلى النصرانية , فإذا به في يوم من الأيام يدعو إلى الشيوعية , ومرة إذا هو يدعو إلى الإسلام , قال : فسألت الرجل ما شأنك ؟ قال : شأني كشأن الشعب الأوروبي فقد نشأت في عائلة نصرانية أصولية متعصبة ثم بعد ذلك واجهت تحديات عقلية لا أستطيع الصمود أمامها فاعتنقت الفكر الشيوعي ثم رأيت أنه باطل فبحثت عن الحقيقة فوجدت ما أنا وجميع الأوربيون بأمس الحاجة إليه 0 ثم قال حكمة تكتب بماء الذهب , قال إن أوربا الآن بعد أن بدأت تترك النصرانية صارت لا دينية فهي أن عندها النفي , وأنتم المسلمون عندكم الإثبات بلا نفي فلو أتيتم إلينا ودعوتمونا لهذا الدين لامتزج النفي الذي عندنا بالإثبات الذي عندكم وعادت أوروبا كلها مسلمة
انتهى 0, ومعنى قوله عندكم إثبات بلا نفي قد يقصد فيه أن ضعف الوازع الديني الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم هو بسبب ضعف النفي ( الترك) فإننا حقيقة امتلأت قلوبنا بحب المخلوق والخوف من المخلوق وتعظيم المخلوق وهذا ينافي كمال النفي الذي بحسبه تكون قوة الإثبات كما أسلفت , والله تعالى أعلى وأعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ,وصلى الله وسلم على نبينا محمد
مـــــــــــــــــنـــــــــــــــقــــــــــــــــول
نصر @nsr_1
محرر في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وبارك الله فيك..