جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنور المبين والهدى والفرقان، فعلم الناس أن الله هو الحق الأحد، وأن من سواه وما سواه عباد مقهورون بقهره، وعوالم مربوبون بعزته، فكل العلوم والفنون التي أظهرها الإنسان في هذا العصر هي نتاج النهضة الإسلامية المباركة.

إذ كان المجتمع الإنساني قبل الإسلام هاويًا في الحضيض الأسفل لم يبلغ رقيه مبلغ كمال بعض أنواع الحيوانات التي تتفاوت كالنمل والنحل والقردة وذلك لأن المجتمع كان يمثل برية يسكنها أنواع كثيرة من الوحوش والغزلان والطير..
فكان قوت القوي من الضعيف ظلمًا، وكانت قواهم العقلية منصرفة إلى التسليم الدال على فسادها. فإن منهم من كان يقدس الأنهار، ومنهم من كان يقدس الأفلاك، ومنهم من كان يقدس الحجر، ومنهم من كان يقدس البقر، ومنهم من كان يقدس الملوك، ومنهم من كان يدعي أن ولدًا ولدته امرأة من غير أب صار إلهًا فعبدوه أو اتخذوه ابنًا للإله أو حلَّ فيه الإله...
هذا ما كان فيه المجتمع حتى أنقذهم الله بنور الرسالة المحمدية فتحقق كل مسلم أن ما عدا الإنسان مسخر للانسان، وأن الإنسان هو النوع الوسط الذي خلقه الله تعالى بيديه وجعله خليفة عنه سبحانه، والمقصود بالحياة الأبدية، فنشط الإنسان من عقاله وعرف قدر نفسه في هذا الكون، وبمعرفته نفسه عرف قدر ربه فقام يستخدم ما كان يقدسه ويعبده من دون الله، ولم يرتق أهل أوروبا إلا بعد أن تخلوا عن دينهم وقلدوا رجال العلم والعمل في المسلمين في ما جملهم الله به من العلوم القرآنية، وبالعكس فالمسلمون انحطوا قدرًا لما تهاونوا بأحكام دينهم، وما على العاقل المنصف إلا أن ينظر نظرة مفكر ليرى الإفرنج قد تقدموا ماديًا لترك دينهم، والمسلمين قد تأخروا بإهمالهم أحكام دينهم ولو أن المسلمين حافظوا على ما كان عليه السلف لدام لهم المجد الأول والعزة...
قال الله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}. ظهر لنا أن الإنسان قبل القرآن كان أقل من البهائم الراتعة لأن البهائم لا تنقاد مذللة إلا بالقوة القاهرة، والإنسان قبل القرآن انقاد بقوة فكره وعقله مختارًا لإنسانٍ مثله فجعله إلهًا يعبد، أو لصورة صنعها بيده واتخذها إلهًا...
هذا ما كان عليه الإنسان قبل القرآن.. ولكن أنوار القرآن وأسرار السنة جعلت الإنسان كاملا ظاهرًا وباطنًا حسًا ومعنى، فقام يعمل للدين والدنيا والآخرة، فتنافس الناس في العلم وخدموا السنة والملة والجماعة فكان الخير والسعادة والعزة والتمكين في الأرض بالحق فترة من الزمن ـ تمتع العالم الإسلامي خلالها بما لم تحظ بمثله أمة خلت من قبله غير ما ادخر الله لهم في دار كرامته من النعيم المقيم والسعادة الأبدية الدائمة.
كل ذلك إنما حصل لهم من الإيمان بالقرآن والاهتداء بهديه وتدبر معناه وإحلال حلاله وتحريم حرامه وتنفيذ أحكامه والاعتصام بحبله المتين يوم كانوا يعبدون الله وحده ويسأله وحده ويتوكل عليه وحده، ويستعين به وحده.. ويذبح له وحده وينذر له وحده.. لأنه مالك الملك وخالق الخلق وباسط الرزق وحده وهو على كل شيء قدير. ثم خلف من بعدهم خلف تركوا الاعتصام بالقرآن، واتبعوا حظوظهم وشهواتهم حتى انهار هذا العماد الرفيع الذرى، ونام العالم الإسلامي نومة الغفلة ورقد رقدة الجهالة، فانتهز وحوش الغرب هذه الفرصة وتمكن أعداء الإسلام والمسلمين من بث عوامل الفساد بين المجتمع حتى أشرب أهل الغواية في قلوبهم الفساد والضلال وكانوا دعاة
بقلم الأستاذ/ محمود إبراهيم الموجي