koketa @koketa
كبيرة محررات
سعي الأب في تزويج إبنته
كلنا نقرأ ، وكثير منا يحفظ قصة موسى مع ابنتي نبي الله شعيب و لكن من يستفيد من هذه القصة واقعاً عملياً فيعيد هذه السنة إلى الوجود ؟!!
و قبل أن نكمل لا بد أن نقرأ المشهد القرآني بقرائح صاحية و قلوب واعية لعلها تكون ساعة إجابة فتلقى آذانا صاغية ، قال الله تعالى :
( و لما توجه تلقآء مدين قال عسى ربي أن يهديني سوآء السبيل * و لما ورد مآء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون و وجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما ؟
قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعآء و أبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير *
فجآءته إحدهما تمشي على استحيآء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جآءه و قصَّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين *
قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين *
قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك و ما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين * قال ذلك بيني و بينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي و الله على ما نقول وكيل * ) القصص (22 ــ 28)
موسى غريب طريد خائف وحيد يأتي إلى صالح مدين ، لا مال معه و لا متاع ، و مع هذا فقد أنكحه من ابنته لما تحقق من أمانته و دينه و خلقه ، و أعرض عما سوى ذلك يقينا منه أن الرجل الصالح جوهرة نيرة لا يفرط فيها ، فالسعادة الزوجية في بيوت نشأت تحت رعاية الله و طاعته , و أي عمل أرجى عند الله من تأسيس بيوت سعيدة تعبد خالقها و توحده .
لذا كان الإسلام مقراً هذا العمل الطيب و هذه المبادرة الكريمة و كان سلفنا الصالح أحرص الناس على تزويج بناتهم و أخواتهم و من تحت و صايتهم لمن يتوسمون فيه الديانة و الصلاح ، بل كان الرجل فيهم إذا رأى من أخيه صلاحاً و ديناً خطب ابنته إليه ، بل لربما كانت المرأة أحرص على ذلك من وليها .
و ليس أدل على ذلك من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - :( أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي – و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوفي بالمدينة - فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري , فلبثت ليالي , ثم لقيني , فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا , قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق ، فقلت : إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا ، و كنت أوجد عليه من على عثمان ، فلبثت ليالي ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ، ثم لقيني أبو بكر الصديق بعد ذلك و قال لي إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أنني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لو تركها رسول الله صلى الله عليه و سلم لقبلتها ) البخاري (5122)
وقد بوب له البخاري : ( باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير )
قال الخطيب الشربيني : ( يسن للولي عرض موليته - ابنته - على ذوي الصلاح كما فعل شعيب بموسى عليهما السلام ) مغني المحتاج (جـ3 ص138)
و ليس من قلة الحياء أن تعرض المرأة نفسها , و لقد ظنت بنت أنس بن ماك رضي الله عنه أن المرأة التي عرضت نفسها هي امرأة قليلة الحياء , و لكن الصحابي الجليل أنس بن مالك خطأها و وضح لها أن التي عرضت نفسها خيراً من التي اعترضت عليها .
عن ثابت البناني قال: ( كنت عند أنس و عنده ابنة له , قال أنس : جاءت امراة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها , وا سوأتاه . قال : هي خير منك , رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها ) البخاري (5120)
و قد بوب له البخاري : (باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح )
و التاريخ الإسلامي يسجل لنا انصع صفحة في تاريخ سلفنا الصالح , قصة التابعي الجليل – الذي تمنى الصحابة أن لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرح به - هذا التابعي العظيم هو سعيد بن المسيب , رجل لم تبهره الدنيا , و لم تفتنه بزينتها , يخطب إليه عبد الملك بن مروان بنته لتكون زوجة لابنه الوليد وتحظى بقصر الخلافة , و تساق إليها الدنيا بزينتها , إلا أنه يرفض تزويجها منه , و يعرضها على تلميذه عبد الله بن أبي وداعة , ذاك الشاب الصالح المتفقه في أمور دينه .
و إن التاريخ ليفخر بأمة فيها هذا الرجل العظيم يقدم الدين على الدنيا , و يقدم العقل على الهوى , و إليكم قصته هذه الغريبة العجيبة:
عن عبد الله بن أبي وداعة قال: ( كنت أجالس سعيد بن المسيب , فتفقدني أياما فلما أتيته قال: أين كنت؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها , فقال هلا أخبرتنا فشهدناها , قال : ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله و من يزوجني و ما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟!
فقال : أنا , فقلت : و تفعل ! قال: نعم , فحمد الله تعالى و صلى على النبي صلى الله عليه و سلم و زوجني على درهمين , أو قال ثلاثة , فقمت و ما أدري ما أصنع من الفرح , فصرت إلى منزلي و جعلت أفكر ممن آخذ و ممن أستدين , فصليت المغرب و انصرفت إلى منزلي فأسرجت و كنت صائما , فقدمت عشائي لأفطر - وكان خبزا وزيتا- و إذا بابي يقرع , فقلت من هذا؟ قال: سعيد , ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب , و ذلك أنه لم ير أربعين سنة إلا بين داره و المسجد , قال : فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب , فظننت أنه قد بدا له – أي غيّر رأيه - فقلت له : يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك , فقال :لا أنت أحق أن تؤتى , قلت : فما تأمر ؟ قال : إنك كنت رجلا عزبا فزوجت , فكرهت أن تبيت الليلة و حدك , و هذه امرأتك , فإذا هي قائمة خلفه في طوله , ثم أخذها فدفعها في الباب و رده , فسقطت المرأة من الحياء , فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز و الزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه , ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاءوني و قالوا : ما شانك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم , و قد جاء بها الليلة على غفلة , فقالوا : أوا سعيد زوجك؟! قلت :نعم , قالوا : و هي في الدار؟! قلت: نعم , فنزلوا إليها , و بلغ ذلك أمي فجاءت و قالت : و جهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام , فأقامت ثلاثا ثم دخلت بها , فإذا هي من أجمل الناس , و أحفظ الناس لكتاب الله تعالى , و أعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أعرفهم بحق الزوج , قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد و لا آتيه فلما كان بعد الشهر أتيته و هو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام و لم يكلمني , حتى تفرق الناس من المجلس , فقال ما حال ذلك الإنسان فقلت بخير يا أبا محمد على ما يحب الصديق و يكره العدو , فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم , و كانت بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه ) إحياء علوم الدين(جـــــ3 ص89)
مال . جمال.دين.وعلم. وخلق. سعادة ما بعدها سعادة تنتقل من سعيد إلى بيت سعيد, وا فرحتاه !!!
و قصة ثانية لا تقل روعة عن سابقتها وهي قصة ملك العلماء علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني مصنف كتاب ( بدائع الصنائع ) مهر زوجته فاطمة , فما قصة زواجه ؟ و ما قصة كتابه ؟ نقرأها :
تتلمذ الإمام علاء الدين أبو بكر الكاساني على محمد بن أحمد السمرقندي و قرأ عليه معظم تصانيفه , و سبب تزويجه بابنته أنها كانت حفظة كتاب ( التحفة ) الذي صنفه والدها , و طلبها جماعة من ملوك بلاد الروم فامتنع والدها – وكانت من حسان النساء - فجاء الكاساني و لزم والدها و اشتغل عليه و برع في علمي الأصول و الفروع , و صنف كتاب ( البدائع ) شرحا على (التحفة) و عرضه على شيخه فازداد فرحا به , و زوجه ابنته و جعل مهرها منه ذلك الكتاب فقال الفقهاء في عصره : شرح تحفته , و زوجه ابنته .
و كان شديد الحب لها , فتوفيت قبله فكان لا يقطع زيارة قبرها في كل ليلة جمعة , إلى أن مات فدفن عندها , و يعرف قبرها بحلب بقبر المرأة و زوجها .الجواهر المضية (جــ4 ص25) بتصرف
أي سعادة وحب وعلم و ثقافة ناله الكاساني, وا فرحتاه ؟!!!
أليست تقاليدنا إلا طقوس لعرقلة الزواج , فمتى نصحو ؟!!!
و كم أعجبتني قصة يذكرها أهل الميدان بدمشق أن إماما لمسجد في أحد أحيائها القديمة خطب يوما يحض الشباب على الزواج و يحض الآباء على تيسير المهر و كان مما قاله :
إن عندي عدة بنات , فمن يرغب في الزواج , فإني على استعداد لأعطيه و ليس لي من شرط إلا شرط الدين و الأخلاق , و لم يمض أكثر من شهر حتى تزوجت بناته كلهن , وا فرحتاه!!!
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نقول:
من يحيي سنة نبينا و نبي الله شعيب عليهم الصلاة والسلام ؟!!!
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2
507
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
ورودالدار
•
الله يجزااك خيير موضوعك قيم والمفروض مو بس الأب حتى الأخ لما يثق في صديقه واذا كان يستحي يوصي عليه امام المسجد ويكون ثقه والله يرزق أخواتنا الأزواج الصالحين
الصفحة الأخيرة