فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

<*> سَفَرٌ في مَدائِنِ الرّوح <*>

الأدب النبطي والفصيح



{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}



حين تشفّ الروح وتصفو تتسنّم منزلة شاهقةً ، وتبلغ شأواً رفيعاً
ترهف السمع الى كلّ ساكنٍ ومتحركٍ ..
وتصغي إليه وهو يتنفس بالحمد ، ويتهدج بالتسبيح :
الشجر، والنجوم ، والطير، ...

«وإنْ من شيءٍ إلاّ يُسبّحُ بحَمْدهِ وَلكِنْ لاتٓفقَهون تَسبيحَهُم .. ».

لقد كان لسيدنا داوود عليه السلام صوتاً رخيماً آية من إبداع الخالق
يتسلل إلى مسام الكون ؛ تسلل خيوط النور إلى أفراح القلوب..
تصغي له الجبال .. وترجع صداه الوديان .. وتعنو له رقاب الطير ، ووحش الفلاة
فلا تملك حراكاً..!
فكل روح هناك .. قد امتلكتها " مزامير داوود"...!


هنا نرى صورتان متقابلتان تقف روح الإنسان في إحداهما بجانب ،
وتقف روح الكون الكبرى بكل ماتحويه في الجانب الآخر ؛
يؤلفان معاً وحدة لاتتجزأ .. تعزف على وترٍ واحد لحناً منسجم الإيقاع يهمي بالسعادة
والسلام ، ويوحي بسكون الظاهر وتوحد لغة الأرواح ، حيث تتحدث بلا دليل ..
ولاتحتاج إلى ترجمة لتقرأ ماحولها ..!
حالة يعيشها كثير من الناس وهم بين أحضان الطبيعة الأم ..!
ويفتقدونها حين يحتويهم ضجيج الحياة ، ويشلّ وصلهم مع الحياة البكر ؛
فينطلق اللحن النشاز ؛ ليقطع خيط الانسجام ،
فيتوارثوا القلق، ويفتقدوا سلام الروح!

أعجبني قول الرافعي : إنّ الروح الكبيرةَ هي في حقيقتها الطفل الملائكي ~

والمؤمن الحقيقي .. هو الفائز الوحيد في هذا العالم الذي تتضارب فيه الأهواء ،
فهو كالشجرة الضاربة في جذور الأرض ..لاتقوي الرياح على اقتلاعها ؛
ذلك لأن روحه تعيش الرضا المطمئن ، والثقة واليقين ، وتدرك أنها في ملاذ أمين ..
وهي في هذه النعمة المباركة ، لاتنسى أن سعادة الحياة في المشاركة بين الأرواح
فلا تتسلط عليهاأنانية الذات ، وتتحرك في إطار جسدها بمبدأ :
عش ودع غيرك يعيش ..!



طوق الحمامة ~ فيه محاولة لتقريب معنى الروح:
الـــروح جسم نُورانّي ..علوي .. خَفيف ..
يخترق الأعضاء بِكل سُهولة ويُسر، ويَسري فِيها سريان الماء في الوَرد
تَبقى هذه الرُوح التّي خَلقها الله عَزوَجل في جَسد الإنسان مَادام
حَياً يُرزق وتمده بالإحسَاس والحَركة وروح الحَياة ..,
وتذهب عنه وتَخرج لتسبح مَرة أخرى في عالم الأروَاح عندما توافيه المنية ..!!



والأرواح الشفافة تدرك من بعض أسرار الكون مالا يدركه الغافلون..الذين تحول صفاقة الطين بين قلوبهم وبين الحياة المتغلغلة في ضمير هذا الوجود!
فالمتبتل حين تستغرقه صلاته..ويستفيض دعاؤه ، يلين أهابه ، ويضيء قلبه .. وترق دموعه ، ويخشع في محرابه ، ويضمحل الوجود المادي أمامه ، فيسقط عنه قناع الجسد، ويشعر بخفّة روحه، وتحرره من القيد الذي كان يشده إلى الأرض..
لأنه اقترب بروحه من نور الحق ..!
ويحس دبيب الرحمة يمسح على فؤاده وبلطف الله الخفي يحتويه..!
تلك هي لحظات الاستغراق الروحية ، والتبتل العميق الذي يمتزج فيه الإنسان بالكون ليصبحا كياناً واحداً..!!
وقد تمر تلك اللحظات الروحية على بعضنا.. وتتفاوت بين إنسان وآخر في درجة عمقها وشفافيتها..
لكنها لحظات سعادة حقيقية.. تعشقها الروح ، وتتعلق بها ، لأنها تنزع عنا ثوب الدنيا وتشرع لنا نافذة تطل على مرائي الخلد التي تترقبها الروح بشغف ، وتحلم بسكناها ..!



ابن تيمية ~
ولشيخ الإسلام ابن تيمية قول بهذا الشأن وهو:
أن الإنسان عبارة عن البدن والروح مَعاً ،
بل هو بالروح أخص منه بالبدن ،
وإنما البدن مَطية للروح ..ولاتزال الخصومة يوم القيامة بين الخلق
حتى تختصم الروح والبدن ،
فتقول الروح للبدن :أنتَ عَملتَ السّيئات !!
فيقول البدن للروح : أنتِ أمرتني !!


فيبعث الله ملكاً يقضي بينهما فيقول :
إنما مثلكما كمثل مُقعد وأعمَى ، دخلا بستاناً ، فرأى المقعد فيه ثمراً معلقاً،
ْ فقال للأعمَى : إني أرى ثمراً ، ولكنّي لا أستطيع النهوض إليه !
فقَال الأعمَى : ولكنّي أستطَيع النُهوض إليّه ولكنِّي لا أرَاه ,
فقال المُقعد : تعال فأحملني حتى أقطفه ، فحمله فجعل يأمره فيسير به إلى حيث يشاء حتى يقطع الثِّمار .
قال الملك : فعلى أيهم العقوبة ؟
قالا : عليهما جميعاً !!
فقال المَلك : فكذلك أنتما !.


فالإنسَان جسدٌ وروح ، والجسد والروح مشتركان بإدارة أمر الإنسان ، وعليهما معاً تقع العقوبة .. !


وقد نتساءل - ونحن نتحدث عن الروح - لماذا يحدث التآلف والتصافي والانجذاب بين روحين مِن أول وهلة ..؟؟
ولماذا يحصل التنافر والضيق بين روحٍ وأخرى ؟
يمر بنا أحياناً شخص لم تسبق لنا معرفته
فنحس بالراحة لوجوده ، وبجاذبٍ خفيٍّ يشدنا إليه ،
ويبدوا لنا مألوفاً، قريباً إلى قلوبنا ؛ كما لو أننا التقيناه من قبل ..!
وقد نعايش إنساناً ونرتبط به بعلاقة ما ..
ولكن مع هذا لايتحقق الانسجام بيننا،وتظل روحينا متباعدتين،
وبيننا خط فاصل من النفور ..!


وفي حديث دار بين عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب رضي الله عنهما تفسيرلمعنى التآلف والتخالف بين الأرواح فقد سأل عمرٌ علياً:
ماذا عن ..الرجل أبغضه ولم أجد منه شراً، والرجل أحبه ولم أجد فيه خيراً؟
فأجاب علىٌ بحديث الرسول صلى الله علبه وسلم :
« الأرواح جنودّ مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وماتناكر منها اختلف » .


وهذا التآلف درجات .. كلما ارتفعت ازداد التقارب بين الأرواح؛ رغم بعد الأجساد
حتى يستقر ذلك على مرحلة التواصل الروحي الدائم ..!
فتشعر الروح مشاعر الأخرى ،
وتحس حالات حزنها وألمها، فينقبض قلبها ،
ويوجعها وخز في أعماقها ، وقلق يسلب راحتها
فتعرف أن تلك الروح الحبيبة النائية قد ألمّ بها أمرٌ ما ..
حتى وإن باعدت بينهما المسافات ، وانقطعت السبل !!





سياحة الروح في النوم ~

وفي النوم ... ترحل الروح وتذهب في سياحةٍ خارج جسدها ... ثم تعود الروح التي لم يحين أجلها إلى الجسد حين يستيقظ...
وقد لاتعود وتكون رحلتها أبدية لمن كتب عليهاحصول الأجل!..


ومن عجائب حلم النائم رؤيته لأماكن وأشخاص لم يسبق له معرفتهم .. حتى إذا ماسافر يوماً ومر بذلك المكان للمرة الأولى بدا له مألوفاً ... وإذا قابل هؤلاء الأشخاص للمرة الأولى بدت له وجوههم مألوفة... فيتسائل: أين رأيتهم من قبل؟


قرأت في أحدى الكتب التي تبحث عن الأسرار الروحية :
أن سيدة ولدت عمياء كانت تصف ماترى في منامها بدقة ووضوح المبصر لكل الأشياء والألوان .. ولما توفيت شرحت جثتها وتبين أن أعصاب البصر عندها كانت ميتة!!.


وقرأت أيضاً أن بعض المخترعين والمكتشفين قاموا بأروع أعمالهم عندما شاهدوها في أحلامهم أمثال الرياضي المعروف( بوانكاريه) حين رأى معادلات جبرية أدت الى استكشافه قانوناً رياضياً هاماً !!.


خلاصة القول ونهاية السياحة في بلاد الأرواح ،
أن الروح غيب من غيب ...
وسرٌ من سر القدسية ..
أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود!....
فلقد أبدع الإنسان ماأبدع في هذا الكون .. ولكنه وقف هناحسيراً عاجزاً يتسائل:
ماهي الروح ؟
كيف جاءت ؟
كيف تذهب ؟
أين كانت ؟..وأين تكون ؟..
إلا مايخبره العليم الخبير في كتابه الكريم..!
وتبقى الروح من أمر الله ~



وأخيراً ..! هناك سؤال يجول بخاطري ألقيه على أرواحكن الطيبة هو :
هل تؤمنين بوجودمايسمى بـ : توأم الروح أو عديل الروح في مكانٍ ما؟
وإن أسلمت بذلك ؛
فهل التقته روحك ، ووجدت معه انسجامك الداخلي؟؟
قد تكون لواحدة منّا تجربة روحيّة ..
أو إضافة تحب أن تسكبها هنا
فدعي قلمك يرسم ملامح روحك ،
أو ما تطرق إليك من خلال تجارب الآخرين ..


لروحك السلام ~
ولكل الأرواح الساكنة هنا !!
22
6K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

حنين المصرى
حنين المصرى
ﻻ ادرى كيف اعبر غاليتى فيض عن اعجابي بموضوعك الرقراق الذى اخذنى الى عالم شفاف روحانى والنفس تانس للتفكير فى كل ماهو غيب
اما عن سؤالك فانا اؤمن بذلك جدااااا
واهمها التقاء روحى بارواح شقيقات للروح هنا فى الواحة
حبيبت احسنت وابدعت كعادتك
تقبلي مرورى وتقديري
نعمة ام احمد
نعمة ام احمد
غاليتي فيض
موضوع شيق جداً سافر بنا بعيداً!!
جعلنا الله من الأرواح المتآلفة في هذه الواحة.

عديل الروح / توأم الروح
حقيقة وليس خيال .. ولقد سمعت أن طينتهما
أُخذت من نفس المكان !!!
لذلك هما يتآلفان ويكملان بعضهما البعض،،

أما عني أنا فلقد وجدته منذ زمن !!
ورأيت من خلال تجربتي الشخصية الكثير
من المواقف التي ثبُتَ فيها أنه فعلاً توأم الروح!!!

فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
ﻻ ادرى كيف اعبر غاليتى فيض عن اعجابي بموضوعك الرقراق الذى اخذنى الى عالم شفاف روحانى والنفس تانس للتفكير فى كل ماهو غيب اما عن سؤالك فانا اؤمن بذلك جدااااا واهمها التقاء روحى بارواح شقيقات للروح هنا فى الواحة حبيبت احسنت وابدعت كعادتك تقبلي مرورى وتقديري
ﻻ ادرى كيف اعبر غاليتى فيض عن اعجابي بموضوعك الرقراق الذى اخذنى الى عالم شفاف روحانى والنفس تانس...
حنين الغالية :

لحرفك شاعرتنا الجميلة وقع خاص
أحمل له في قلبي كل التقدير والثناء
بورك مرورك الرقيق الشفاف
وأدام الله علينا نعمة التواصل الروحي
في أفياء الواحة !
تغريد حائل
تغريد حائل
غاليتي...
فلسفة الروح تخترق أدق تفاصيل المشاعر الجياشة
وتجلو ذاك الضباب الفكري من مساحة الوصال..!
ولتؤام الروح وعديله في وجداني حقائق لا تتسم بالسراب.
شكراً لكِ -فيضنا-
فالسفر لمدائن الروح بمعية حرفكِ متعة للألباب.!
وفقكِ الله!!

فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
غاليتي... فلسفة الروح تخترق أدق تفاصيل المشاعر الجياشة وتجلو ذاك الضباب الفكري من مساحة الوصال..! ولتؤام الروح وعديله في وجداني حقائق لا تتسم بالسراب. شكراً لكِ -فيضنا- فالسفر لمدائن الروح بمعية حرفكِ متعة للألباب.! وفقكِ الله!!
غاليتي... فلسفة الروح تخترق أدق تفاصيل المشاعر الجياشة وتجلو ذاك الضباب الفكري من مساحة...
الرائعة تغريد العذبة:
عبير وجدانك نسمة ربيع
تخطر في روض مخضل الزهور
وتنثر العبق ..!
سلمت ياندية الروح
وبورك غاليتي جود حرفك المتألق