تحت ظلال الياسمين و بين ربوع الرياحين تقبع مدينة دمشق العريقة تعانق جبالها السحاب و يصدح الحمام في أفنية مساجدها مسبحاً لله.
رمضان له طعم آخر في مدينتي الجميلة.. منذ زمن الأمويين الذين حكموا من قلب دمشق العالم الإسلامي و بنوا فيها المساجد و القصور, و رمضان يأتي كل عام محملاً بالحب و الخير و الإحسان.
استقبال رمضان في دمشق:
كان الدمشقييون (أو كما نطلق على أنفسنا "الشوام") يقومون كل عام بسيران (نزهة) قبل رمضان بيوم أو يومين يسمونها "التكريزة"
فلدى الشوام حب خاص للبساتين و للجلوس بين الأشجار و الخضرة و الماء الرقراق, فيقومون باستقبال رمضان بسيران بين بساتين الغوطة الجميلة فيفرشون أبسطتهم و يحضرون معهم ما لذ و طاب من الطعام و يقومون بالشواء في الهواء العليل فتتعالى ضحكات الأطفال و تنهمك النسوة في تحضير الطعام بينما يجلس الرجال سوية يتجاذبون أطراف الحديث و يشرفون على شواء اللحم.
في عصرنا الحالي لا زال الكثير من الشوام يتجهون إلى بساتين الغوطة للإحتفال بقدوم رمضان, بينما يفضل البعض الآخر التمتع بمخرجات العصر الحديث و الذهاب إلى المطاعم المنتشرة في دمشق.
إضاءة:
عندما زار امير الشعراء أحمد شوقي دمشق أوائل القرن العشرينتغنى بها وبغوطتها وقال قصيدة فى دمشق منها البيتين التاليين :-
جرى و صفق يلقانا بها بردى ×× كما يلقاك دون الخلد رضوان
أمنت بالله واستثنيت جنته ××× دمشق روح وجنات وريحان
في ليلة إنتظار ثبوت رؤية الهلال تفتح المحكمة الشرعية أبوابها لاستقبال كل من يرى هلال رمضان. ثم يتم تبليغ القاضي الشرعي الأول في مدينة دمشق الذي يقوم بدوره بتبليغ رئيس الجمهورية ثم يتم إعلان ثبوت رؤية الهلال في وسائل الإعلام المختلفة من التلفاز و الراديو و تهتز ارجاء دمشق فرحاً بقدوم شهر الخير على صوت المدفعية بعدة طلقات في الهواء و تصدح أصوات المؤذنين من على منابر المساجد لاستقبال الضيف الكريم.
فتجتمع الأسر الشامية في بيت عميد العائلة ,و هو غالباً الجد الأكبر للعائلة, و يبارك أفراد العائلة لبعضهم (رمضان كريم) (كل عام و أنتم بخير) (ينعاد عليكم بالصحة و السلامة)
و يتجه الجميع لأداء صلاة التروايح في المساجد المنتشرة في مدينة دمشق فيتلاقى أبناء الحارة (الحي) و يتصافحون مهنئين بعضهم بقدوم الشهر الكريم و يتجهون زرافات إلى صلاة التروايح ليعودوا بعدها إلى منازلهم ليناموا قريري العين مترقبين وقت السحور ليستيقظوا على صوت طبلة المسحر الشهيرة التي تتدلى من رقبته و يضربها بعصاه لينطلق صوته الرخيم (يا نايم وحد الدايم) (يا نايم وحد الله) (يا نايم أذكر الله) (قوموا على سحوركم)
و برغم التكنولوجيا الحديثة و وجود الساعات و المنبهات, إلا إن المسحراتي لم ينقرض من أروقة و أزقة دمشق بل إن هناك نقابة خاصة "للمسحراتية" لتنظيم عملهم و تقسيمهم على مناطق دمشق. و و قد سعدت هذا العام بسماع صوته يملأ فضاء حينا وها نحن ننتظره في أول أيام العيد ليطرق باب بيتنا حتى نعطيه العيدية.
و تنتشر لدينا مقولة لمن يأكل أكثر من صنف في نفس الوقت و نفس الطبق بأنه يأكل (مثل أكل المسحر) لأنه درجت العادة أن يلف المسحر على بيوت الحارة و يأخذ ما تجود به نفس أصحابها من طعام فيجتمع لديه أكثر من صنف في آخر الليل فيجمعه في طبق واحد و يتناول كل الأصناف سوية.
و هذه صورة للمسحر من الإنترنت لأنني لم أستطع تصوير مسحر حارتنا
بعدما يستقيظ أهل البيت على صوت طبلة المسحر, تقوم النسوة لإعداد مائدة السحور من الحواضر الشامية (المكدوس و الزيتون الأخضر و الأسود و اللبنة بالزيت و الجبنة الحلوم و الجبنة المدقوقة بالسمسم و حبة البركة و المسبحة (الحمص) و المخللات بأنواعها و غيرها) بالإضافة إلى الفتات الشامية من التسقية بالسمنة و التسقية بالزيت و الفول المدمس بالزيت و لا بد من إبريق الشاي الشهير ب "خمير و فطير" و هو عبارة عن إبريق صغير يكون فيه الشاي مركزاً جداُ و لونه مائل للسواد و يوضع على فوهة إبريق أكبر منه يكون بداخل الإبريق الكبير ماء مغلي فقط ليقوم أهل البيت بتخفيف تركيز الشاي حسبما يرغبون ليقولوا لبعضهم (يا سلام, شاي أكرك عجم)
الأكلات الرمضانية المشهورة:
يطلق الدمشقييون على العشر الأول من شهر رمضان "المرق" و ذلك لأن الناس تهتم إهتماماً زائداً في هذه الفترة في إعداد طعام الفطور و السحور و تشكيل الأصناف على المائدة.
أولاً العصائر:
يشتهر شهر رمضان في دمشق بالعصائر المتنوعة من التمر الهندي و العرق سوس و الجلاب و قمر الدين. حتى أننا نشاهد في الأسواق بائع العرق سوس و التمر الهندي و عمله يزدهر في رمضان.
و هذه صورة من الإنترنت لبائع العرق سوس
ثانياً المقبلات:
لا تخلو موائد الصائمين في رمضان من الفتات الشامية بأنواعها من التسقية بسمنة أو التسقية بالزيت و فتة المجدوس و لا بد من صحن الفول المدمس بالزيت لتكتمل المائدة.
و هناك المقبلات الشامية المشهورة من التبولة و الفتوش و اليلنجي (ورق العنب بالزيت) و المسبحة (الحمص) و بابا غنوج و المتبل و البرك المحشية بالجبنة.
و هذه بعض المقبلات من مائدتي و إعدادي
ثالثاً الشوربة:
تعتبر شوربة العدس من أهم مكونات الإفطار خصوصاً عندما تكون الكبة متربعة على عرش المائدة.
كما أن هناك أنواعاً أخرى من الشوربة مثل الشيشبرك و الكشكة.