قد يقول قائل: بل استوت على جبال "أراراط" عند تركيا!.
وقد يقول قائل: بل هي في مكان آخر لا يعلم!.
وقد يقول آخر: وما يعنينا, وماذا يفيدنا؟!.
فنقول للفريق الأول: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين, فإن كان من عند النبي محمد عليه الصلاة والسلام فنعما هو, وارتضينا وآمنا, وإن كان من عند غير النبي, فليس بشيء, خاصة وأنه نص "منحول" من التوراة, وفي هذا مخالفة لأمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام من حديثه الصحيح, بألا نأخذ من أهل الكتاب. وفي أمر النبي ما فيه من التعطيل الواضح لنصوص التوراة والانجيل, مما لم يصرح بصحته النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام, وفيه ما فيه من صرف الناس إلى "الكتاب والحديث" وما فيهما من العلم الخالص.
ونقول للفريق الثاني: فلنبحث, ما دامت آية من آيات الله, صنعت بعينه ووحيه, وتركها آية للمدّكرين. فالعبد المؤمن يعظم أفعال الله ولا يتهونها, عدا ما في الآيات من التلميح إلى حفظها والإشارة إلى رفعتها, {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية, لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}.
ونقول للفريق الأخير الذي يسأل ماذا تعنينا؟, فنقول: قد عنت الله من قبل, وحسب!.
وأما ماذا يفيدنا منها, فنقول: لم يفدنا الجهل بها, حتى يضرنا العلم بها!.
بل ولعل وراءها ما وراءها, ألم يجعلها الله آية للعالمين, فنحن من العالمين, أفلا نسأل عنها ولو قليلا؟!. {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}.
ومن كان يظن أن الله صنعها لينجي الخلائق فيها وحسب, فهو مخطئ, ألم ينجّ الله موسى ومن معه بغيرما فلك؟!. بل السفينة آية بذاتها باقية بعد النجاة, {ولقد تركناها آية فهل من مدّكر}؟.
ثم ألا نرى هذه الحملات المحمومة للبحث عنها, كأصل للبشرية الأولى, بل وللخلق كله؟. فلماذا نبقى نحن المسلمون المستأخرين دائما, حتى إذا وجدها غيرنا, قلنا وتطاولنا: إنها عندنا في القرآن, والقرآن سبق العلوم!, ولن نجد يومها من يصدقنا.
وما دمنا نقرأ لمن عاين الحدث يومها, بل لمن خلق الحدث كله, ومن كتابه المحفوظ, فلنبحث مؤمنين واثقين مستندين إلى ركن شديد, أن البلاغ حق وصدق محفوظ!.
قبل أن نبدأ البحث
قبل أن نتوجه في هذه الرحلة العظيمة, نلفت من سيمضي معنا أن ما عند الناس من العلوم عن السفينة جله خطأ مصنوع!.
فما "يشاع" من أنها سفينة من ألواح من خشب, فلا أصل له, فقد تكون من خشب وقد تكون من شيء آخر, ومن استدل على الخشب من آية سورة القمر {وحملناه على ذات ألواح ودسر}, فاستدلاله غير صحيح!.
فاللوح, أسم لهيئة منتظمة صنعت بعناية, {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}. أمن خشب لوح الله المحفوظ أم من حديد؟!.
وليس في الكلمة أدنى دلالة على مادة الهيئة والصنعة, فقد يكون لوحا من خشب, أو من حجر, أو من حديد, {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه}, فمن يقطع لنا أنها ألواح من خشب؟.
وما تتناقله التفاسير من أن الله أوحى إلى نوح أن اصنع الفلك, فقال نوح: وكيف أصنعها ولست بنجار؟, فأنبت الله له شجرة مائة عام, فنجرها نوح مائة عام أخرى!.
فنقول إن هذا ليس بشيء, ومثل هذه النصوص هي من مسئولية العلماء المحققين, إذ يتركوها بغير تصحيح أو توجيه. فأول ما يسأل السائل المحقق: من أين لكم بهذا النص, هل عندكم من الله سلطان به, من كتاب أو حديث, فإن لم يأتونا بسلطان, فإنما هذا من الكذب على الله وعلى نبيه نوح, والله لا يستحيي من الحق!.
فحال ما نسمع بسفينة نوح, يتبادر إلى أذهاننا سفينة خشبية من الطراز العتيق, بدائية كأشد الفلك بداءة, فلا ترقى بحال أن ترسو بمصاف المحدثات من المنشآت العصرية, من البوارج المتطورة, بصنعتها وقوتها وأدائها!. وهنا عجيب التناقض مما ألفينا عليه آباءانا.
لنتخيل معا
فلك يصنعه "نبي" بعين الله ووحيه, أي بأمره ورعايته, بتصميمه وأشرافه, وهو الله المبدع, فكيف يكون؟!.إنه بلا شك أعلى مستوى مما يُتصور من الفلك, وأحسنها صنعة, وأتمها أداء, بما يتصاغر معه كل صنعة للناس, إلى يوم القيامة!.
وليقرأ من شاء أن يقرأ {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون, وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}, فالآية صريحة, أن كل ما نركبه اليوم وحتى قيام الساعة, إنما هو "من مثل" الفلك الأول عند نوح, فهو أحسنها صنعة وأعلاها مثالا.
فمهما تتخيله وتخيّله نصوص التوراة والكتب العتيقة, ومن أخذ عنهم فهو باطل, لا يستقيم مع أبعاد وصف الله للفلك.
فلنبدأ بحثنا
كتاب الله المحفوظ يرسم لهذه الرحلة العظيمة علامتين, علامة البدء, وعلامة الاستواء والاستقرار. نجد هاتين العلامتين صراحة في سورة هود من الآية 40 إلى الآية 44 {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور, قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن, وما آمن معه إلا قليل}, إلى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي, وغيض والماء وقضي الأمر واستوت على الجودي}.
إذا هاتان هما العلامتان, تبدأ من فوران "التنور", وهذه علامة لمكان وتوقيت في آن واحد, حتى تنتهي بالاستواء على "الجودي".
فأي تنور هذا, وأين هذا "التنور"؟
وأي جودي هذا, وأين هذا "الجودي"؟
كتب التفسير لا تعطي جوابا شافيا على هذين السؤالين, بل تكتفي بـ"الظن", بين جودي غابر في بلاد الحجاز, هكذا بهذا التضبيب والتتويه, أو كما تقول بعض التفاسير الاخرى أنه "قد" يكون جبل "اراراط" بتركيا, وقلنا أن هذا النص مقتبس من الكتاب المنسوخ, التوراة, والتوراة ليست دليلا ولاحجة, بل هي مثلمة على من احتج بها!.
وليس عندنا نص صريح للنبي محمد عليه الصلاة و السلام, فوجب أن نعكف على القرآن للاسترشاد والاهتداء, ولا نقول أبدا: إن سلفنا لم يقولوا به, ولم يبحثوا عنه. فنحن لا نتعبد لله بجهد من سبقنا, ولا بفهم من سبقنا, إلا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, ومن وصى به من الخلفاء المهديين. ونحن نحيى بزماننا بكتاب الله وهدي نبيه, لا بزمان من سبقنا, ألا تروننا تركنا الخيل والبغال والحمير, واستوينا على الفارهات الجاريات, وتركنا الخيام وبيوت الطين, ونزلنا الشاهقات والقصور؟. ولم نتمسك إلا بالكتاب والحديث.
أين نحن الآن؟.
كما أشرنا من قبل, فإن سورة هود تذكر العلامتين صراحة, وتشاركها بواحدة منهما "صريحة", سورة المؤمنون, فنجد "التنور" فيها أيضا, كما وصف الحال في هود, بكثير من التشابه والتفصيل, فيما لا تجده في سورة غيرهما, كأنهما تعضدان وتصدقان بعضهما.
ولكن في سورة المؤمنون علامة فارقة عظيمة, وإشارة ظاهرة للباحثين "المدّكرين".تلك التي في الآية 29 {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين, وقل رب أنزلني مُنزلا مباركا وأنت خير المنزلين}.
أين هذا المنزل المبارك؟
وهي منزل, بفتح الميم أوبضمها, وكلاهما قراءتان متواترتان, فأين هو؟!.
قلنا من قبل إن اعتمادنا كله على هذا القرآن وحديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام, فهذا القرآن هو "دائرة معارف المسلمين وموسوعتهم الجامعة", فحيثما أشكل علينا شيء, أو خفي عنا شيء, فهو مرجعنا ومردنا, من عنده نبدأ, وإليه ننتهي, وما سوى ذلك فليس بحجة!.
فهذه "الموسوعة الكاملة" تحدد منزلين مباركين لا غير, {للذي ببكة مباركا} و{المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}, والبركة في القرآن ما اختُصت بأرض مثلما اختصت بأرض المسجد الأقصى, حتى أن الله لما ذكر المسجدين مجتمعين, بارك المسجد الأقصى خصوصا {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}.
إذا نحن بين "منزلين" مباركين لا ثالث لهما, والثاني منهما أظهر بركة وأكثر بيانا.
والأول منهما للأمن بواد غير ذي زرع, والثاني للبركة, فكثر ما يلتزم البيت الحرام في القرآن بالأمن, مثلما كثرت البركة للأخير.
وما زلنا نقرأ من سورة الأنبياء عن أبينا أبراهيم {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}. فها هي النجاة مرة أخرى إلى الأرض المباركة ظاهرة جلية لا تتلبس على أحد, مثلما نجى الله نوحا إلى المنزل المبارك, ومثلما ستنزل الخلافة في ختام الرسالة في الأرض المقدسة, فهو منزل النجاة المبارك.
فوجب أن نبدأ البحث منهما, لا أن نغض الطرف عنهما, فنبدأ البحث من سواهما, ففي هذا ما فيه من التيه والتضليل, ولا يفعله عاقل.
ومن يرى أن الله قصد منزلا مباركا آخرا, فليأتنا ببينة من الله!.
فباعتمادنا على تخصيص البركة بالمسجد الأقصى, نتجه إليه ونبدأ من عنده. والقصة القرآنية لا تترك الوصف معمما دون تحديد, بل هي تحدد "الجودي" من الأرض المباركة.
فأين "الجودي" في الأرض المباركة؟.
"الجودي" بأل التعريف عند علماء اللغة للعهد, أي للقصد بالعين, فهي تعني جوديا معينا, لا أي جودى بالإطلاق. ولعلنا نصل إلى المكان المنشود من دلالة اللفظ والمعنى, فما معنى "الجودي"؟.
هي في جذرها من "الجود", وهي بذاتها من الكرم والعطاء والبركة, فلنعد مرة أخرى إلى "موسوعتنا" المباركة -القرأن- ولنبحث عن بقعة "جواد" معطاء, أين نجدها؟!.
{والتين, والزيتون, وطور سينين, وهذا البلد الأمين}. إن أحب القارئ أن يعرف رأي التفاسير في "الطور", فنقول له: إنها على اختلاف, فلم يقطع أحد بقوله, فمنهم من قال: الذي في سيناء مصر, ومنهم من قال الذي في بلاد الشام "الأرض المباركة", والقول الأول من أنه في سيناء مصر, قول مرجوح لا أصل له, وإنما تلبس الفهم فيه من كلمة "سيناء", فمن يقطع أن الله أراد بها "سيناء" مصر, ولو كان كذلك لما قال الله هنا "سينين" إن كانت هي "سيناء"!.
وذكر الرازي في تفسيره أدلة كثيرة تقوي مذهب من قال بأن المراد بطور سينين وطور سيناء إنما هو طور بيت المقدس, ومنها ما ذكر عن المفسرين "قتادة" و"الكلبي" من أن " طور سيناء" تعني الجبل المشجر المثمر, فهل هذا في صحراء سيناء؟, ولو كانت سيناء مصر بالقطع, لما اختلف فيها أحد.
ثم إن سورة التين نفسها تشي بهذا, فالآية دون تكلف, تذكر بقعتين يقسم الله بهما, الطور, والبلد الأمين, فأما البلد الأمين فعرفناه, وأما الطور, فالذي ببيت المقدس, وهاكم دليلنا!.
هذا دليلنا
الآية 20 من سورة المؤمنون {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فالآية تعقد وتجمع بقوة بين "طور سيناء" وبين النتاج والنبات بالدهن
-الزيت- للآكلين. وكل من يعرف العربية, يعرف أن "تخرج" و"تنبت" و"الآكلين", كلها صيغ مضارعة مستمرة حاضرة معنا الأن, فلنذهب جميعا إلى "صحراء سيناء" ولتخرجوا لنا شجرة "تخرج" فيها "تنبت" بالدهن وصبغ للآكلين الحاضرين الآن!.
أما {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فهي بلا تكلف كلها صفات "للجود" والعطاء الحاضر المستمر. فلنذهب جميعا إلى طور الأرض المباركة فلنر كم عليه من شجر الزيتون المنتج المعطاء على مدار السنين, حتى إن أهل بيت المقدس ليسمونه "جبل الزيتون"!.
والله نادى موسى عند "البقعة المباركة" من جانب الطور {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة}, فها هو الطور وها هي البقعة المباركة وها هي الشجرة مرة أخرى, فمن يقول أن في سيناء مصر من هذا من شيء, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله بارك سيناء مصر, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله قدس سيناء مصر, ألم يقرأ الناس {إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى}؟. وإنما القداسة والطهارة لواديين وحسب, وادي مكة, ووادي بيت المقدس.
أما نحن فعندنا من الله علم أن الله بارك حول المسجد الأقصى –والطور حول المسجد الأقصى-, وأن الله قدس الأرض المباركة, {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}. فهي بيت المقدس والقداسة, فلمَ نعدل عنها لغيرها بغير برهان ولا بينة؟!.
ثم لو وجد اليهود في سيناء مصر ما يشير ولو بقليل من بعيد أنهم كانوا هنا يوما ما, لما تركوها!.
وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما حدث به عن فتنة الدجال وعيسى ابن مريم, أن الله يوحي لعيسى بن مريم بعدما يقتل الدجال بباب لد ببيت المقدس, أن حرّز بعبادي إلى "الطور", فلمَ نرى العلماء يقولون ها هنا: إنه طور بيت المقدس لا طور سيناء مصر, فكيف صار الطور طورين؟!.
ثم ليقرأ من شاء تفسير المفسرين لسورة الطور, ليرى أنهم لا يجمعون أبدا على طور سيناء, ومنهم من لا يكلف نفسه عناء الاختلاف, فيقطع من أولها أنه طور بيت المقدس.
إنه هو, طور بيت المقدس, المحاذي للمسجد الأقصى
حيث نادى الله موسى, وحرّز بعيسى!.
وهو هو, "الجودي" بالدهن والصبغ للآكلين
فالجودي الطور, والطور الجودي!.
لنرجع الأن إلى سورة المؤمنون {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين, وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها, ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون, وعليها وعلى الفلك تحملون, ولقد أرسلنا نوحا}!.
فما هذه العلاقة بين الطور وبين الفلك وبين نوح؟!.
قلنا من قبل إن "التنور" ذكر في السورتين, المؤمنون وهود, ولكن "الجودي" لم يذكر إلا في هود, فأين هو في سورة المؤمنون؟.
فإذا قابلنا السورتين معا, وجدنا "التنور" هنا ووجدناه هناك,
وإذا قابلنا السورتين معا, وجدنا "الجودي" في هود ولم نجده في المؤمنون!.
ولكننا نجد في المؤمنون جبلا معطاء جوادا, تماما قبل الشروع في قصة نوح حيث لا يذكر في السورة جبل غيره, فتأتي قصة نوح في سورة هود بين "التنور" و"الجودي", وتأتي القصة نفسها في المؤمنون بين "الطور" و"التنور"!.
وكأن القرآن ذكر القصة في هود مبتدأ من أولها إلى مستقرها, وذكرها في المؤمنون مبتدأ من مستقرها ثم عاد على أولها!.
سورة الإسراء والإشارة الخفية
كنا إذا قرأنا سورة الإسراء, فوصلنا إلى الآية الثالثة منها:
{سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}..
{وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل}..
{ذرية من حملنا مع نوح}.
نتساءل عن العلاقة الظاهرة المباشرة هنا, بين بني إسرائيل ونوح, فنحير جوابا ونقف.
أما الآن, وعلى ما قدمنا, فنحن أمام الفلك الذي استوى على الطور ببيت المقدس, ومن هناك بدأت ذرية الخلق الثانية, ومنهم بنو إسرائيل المتعلقين بالمسرى ببيت المقدس, مبدأهم ومعادهم إلى حشرهم الأخير.
فالآية توحي بجرس خفي, أن نوحا حُمل إلى"المنزل المبارك" حول المسجد الأقصى, كما أسري بالنبي الخاتم إلى المسجد الأقصى مرة أخرى!.
{من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}
ما علاقة نوح بها؟.
محمد عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين, ونوح أول الرسل, فهل يختم محمد عليه الصلاة والسلام بإسرائه هذا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, دورة الرسل والنبيين كلهم, بدليل اجتماعهم له في المسجد الأقصى جما غفيرا, وهل كانت هذه الرحلة سنة الله في الرسل أولي العزم من نوح إلى محمد؟, لنر!.
حينما بدأنا رحلة بحثنا في هذا الكتاب المجيد, بدأنا من عند "التنور", ووقفنا لحظة نسأل ما "التنور", وأين هو؟.
كتب التفسير, تجمع على أن "التنور" هو الفرن, ففار فرن بيت نوح, أو فار فرن غيره ببيت ما, لا تذكر الكتب!.
ولكن هل هذا هو الصواب, وإليه المنتهى؟.
أولا: لم يجمع أهل العربية أن "التنور" هو الفرن وحسب, فلا تقال لغيره ولا تطلق إلا عليه, بل هي عندهم –كما في لسان العرب- لأكثر من وجه ومعنى, فالفجر التنور, ووجه الأرض تنور, وكل مفجر ماء تنور!.
لنعتمد إذا على عربية القرآن ما لم نجد نصا للنبي يقطع بعلم أو معنى, وما لم نجد أثارة من علم يسند لله أو النبي.
فعجيب هذا "الفرن" الذي يفور, ومتى كان الفرن يفور؟.
أما إذا أخذنا المعنى الأخير في لسان العرب - وكل مفجر ماء تنور- استوى المعنى واللفظ. فأن يفور "مفجر الماء" فهذا معهود معقول, أكثر من فوران الفرن الذي لم يثبت أصلا, أن الذي فار فرن وحسب.
نحن من قبل قلنا بالاعتماد على ظاهر آية الإسراء {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وارتباطها بذكر نوح, ملنا أن الرحلة كانت من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, حيث نزلت على البقعة العلم المعلمة, رجعنا نبحث عن علامة بجنب المسجد الحرام, من المعقول أن تفور, وما زلنا نعتمد على "موسوعتنا العلمية" المجيدة عن البقاع والمواقع والمنازل, فلعل هذا البيت الحرام من أول يوم بني فيه, جعل بجانبه الماء, فهذا البئر الملازم أصل الحياة للبيت.
وأيسر لنا وأقوم أن نبدأ بالمعرفات عندنا للبحث والتكوين, فهذه الأرض المباركة تعرف بطورها, ولا يذكر البيت الحرام, إلا ويذكر "زمزم" معه!.
فيظهر لنا الأن أن "الجودي" كانت إشارة "للطور", وأن "التنور" كانت إشارة "لزمزم", ففار مفجر الماء "زمزم" وبدأ الطوفان وبدأ الأمر العظيم.
وأن تكون السكنى بالواد بين جبال مكة, أدعى إلى اجتماع الماء السريع, فتصبح مكة كالجوبة والحوض الكبير, سرعان ما يمتلئ بالماء, ولعل هذا ما يفيد باعتصام ابن نوح بالجبل, فيظهر أن الجبل كان قريبا, وأنها كانت جبالا حولهم, مما يوحي به نص القرآن على لسان ابنه {سآوي إلى جبل}, فهي جبال قريبة, وهو يختار منها أقربها وآمنها, إذ لو كان النص "سآوي إلى الجبل" بالتعريف لتغير المعنى.
ولعله من أجل ذلك أيضا جاء الجرس السريع في سورة المؤمنون {فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين, وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم, ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون}.
ثم ألم نسأل أنفسنا ماذا جرى, حتى يردم البيت العتيق بعد آدم, ثم يُبوّء مكانه لإبراهيم, ويرفع قواعده مرة أخرى؟, فما الذي جرى, وأين ذهب أهل البيت؟!.
ومن يقرأ التفاسير عن أصنام قوم نوح, يجدها قريبة من مكة وما حولها, فبماذا يوحي هذا, وبماذا توحي آية الأعراف على لسان هود إذ يقول لقومه {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح}, وكلنا يعلم -من حديث النبي- أن عادا كانوا في جزيرة العرب, فكيف يخلفون قوما من خارج أرضهم؟. فالأقرب أن يكونوا بالتتابع, قوما بعد قوم, ويكثر ما يجمع القرآن الأقوام الثلاثة متتابعين {وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود}.
إشارة من سورة القمر
{وحملناه على ذات ألواح ودُسُر, تجري بأعيننا}, فماذا تقول التفاسير عن الألواح والدسر؟.
أما الألواح فمرت معنا, وقلنا ما عندنا فيها. وأما "الدسر" فالتفاسير على أنها "المسامير", كما تقول العرب.
وعندنا ما نضيفه, فـ"الدّسر" في لسان العرب, هو الدفع بقوة وشدة وقهر. وهذا أولى من الفهم الأول, إذ لا يكون فلكا كاملا, إلا باثنتين, الجسم والمحرك الدافع, ومن دون أحدهما لا يكون فلكا. فالأولى فهم النص على هذين المكونين, الألواح, وهي مكون الجسم أو الهيكل, والدسر, وهي مكون المحرك والدوافع {تجري بأعيننا}.
الآن..
ماذا ينفع المسلمين لو انشق الطور عن السفينة؟!.
أشرنا في أول بحثنا أن السفينة كانت بذاتها آية, {وجعلناها آية للعالمين}, فماذا في هذه الآية, وكيف نزهد بآيات الله ونتغافل عنها؟!.
فيظهر لنا أن في هذه السفينة أول ما فيها مصداق وصف الله للحدث في القرآن, على خلاف الكتب والأساطير كلها, حتى إذا ظهرت, ظهر معها مصداق قول الله.
ثم لا نستطيع أن نعرف كيف تكون هذه الآية آية للعالمين حتى نراها, فتكون لنا وللعالمين آية, ولعل فيها كل أصل الخلائق وكَرّة التكوين الثانية.
إنها على ما يوحي به القرأن, بيضة الخلق التي حوت العالمين, فتنحى بها "نوح" لأمر قضاه أحكم الحاكمين, ولعجب المؤمنين, فلم يرد هذا الوصف لله –أحكم الحاكمين- إلا في سورتي هود والتين, مرة بعد ذكر الجودي مباشرة, ومرة بعد ذكر الطور مباشرة!.
و"نوح" بهذا الفهم, هو من انتدب "ليتنحى" بالقلة المؤمنة الطاهرة ليكونوا هم الباقين {وجعلنا ذريته هم الباقين}, {وتركنا عليه في الآخِرين}. بكسر الخاء
فمن يقول لنا الأن كيف يترك على نوح في الآخِرين؟!.
{لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون}.
قبل أن نختم!.
قد يسأل سائل: إن كانت على "الطور" بجانب المسجد الأقصى, فكيف لا نراها؟.
فنقول: لا يعني كونها استقرت على الطور, أن تكون الآن فوقه, نرى أنها استقرت يومها على الطور, وقد تكون "غُمرت" بجوف الطور!.
وقلت غمرت, لأن هذه الكلمة وردت في القرآن أربع مرات فقط, مرتان منها في سورة "المؤمنون", حيث الطور والتنور, فلعلها إشارة ولعلها مغمورة هناك.
وأرى –والله أعلم- أن تكون قصة نوح وآية الادّكار {ولقد تركناها آية فهل من مدّكر}, مذكروة في سورة القمر, أرى أن هناك ما يفيد النظر!, إذ السورة تبدأ هكذا {اقتربت الساعة وانشق القمر}, فماذا وراء الانشقاق, خاصة إذا علمنا إن معنى "السفينة" مرهون بالشق, فالسفْن هو الشق, فهل ينشق الطور وتظهر الآية للعالمين؟.
هذا ولا ننسى أن الطور قد انخلع من قبل ورفع فوق بني اسرائيل {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة}.
مختصر أخير
كانت الرحلة من "التنور" إلى "الجودي", وهما إسمان علمان, عرفّهما الله, وعقد حكمته على اختيارهما, ولكن الناس نكّروهما.
وإنما كانت نجاة نوح إلى المنزل المبارك عند المسجد الأقصى, وكان "الجودي" هو الطور الذي بشرقي المسجد الأقصى مباشرة, وكانت النجاة من مكة, وكان "التنور" الذي فار هو "بئر زمزم". والله أعلم وأحكم.
ولنا أن نعجب بعد هذا, ممن يترك بحث القرآن ويستقر على "اراراط"!.
ممن يترك القرآن, ويؤمن بالتوراة؟.
اللهم هذا مبلغنا من العلم, فاغفر لنا خطأنا وزلتنا.
غدر الزمان @ghdr_alzman
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
فنانة طبخ
•
جزاك الله خير الجزاء
الأخت الغالية غدر الزمان .. جزاك الله خير الجزاء على هذه المعلومات المهمة جدا جدا جدا .. و الخير لمن يعلم الناس ما لا يعلمونه ..
أحمد الله الذي شاء بموضوعك هذا أن يثبت وجهة نظري لأناس خالفوني كثيرا .. فأنا مؤمنة بأن من قام بتفسير القرآن هم مسلمون مجتهدون .. اجتهدوا ليفسروا القرآن الكريم بشكل صحيح بقدر استطاعتهم بعون من الله .. و لكن ذلك لا يعني بأنهم معصومون من الخطأ .. فمن اجتهد و أصاب فله أجران .. و من اجتهد و أخطأ فله أجر الاجتهاد .. و ذلك يعني بأن التفاسير ليست كتب مقدسة لا يلبسها الخطأ كما يعتقد البعض هداهم الله .. بل على المسلمين جميعا .. و منهم نحن ..أن نجتهد في تفسير آيات الله .. بالقراءة والاطلاع والتركيز والتدبر في قراءة القرآن الكريم و نستعين بما ورد إلينا من السنة النبوية الشريفة ..
فلماذا يكون الاجتهاد لمن سبقونا فقط؟؟ و إذا اجتهد أحد من المسلمين المعاصرين قالوا بدعة؟؟
فلا نريد أن نكون كالقوم الذين قال الله عنهم في محكم آياته : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }البقرة78
تفسير الآية : (ومنهم) أي اليهود (أميون) عوام (لا يعلمون الكتاب) التوراة (إلا) لكن (أمانيَّ) أكاذيبَ تَلَقَّوها من رؤسائهم فاعتمدوها (وإن) ما (هم) في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه (إلا يظنون) ظنا ولا علم لهم
فلا نريد أن نكون أميون مثلهم لا نعلم شيئا من كتابنا الكريم إلا ما نتلقاه ممن سبقونا .. بل نريد أن نكون نحن أيضا مثلهم .. و نتقرب إلى الله عز وجل بما يحب وهو كلام الله المقدس ..
وأود أن أضيف بأن كل كلمة وردت في القرآن الكريم هناك حكمة من وجودها .. و ليس مجرد سد فراغ ككلام البشر .. فعلى المسلمين عند التفسير أن يأخذوا كل كلمة بعين الاعتبار .. لأن كل كلمة لها سبب قوي جدا لوجودها في ذلك الموضع ..وحتى طريقة ذكرها -أي تعريفها وتنكيرها و اعرابها- .. لذا لا بد أن يكون المفسر على المام كامل باللغة العربية وقواعد النحو والبلاغة .. حتى لا تفوته مثل هذه الأمور البسيطة في نظرنا و التي من الممكن أن تقلب تفسير الآية 180 درجة ..
حفظك الله أختي الغالية .. و سدد خطاك .. و ننتظر المزيد بإذن الله ..
أحمد الله الذي شاء بموضوعك هذا أن يثبت وجهة نظري لأناس خالفوني كثيرا .. فأنا مؤمنة بأن من قام بتفسير القرآن هم مسلمون مجتهدون .. اجتهدوا ليفسروا القرآن الكريم بشكل صحيح بقدر استطاعتهم بعون من الله .. و لكن ذلك لا يعني بأنهم معصومون من الخطأ .. فمن اجتهد و أصاب فله أجران .. و من اجتهد و أخطأ فله أجر الاجتهاد .. و ذلك يعني بأن التفاسير ليست كتب مقدسة لا يلبسها الخطأ كما يعتقد البعض هداهم الله .. بل على المسلمين جميعا .. و منهم نحن ..أن نجتهد في تفسير آيات الله .. بالقراءة والاطلاع والتركيز والتدبر في قراءة القرآن الكريم و نستعين بما ورد إلينا من السنة النبوية الشريفة ..
فلماذا يكون الاجتهاد لمن سبقونا فقط؟؟ و إذا اجتهد أحد من المسلمين المعاصرين قالوا بدعة؟؟
فلا نريد أن نكون كالقوم الذين قال الله عنهم في محكم آياته : {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }البقرة78
تفسير الآية : (ومنهم) أي اليهود (أميون) عوام (لا يعلمون الكتاب) التوراة (إلا) لكن (أمانيَّ) أكاذيبَ تَلَقَّوها من رؤسائهم فاعتمدوها (وإن) ما (هم) في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه (إلا يظنون) ظنا ولا علم لهم
فلا نريد أن نكون أميون مثلهم لا نعلم شيئا من كتابنا الكريم إلا ما نتلقاه ممن سبقونا .. بل نريد أن نكون نحن أيضا مثلهم .. و نتقرب إلى الله عز وجل بما يحب وهو كلام الله المقدس ..
وأود أن أضيف بأن كل كلمة وردت في القرآن الكريم هناك حكمة من وجودها .. و ليس مجرد سد فراغ ككلام البشر .. فعلى المسلمين عند التفسير أن يأخذوا كل كلمة بعين الاعتبار .. لأن كل كلمة لها سبب قوي جدا لوجودها في ذلك الموضع ..وحتى طريقة ذكرها -أي تعريفها وتنكيرها و اعرابها- .. لذا لا بد أن يكون المفسر على المام كامل باللغة العربية وقواعد النحو والبلاغة .. حتى لا تفوته مثل هذه الأمور البسيطة في نظرنا و التي من الممكن أن تقلب تفسير الآية 180 درجة ..
حفظك الله أختي الغالية .. و سدد خطاك .. و ننتظر المزيد بإذن الله ..
الصفحة الأخيرة