__سليمان عليه السلام.. هل ملك الطاقة النووية..__

ملتقى الإيمان

سليمان عليه السلام..

هل ملك الطاقة النووية..

وهل سبقنا وبث الصوت والصورة,

ونقل "المادة" والأجسام بسرعة الضوء؟!.










يبدأ البحث من عند السؤال المفروض, عن نبي يؤتيه الله من كل شيء, ويهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده, ويسخّر له الريح, ويسخر له الجن والعفاريت, ويعلمه منطق الطير, وما علمنا وما لم نعلم, فيتوقع السامع بعدها من هذا النبي بهذه الممكنات والمؤهلات والمعطيات, أن يفعل ما لم ولن يفعله أحد, ويقدّم للبشرية ما لم نره ولم نسمع به!, حتى في زماننا هذا, ولا الذي يليه, فذلك بعدل مصداق أن يكون له ملك لا ينبغي لأحد من بعده!.


ثم نحن الآن -وفي أعلى مستوياتنا التقنية والإنتاجية, وما يملكه الغرب كله- لم نبلغ أن نؤتى من كل شيء, فنكون بمستوى هذا النبي العظيم.

فكيف يستوي إذا أن يكون من أوتي من كل شيء, وله ملك لا ينبغي لأحد من بعده, كيف يعقل أن يكون مسبوقا متأخرا عن من لم يؤت مثله ولا حتى معشاره؟.




والقرآن هو هو, لمن قرأه قبل ألف عام, ومن يقرأه اليوم, يوجب لنفسه أن يكون سليمان فائقا سابقا لكل ملك, حتى قياسا على من يقرأونه اليوم, فلا ولم يؤت أحد مثله, لا أعلى الدول قدرة وملكا, ولا أدناها!.

ومع هذا كله, فما زال تصورنا الحالي يضع سليمان النبي بكل ما أوتي, يضعه وراء مستوانا الذي نظنه المستوى الأعلى منذ خلق الناس, فلا يتخيل أحد أبدا, أن سليمان "قد" يداني أو يصل ولو من قريب, ما بلغته الحضارة العصرية من التقنية والتقدم!. –هذا طبعا بفهمنا الخطأ عن سليمان_.

فهو على ما وصفه القرآن به من النفوذ والسلطان, ولكن بما يناسب عهده "البدائي القديم"!. تلك هي صورته عند البعض, إن لم تكن عند الجميع.




ولا تتجاوز التفاسير لآيات سورة "سبأ" ذلك المستوى السطحي الباهت, ولا تتفق ولا تنسجم أبدا مع المعطيات التي قدمنا لها, ووقفنا عليها..

فإذافلا تشفع كل المعطيات التي وقفنا عندها لهذا النبي الملك العظيم, إذا وصلنا إلى آية سورة سبأ {يعملون له ما يشاء, من "محاريب" و"تماثيل" و"جفان كالجواب"و "قدور راسيات"...} فلا يشفع هذا كله, عند التفاسير لتذهب أبعد مما فرضته من المعنى السطحي الظاهر, من محاريب الصلاة, وتماثيل لا يُعرف مأرب "نبي صالح" فيها, ولا حاجته لبنائها, وجفان كالجواب, أي صحون كبيرة للأكل, وقدور ضخمة للطبخ والنفخ!. كان الذي قدمناه من ملك النبي العظيم, وممكناته التي لم ير, ولن ير مثلها, ولن يجاريه فيها أحد, لا في زماننا ولا في الذي يليه, {وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي}, أفيكون هذا هو جل ما يحسنه النبي الملك العظيم؟, أفلا يستطيع واحد منا أن يفعل هذا كله, دون تسخير لرياح, ولا تشغيل لعفاريت, ولا نبوة ولا وحي, أن يفعل مثل هذا أو يزيد؟؟.إذا فلننصف الرجل النبي, ولننصف القرآن, ولنتدبره حق تدبره!.




فما زال الله يحضنا على النظر والتدبر والتفكر, في خلقه وكلامه.


أفليس لكل عبد حقه الكامل في الاستدلال والبحث والتحقيق ليعلم ألا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, غير معتمد على استدلال غيره, سواء آمن الذين من قبله أو كفروا؟, أوليس الله سائلا كل عبد عن ربه وعن رسوله, ماذا يقول هذا العبد بنفسه, عن أعظم الدين, عن الله وعن محمد عليه الصلاة والسلام؟. والويل لمن يقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله, {وكنا نخوض مع الخائضين}.. فأي الأمرين أثقل قولا, الله ورسوله, أم المحاريب والتماثيل, والجفان والقدور؟, أيحل الله لنا البحث والسؤال في الأولى, ويحرّمه الناس علينا في الثانية؟.




ثم إننا نقرأ لعلمائنا ونسمع منهم, فمن أتانا بالبينة التي تطمئن بها قلوبنا عن ربنا, فبها ونعمت, ومن لم يأتنا ببينة, بحثنا نحن عنها, واجتهدنا فيها, حتى يفتح الله لنا, أو يمنعنا,{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.






الآن نبدأ..

تبدأ سورة "سبأ" بإثبات الملك كله بسمواته وأرضه لله, وبرد العلم والإحاطة كلها لله {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير, يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها, وما ينزل من السماء وما يعرج فيها, وهو الرحيم الغفور, وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة, قل بلى وربي لتأتينكم, عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض, ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}.

ثم تُعرّض الآيات بالكافرين, ثم تهددهم وتخوفهم, لما لله من السلطان والملك والإحاطة {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض, إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء}..

ثم تدخل الآيات في ذكر ملِكين ملّكهما الله بقوة, واستخلفهما في الأرض بسلطان, ليقيموا لله ملكه وسلطانه على الناس والأرض, فأعطاهما وأهّلهما وشد ملكهما.

فتسترسل الآيات بذكر هذا المُلك الشديد, والعطاء الحصري الفريد, بما يتناسب مع ما فتحت عليه السورة. {ولقد آتينا داود منا فضلا, يا جبال أوّبي معه والطير وألنا له الحديد, أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا, إني بما تعملون بصير}.


فهذا هو الملك الأب, وهذا مُلكه الصُلب, من الحديد والشدة, ومن السابغات المقدّر سردها –وسأكتفي بما عليه التفاسير فيها- من دروع الحرب والتحصين {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم}. وسنكتفي أيضا بما عليه التفاسير بخصوص الجبال المسخرة والطير, حتى لا نشتت ذهن القارئ واستطراده, وسنفرد لها بحثا خاصا, عن دلالات تسخير الجبال والطير, لنثبت أنها للحرب والقوة, لا للترنيم ولا للترديد!.



الآن ندخل على ملك النبي العظيم..

{ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر, ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير, يعملون له ما يشاء من محاريب, وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات, إعملوا آل داود شكرا, وقليل من عبادي الشكور}!.
إنه "داود" ذو الأيد, أي الشديد المكين, وابنه "سليمان" الكامل الذي أوتي من كل شيء, كما سبق وبينا في شرح "ذي القرنين".


فلنحتفظ بهذه الصورة الشديدة لآل داود, إلى جانب الفواتح من آيات سورة سبأ وما فيها من الملك الكامل الشديد المنيع, وما فيها من استعدادات الحرب والردع, من الخسف والكسف. فهذا التوافق والانسجام هو استدلالنا الأول وركننا الشديد إلى ما سنقول.



فبعد الحديد والسابغات, وهي الدروع -كما تقول التفاسير- ولنا فيها فهم آخر, تسخّر الريح لسليمان, وفيها ما فيها من القوة والتدمير {ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها}.

ثم عين القطر, -ولنا فيها مقال في محله- ثم العمّال الأشداء من الجن والعفاريت, كالذي عرض الإتيان بالعرش بهنيهة, وكلهم مسخرين بأمر المالك الأعلى للخليفة الملك.




فماذا كانوا يعملون له؟!.

"محاريب", "تماثيل", "جفان كالجواب", "قدور راسيات"....لنسترجع الآن الصورة التي احتفظنا بها من قبل عن المُلك الشديد, والمهام العليا, لهذا الملك, ولنقربها مما تقوله التفاسير عن هذه "الأربع", ولنر كم تتفقان وكم تختلفان؟.




ماذا تقول التفاسير؟.

"المحاريب": محاريب الصلاة والمساجد, أو الأماكن المشرفة!.

"التماثيل": تماثيل ونقوش للطير والسباع, أو "للملائكة" والأنبياء والصالحين!.

"جفان كالجواب": قصاع عظيمة للأكل, أي صحون كالأحواض الكبيرة!.

"قدور راسيات": قدور ضخمة للطبخ كان يصعد إليها بالسلالم!.


هذا ما تقوله التفاسير, فهل تنسجم هذه الأربع مع ما سبق وقدمنا؟!.


أيتدخل الله, فيسخّر ويقوي ويوحي ويشد, فينتهي الخليفة الذي مكنه الله بعد هذا كله إلى هذا المستوى وهذا العطاء البسيط المتواضع؟.

ويشتغل "الكافرون" اليوم فيسبقون ويرتقون إلى مستوى فائق, لا يليق معه حتى المقارنة مع ما "تصورناه" نحن عن المُلك "المتواضع" البسيط, لرجل كان من المفترض أن الله من صنعه وأمده؟!.

فترى صاحب هذا الفهم يستحيي أن يرفع سليمان إلى "مستوى حضارتنا المتقدم", وما فيها من الرفاهية و"التكنولوجيا", لما يختزنه عن بعث سليمان في زمن "بدائي قديم"!.




وما زالت صورة المُلك الشديد, والحرب واستعداداتها التي بدأت السورة بها وتركزت عليها, ما زالت معروضة واضحة, فما بال قصاع الطعام الواسعة, وقدور الطبخ الشاهقة, ما لها وللحرب؟, أبهذا يعرف الملك, ألهذا يخضع الناس؟.

قد يقول قائل: إنها لإطعام الجيش, فنقول: إذا خرج الجيش وجهز قصاعه الضخمة وقدوره الشاهقة, فهل كسب الحرب بهذا واستوفى شروطها؟.


ثم إننا لم نسمع أبدا –على ضرورة المسألة- عن تسابق الدول والجيوش بتجهيز الصحون والقدور, فهي مما يأتي تباعا ولا تقدح الأذهان فيه.

ولم نسمع أبدا عن دولة ما, مهما بلغت قدراتها ودعت حاجاتها, تصنع مثل هذا, فكم من ثري سخي مطعام, ولم يفعل مثل هذا!. وعندنا بلاد الحج أكبر شاهد لنا, فمع حاجتها لإطعام الحجيج, وسعتها وغناها, لم تبن من هذا شيئا. فإن كان هذا هدي نبي صالح, فلم لم يتواص به العلماء ولم يشيروا به على الملوك؟.


إن كان سليمان سبقنا إلى الخير والصواب فلم لا نقلده, ونهتدي بهديه؟, وإن كنا نرى أنها لا تصلح ولا تنفع, فلم نتباهى بأن سليمان كان يفعلها؟!.

وإبراهيم عليه السلام أكرم من أطعم, وهو صاحب البيت والحج, فلم لم يبن ولم يوص بمثلها؟!.







قبل أن ندلي بفهمنا..




نذكّر القارئين بما بدأنا به, من أن سليمان عليه السلام هو صاحب الملك الكامل المتفرد بعطاء الله, وأنه سبقنا ولم نسبقه, وأننا –بأفضل أحوالنا- نقارب ما كان فيه.

فمن عاصر سليمان يومها كملكة سبأ التي وصفها جندي سليمان بأنها أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم, لم ترجع هذه الملكة الممكّنة إلى أهلها حتى خضعت لسليمان العظيم, بين ساعة وآخرها, فماذا رأت عند سليمان, ولم أسلمت لرب سليمان, لولا أنها رأت من قدرة الله عند سليمان ما يتصاغر ملكها العظيم أمامه؟!. {قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}.

ولا يعني أننا نطير بهياكل من المعدن, أننا نحن السابقون الفائقون, فلعل سليمان عليه السلام إذا رآنا بها استخفنا!, ألم يأت سليمان بالعرش –وهو ما نسميه اليوم البلاط أو الديوان- بلمح البصر, فكم يلزمنا نحن اليوم من الجهد والوقت لنأتي بمثله؟,وأليس هذا ما يحلم به العلماء اليوم من بث المادة واستحضارها بسرعة الضوء, بعدما بثوا الصوت والصورة, فلا يكادون يفلحون؟, فأيّنا أمثل طريقة وأسبق وأسرع أمرا؟.



وللمحققين من العلماء أدلة قوية في إثبات أن الذي أتى بالعرش هو سليمان نفسه, وهو ما نتبناه, فليرجع إليها القارئ في التفسير الكبير للرازي.




ولنرجع إلى صورة الملِكين الممكنين الشديدين, داود وسليمان, وما سخر الله لهما من مؤهلات التمكين والسيطرة واستعدادات الحرب {إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون}.فكل ما ورثه سليمان عن أبيه داود {وورث سليمان داود} من الملك الشديد والحديد, والجبال والطير المستعدة المحشورة, ثم الريح وعين القطر والجن ومنطق الطير, {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون}, {لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}, فهل كان هذا الحشر للجيش, وهذا الاستعداد كله من أجل صحون الطعام, وقدور الطبخ والنفخ؟!. اللهم إن هذا لا يتسق ولا يتفق!.




فماذا يا نبي المُلك والجنود؟.

إذا فالاستعداد كان للملك, والناتج كان للسلطان على الأرض, ألا ترون غيرته أن سمع بأرض لا يعبد الله فيها ولا تدين له؟.

فلنبدأ من الجفان التي كالجواب, فالجفن في لسان العرب, هي العظيمة من القصاع, أي الصحون الواسعة جدا.




فما الجوابي؟.

الجوابي, جمع جابية, وهي الحوض الواسع الذي يجمع الماء, وفي صحيح البخاري من حديث أنس: "حتى صارت المدينة كالجوبة", أي كحوض الماء من كثرة ما هطل من المطر.


ولكن لماذا هذا التشبيه بالذات, الِسّعة وحسب, أم لشي آخر غيره؟.


فالتشبيه في اللغة, فيه المشبه, والمشبه به, ووجه الشبه. فما وجه الشبه هنا؟.


فإذا قلنا: فلان كالأسد, فهل نقصد شعره أم قوته وسطوته؟. وإذا قلنا فلان كالزرافة, فهل نريد جلدها أم طولها؟, وإذا قلنا: جفان كالجوابي, فماذا نريد؟.

المتبادر للذهن أن وجه الشبه هو السعة فقط, وليس هذا بكاف, فالجابية عند العرب ليست مضرب المثل للسعة والكبر, بدليل استعمال أنس رضي الله عنه لها لغير السعة, بل استعملها ليمثل لمجمع الماء, وإنما الجابية للجباية والجمع, فهذا وجه التشبيه الأظهر والأولى من ظاهر لفظها ومعناها!.



فهي واسعة كبيرة, ولكنها مما تجبي وتجمع, فما هي؟.


قبل أن نجيب, نقول: لِمَ يوظف لها الجن والشياطين, إلا تستطيعها الناس, وهل البشر الذين بنوا الأبنية الضخمة والأسوار العظيمة عاجزون عن بناء صحن واسعة كبيرة؟, فلم الجن لها؟.

والجفان التي كالجوابي: هي القصاع الكبيرة كالحوض التي تجمع الماء وتلمه.

أي صحون واسعة كالحوض التي تجمع وتلم وتلتقط ما حولها.



فإذا قرأنا القرآن اليوم, بعين زماننا وعقولنا نحن, كما نتعلم أن القرآن لكل زمان ومكان, فدعونا نقرأه كما لو أنه أنزل فينا!.

دعونا نقرأ ما فيه عن سليمان عليه السلام, بما نعلمه ونعيشه ونراه حولنا, أفلسنا مخاطبين به, كما خوطب به الأولون؟.


دعونا نقرأ عن نبي عظيم محيط مسيطر, متفوق علينا بالأشياء والممتلكات, و يوظف الجن والشياطين ليبنوا له..

"صحونا واسعة لتلم وتلتقط"!.

فإلى أين ستتجه مداركنا وحساباتنا؟, هل بيننا من سيتجه إلى صحون الطعام؟. أما أنا فلا!.

فهي عندي بهذه المعطيات كلها, تلك "الصحون اللاقطة" التي نعرفها اليوم, ولكن بجوهرها وأدائها الكامل المتقن, فما كان عند سليمان, كان بالوحي والنبوة, وما عندنا, فهو بالتجربة والاكتشاف, والخطأ والصواب, ونحن من نقلد سليمان لا هو, وهو من سبقنا, لا نحن!.

فهي هكذا باختصار, "جفان كالجوابي", أو "صحون كاللواقط"!.







وقد أضفنا صورا مساعدة لتوضيح المراد, وهي صورة لأضخم "صحن لاقط" في العالم, بقطر ألف قدم, ولينظر القارئ إلى البنايات المجاورة وليقسها إلى هذا "الجفن" العظيم, وهو في "بورتاريكو" الولايات المتحدة, فلا يذهب خيال القارئ إلى الصحون الصغير التي تعلوا أسطحة المنازل اليوم!.




وسيتسارع الناس ساعتها ويسألون: وهل كان عند سليمان "صحون لاقطة"؟.

فأقول: وهل كان سليمان بهذه البساطة لنتفاخر بما عنده من الصحون والقدور؟.

وهل نكرم سليمان حين نمجده بما نترفع نحن عن فعله؟!.

فاذهبوا وادعوا أهل الغرب و"التكنولوجيا" إلى القرآن, وحدثوهم عن سليمان العظيم صاحب صحون الطعام الكبيرة وقدور الطبخ الضخمة, وانظروا بم يرجع المرسلون!.




وقد يسأل سائل: لمَ لم يقل الله "جفان جوابي" بدل "جفان كالجواب", لتكون صريحة في الوصف للصحوان اللاقطة, كما قال: "قدور راسيات", لا "قدور كالراسيات"؟.

فنقول: يظهر أن المؤدى المتحصل من الجفان التي كالجوابي, يقوم على ركنين منفصلين, ركن الجفن, وخاصيته من الشكل والاستدارة, وركن الجابية, وخاصيتها في الجمع واللم. إذ ليس كل جفن جابية, ولا كل جابية جفن, فأخذنا من الجفن شكله وتقعيره, ومن الجابية جمعها ولمّها.



ونلفت أيضا إلى ما في جذر "جَفَنَ" وعلاقته بالغطاء الذي يحوي العين من فوقها ومن أسفلها, وما قد تفيده هذه العلاقة من وظيفة العين من اللحظ والتقاط الصور!.





ولنرجع إلى ما قدمنا من فرض القرآن لسليمان على أنه المثل الأعلى للملك, وهو الذي أوتي من كل شيء, فما هذا الذي يصلح أن يوصف بأنه "من كل شيء", دون أن يكون فيه شيء مما يقوم الناس به اليوم ويعتمدون عليه؟. فبفهم أصحاب هذا السؤال, لا يتمتع سليمان بكثير مما ينعم به فقراء هذا الزمن!. فيؤتى هو من كل شيء, ولا يؤتون هم إلا قليلا, ولكنهم أقدر واكثر أشياءا؟!.

أم هل منا من يرى أن القرآن لزمان انقضى, فلا يقاس على ما نحن فيه؟!.

ومن الناس من سيقول: إن هذا تحميل لما لا يحتمل, فأقول: بل تحميل سليمان الذي يفاخر الله بملكه, لصحون الطعام التي يترفع العقلاء وينصرفون عن فعلها, وتحميلها للنبي العظيم, لهو عين التحميل لما لا يحتمل, ولكننا نتبع ما ألفينا عليه آباءنا, ونفضل المعهود ونركن إليه!.




وقدور راسيات..

كما أشرنا, فالتفاسير –جزى الله أهلها خيرا- تقول إنها قدور الطبخ للطعام!.

وكما رددنا هذا الفهم فيما خص "الجفان التي كالجواب", نرد هذا الفهم فيما يخص القدور, فليست القدور مما يفخر به, ولا مما تجمع له الخوارق والنبوات!.

كما أن وصفها في القرآن يرد هذا المذهب, فهي "قدور راسيات", وليس هذا مما توصف به القدور مهما بلغ قدرها وعلوها!.




فماذ تعني الراسيات؟.

فالراسيات في القرآن هي الجبال, ولم يوصف بها غير الجبال, فلم, وكيف تكون الرواسي رواسيا؟.


رسو الجبال, صفة لولوجها في بطن الأرض, لا لظهورها على سطحها, فهذا المراد الثاني هو "النصب" لا الرسو, {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت, وإلى السماء كيف رفعت, وإلى الجبال كيف نصبت}, فهذا الذي ينظرون إليه ويرونه هو المنصوب, أما الرواسي, فحال وصفة أخرى {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}, فهي التي يصفها القرآن أيضا بالأوتاد {والجبال أوتادا}, فهي التي تلج في الأرض وتسبر فيها, فلمَ يوصف القدر بالرسو إذا أردنا أن نصف كبره وعلوه وحسب؟, فلو كان كذلك لقلنا لكل بناء كبير ثابت, إنه بناء راس, فيما لا ترانا نقول هذا, ولا نصف قصرا أو صرحا بأنه راس!. فلم القدور, وكيف تكون راسيات؟.


حتى تكون راسيات كما الراسيات المشبه بها وهي الجبال, وجب أن تلج في الأرض وتدخل فيها, لتكون راسية كالرواسي, أما قدور الطبخ فليست كذلك, فما هي القدور التي ترسو في الأرض؟.


أولا, وقبل كل شيء, فنحن لا نتكلف حين نبحث ضمن اللفظ والمعنى القرآني, ولكن بما يناسب السياق المضطرد العام, ونرفض "الإيمان" بتأويل الناس ما لم يتفق مع المشاهد والمعلوم, ونرفض أن نسوي "شرح" العلماء وكلامهم في آية ما, بالآية نفسها, فالآية شيء و"شرحها" شيء, ولا يستويان, والله لم يوص أحدا بالوكالة على عقول الناس, ولم يلزمنا بفهم أحد من الناس, ولكن الناس "يتعبدون" لما يألفون.




فالقدر هو بظاهر اللفظ والمعنى, ذلك المحل الحاوي, الذي نضع فيه مادة أو مادتين أو أكثر, "بقدر" ما بينها جميعا, ثم قد تغلى جميعا, أو تصهر أو تطبخ. وبالرجوع إلى ما قدمنا من دلالة "الراسيات", نجد أن الآية تتحدث وتصف قدرا ضخما, يشابه الجبل في رسوه وغوره في الأرض.




وكما قدمنا من قبل فلم يستو أبدا أن يكون سليمان طباخا ولا طاهيا, بل هو الملك المسيطر ذو الجنود. فوجب لما يفرضه السياق من ترابط الدلالة والمعاني, أن يكون هذا في سياق التمكين والعلو والملك الشديد.

وليس عند البشرية اليوم من "القدور الضخمة الراسية" ما تفاخر به, وتتنافس عليه الأمم القوية والدول العظمى, سوى تلك "المفاعلات النووية" الضخمة, بما تحويه من المواد "المقدرة" بدقة, المصهورة المتفاعلة بدرجاتها العليا.

وهي الراسية كذلك, بما يدخل من أجزائها الغالبة في بطن الأرض, ليزيد من ثباتها أمام الهزات والزلازل والأعاصير, حتى لا تنخلع وينتشر محتواها.






















ولينظر القارئ إلى هذه المفاعلات, وليقارن شكلها بالقدور التي بين أيدنا اليوم, ولينتبه إلى حجمها مقارن بالبناية الضخمة على يسار الصورة!.


ولا نكاد نجد دولة قوية اقتصاديا وعسكريا تخلو من هذه "القدور الراسيات", وهي ليست للحرب والتدمير بالضرورة, بل لها أغراضها السلمية النافعة, وكل حسب غايته.


ونقف هنا في هذا البحث, ولا اعتبره أكثر من فهم عبد ما لكتاب ربه, دون أن يكون بينهما ترجمان غير رسول الله, فأختمه بسؤال لكل القراء على أن يعدلوا بجوابهم: ترى لو أتينا بالصورة التي عرضناها للمفاعلات النووية, فهل نستطيع أن نشير إليها ونقول هذه "قدور راسيات"؟.


فإذا قلنا نعم, فنحن أمام خيارين, إما خيار قدور الطبخ, وإما قدور المفاعلات وما وراءها من القوة والقدرة, فليختر القارئ لنفسه من أيهما ما يشاء!.


ولا يعدل بالجواب أكثر ممن عنده علم بلسان العرب, فهذا ليس سؤالا فقهيا, بل هو لغوي بحت, ولا يخضع لشروط التفسير المفروضة.. فهل هذا "قدر راس" أم لا؟. وهل لنا أن نشير إلى الصورة التي قبلها ونقول: هذا جفن كالجابية؟؟.



ونؤكد مرة أخرى أن ما عند سليمان من "الجفان والقدور" بفهمنا نحن, لا يماثل ولا يطابق بحال ما عند البشرية اليوم, ولكنه المستوى الأعلى والأخير, في الكفاية والأداء.



وسيتبادر إلى ذهن القارئ, أن إذا كان هذا هو المراد, فهذا يعني أننا ملكنا ملك سليمان الحصري!.

وليس هذا بصحيح أبدا, إذ نحن ما زلنا لا نعلم ما هو ملكه الحصري, وكيف كان, إلى جانب أن "الجفان" و"القدور" إنما هي مصنوعات ومنتجات, والملك شيء آخر, كالريح والعفاريت وعين القطر, التي بها يفعل سليمان ما يشاء, فحتى لو وافقنا سليمان ببعض منتجاته وصناعاته, فما زال يسبقنا بالكفاءة والسرعة والإتقان, فها نحن نطير طيرا, ويطير طيرا, ولكنه أسرع وأدق وجهة, وأنظف طاقة. فلا عوادم عنده ولا سموم {واعملوا صالحا}!.



"التماثيل"



ولا يبعد القارئ عن الصواب إذا ذهب إلى مادة "مثل" ومفرداتها ودلالاتها في لسان العرب, ومنه "مثّل" بالتشديد, و"تماثيل", حتى صارت تطلق الكلمة –فيما تطلق فيه- على المنحوتات و"المصورات", حتى أن كثيرا من علماء الحديث ليحملون حديث النبي عليه الصلاة والسلام في النهي عن "التصاوير" إلى مرادها من "التماثيل" ذوات الظل والأبعاد.



وكما بدأنا بحثنا في نقل ما تقوله كتب التفسير فيما يخص "التماثيل" من أنها تماثيل الحيوان أو الملائكة أو الصالحين, ثم قالوا: لعل هذا كان جائزا في شرعه!.

فنقول, على فرض الجواز: ما المصلحة في هذه التماثيل بالوجه الذي يراه علماؤنا المفسرون؟. فإذا كان النبي بينهم, فما حاجتهم لتماثيل الصالحين, وإذا كانت الملائكة اصلا من الغيب وعلومه, فلم يصورها لهم؟. إلى جانب إنه لم يثبت بهذا القول نص ولا دليل.



ونرى أن ما بدأنا به بحثنا, من أن هذه الأربعة, "المحاريب والتماثيل والجفان والقدور", هي في معرض وصف استمكان سليمان وسلطانه القوي, واستعداده الشديد لتمكين دين الله في الأرض, كل الأرض, نرى أن هذا أدعى لصرف الدلالة والمعنى لـ"التماثيل", إلى ما قد يصب في هذا السياق, ويجلّي الصورة الكاملة على وجهها.



فكيف لنا أن نتصور حاجته للتماثيل فيما يتفق ويخص مثل هذه الاستعدادت؟.

أو ماذا يفعل نبي ملك محارب فاتح بـ"التماثيل"؟.



سنجد أكثر من جواب لأكثر من حاجة ومراد, فيكفي فقط أن تتخيل حاجتك في الحروب إلى سلاح "التمثيل", ولك أن تتخيل كم ستفعل بسلاح مثل هذا, أو كم يفيد "التمثيل" في شرح أركان العقيدة التي يتولى سليمان حملها وشرحها وتثبيتها!.

فقد يخوض حربا كاملة بالتأثير "التمثيلي" وما يتركه من أثر في الترهيب والترغيب, فينهي حربا كاملة دون إراقة قطرة دم, {فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها}, أو قد ينقل أمة كاملة إلى الإسلام بـ"تمثيل" واحد لفكرة ما!. ففيما يعتمد نبي آخر على بلاغته في الوصف والشرح, في الكون والحياة, فقد يذهب سليمان إلى أبعد من هذا, و"يمثل" لما يريد!.



وما نراه اليوم من جنوح الدول القوية العظمى إلى سلاح "الإعلام" والتمثيل, إيجابا وسلبا, وتأتيرها البالغ في النفوس المتلقية المشاهدة, أبلغ دليل على دعامة "التمثيل" لكل سلطان ذي عقيدة أو حاجة.

ولنا أن نقف مرة أخرى عند فهم علماء الحديث, لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن "التصاوير" وحملهم الكلمة على "التماثيل" المظللة ذات الأبعاد.



فماذا بين "التماثيل" والتصاوير" و"الصور"؟.

وهل كانت تصوايرا ذات حركة أم جامدة؟, ومن يملك منا أن يبطل واحدة منهما, ويبقي الأخرى؟.

ومن منا يجزم أن ملكا ممكنا كسليمان المؤتى من كل شيء, لم يسبقنا إلى بث الصور والتصاوير, بل بأفضل مما نحن عليه اليوم من البث بالبعد الواحد, فيكون عنده "تفاعيل" للبث الصوري بأبعاده الثلاثة, كما يحلم علماء الحضارة والعصر؟!.

فلن تعدو الشاشات التي أمامنا أن تكون "تماثيل" ذات وجه واحد, لإنسان أو حيوان أو جماد, تتبدل وتتلون حسب المراد, فيما يأمل صانعوها أن تصير يوما ما بثلاثة أوجه وأبعاد.

فمن يثبت لنا أن الملك المؤتى من كل شيء كان متخلفا عن هذا كله؟.



وقد يقول قائل: إن هذا يستوجب شبكة كهربائية متطورة, فهل يمكن أن نتصور مثلها عند سليمان؟.

فنقول: من قال إن الكهرباء هو النظام التوصيلي والتشغيلي الوحيد والمطلق؟, فلعل سليمان سبقنا إلى ما هو أفضل من الكهرباء!.

أو من يضمن لنا أن الملك المؤتى من كل شيء, لم يكن عنده من هذا القبيل, أو كان يحلم بشيء –ذلك المؤتى من كل شيء- يضاهي ما عندنا, نحن الذين لم نؤت من كل شيء, وسبقناه إليه؟!.



"المحاريب"



الجذر "حرب" يفرض نفسه بقوة لصالح السياق الذي نشتد إليه ونشد عليه, وفي الطرح القرآني ابتداءا ما يصرف "المحراب" عن المتبادر الأول عندنا, من كونه "المصّلى" وحسب, إلى جانب ما يشمله لسان العرب من تصاريف للكلمة, تتسع لدلالات أكثر من دلالة "المصّلى" واقتصارها عليه.



فـ"المحراب" في القرآن, ورد خمس مرات, أولها التي في "آل عمران", {كلما دخل عليها زكريا المحراب}, {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب}, والثانية التي في "ص", {إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود}, والثالثة التي في "مريم", {فخرج على قومه من المحراب}, والأخيرة التي نحن بصددها في "سبأ".



ومن ينظر في الموارد الخمسة, تنبه إلى ما نقول من أنها للصلاة ولغير الصلاة, بل هي لغير الصلاة حيثما وردت, أكثر منها للصلاة, إذ تنصرف إلى "العزلة" والتفرد أكثر من انصرافها للصلاة, فالتي في "آل عمران" أظهر في جانب "العزلة", حيث مريم في "المحراب" يأتيها رزقها بكرة وعشيا, فهي في "معزلها" تُعَدّ لأمر عظيم, حتى بات يأتيها رزقها خالصا من السماء, حتى يكتمل "عزلها" وتطهيرها.



ثم التي عند "الملك" المحارب داود أبي سليمان, وهي أقدمها ذكرا, إذا ما نسبت لداود عليه السلام, فكل ذكر المحراب في القرآن, كان بعد داود, سواء ما كان لابنه سليمان, أو لزكريا ومريم, فيبقى أول ما عرفنا المحراب, عرفناه عند "الملك المحارب" داود عليه السلام.

وصورة السور المضروب يؤكد دلالة "المعزل", {إذ تسوروا المحراب}, إذ لو كان محرابا في مسجد مفتوح, لما ناسب هذا التصوير "المسور" للحدث, ثم ما كان من فزع داود, فلو لم يكن في "معزل وانقطاع" لما فزع منهم!.



ثم التي في "مريم" بحق زكريا, {فخرج على قومه من المحراب}, فها هو "يخرج" من المحراب. فلنتنبه إلى إيحاءات "الخروج", وما تضفيه الكلمة من جواز العزلة, ثم الخروج.

ولنا أن نبحث في جوانب دلالات المحراب في المدى الذي تستبيحه معانيها, خاصة كيفما تصرفت الكلمة في لسان العرب, إذ الكلمة أولا نزلت عندهم منزل المكان المشرّف, فهم يطلقونها على القصر وعلى صدر البيت, ويسمون "الغرفة" محرابا, ثم بتنا نحن نفهما بدلالتها التي نعرفها عليه في المساجد, أما هي في الأصل فلغير هذا, فالجذر "سجد", ومنها "المساجد", لا تسمح لك بكثير المعاني, بعيدا عن لفظها الصريح, ودلالته الواضحة المحصورة في فعل السجود ومكانه. ومن هنا تساءلنا عن الجذر "حرب", ولم التزمناه بزاوية العبادة حصرا, فيما هو في الأصل في غير هذا.



حتى أن "لسان العرب" يضم إليها من المعاني, معنى يؤكد ما نقول من دلالة "المعزل", إذ يقول اللسان: "وسمي المحراب محرابا, لانفراد الإمام فيه وبعده عن الناس"!. ومن أهل اللغة من يراه مكانا "يُرتقى" إليه, ومنهم من يسمي "مأوى الأسد" محرابا!.



فلينظر القارئ إلى هذه الدلالات مجتمعة, ما ورد منها في القرآن, أو في لسان العرب, وليضمها إلى سياق القصة "الحربي" واستعدادت الملك المحارب سليمان المؤتى من كل شيء, فلينظر بما ترجع الأنظار!.



فبما تحتويه الكلمة من دلالة "العزل" و"الخصوصية" و"المحاربة", قد نفهم بعضا من دلالاتها ومراميها.

فلعل "محاريب" سليمان –وبما يناسب السياق والاستقراء- كانت تلك المقرات السرية المعزولة, للقيادات الحربية, التي تدار منها أعتى أنظمة الأرض قوة وسطوة وسلطانا!.

ولعل سليمان عليه السلام كان يدير ملكه العظيم من تلك "المحاريب", ومن تلك المحاريب كان يخرج على الناس بالخوارق والآيات, مثلما اُعد المحراب لخروج كلمة الله ابن مريم, على غير مألوف من الناس, ومثلما اُعد المحراب لخروج يحي بن زكريا على غير ما اعتاد الناس, ومثلما كان المحراب للملك شديد الملك داود, عليه وعلى ابنه سليمان السلام.



ونلفت أخيرا إلى ما حوته سورة سبأ من إشارات, لنا كل الحق أن نقف عندها طويلا, مستظلين باتفاقات السياق الذي شددنا عليه, من الملك والتمكين والسبق الذي كان لسليمان عليه السلام, والذي أومن أن سليمان كان يملك أعلى ما قد نتصوره أو نصله من التقنية والممتلكات.

ذلك هو الذي في الآية السابعة {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق, إنكم لفي خلق جديد}؟.

ولن نسهب كثيرا في القول فيما تقوله كتب التفسير فيها, فالآية جلية في محلها ومعناها, ولكن هل لنا أن نقف عند تراكيبها ومضامينها بما يتفق مع السياق الذي نعتمد عليه, من قدرة النبي المؤتى من كل شيء, وورودها في هذه السورة بالذات؟.

فإذا كنا نتحدث عن "البث" المتطور, للصوت والصورة, وما يسعى إليه العلم الحاضر –مسبوقا بقدرات النبي سليمان-, إذا كنا نتحدث عن هذا "البث" مدركين لآلية عمله, ومراحل تطبيقه, القائمة على "التحول" من شكل ما للمادة أو للطاقة, إلى شكل آخر يمكن "بثه", ثم استقباله مرة آخرى, و"تجميعه" ليعود على ما كان عليه قبل البث.

وهذا ذاته ما تسعى التقنية الحاضرة من خلاله, إلى "بث" الأجسام المادية وترحيلها إلى مكان آخر, ثم استقبالها و"تجميعها" بسرعة تضاهي سرعة الضوء, أو ما يعدل لمح البصر.



والعلماء التقنيون, يقولون إن ذلك ممكن إذا حولنا الجسم المادي إلى ذراته الأولية, لنبثها على شكل طاقة, ثم نعيد "تجميعها" من جديد.



والآن يمكن أن نقرأ الآية بعين تتفق مع سياقات القدرة الفائقة لسليمان, مثلما فعل بعرش سبأ, فهو فعلها بعلم من الكتاب لا بدعوة نبي, فالآية تصف هذا الوصف البليغ لتحول الجسم إلى ذراته الأولى {إذا مُزقتم كل ممزق}, ولا يكون التمزيق "كل ممزق", ما بقي في الجسم ما يمكن قسمته أو "تمزيقه"!.

ثم تأتي المرحلة التالية, لإعادة الاستحضار و"التجميع" من جديد {إنكم لفي خلق جديد}!.


وقد يقول قائل: إن الآية جاءت في معرض الموت والبعث, فنقول: نعم, ولكن من يجزم لنا أنها لم تكن لأشياء وعلوم أخرى؟. وها هو "التفتيت" ثم "التجميع" من جديد, بما لا تكلف فيه!.



ونضيف هذا النص من كتاب "المستدرك", غير مستدلين به, فهو ليس مما ألزمنا أنفسنا به, وحملنا الناس عليه من الاستمساك بما صح سنده للنبي عليه الصلاة والسلام, وهو وإن كان يؤيد ما ذهبنا إليه, إلا أننا عزمنا ألا نأخذ بغير القرآن والحديث الصحيح, وإنما نسوقه لمن "يؤمن" بكل ما قيل من قبل, غير متوثق من مصادرها, وها هو النص:

"ثم أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها, فملك سبعمائة سنة وستة اشهر, ملك أهل الدنيا كلهم, من الجن والإنس والشياطين, وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء, وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي ما سمع بها الناس وسخرت له".








اللهم اغفر لنا خطأنا وزلتنا.

{ذلكم قولكم بأفواهكم, والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
}.
0
906

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️