من المشكلات التي يصادفها الآباء لدى أطفالهم : ما يتعلّق بشخصيّة الطفل من غضب وسوء طبع وعصيان ، فالأطفال الصغار غالباً ما يبدون نوبات غضب تتمثل في ردود فعل من جانبهم على أوامر المنع التي يفرضها الآباء عليهم ، ولا تؤدّي إلى نتيجة مجدية . فالبكاء الشديد الذي يطلقه الطفل ، وضربة الأرض بأخمص قدميه ، وإطباق أصابعه بإحكام ، كلّ ذلك يخفي وراءه حاجة الطفل إلى الأمان أو الاستقلال أو التعاطف الذي لا يجوز انكاره عليه .
والطفل يتصرّف على هذه النحو عندما يخفق في محاولته القيام بشيء لا يقدر على القيام به ، أو عندما يريد من الآخرين الاهتمام به ، أو عندما يمنعه الآخرون من أداء عمل يبدو بالغ الأهمية بالنسبة إليه . فإذا كان هذا الجيشان العاطفي نادراً وقصير الأجل عدّ طبيعياً وزالت حدّته مع الزمن ، ومن جهة أخرى ، إذا رغبت الأم في عدم إطالة نزوع طفلها إلى هذه النوبات من الغضب فيحسن بها أن تحاول فهم ما يريد وتجيبه إلى طلبه . بيد أن من المستحسن دائماً ابداء الحزم تجاه الطفل ومحاولة فهم ما يريد بدلاً من ارضائه عن طريق الاحتضان والعناق ، كما ينبغي عدم فسح الفرصة أمامه لكي يفيد من هذا الموقف .
أمّا سوء الطبع فهو يشبه كثيراً نوبات الغضب ، من حيث أن الطفل السّيء الطبع يطلق العنان إلى البكاء ، ويبدي تصلّباً ويضرب الأرض بأخمص قدميه . أمّا الفرق بين نوبة الغضب وسوء الطبع فهو أن الطفل في أثناء نوبة الغضب لا يزال يستطيع أن يفتح صدره للاستماع إلى صوت العقل ، أو يستطيع السيطرة على نفسه ، في حين أنه يفقد السيطرة على نفسه فقداناً تاماً عندما تصيبة نوبة من سوء الطبع . ونوبات سوء الطبع كثيرة الحدوث بين السنة الثانية والسنة الرابعة . والحقّ أن الأطفال يعبرون عن استيائهم أو غيظهم أو عدم شعورهم بالأمان ، في نوبة سوء طبع ، مثلما يعبرون عن ذلك تماماً في نوبة غضب ، بيد أن الطفل عندما تستبد به نوبة غضب فإنه لا يرتقي فوق طبعه لأنه يفقد المنطق ، فهو يعتقد أنه ضحية ، وأنّ الآخرين قد أساؤوا فهمه . وفي هذه الحالة ينبغي للأم أن تتجنّب إرضاء طفلها ، وأن تحاول إفهامه منذ البداية أن هذه الطريقة لا تحقق له مأرباً . ولعلّ أهم ما ينبغي للأم عمله ، عندما تواجه نوبة من سوء الطبع لدى طفلها ، أن تحتفظ بهدوئها وأن تقدّم إليه حلولاً بديلة ، وأن تسمح له بالتفريح عن غضبه من دون تدخل من جانبها . ويحسن بها أن تتجاهله ، فإذا انتهت نوبة سوء الطبع فلا بأس في أن تشرح له أنه لا ينبغي للمرء التصرّف على هذه الشاكلة ، وأن تشعره بحبها له ، وتخبره بأن الأطفال جميعاً تصيبهم نوبات قليلة من سوء الطبع ، وأن عليه الأقلال منها قدر ما يستطيع . فموقف الأم المتعاطف مع الطفل أجدى من موقف يعتمد على تقييد حريته وعقوبته .
فإذا تمكنت الأم من علاج النوبات الأولى من سوء الطبع لدى طفلها ، فمن المشكوك فيه عندئذ أن يكرّرها علنا أو خارج البيت ، فإذا صدرت من الطفل نوبات من سوء الطبع كرّة أخرى ، فينبغي للأم أن تعلم أنّ علاقتها بطفلها أهمّ من علاقتها بأيّ جار أو صديق ، ولذلك فلا بأس في أن تدع طفلها يفرّج عن غضبه من دون تدخل من جانبها ومن دون لفت الانتباه إليه . أمّا تمرّد الطفل فمن المعلوم أنه يبدأ في سن الثانية تقريباً أو في سن الثالثة بممارسة استقلاله ، وهذا الاستقلال بالغ الأهمية بالنسبة إليه ، ففي هذه السن يرغب في القيام بكلّ شيء بنفسه ، من أكل ولباس واستكشاف ، بل حتى غسيل ، ولا بأس في الانسجام مع مواقف الطفل هذه تاركين له قدراً كبيراً من الحرّية ، كما أن من المفيد تطبيق الارشادات التربويّة التي تزيد من هذه العفويّة . فإذا رغب مثلاً في إرتداء لباسه فلا بأس في أن ندعه يقوم بذلك بنفسه ، ثمّ نشرع بعد ذلك في تعديل ما لم يستقم أمره من لباسه بحنان وحبّ ، فالطاعة هي طريقة لتأسيس علاقة مع الطفل ، ولكنها لا تمثّل كلّ شيء في تربيته .
والحقّ أننا إذا رغبنا في تقويم عصيان الطفل على نحو صحيح وجب علينا أن نعرف . أن الطفل الذي يبدي طاعة عمياء سوف يغدو شخصاً غير آمن كما يغدو اتكالياً في المستقبل . ومن جهة أخرى ، إذا لم يرغب في قبول القواعد والتوجيهات التي تقدّم إليه غدا شخصاً قليل الاحتمال وعديم المسؤولية . والحقّ أن التمرّد الذي يبديه الطفل يمكن إرجاعه إلى دوافع مختلفة ، فربما أبدى الطفل تمرّداً من أجل أن يلفت انتباه والديه إليه ، وهذا ما يحدث عندما تلد الأم طفلاً جديداً . ومن الممكن إرجاع تمرّد الطفل كذلك إلى اعتراضه على كثرة القواعد الملزمة التي يفرضها أبواه عليه ، أو إلى تأكيد ذاته وتأسيس علاقة مشابهة للعلاقة القائمة بين أبويه قدر الامكان . فإذا أبدى الطفل مثل هذا التصرّف وجب اعتباره خطوة طبيعيّة نحو تكوين شخصيته المستقلّة والقبول به مع محاولة الحدّ منه قدر المستطاع .
وأخيراً فالطفل يحتاج إلى تعاطف وسلطة من أبويه في الوقت نفسه ، ولاسيّما في هذه المرحلة الدقيقة التي ينتقل فيها من طور الطفولة الأولى ، ولا يقدر أحياناً على معرفة تدبير أعماله وردود فعله ، وما على الأبوين سوى التجمّل بالصبر ، ومحاولة غرس الثقة والأمان في نفس طفلهما .من كتاب الطفل والتربيه.

ام احمد @am_ahmd_1
محررة
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️