سيرة اشخاص في امثال العرب (عرض مختصر)

الملتقى العام

لقد نزلت مقدمة في هذا الموضوع وبالرغم أنه لم يتفاعل أحد سوى زهرة موف ولعيونها أنزل الموضوع بالكامل

المقدمة التي ذكرها سابقا
مما قرأت

سيرة ما اشتهر من الناس في أمثال العرب .

بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

قالت العرب :

* أسخى من حاتم.

* وأشجع من ربيعة بن مكدم.

* وأدهى من قيس بن زهير.

* وأعز من كليب وائل.

* وأوفى من السمو أل.

* وأذكى من اياس بن معاوية.

* وأسود من قيس بن عاصم.

* وأمنع من الحارث بن ظالم.

* وأبلغ من سحبان وائل.

* وأحلم من الأحنف بن قيس.

* وأصدق من أبي ذرالغفاري.

* وأكذب من مسيلمة الحنفي.

* وأعيا من باقل.

* وأمضى من سليك المقانب.

* وأنعم من خريم الناعم.

* وأحمق من هبنقة.

* وأفتك من البراض.


سنتناول سيرة هؤلاء المشهورون بالامثال العربية

وهذا الموضوع من باب التنويع والتغيير بالقسم هنا

(الفكرة أخذتها من منتدى أخر)




اولا

*** حاتم الطائي :
هو: حاتم بن عبدالله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء .
الجواد ، السخي ، ضرب به المثل لسخائه فقيل : أسخى من حاتم .
وقيل عنه : لم يكن حاتم ممسكا شيئا ما عدا سلاحه ، فانه كان لا يجود به .

قال عن نفسه :

أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله # # # ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى # # # ولكنما وجه الكريم خصيب

وهو القائل لغلامه يسار ، وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد نارا في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضل الطريق ليلا فيصمد نحوه ، فقال في ذلك :
أوقد فان الليل ليل قر # # # والريح يا موقد ريح صر
عل يرى نارك من يمر # # # إن جلبت ضيفا فأنت حر
ومن خبره أنه مر يوما في سفره على قبيلة ( عنزة ) وفيهم أسير ، فاستغاث بحاتم ولم يحضره فكاكه ، فاشتراه من العنزيين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدى فداه .
وأصابتهم سنة اقشعرت لها الأرض ، واغبر أفق السماء .. وفي ليلة من لياليها شديدة البرد قدمت عليه جارته فقالت له : أنا جارتك فلانة ، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب ، فما وجدت معولا إلا عليك يا أبا عدي ، فقال : أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم : فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة ؛ كأنها نعامة حولها رئالها ؛ فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخر ، ثم كشطه عن جلده ، ودفع المدية إلى المرأة فقال لها : شأنك ؛ قالت زوجته
نوار : فاجتمعنا على اللحم نشوي ، ونأكل ، ثم جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتا بيتا
فيقول : هبوا أيها القوم ، عليكم بالنار . فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا ، فلا والله أن ذاق منه مزعة ، وانه لأحوج إليه منا ؛ فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر . وقصص جوده وسخائه أكثر من أن تحصى . توفي سنة ( 46 قبل الهجرة ) .


الحلقة الثانية
ــــــــــــــــــ

*** ربيعة بن مكدم :
هو ربيعة بن مكدم ( بميم مضمومة ، ودال مشددة مفتوحة ) بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة .
فارس العرب في الجاهلية ، وأحد فرسان كنانة المعدودين ، وشجعان العرب المشهورين ، يلقب بحامي الظعن ( الظعن : جمع ظعينة ، والظعينة : المرأة ما دامت في الهودج ) ، ضرب به المثل في الشجاعة ؛ فقيل : أشجع من ربيعة بن مكدم .
وكان بنو فراس - رهط ربيعة - أنجد العرب ، وكان الرجل منهم يعدل بعشرة من غيرهم ، وفيهم يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأهل الكوفة : وددت والله أن لي بجمعكم وأنتم مئة ألف ؛ ثلاثمئة من بني فراس .

* ومن خبر شجاعته ؛ أن دريد بن الصمة فارس هوازن خرج يوما في فوارس من بني جشم يريد الغارة على بني كنانة ؛ فلما كان بواد لبني كنانة في طرف الدهناء يقال له ( الأحزم ) رفع له رجل من ناحية الوادي ومعه ظعينة . فلما نظر إليه قال لفارس من أصحابه : صح به أن خل عن الظعينة ، وانج بنفسك - وهو لا يعرفه - فانتهى إليه الرجل ، وألح عليه ، فلما أبى ألقى زمام الراحلة وقال للظعينة :
سيري على رسلك سير الآمن ### سير رداح ذات جأش ساكن
إن انثنائي دون قرني شائني ### أبلي بلائي ، واخبري ، وعايني
ثم حمل على الفارس فصرعه ، وأخذ فرسه فأعطاه الظعينة .
فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما صنع صاحبه ؛ فرآه صريعا ، فصاح به ، فتصام عنه ، فظن أنه لم يسمع فغشيه ، وألقى زمام الراحلة إلى الظعينة ، ثم حمل على الفارس فصرعه ، وهو يقول :
خل سبيل الحرة المنيعة ### انك لاق دونها ربيعة
في كفه خطية مطيعة ### أولا فخذها طعنة سريعة
فالطعن مني في الوغى شريعة
ثم حمل عليه فصرعه .
فلما أبطأ على دريد بعث فارسا آخر ، لينظر ما صنعا ، فانتهى إليهما ، فرآهما صريعين ، ونظر إليه يقود ظعينته ، ويجر رمحه ، فقال له الفارس : خل عن الظعينة . فقال لها ربيعة : اقصدي قصد البيوت ، ثم أقبل عليه فقال :
ماذا تريد من شتيم عابس ### ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم طعنه فصرعه ، فانكسر رمحه . ولما أبطأ عن دريد ارتاب ، وظن أنهم قد أخذوا الظعينة ، وقتلوا الرجل ، فلحق بهم فوجد ربيعة بن مكدم لا رمح معه ، وقد دنا من الحي ؛ ووجد أصحابه قد قتلوا ، فقال له دريد : أيها الفارس ؛ إن مثلك لا يقتل ، وان الخيل ثائرة بأصحابها ، ولا أرى معك رمحا ، وأراك حديث السن ؛ فدونك هذا الرمح ؛ فإني راجع إلى أصحابي فمثبطهم عنك . وأتى دريد أصحابه ، فقال : إن فارس الظعينة قد حماها ، وقتل فرسانكم ، وانتزع رمحي ، ولا طمع لكم فيه ؛ فانصرف القوم ،

وقال دريد :

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ### حامي الظعينة فارسا لم يقتل
ترى الفوارس من مخافة رمحه ### مثل البغاث خشين وقع الأجدل
ياليت شعري من أبوه وأمه ؟ ### يا صاح من يك مثله لم يجهل

* وفاته : رماه نبيشة بن حبيب السلمي بسهم يوم الكديد ، فمات مثخنا بجراحه ، وهو يومئذ غلام له ذؤابة . وذلك عام ( 66 قبل الهجرة ) .
وكان يعقر على قبره في الجاهلية . ولم يعقر على قبر أحد غيره
.



الحلقة الثالثة
ــــــــــــــــــ


*** قيس بن زهير :

هو قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس .
صاحب الحصان داحس، والفرس الغبراء ، الذين بسببهما وقعت الحرب مع بني ذبيان ، فسميت بحرب ( داحس والغبراء ) .
سيد بني عبس ، وكان يلقب بقيس الرأي ، لجودة رأيه ، وقد ضرب به المثل في الدهاء
فقيل : أدهى من قيس بن زهير .

وكان أيضا مجربا ؛ ذكروا من دهائه أنه مر ببلاد غطفان ، فرأى ثروة ، وعديدا ، فكره ذلك ، فقال له الربيع بن زياد : انه يسوؤك ما يسر الناس ! فقال : يا ابن أخي ، انك لا تدري ؛ إن مع الثروة ، والنعمة التحاسد ، والتباغض ، والتخاذل ، وان مع القلة التعاضد ، والتوازر ، والتناصر .
وكان يقول : أربعة لا يطاقون : عبد ملك ، ونذل شبع ، وأمة ورثت ، وقبيحة تزوجت .

قال بعد قتله حذيفة بن بدر زعيم بني ذبيان :

شفيت النفس من حمل بن بدر ### وسيفي من حذيفة قد شفاني
شفيت بقتلهم لغليل صدري ### ولكني قطعت بهـم بناني
فلا كانت الغبرا ولا كان داحس ### ولا كان ذاك اليوم يوم دهاني

هام على وجهه بعد انتهاء حرب داحس والغبراء ؛ فلحق بالنمر بن قاسط ، وتزوج فيهم ، وأقام فيهم زمنا ، ثم رحل عنهم إلى عمان فأقام بها إلى أن مات هناك عام 9 هجرية .


الحلقة الرابعه
ـــــــــــــــــــــ

*** كليب وائل :

هو وائل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب . وكليب لقبه .
ولد سنة 187 قبل الهجرة ، ونشأ في حجر أبيه ، ودرب على الحرب ، ثم تولى رياسة الجيش لبكر ، وتغلب زمنا ..
اجتمعت معد كلها تحت قيادته لحرب اليمن في يوم من أعظم أيام العرب في الجاهلية عند جبل خزاز ( غرب مدينة دخنة في القصيم ) ، وكانت معد لا تستنصف من اليمن ، ولم تزل اليمن قاهرة لها حتى كان هذا اليوم فانتصرت معد ، ولم تزل لها المنعة حتى جاء الإسلام ..

قال هشام بن محمد بن السائب : لم تجتمع معد كلها إلا على ثلاثة رهط من رؤساء العرب ، وهم : عامر بن الظرب يوم البيداء حين تمذحجت مذحج ، وسارت إلى تهامة . وربيعة بن الحارث - والد كليب - يوم السلان . وكليب حين قاد جموع معد يوم خزازي .
وبعد انتصاره على مذحج يوم خزاز ، اجتمعت على رئاسته معد كلها ، فجعلوا له قسم الملك ، وتاجه ، ونجيبته ، وطاعته ، وغبر بذلك حينا من دهره ، ثم دخله زهو شديد ، وبغى على قومه لما هو فيه من عزة ، وانقياد معد له . حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه ، وإذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالا له ، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره ، ولا يغير إلا بإذنه ، ولا تورد ابل أحد مع ابله ، ولا توقد نار مع ناره ، ولم يكن بكري ولا تغلبي يجير رجلا ، ولا بعيرا ، أو يحمي حمى إلا بأمره ، وكان يجير على الدهر فلا تخفر ذمته ، وكان يقول : وحش أرض كذا في جواري ، فلا يهاج ! وكان هو الذي ينزل القوم منازلهم ، ويرحلهم ، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره ، وقد بلغ من عزته ، وبغيه أنه اتخذ جرو كلب ، فكان إذا نزل منزلا به كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي ، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه ، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب ، فضرب به المثل في العز فقيل : أعز من كليب وائل . وكان يحمي الصيد فيقول : صيد ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئا .

قيل انه مر يوما بمرعى فيه قبرة وقد باضت ، فلما رأته صرصرت ، وخفقت بجناحيها ، فقال :

من روعك ؟ أنت في ذمتي ، ثم أنشد :
يالك من قبرة بمعمري # # # لا ترهبي خوفا ولا تستنكري
قد ذهب الصياد عنك فابشري # # # ورفع الفخ فماذا تحذري
خلا لك الجو فبيضي واصفري # # # ونقري ما شئت أن تنقري
فأنت جاري من صروف الحذر # # # إلى بلوغ يومـك المقـدر

* قتله جساس بن مرة البكري غيلة على غدير الذنائب سنة 132 قبل الهجرة ، حيث أن قبيلة بكر بن وائل ، وتغلب بن وائل ظعنتا ؛ فمرت بكر بن وائل على نهي ( غدير ) يقال له شبيت ، فنفاهم كليب عنه ، وقال : لا يذوقون منه قطرة ، ثم مروا على نهي آخر يقال له الأحص ، فنفاهم عنه وقال : لا يذوقون منه قطرة ، ثم مروا على بطن وادي الجريب فمنعهم إياه ، فمضوا حتى نزلوا الذنائب ، واتبعهم كليب وحيه حتى نزلوا عليه ، فمر عليه جساس ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذهل ، وهو واقف على غدير الذنائب ، فقال له : طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشا ! فقال كليب : ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون . فقال له جساس : هذا كفعلك بناقة خالتي ( يعني البسوس ) ، فقال له : أو قد ذكرتها ! أما إني لو وجدتها في غير ابل مرة لاستحللت تلك الإبل بها ! أتراك مانعي أن أذب عن حماي !
فعطف عليه جساس فرسه فطعنه برمح فأنفذ حضنيه . فلما أحس بالموت قال : يا جساس ، اسقني من الماء . فقال : ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه . فالتفت إلى عمرو وقال له : يا عمرو ؛ أغثني بشربة ماء ، فنزل إليه وأجهز عليه . وضرب بهذا المثل القائل :

المستجير بعمرو عند كربته # # # كالمستجير من الرمضاء بالنار

قال المهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا :

كليب لا خير في الدنيا ومن فيها # # # إذ أنت خليتها فيمن يخليها
كليب أي فتى عز ومكرمة # # # تحت السقائف إذ يعلوك سافيها
نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم # # # مالت بنا الأرض أو زالت رواسيها

وقامت بسبب قتل كليب حرب ( البسوس ) بين تغلب ، وبكر ؛ التي استمرت أربعين سنة

الحلقة الخامسه
ــــــــــــــــــــــ

*** السمو أل بن عادياء :

هو : السموءل بن حيا بن عادياء بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن الحارث بن قحطان .

شاعر جاهلي حكيم ، من سكان خيبر في شمال المدينة ، كان يتنقل بينها وبين حصن له في تيماء سماه ( الأبلق ) ، أشهر شعره لاميته ، وهي من أجود الشعر .
وكان معتنقا للديانة اليهودية ، وبه ضرب المثل في الوفاء ،
فقيل : أوفى من السموءل .

وكان من قصة وفاءه بالعهد أن امرؤ القيس بن حجر الكندي أستودع عنده امرأته ، وأدرعه ، وماله قبل ذهابه إلى قيصر الروم .. ولما مات امرؤ القيس عام 58 قبل الهجرة جاء الحارث بن أبي شمر المعروف بالأعرج إلى السموأل فطلب منه دروع امرئ القيس ، وأسلحته ، فأبى السموءل ، وتحصن بحصنه الأبلق ، فأخذ الحارث ابنا له وناداه : أما أن تسلم الأدرع لي ، وإما قتلت ولدك . فأبى أن يسلم الأدرع . فضرب وسط الغلام بالسيف فقطعه وأبوه يراه وانصرف . ثم جاء السموأل إلى ورثة امرئ القيس وسلمهم الأدرع . فضرب به المثل في الوفاء ؛ فقيل : أوفى من السموأل .

ومن أشعاره قوله :
وما مات منا سيد حتف أنفه # # # ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظبات نفوسنا # # # وليس على غير السيوف تسيل

وقوله :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه # # # فكل رداء يرتديه جميل
وان هو لم يحمل على النفس ضيمها # # # فليس إلى حسن الثناء سبيل
إذا المرء أعيته المروءة يافعا # # # فمطلبها كهلا عليه ثقيل

وقوله :
تعيرنا أنا قليل عديدنا # # # فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا # # # عزيز وجار الأكثرين ذليل

* توفي سنة 63 قبل الهجرة .



الحلقة السادسة
ــــــــــــــــــــــــ

* توفي سنة 63 قبل الهجرة .

*** اياس بن معاوية :
اياس بن معاوية بن قرة بن اياس بن هلال بن رئاب بن عبيد بن سواءة بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليم بن أوس بن عمرو بن أد ( مزينة ) بن طابخة بن الياس بن مضر .
القاضي ، أبو وائلة ، ضرب فيه المثل لذكائه فقيل : أذكى من اياس بن معاوية .

ولا ه عمر بن هبيرة الفزاري القضاء ، في عهد يزيد بن عبدالملك ، وأعطاه مئة درهم ، وكانت أول مال تمولها .
وكان من خبر ذكائه أن رجلا استودع رجلا مالا ثم طلبه فجحده فخاصمه إلى القاضي اياس بن معاوية . فقال الطالب : إني دفعت المال إليه . قال : ومن حضر . قال : دفعته في مكان كذا وكذا ، ولم يحضرنا أحد . قال : فأي شيء في ذلك الموضع . قال : شجرة . قال : فانطلق إلى ذلك الموضع ، وانظر الشجرة فلعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يتبين به حقك ؛ لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت ؛ فتتذكر إذا رأيت الشجرة ، فمضى الرجل .
قال اياس للمطلوب : اقعد حتى يرجع خصمك ، فقعد ، واياس يقضي وينظر إليه ساعة ، ثم قال له : يا هذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر . قال : لا . قال : يا عدو الله ؛ انك لخائن ! قال : أقلني أقالك الله . فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل . فقال له اياس : قد أقر لك بحقك ، فخذه وانصرف .

ومن ذكائه أنه دخل عليه ثلاث نسوة . فقال : أما واحدة فمرضع ، والأخرى بكر ، والثالثة ثيب ! فقيل له : بم علمت ؟ قال : أما المرضع : فإنها لما قعدت أمسكت ثديها بيدها ، وأما البكر : فلما دخلت لم تلتفت إلى أحد ، وأما الثيب : فلما دخلت رمقت بعينيها يمينا وشمالا !

ومن أقواله :
كلمت الفرق كلها ببعض عقلي ، وكلمت القدري بعقلي كله ، فقلت له : دخولك فيما ليس لك ظلم منك ؟ قال : نعم . قلت : فان الأمر كله لله .

وقوله : لست بخب ، ولا الخب يخدعني .


الحلقة السابعه
ـــــــــــــــــــــــــــ

*** قيس بن عاصم :

هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .

* ضرب به المثل في سيادته لقومه فقيل : أسود من قيس ين عاصم .

وقيل له : بم سودك قومك ؟ قال : بكف الأذى ، وبذل الندى ، ونصر المولى .

وفد قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه ، وقال :
( هذا سيد الوبر ) ، وذلك لسؤدده في قومه بالذب عن حريمهم ، وبذله رفده لهم .

ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه .

من أقوال قيس بن عاصم رضي الله عنه : الشيب خطام المنية .
وقال لبنيه لما حضرته الوفاة : احفظوا عني ، فلا أحد أنصح لكم مني ؛ إذا أنا مت فسودوا كباركم ، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم .

قيل في رثائه :

عليك سلام الله قيس بن عاصم ### ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمة ### إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس هلكه هلك واحد ### ولكنه بنيان قــوم تهدما


الحلقة الثامنة
ــــــــــــــــــــــ

*** الحارث بن ظالم :

هو : الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان ؛ الفاتك المشهور .

ضرب فيه المثل فقيل : أمنع من الحارث بن ظالم ، حيث امتنع على الملك الأسود بن المنذر ،
ولم يستطع الملك الأسود بن المنذر أن يظفر به بعد قتله خالد بن جعفر الكلابي العامري ، وهو في جواره .

ومثله قيل : أمنع من عقاب الجو . لعلوه وارتفاعه وصعوبة الحصول عليه ، وصيده ، والظفر به .

ومن حكاية ذلك أنه لما قتل خالد بن جعفر بن كلاب زهير بن جذيمة العبسي ضاقت به الأرض ، وعلم أن غطفان غير تاركيه ؛ فخرج حتى أتى الأسود بن المنذر ( أخي النعمان بن المنذر ) فاستجار به فأجاره ، ومعه أخوه عتبة بن جعفر .
ونهض قيس بن زهير فتهيأ لمحاربة بني عامر ، وهجم الشتاء ؛ فقال الحارث بن ظالم : يا قيس ؛ أنتم أعلم وحربكم ، وأنا راحل إلى خالد حتى أقتله ، قال قيس : قد أجاره النعمان ، قال الحارث : لأقتلنه ولو كان في حجره !
اجتمع مع خالد بن جعفر الكلابي في بلاط الملك الأسود بن المنذر ( أخي النعمان بن المنذر ) ، وكان بينه وبين خالد بن جعفر عداوة قديمة ؛ حيث أن ظالم بن جذيمة هلك من جراح أصابته بعد أن أغار خالد بن جعفر على ذبيان يوم بطن عاقل فقتل الرجال حتى أسرف ، وبقيت النساء ، والحارث بن ظالم يومئذ صغير ، فنشأ على بغض خالد ..
فلما اجتمعا في بلاط الملك الأسود بن المنذر دعا لهما بتمر ، فجيء به على نطع فجعل بين أيديهم ، فطفق خالد يأكل ويلقي نوى ما يأكل من التمر بين يدي الحارث . فلما فرغ القوم قال خالد : أبيت اللعن ! أنظر إلى ما بين يدي الحارث من النوى ، فما ترك لنا تمرا إلا أكله ، فقال الحارث : أما أنا فأكلت التمر وألقيت النوى ، وأما أنت يا خالد فأكلته بنواه !
فغضب خالد - وكان لا ينازع - وقال : أتنازعني يا حارث وقد قتلت حاضرتك ، وتركتك يتيما في حجور النساء ؟ فقال الحارث : ذلك يوم لم أشهده ، وأنا مغن اليوم بمكاني . فقال خالد : ألا تشكر يدي عندك أن قتلت عنك سيد قومك زهير بن جذيمة وجعلتك سيد غطفان ؟ قال : بلى ، سأجزيك شكر ذلك !
فلما خرج الحارث قال الأسود لخالد : ما دعاك إلى أن تحترش بهذا الكلب وأنت ضيفي ؟ فقال له خالد : أبيت اللعن ! إنما هو عبد من عبيدي ، فوالله لو كنت نائما ما أيقظني .
وانصرف خالد إلى قبته ، فلامه أخوه عتبة بن جعفر فقال له : ما أردت بكلامه وقد عرفته فتاكا ! فقال خالد : وما تخوفني منه ؟ فوالله لو رآني نائما ما أيقظني . ثم أشرج خالد قبته عليه وعلى أخيه وناما .
وانصرف الحارث إلى رحله ، وكان معه تبيع له من بني محارب يقال له خراش ، فلما هدأت العيون أخرج الحارث ناقته وقال لخراش : كن لي بمكان كذا ، فان طلع كوكب الصبح ( الزهرة ) ولم آتك فانظر أي البلاد أحب إليك فاغمد لها . فلما هدأت العيون خرج بسيفه حتى أتى قبة خالد ، فهتكها بسيفه ، ثم ولجها ، فرأى خالدا نائما وأخوه إلى جنبه ، فأيقظ خالدا فاستوى قائما ، فقال له : أتعرفني ؟ قال : أنت الحارث ! فقال : يا خالد ؛ أظننت أن دم زهير كان سائغا لك ، فخذ جزاء يدك عندي ! وضربه بسيفه المعلوب فقتله ، وانتبه عتبة ، فقال له الحارث : لئن نبست لألحقنك به ! ثم خرج من القبة وركب فرسه ومضى على وجهه . وخرج عتبة صارخا : واجوار الملك ! حتى أتى باب الأسود ، فنادى : يا سوء جواراه ! فأجيب : لا روع عليك ! فقال : دخل الحارث على خالد فقتله ، وأخفر ذمة الملك .
قال الحارث : فلما سرت قليلا خفت أن أكون لم أقتله ، فعدت متنكرا واختلطت بالناس ، ودخلت عليه فضربته بالسيف حتى تيقنت أنه مقتول ، وعدت فلحقت بقومي .
وجه الأسود فوارس في طلب الحارث فلحقوه سحرا ، فعطف عليهم ، فقتل جماعة منهم وكثروا عليه ، فجعل لا يقصد لجماعة إلا فرقها ، ولا لفارس إلا قتله . فارتدع القوم عنه ، وانصرفوا إلى الأسود .
ولما رجع الحارث إلى قومه تشاءموا به ولاموه ، وأبوا أن يجيروه فكره أن يكون لهم عليه منة ، فهرب ونبت في البلاد . ثم أخذ يتنقل بين القبائل فلحق بعروض اليمامة وأتى صديقا له من كندة فالتف عليه.. ثم ذهب إلى بني عجل بن لجيم .. ثم إلى جبلي طيء .. وكل ذلك وهو ممتنع من الأسود بن المنذر .. ثم لحق ببلاد غطفان .. حتى أتى سنان بن أبي حارثة المري ، فوجد عنده شرحبيل ابن الملك الأسود بن المنذر ، وكان مسترضعا في بني مرة عند سلمى امرأة سنان ؛ فقتله . وهرب الحارث من فوره ذلك ، وهرب سنان بن أبي حارثة ، فلما بلغ الأسود قتل ابنه شرحبيل ، غزا بني ذبيان ، فقتل وسبى ، وأخذ الأموال ، وأغار على بني دودان بن أسد رهط سلمى التي كان شرحبيل في حجرها ..
وبعد ذلك هرب الحارث بن ظالم إلى بني تميم فلجأ إلى معبد بن زرارة فاستجار به فأجاره ، فكانت بسببه وقعة رحرحان ( جبل قريب من عكاظ ) عام 96 قبل الهجرة ؛ التي غزا فيها الأحوص بن جعفر الكلابي ( أخي خالد بن جعفر ) بني تميم فهزمهم .. ثم هرب الحارث حتى لحق بمكة و قريش ؛ لأنه يقال إن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان ، إنما هو مرة بن عوف بن لؤي بن غالب ؛ فتوسل إليهم بهذه القرابة ، وقال في ذلك :

إذا فارقت ثعلبة بن سعد # # # واخوتهم نسبت إلى لؤي
إلى نسب كريم غير دغل # # # وحي من أكارم كل حي
فان يك منهم أصلي فمنهم # # # قرابين الإله بنو قصي

فقالوا هذه رحم كرشاء ( بعيدة ) إذا استغنيتم عنها لن يتركم . قال : فشخص الحارث عنهم غضبان . وقال في ذلك :

ألا لستم منا ولا نحن منكم # # # برئنا إليكم من لؤي بن غالب
غدونا على نشز الحجاز وأنتم # # # بمنشعب البطحاء بين الأخاشب

ثم توجه إلى الشام ولحق بالملك يزيد بن عمرو الغساني فأجاره وأكرمه .. ثم قتل الحارث بن ظالم الخمس التغلبي الكاهن .. فلما فعل ذلك دعا به الملك فأمر بقتله ، فقال : أيها الملك انك قد أجرتني فلا تغدرن بي ! فقال الملك : لا ضير ، إن غدرت بك مرة فقد غدرت بي مرارا !وأمر ابن الخمس فقتله ( كان ذلك عام 24 قبل الهجرة ) ، وأخذ ابن الخمس سيف الحارث فأتى به عكاظ في الأشهر الحرم ، فأراه قيس بن زهير العبسي ، فضربه قيس فقتله ، وقال يرثي الحارث بن ظالم :

وما قصرت من حاضن ستر بيتها # # # أبر وأوفى منك حار بن ظالم
أعز وأحمى عند جار وذمة # # # وأضرب في كاب من النقع قاتم



الحلقة التاسعه
ـــــــــــــــــــــ

*** سحبان وائل :

هو : ؟

* ضرب فيه المثل لبلاغته وفصاحته فقيل : أبلغ من سحبان وائل.

من أقواله :
العقل بالتجارب ؛ لأن عقل الغريزة سلم إلى عقل التجربة .

وقال حميد الأرقط :

تجهز كفاه و يحدر حلقه # # # إلى الزور ما ضمت علي الأنامل
أتانا وما سواه سحبان وائل # # # بيانا وعلما بالذي هو قائل
فما زال عنه اللقم حتى كأنه # # # من العي لما أن تكلم باقل

وذكر علي بن عبيدة القلم فقال :

أصم يسمع النجوى ؛ أعيا من باقل ، وأبلغ من سحبان وائل ؛ يجهل الشاهد ، ويخبر الغائب
؛ ويجعل الكتب بين الإخوان ألسنا ناطقة ، وأعينا لاحظة ، وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الألسن عند المشاهدة .



الحلقة العاشره
ــــــــــــــــــــــ

*** الأحنف بن قيس :

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
أبو بحر ، سيد تميم ، ومن سادات التابعين ، ولد سنة 3 قبل الهجرة . أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، وأسلم قومه بإشارته ، له رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .

* ضرب فيه المثل لحلمه فقيل : أحلم من الأحنف بن قيس.

* قيل له : ممن تعلمت قال : من قيس بن عاصم المنقري .

قال الأحنف : من لم يصبر على كلمة سمع كلمات .

وقال : آفة الحلم الذل .

وقال : لا حلم لمن لا سفيه له .

وقال : ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا . وأنشد :

لا بد للسؤدد من رماح # # # ومن رجال مصلتي السلاح
يدافعون دونه بالراح # # # ومن سفيه دائم النباح

وقال : رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه . وأنشد :

رضيت ببعض الذل خوف جميعه # # # كذلك بعض الشر أهون من بعض

وقال : ما نازعني أحد قط إلا أخذت أمري بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت قدره ، وان كان دوني أكرمت نفسي عنه ، وان كان مثلي تفضلت عليه .

وقال : وجدت الحلم أنصر لي من الرجال .

قيل للأحنف : ما الحلم ؟ فقال : قول إن لم يكن فعل ، وصمت إن ضر قول .

وكان الأحنف بن قيس : أعور ، أعرج ولكنه إذا تكلم جلا عن نفسه .
فقد قال له رجل يوما : بم سودك قومك وما أنت بأشرفهم بيتا ، ولا أصبحهم وجها ، ولا أحسنهم خلقا ؟ قال : بخلاف ما فيك يابن أخي . قال : وما ذاك ؟ قال : بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك .

وقال له رجل : علمني الحلم يا أبا بحر . قال : هو الذل يا بن أخي ، أفتصبر عليه ؟

وقال هشام بن عبدالملك لخالد بن صفوان : بم بلغ فيكم الأحنف ما بلغ ؟ قال : إن شئت أخبرتك بخلة ، وان شئت بخلتين ، وان شئت بثلاث . قال : ما الخلة ؟ قال : كان أقوى الناس على نفسه . قال : فما الخلتان ؟ قال : كان موقي الشر ، ملقي الخير . قال : فما الثلاث ؟ قال : كان لا يجهل ، ولا يبغي ، ولا يبخل .

دعا معاوية الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب فقال : إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد طعنت على السلف ، وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ؛ فقد رأيت أن أقتل شطرا وأدع شطرا لإقامة السوق ، وعمارة الطريق ؛ فما ترون ؟
فقال الأحنف : أرى أن نفسي لا تطيب ؛ أخي لأمي ، وخالي ، ومولاي ، وقد شاركناهم وشاركونا في النسب . فظنت أني قد قتلت عنهم ؛ وأطرق .
فقال سمرة بن جندب : اجعلها إلي أيها الأمير ، فأنا أتولى ذلك منهم وأبلغ منه .
فقال : قوموا حتى أنظر في هذا الأمر .
فقال الأحنف : فقمنا عنه وأنا خائف ، وأتيت أهلي حزينا ؛ فلما كان بالغداة أرسل الي ، فعلمت أنه أخذ برأيي ، وترك رأي سمرة . توفي بالكوفة سنة 72 هجرية .




الحلقة العاشره
ــــــــــــــــــــــ

*** الأحنف بن قيس :

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
أبو بحر ، سيد تميم ، ومن سادات التابعين ، ولد سنة 3 قبل الهجرة . أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، وأسلم قومه بإشارته ، له رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .

* ضرب فيه المثل لحلمه فقيل : أحلم من الأحنف بن قيس.

* قيل له : ممن تعلمت قال : من قيس بن عاصم المنقري .

قال الأحنف : من لم يصبر على كلمة سمع كلمات .

وقال : آفة الحلم الذل .

وقال : لا حلم لمن لا سفيه له .

وقال : ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا . وأنشد :

لا بد للسؤدد من رماح # # # ومن رجال مصلتي السلاح
يدافعون دونه بالراح # # # ومن سفيه دائم النباح

وقال : رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه . وأنشد :

رضيت ببعض الذل خوف جميعه # # # كذلك بعض الشر أهون من بعض

وقال : ما نازعني أحد قط إلا أخذت أمري بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت قدره ، وان كان دوني أكرمت نفسي عنه ، وان كان مثلي تفضلت عليه .

وقال : وجدت الحلم أنصر لي من الرجال .

قيل للأحنف : ما الحلم ؟ فقال : قول إن لم يكن فعل ، وصمت إن ضر قول .

وكان الأحنف بن قيس : أعور ، أعرج ولكنه إذا تكلم جلا عن نفسه .
فقد قال له رجل يوما : بم سودك قومك وما أنت بأشرفهم بيتا ، ولا أصبحهم وجها ، ولا أحسنهم خلقا ؟ قال : بخلاف ما فيك يابن أخي . قال : وما ذاك ؟ قال : بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك .

وقال له رجل : علمني الحلم يا أبا بحر . قال : هو الذل يا بن أخي ، أفتصبر عليه ؟

وقال هشام بن عبدالملك لخالد بن صفوان : بم بلغ فيكم الأحنف ما بلغ ؟ قال : إن شئت أخبرتك بخلة ، وان شئت بخلتين ، وان شئت بثلاث . قال : ما الخلة ؟ قال : كان أقوى الناس على نفسه . قال : فما الخلتان ؟ قال : كان موقي الشر ، ملقي الخير . قال : فما الثلاث ؟ قال : كان لا يجهل ، ولا يبغي ، ولا يبخل .

دعا معاوية الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب فقال : إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد طعنت على السلف ، وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ؛ فقد رأيت أن أقتل شطرا وأدع شطرا لإقامة السوق ، وعمارة الطريق ؛ فما ترون ؟
فقال الأحنف : أرى أن نفسي لا تطيب ؛ أخي لأمي ، وخالي ، ومولاي ، وقد شاركناهم وشاركونا في النسب . فظنت أني قد قتلت عنهم ؛ وأطرق .
فقال سمرة بن جندب : اجعلها إلي أيها الأمير ، فأنا أتولى ذلك منهم وأبلغ منه .
فقال : قوموا حتى أنظر في هذا الأمر .
فقال الأحنف : فقمنا عنه وأنا خائف ، وأتيت أهلي حزينا ؛ فلما كان بالغداة أرسل الي ، فعلمت أنه أخذ برأيي ، وترك رأي سمرة . توفي بالكوفة سنة 72 هجرية .



الحلقة العاشره
ــــــــــــــــــــــ

*** الأحنف بن قيس :

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
أبو بحر ، سيد تميم ، ومن سادات التابعين ، ولد سنة 3 قبل الهجرة . أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، وأسلم قومه بإشارته ، له رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .

* ضرب فيه المثل لحلمه فقيل : أحلم من الأحنف بن قيس.

* قيل له : ممن تعلمت قال : من قيس بن عاصم المنقري .

قال الأحنف : من لم يصبر على كلمة سمع كلمات .

وقال : آفة الحلم الذل .

وقال : لا حلم لمن لا سفيه له .

وقال : ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا . وأنشد :

لا بد للسؤدد من رماح # # # ومن رجال مصلتي السلاح
يدافعون دونه بالراح # # # ومن سفيه دائم النباح

وقال : رب غيظ تجرعته مخافة ما هو أشد منه . وأنشد :

رضيت ببعض الذل خوف جميعه # # # كذلك بعض الشر أهون من بعض

وقال : ما نازعني أحد قط إلا أخذت أمري بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت قدره ، وان كان دوني أكرمت نفسي عنه ، وان كان مثلي تفضلت عليه .

وقال : وجدت الحلم أنصر لي من الرجال .

قيل للأحنف : ما الحلم ؟ فقال : قول إن لم يكن فعل ، وصمت إن ضر قول .

وكان الأحنف بن قيس : أعور ، أعرج ولكنه إذا تكلم جلا عن نفسه .
فقد قال له رجل يوما : بم سودك قومك وما أنت بأشرفهم بيتا ، ولا أصبحهم وجها ، ولا أحسنهم خلقا ؟ قال : بخلاف ما فيك يابن أخي . قال : وما ذاك ؟ قال : بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك .

وقال له رجل : علمني الحلم يا أبا بحر . قال : هو الذل يا بن أخي ، أفتصبر عليه ؟

وقال هشام بن عبدالملك لخالد بن صفوان : بم بلغ فيكم الأحنف ما بلغ ؟ قال : إن شئت أخبرتك بخلة ، وان شئت بخلتين ، وان شئت بثلاث . قال : ما الخلة ؟ قال : كان أقوى الناس على نفسه . قال : فما الخلتان ؟ قال : كان موقي الشر ، ملقي الخير . قال : فما الثلاث ؟ قال : كان لا يجهل ، ولا يبغي ، ولا يبخل .

دعا معاوية الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب فقال : إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد طعنت على السلف ، وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ؛ فقد رأيت أن أقتل شطرا وأدع شطرا لإقامة السوق ، وعمارة الطريق ؛ فما ترون ؟
فقال الأحنف : أرى أن نفسي لا تطيب ؛ أخي لأمي ، وخالي ، ومولاي ، وقد شاركناهم وشاركونا في النسب . فظنت أني قد قتلت عنهم ؛ وأطرق .
فقال سمرة بن جندب : اجعلها إلي أيها الأمير ، فأنا أتولى ذلك منهم وأبلغ منه .
فقال : قوموا حتى أنظر في هذا الأمر .
فقال الأحنف : فقمنا عنه وأنا خائف ، وأتيت أهلي حزينا ؛ فلما كان بالغداة أرسل الي ، فعلمت أنه أخذ برأيي ، وترك رأي سمرة . توفي بالكوفة سنة 72 هجرية .


الحلقة الحادية عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*** أبو ذرالغفاري :

هو : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة . الصحابي الجليل رضي الله عنه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه ؟
فقال أبو ذر : أنا . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؛ من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر ) . لذلك ضرب فيه المثل لصدقه ، فقيل : أصدق من أبي ذر الغفاري .
وكان رضي الله خامسا في الإسلام ، لكنه رجع إلى بلاد قومه ، فأقام حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .
وفي شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة تجمع نصارى العرب مع جند الروم لمحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووصلت مقدمتهم إلى البلقاء من أرض الشام ..
فعلم بتجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأمر أصحابه بالتهيؤ لغزوهم ، وذلك في زمن عسرة من الناس ، وشدة من الحر ، وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص عنها ..

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يقصد إليه ، إلا غزوة تبوك فانه بينها للناس ؛ لبعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته .. أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وأخبرهم أنه يريد غزو الروم ؛ فتجهز الناس ، على ما في أنفسهم من الكره لذلك الوجه ، لما عرفوا من كثرة الروم وقوتهم ، واثاقل بعض المنافقين ، وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم فراسته حينا ، وبوحي الله أحيانا ...
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل ، فيقال : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول الله ؛ قد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ،
فقال : دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه .
وتلوم ( تلبث ، وانتظر ) أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ به أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر الرسول ماشيا ، ونزل الرسول في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين . فقال : يا رسول الله ؛ إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم : كن أبا ذر ! لما تأمله القوم قالوا : هو والله أبو ذر ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ! يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
فضرب الدهر ضربانه وتولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة .. فدخل أبو ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه ‘ فانتهى إليه ، فسلم ، وحسر عن رأسه ، ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال : أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين ؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم ( يقصد الخوارج ) ، قال ابن شوذب : سيماهم الحلق . قال له عثمان : صدقت يا أبا ذر ؛ إنما أرسلنا إليك لتجاورنا في المدينة . قال : لا حاجة لي في ذلك ، ائذن لي إلى الربذة . قال : نعم ، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة ، تغدو عليك وتروح . قال : لا حاجة لي في ذلك ، يكفي أبا ذر صريمته . ثم استأذنه بالذهاب إلى الربذة ، فلما خرج قال : دونكم معاشر قريش ، دنياكم فاعذموها ، ودعونا وربنا ...
قالت أم ذر : والله ما سير عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بلغ البناء سلعا ، فاخرج منها ) .

فلما حضرته الوفاة ، أوصى امرأته وغلامه ، فقال : إذا مت فاغسلاني وكفناني ، وضعاني على الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولا : هذا أبو ذر .

فلما مات رضي الله عنه فعلا به ذلك ، فاطلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير . فإذا عبدالله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة عمارا ، فقال : ما هذا ؟ قال الغلام : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يرحم الله أبا ذر ؛ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ) .
فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه . وكانت و فاته رضي الله عنه ، وأرضاه لأربع سنين بقيت من أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه



والبقية تأتي إن شاء الله
أتمنى تثبيت الموضوع
وشكرا



1
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بياعة الورد2
بياعة الورد2
جزاك الله خير
موضوع حلو