سيرة الشيخ عبد القادر الارناؤط رحمه الله

ملتقى الإيمان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
نعزي الأمة الإسلامية عامة، وأهل العلم والحديث خاصة بوفاة كبير المحدِّثين، وريحانة العلماء العاملين، والدعاة الصابرين، ونادرة المحققين، شيخنا العلامة السلفي أبي محمود عبد القادر الأرناؤوط الدمشقي رحمه الله تعالى.

حيث انتقل إلى رحمة الله فجأة فجر الجمعة 13 شوال 1425 وصلى عليه عشرات الآلاف بعد صلاة الجمعة في جامع زين العابدين بحي الميدان في دمشق، الذي خطيبه الشيخ كريّم راجح شيخ قراء دمشق.
إنا لله وإنا إليه راجعون، وأحسن الله عزاءكم .

وهذه ترجمة موجزة بحسب المقام :

مولده واسمه:
وُلد شيخنا رحمه الله في بلدة فريلا في إقليم كوسوفو بالبلقان سنة 1347 ثم هاجر وهو في الثالثة مع أبيه إلى دمشق، وذلك فرارا من اضطهاد الملاحدة الشيوعيين للمسلمين هناك، وفي دمشق ألقى عصا التسيار، واستقر وأمضى حياته المباركة، مع احتفاظه بصلات دعوية مع بلده الأم.
اشتهر شيخنا باسم عبد القادر الأرناؤوط، إلا أن اسمه الحقيقي في الهوية هو: "قدري صوقل عبدو" والأرناؤوط نسبة كان يطلقها العثمانيون على أهالي ناحية ألبانيا.

نشأته العلمية ومشايخه:
نشأ الشيخ في دمشق، وكان والده عاميا محبا للعلم، فدفعه مبكرا لحلقات المشايخ، ودرس أول نشأته مبادئ الفنون على الشيخ صبحي العطار، وسليمان غاوجي الألباني (والد الشيخ وهبي) في حارة الأرناؤوط بدمشق، ثم اشتغل ساعاتيا في محل الشيخ سعيد الأحمر رحمه الله بحي العمارة، وهو من أهل العلم الأزهريين، فأُعجب بذكاء شيخنا، فقال لأبيه: ابنك هذا ينبغي أن يكون طالب علم، وعلى أثر ذلك انضم شيخُنا إلى حلقة الشيخ صالح الفرفور في الجامع الأموي، وكان زملاؤه آنذاك المشايخ: عبدالرزاق الحلبي، ورمزي البزم، وأديب الكلاس، وشعيب الأرناؤوط.
ونظرا لتميز شيخنا في تجويد القرآن الكريم فقد صار يقرئ زملاءه المذكورون ويعلمهم التجويد، ثم ارتقى حتى
صار يقرأ عند شيخ القراء محمود فايز الديرعطاني، وختم عنده لحفص، وكان الشيخ الديرعطاني يحب قراءة شيخنا وسلامة مخارج الحروف عنده، ويقول له: أنت قراءتك سليقية، وحاول أن يستمر ويجمع عليه القراءات، إلا أن شيخنا آثر الانصراف إلى علم الحديث.
وللتنبيه فقد رأيت في كلام بعض من ترجم شيخَنا أنه درس عند عبدالرزاق الحلبي، وهذا غير صحيح، بل جمعتهما الزمالة أول الطلب.
ولم يحصل شيخنا على شيء من الشهادات العصرية، اللهم إلا شهادة الصف الخامس الابتدائي من مدرسة الإسعاف الخيري؛ التي درس فيها بعد سنتين من دراسة في مدرسة الأدب الإسلامي.
واستمر شيخُنا في طلب العلم والمطالعة والدعوة، ورزقه الله حافظة قوية، أفادته في العلم والحفظ، واستفاد من عمله في المكتب الإسلامي عند الشيخ زهير الشاويش، برفقة العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وشعيب الأرناؤوط، وغيرهم، كما استفاد من صلته بشيخ السلفيين بالشام محمد بهجت البيطار، المعروف في الشام والحجاز ونجد.
وحصلت لشيخنا بعض الإجازات بأخرة، من أشهرهم الشيخين: عبد الغني الدقر، والشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل تدبجا.
المنهج السلفي:
في آخر فترة دراسته على الشيخ صالح فرفور حصلت لشيخنا مشكلة معه، تتلخص أنه عُقدت له جلسة محاكمة بجريمة اقتنائه للوابل الصيب لابن القيم! وأُبعد الشيخ عن الحلقة على إثرها بتهمة الوهابية! وقاطعه زملاؤه تبعا، وتهمة (وهابي) كان أشنع تهمة يُمكن أن يُرمى بها إنسان في دمشق آنذاك، وتساوي كلمة (زنديق)!!
وكان الشيخ وقتها لا يعلم شيئا عن الوهابية، ولكن هذه الحادثة، وتعلقه المبكر بالحديث، ولا سيما مدارسته وحفظه من صحيح مسلم، والتوجيهات اللطيفة من شيخنا المعمّر عبدالرحمن الباني حفظه الله، كانت هي الأسباب المباشرة لتحوله سلفيا، حتى نال الإمامة فيها، ووصلت سمعته إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولا سيما في علم الحديث، ولعله لم يكن بعد الشيخ الألباني أكبر من شيخنا خدمة لعلم الحديث، حتى كان شيخنا ممن طُرح اسمه لترشيحه لجائزة الملك فيصل الأخيرة لخدمة الإسلام.

أعماله الوظيفية:
وتولى شيخنا الإمامة والخطابة في جامع الأرناؤوط وهو في أول العشرين تقريبا، وهناك تعرف على جاره الشيخ الألباني دون أن تكون له به صلة علمية وقتها.
ثم قام مع أهل الخير ببناء جامع عمر بن الخطاب في منطقة القدم جنوبي دمشق، وأمّ وخطب فيه عشر سنوات، ثم خطيبا في جامع الإصلاح بمنطقة الدحاديل عشر سنوات، ثم جامع المحمدي في المزة ثمان سنوات، وهناك توقف عن الخطابة سنة 1415
أما التدريس فقد بدأ به في حلقة شيخه صالح الفرفور في علم التجويد كما تقدم، ثم درّس علوم القرآن والحديث في مدرسة الإسعاف الخيري -التي تخرج منها- بين سنتي (1373-1380) تقريبا.
وفي سنة 1381 انتقل مدرسا للقرآن والفقه إلى المعهد العربي الإسلامي، وبقي مدرسا في معاهد دمشق العلمية إلى ما قبل سنتين تقريبا في معهد الأمينية.
فكانت حصيلة شيخنا رحمه الله في التعليم والإمامة والخطابة خمسون سنة، قضاها احتسابا لله تعالى.
من الجدير بالذكر أن علامة الشام الشيخ محمد بهجت البيطار كان قد أسند إليه في حياته إمامة جامع الشوربجي بالميدان والتدريس فيه، وهذه تزكية علمية عملية عالية لشيخنا الأرناؤوط.
كما ابتعثه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله إلى البلقان للدعوة منذ خمس وأربعين سنة، وذلك لما التقى سماحته بشيخنا في المسجد النبوي، وأُعجب بكلمة ألقاها، وعلم منه أنه يتقن اللغة الألبانية.
كذلك فقد تصدى شيخُنا لإفتاء الناس وفتح بابه لمشكلاتهم، ولا نظير له في ذلك إلا سماحة الشيخ ابن باز، حتى أمّه الناس من مختلف أنحاء سوريا، ولا سيما في مسائل الطلاق، إذ كان يفتي على مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبقي يفتي ويتصدى لمختلف شرائح الناس إلى ما قبل وفاته ببضعة أشهر، ومن نافلة القول أن بابه مفتوح لطلبة العلم، إلى درجة أنه لم يستطع أن ينظم أوقاته مع الناس.
كما سافر للدعوة وإلقاء المحاضرات والندوات إلى بلاد شتى، وكانت له صلة دائمة بعلماء المملكة العربية السعودية وغيرها.
أعماله العلمية:
لم يعتن شيخنا بالتأليف، ومن أشهر رسائله: الوجيز في منهج السلف الصالح ووصايا نبوية، إلا أن شيخنا عُرف واشتهر بتحقيقاته وتصحيحاته للكتب، وهو من المكثرين في ذلك، حيث حقق أكثر من ستين كتابا في مختلف العلوم الإسلامية، ولعل من أشهر كتبه التي أخرجها من نحو أربعين سنة: (جامع الأصول) لابن الأثير، في (15) مجلدا، وبقي الكتاب إلى حين من أهم المراجع والموسوعات المطبوعة والمخدومة في علم الحديث، وكثير من الباحثين ينقل أحكام شيخنا منه، وهذا الكتاب هو الذي جعل شيخنا يغلب عليه الحديث.
ومن أشهر أعماله تحقيقه لزاد المعاد لابن القيم، بالاشتراك مع الشيخ شعيب الأرناؤوط، وهو كتاب كتب الله له القبول والانتشار.
ومنها: الأذكار للنووي، زاد المسير في علم التفسير، غاية المنتهى، المبدع شرح المقنع، روضة الطالبين، جلاء الأفهام، مشكاة المصابيح، الكافي للموفق، رفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية، مختصر منهاج القاصدين، فتح المجيد، شرح ثلاثيات المسند، مختصر شعب الإيمان، تحفة المودود في أحكام المولود، قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، الفرقان لابن تيمية، الوابل الصيب لابن القيم، الكلم الطيب لابن تيمية، التبيان في آداب حملة القرآن، التوابين لابن قدامة، وصايا الآباء للأبناء، الشفا للقاضي عياض، وغير ذلك.
كما قدم للكثير من الكتب، منها كتابي جمهرة الأجزاء الحديثية.

صفاته وأخلاقه:
كان شيخنا أبيض اللون مشربا بحمرة، أزرق العينين، أشقر، إلى الطول أقرب، قوي البنية، ذلك لأنه كان رياضيا بارعا في شبابه، وحفظ الله له صحته عموما إلى ليلة وفاته، إلا أن كسرا أصاب قدمه وأثّر على ركبته، مما جعله يجري عملية استبدال لمفصلي الركبة بعد سنوات من المعاناة، وأصيب آخر عمره بلقوة خفيفة في وجهه.
وكان شيخنا مرحا صاحب نكتة ودعابة، ومن أهم صفاته أنه لا يعرف التكبر ولا يرى لنفسه حظا، فقد كان شديد التواضع بالفطرة وزاده العلم تواضعا، ويكتب دائما في توقيعاته وعند اسمه: "العبد الفقير إلى الله العلي القدير، عبدالقادر الأرناؤوط ، خادم علم الحديث في دمشق"، وعندي بعض كتاباته الخطية يقول عن نفسه إنه طالب علم الحديث، وفي أخرى أنه ليس أهلا لأن يجيز، وهو آية في ترك التكلف، ومن سمع كلامه عرف فيه الإخلاص والصدق.
وهو مع ذلك قوي وجريء في بيان الحق والصدع به، أحسبه كان لا يخاف في الله لومة لائم، وله مواقف مشهودة في صلابته في السنة وتصديه للبدع والمنكرات وأهلها، وقصصه في هذا كثيرة.
وشيخنا كريم اليد، واجتماعي، كان يحضر دعوات الناس ومناسباتهم، إلا أن ميزته على كثير من المشايخ غيره أنه لا يكاد يضيع دقيقة من الوقت دون إرشاد ونصح، فما أن يجلس حتى يقول بصوته الجهوري الفصيح: روى فلان وفلان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يسرد شيخنا جملة من الأحاديث الجامعة المناسبة للحال، كل ذلك من حفظه المتقن، يرويها حرفيا لا بالمعنى، وبفصاحة دون تردد أو تلعثم.
وفاة الشيخ:
توفي شيخنا في دمشق فجر الجمعة 13شوال 1415 حسب تاريخ سوريا وتقويم أم القرى بالسعودية، أو 14 شوال حسب رؤية الهلال بالسعودية.
وقال محمد إبن الشيخ عبد القادر الأرناؤوط : "كان شيخنا أمس الخميس في كامل عافيته وصحته، ثم نام، ولما أرادت والدتي إيقاظه للفجر لم يرد عليها، ثم حرّكته فوجدته ميتا وجبينه متعرق، ولم يشعر به حتى أهله معه، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
وصلي على شيخنا بعد صلاة الجمعة في جامع زين العابدين بحي الميدان، وصلى عليه شيخ قراء الشام الشيخ كريّم راجح حفظه الله، وامتلأ الجامع مبكرا، وكذا الشوارع المحيطة به رغم البرد، وكانت جنازة لم تشهد مثلها دمشق منذ فترة طويلة.
ونحن نرجو حسن الخاتمة لشيخنا، حيث مات بعد صوم رمضان، وبعرق الجبين، ويوم الجمعة، ومات ثابتا عزيزا شامخا رغم الأذى والمضايقات التي حصلت له في الفترة القريبة جدا.
نسأل الله أن يتغمد الفقيد برحمته، وأن يخلف على الأمة من أمثاله، وأن يخفف مصاب أهله وتلامذته وأحبابه، إن جواد كريم.

وهذه أسئلة وجهها أحد طلبة العلم إلى الشيخ رحمه الله :
فضيلة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، نبذة موجزة عن حياتكم وبداية طلبكم للعلم منذ قدومكم إلى دمشق وحتى الآن.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإني أنا العبد الفقير إلى الله تعالى العلي القدير عبد القادر الأرناؤوط، أصل ولادتي في كوسوفا، وجئت مع والدي إلى دمشق وأنا صغير السن، كان عمري ثلاث سنوات تقريبا فقط، وطبعا في السنة الأولى تعلمنا شيئا من اللغة العربية، ثم دخلت مدرسة ابتدائية، وكان هناك مدرسة اسمها: مدرسة الأدب الإسلامي، وكان مديرها الشيخ أمين الحنفي؛ توفي منذ زمن رحمه الله، ولكن درست فيها سنة واحدة، ثم نقلوني إلى مدرسة أخرى ابتدائية اسمها مدرسة الإسعاف الخيري، فدرست فيها إلى الصف الخامس، وكان في ذلك الوقت الذي يتخرج من الصف الخامس يأخذ شهادة ابتدائية كانوا يسمونها (سرتفيكا) باللغة الفرنسية، فأنا ما أخذت شهادات مدرسية ولا درست دراسة أكاديمية، وإنما أخذت هذه الشهادة الابتدائية فقط.
لكن في ذلك الوقت كان عندنا شيخ في المدرسة الابتدائية، رجل أصله من المغرب اسمه الشيخ صبحي العطار، كان يعلمنا القرآن الكريم وتجويده، ويعلمنا الفقه، فاستفاد منه كثير من الناس، وأنا في جملة من استفاد منه، رحمه الله.
بعد ذلك اشتغلت عند رجل كان أزهريا في الأصل؛ درس في الأزهر وتخرج من الأزهر، وجاء إلى الشام، أصله من التلّ: الشيخ سعيد الأحمر رحمه الله، فكان يشتغل ساعاتيا قريبا من الجامع الأُموي، بمنطقة اسمها المسكيّة، وكان كلها مكتبات، وفيها بعض دكاكين الساعتية، فوالدي رحمه الله لا يعرف اللغة العربية، لمّا رأى هذا الشيخ بعمامة بيضاء ولحية سوداء وجبة، وهو يشتغل ساعاتي، قال له: هل تشغل هذا الولد عندك؟ فقال له: من أين أنت؟ فقال: من كوسوفا، يعني في يوغوسلافيا. فقال له: قد جاءني رجل من حرستا وعرض عليّ خمس ليرات ذهبية عثمانية على أن أعلم ولده، وأبيت، ومع ذلك باعتبار أنك غريب وولدك غريب؛ دعه عندي، وإن شاء الله سأعلمه هذه الصنعة.
وهذا الرجل في الحقيقة جاء في اليوم الثاني من الذي أتيت إليه فيه إلى الدكان أولا أعطاني مصحفا من القرآن الكريم، وقال لي: اقرأ يا بنيّ شيء من القرآن، فقرأت، فقال لي: أنت أين قرأت القرآن؟ فقلت له: قرأت القرآن عند الشيخ صبحي العطار رحمه الله. قال: قراءتك جيدة، وتجويدك جيد والحمد لله! ثم سألني عن شيء من علم الصرف، فقال: هل قرأت شيئا في علم الصرف؟ فقلت: قرأت عند الشيخ سليمان غاوجي الألباني –وكان هذا الشيخ رحمه الله جارا لنا في تلك الأيام في منطقة اسمها الديوانية في دمشق. قال لي: اصرِف لي باب نَصَر. وكان الأتراك والألبان وغيرهم دائما يبدؤون بباب نصر؛ تفاؤلا بالنصر، فقلت: نَصر ينصُر نصرا فهو ناصر ذاك منصور لم ينصر لمّا ينصر لِيَنْصر اُنصر لا تنصُر نُصير نصّار ما أنصره أنصِر به. قال لي: ما شاء الله! إذا تعرف الصرف. ثم طلب مني أن أعرب جملة من كتاب للكفراوي في النحو، فأعربتها له، وسُرّ مني، وكان ذلك في يوم من رمضان، فقال لي: من يجب عليه الصيام، ومن لا يجب؟ كنت أحفظ بيتين من الشعر في الفقه من الشيخ صبحي العطار، فقلت له:
عوارضُ الصوم التي قد يُغتفرْ *** للمرء فيها الفطرُ تسعٌ تُستطرْ
حبَلٌ وإرضاعٌ وإكراهٌ سَفَرْ *** مرضٌ جهادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ
فطلب مني أن أبين له هذه الأمور التسعة ما هي؟ فبينتها له، فقال: يا بني أنت يجب أن تكون طالب علم.
فأخذني إلى الجامع الأُموي، وكانت هناك حلقات علمية، كالشيخ صالح فُرفور وتلامذته، فقال لأحد التلامذة، وهو الشيخ عبد الرزاق الحلبي: ضعوا هذا الشاب معكم في الحلقات العلمية، وبدأنا ودرست على هؤلاء المشايخ..
ثم إن الشيخ نفسه –الشيخ سعيد الأحمر الذي بدأت أشتغل عنده في مهنة الساعات- أخذني أيضا إلى مدرسة كانت تسمى المدرسة الكاملية، وكان فيها رجل يعلم الناس القرآن والتجويد: الشيخ محمود فايز الديرعطاني، فطلب مني أن أقرأ القرآن عليه مرة أخرى من أوله إلى آخره، فقرأت عليه القرآن رحمه الله، وكان هذا الرجل في الحقيقة يحبني كثيرا، ويقول: هذا الغلام قراءته سليقية، وأراد مني أن أحفظ، فبدأت بالحفظ، وطلب مني أن أقرأ القراءات، ولكني لم ينشرح صدري للقراءات، وإنما انشرح صدري لطلب العلم ودراسة الفقه والقرآن والحديث والتفسير، فبدأت أطلب العلم على هؤلاء المشايخ.
مرت عليّ فترة من الزمن، بعد ذلك كنت أسمع الحديث من مشايخ الأموي، فأرى أن هذا الحديث يقول عنه الشيخ: رواه الطبراني في الأوسط عن فلان، أو رواه في الكبير أو الصغير عن فلان وفلان، فأرجع وأتأكد من الحديث في فيض القدير شرح الجامع الصغير، لأن أكثر المشايخ في دمشق في ذلك العهد في دمشق كانوا يقرؤون من الجامع الصغير للسُيوطي، والترغيب والترهيب للحافظ المُنذِري، وهذان الكتابات فيهما من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، مثلا في الجامع الصغير للسيوطي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ربيع أمتي العنب والبطيخ"، وهو حديثٌ موضوع، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الباذنجان لِما أُكل له"، حديث موضوع، فلذلك كنت أتأكد عندما أسمع الأحاديث في الجامع الصغير أو من الترغيب والترهيب، لأن الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب أيضا قال في مقدمة كتابه: كل حديث ذكرته في كتابي هذا وصدّرته في أوله بكلمة: "رُوي"، وأهملت الكلام عليه في آخره فهو حديث إما ضعيف أو موضوع، وهناك أحاديث من هذا النوع في كثير من الكتب، فلذلك كنت أتأكد من الأحاديث في الترغيب والترهيب أو في الجامع الصغير وأرجع إلى فيض القدير شرح الجامع الصغير للمُناوي، وأنظر أن الشيخ فلان والشيخ فلان ذكر حديثا في الجامع الأموي وسمعه الطلاب والناس مع أن ذلك الحديث ليس صحيحا، بل هو ضعيف، ولذلك أصبح عندي حبٌ للمطالعة في الحديث النبوي الشريف.
جلست عند معلمي في الساعات: الشيخ سعيد الأحمر التلّي خمس سنوات حتى تعلمت هذه المهنة، وكنت فيها معلّما ولله الحمد، ثم افتتحت دكانا لنفسي بعد خمس سنوات، في هذه الأثناء طلبني مدير المدرسة التي كنت فيها وأخذت منها الشهادة الابتدائية–مدرسة الإسعاف الخيري- أن أرجع وأدرّس في هذه المدرسة، ولما رجعت ودرّست فيها كان شيخي رحمه الله الشيخ صبحي العطار لا يزال معلما فيها، فجئت أنا، ففرح بي كثيرا، وقال: الحمد لله، لقد كنتَ طالبا عندنا، والآن أصبحت أستاذا معنا في هذه المدرسة..
فحُبب إليّ أن آخذ معي صحيح مسلم، فأخذت صحيح مسلم فقرأته في المدرسة بين الفرص أثناء تدريسي، فعند ذلك أخذت أقرأ كتابا بعد كتاب من كتب الحديث وأحفظ، باعتبار في ذلك الوقت كنت شابا ولم أكن متزوجا، وليس عندي أولاد ولا عندي مشاغل، فكنت أحفظ عدة أحاديث في اليوم الواحد، فهذا ما حدا بي وشجعني لأن أتعلم الحديث وأنظر في كتب الحديث، فأصبحت أرجع إلى كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغير ذلك من الأحاديث، إلى أن مضى فترة من الزمن، وكنت حققت في الشام كتاب جامع الأصول لابن الأثير الجَزَري، واشتغلت به خمس سنوات في تحقيقه، وهذا الكتاب يجمع موطأ الإمام مالك، والبخاري ومسلم وأبا داود والترمذي والنسائي، فعملت به، ورجعت إلى كثير من الكتب أثناء تحقيقي لمثل هذا الحديث..
وهناك مرّت عليّ ظروفٌ؛ كنت إماما في عدة المساجد، وكنت خطيبا في أكثر من مسجد، مسجدين أو ثلاثة، في المدة الأخيرة كنت خطيبا في جامع اسمه الجامع المحمدي، وهذا عندما استلمته كان جديدا، فتردد عليّ كثير من الشباب، وكانوا يسمعون الخطب ويسألون، وكنت دائما عقب خطبة الجمعة أعمل أسئلة وأجوبة، فيأتي الشباب فيسألون ويُجابون على هذه الأسئلة، من هنا بدأ بعض الناس وبعض المشايخ يحرّكون عليّ: إن الشيخ وهابي، فيطلبونني ويسألون: ما هو الوهابي؟ فأقول: ليس هناك مذهب وهابي جديد، وإنما هناك رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد؛ ظهر في ذلك الوقت، وهذا توفي عام 1206هـ ولكنه كان يحارب البدع والخرافات وأشياء ويدعو الناس إلى الكتاب وإلى السنة، ومذهبه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
بعد ذلك الناس اتهموني بالسلفية! فكنت أبيّن لهم أن السلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة التي كانت لم تغير ولم تبدل، وإنما ساروا على النهج الصحيح!
إلا أن بعض الناس وشى عليّ أن هذا الشيخ يتكلم أشياء وأشياء، حتى كانت آخر سنة من السنين التي كنت فيها خطيبا؛ كنت أتكلم في رأس السنة الميلادية، حيث بعض الشباب من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله كانوا يشاركون النصارى في عيدهم، ويشاركون النصارى في شرب الخمر ومشاكل النساء، فعند ذلك قلت خطبة يظهر أنها كانت قوية، وأنا أنادي الشباب المسلمين: إياكم وأن تشاركوا النصارى في أعيادهم وعاداتهم وتقاليدهم وفي شربهم الخمر ومشاكل النساء..
فمن هنا قالوا: إن هذا يدعو إلى الطائفية، ولذلك منعوني من الخطبة.
بعد ذلك جلست وقمت بتحقيق بعض كتب الحديث ولله الحمد، يعني تقريبا 40 إلى 50 كتابا حديثيا حتى الآن حققتها، أما تآليف فليس لي إلا بعض الرسائل، كرسالة الوجيز في منهج السلف الصالح، ورسالة وصايا نبوية: خمسة أحاديث نبوية مشروحة في رسالة صغيرة تباع، وأما بقية الأشياء فهي عبارة عن تحقيقات، فإذا أراد الإنسان أن ينظر إلى هذه الأشياء، فهناك رجل طُلب منه في كلية الشريعة في دمشق أن يكتب رسالة عند تخرجه عن أحد محدّثي هذا العصر، فكتب رسالة في هذا الموضوع عنّي سمّاها: كشف اللثام عن أحد محدّثي الشام؛ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهي رسالة مطبوعة، ولا أدري هنا في أي الدور هي، قد تكون في دار المعارف أو غيرها، وسألت أمس صاحب دار المعارف فقال: ليست عندي، ولكن يمكن أن آتي بها من دمشق، لأن الذي طبعها دار المأمون للتراث بيني وبينهم تعامل، فقال: سأطلبها من دمشق ونبيعها هنا إن شاء الله.
فمن أراد أن يعرف أو يدرس بعض تاريخ حياتي فهو موجود في هذه الرسالة بتوسع تقريبا أحسن مما ذكرته الآن.
هذا بالنسبة لحياتي التي مضت عليّ، نسأل الله أن يجعلها خيرا وبركة، ويختمها بالإيمان إن شاء الله.
أحسن الله إليكم يا شيخ.. علاقتكم مع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
كنا عند طلب العلم.. أو الشيخ الألباني رحمه الله كان جاري في المسجد الذي كنت أخطب فيه في الديوانية، فكان يصلي خلفي لكنه لم يكن بيننا وبينه اجتماع، ثم بعد ذلك مضت فترة من الزمن اجتمعنا في المكتبة الظاهرية عندنا، فكان الشيخ رحمه الله يأتي إلى هذه المكتبة ويدرُس فيها ويطالع فيها، ثم حُبب إليه الرجوع إلى المخطوطات، فكان ينظر في المخطوطات، ونحن كنا في ذلك الوقت نعمل للمكتب الإسلامي في دمشق، وكنا نرجع في بعض الكتب التي نحققها إلى المكتبة الظاهرية، فهناك عملوا غرفة صغيرة كان الشيخ يطالع فيها، ثم عملوا غرفة كبيرة للمحققين، فكنت أنا والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ والشيخ شعيب الأرناؤوط نجلس في هذه الغرفة، فهو يكتب ويقرأ ويطالع ويحقق في بعض الأمور، وأنا كنت أحقق بعض الكتب مع الشيخ شعيب الأرناؤوط للمكتب الإسلامي في المكتبة الظاهرية، وكنا نجتمع في ذلك الوقت كثيرا في هذه المكتبة.
بعد ذلك رجعنا إلى المكتب الإسلامي، فكنا نحقق فيه وننظر في الكتب، وأنا اشتغلت كما قلت في جامع الأصول وغير ذلك من الكتب في الحديث، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، ومثل زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية، واشتغلت في تحقيق عدة كتب في الفقه الشافعي وفي الفقه الحنبلي، وإلى الآن لا أزال أقوم بتحقيق بعض الكتب..
ولكن والحمد لله بيني وبين الشيخ ناصر الدين الألباني كان هناك محبة ومودة، وإن كنت قد أكون أنا أخالفه في بعض الأمور وهو يخالفني؛ ولكن لم نكن إلا على مودة ومحبة والحمد لله.
رحم الله الشيخ، ونسأل الله أن يختم لنا بالإيمان، وأن يجمعنا جميعا في الجنة.
أحسن الله إليكم يا شيخ.. علاقتكم مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، مع ذكر موقف من المواقف التي جمعتكم سابقا.
أما سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة رحمه الله فأول مرة اجتمعت به أنا كنت عندها أشتغل في جامع الأصول في الشام، فكنت كلما انتهى مجلد منه أرسل نسخة إلى الجامعة الإسلامية، وأرسل مجلدا إلى رابطة العالم الإسلامي، ومجلدا إلى حبيب الرحمن الأعظمي في الهند -لأني اجتمعت به في الشام، وكان لنا معرفة به- على أساس أن كل من قرأ الكتاب وله ملاحظة أن يبديها لنا جزاه الله خيرا.
فكنت جئت إلى الحج منذ أربعين عاما، وكانت في ذلك الوقت قد فُتحت الجامعة الإسلامية حديثا، والشيخ كان مدير الجامعة، وأنا كنت ألقيت كلمة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب خطبة الجمعة، فلما سمع الشيخ قال لطلابه: من المتكلم؟ قالوا: عبد القادر الأرناؤوط من دمشق، فقال لهم: اجلسوا.
وكنت ذكرت حديثا في ذلك الوقت وشرحته، والحديث:
روى أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، قال: لا تشرك بالله شيئا وإن قُتلت أو حرقت، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا؛ فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية؛ فإن بالمعصية حلّ سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على أهلك من طَولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في الله".
فعندما انتهيت من الكلام وشرحت هذا الحديث جاء سماحة الشيخ وسلّم عليّ ودعاني إلى الغداء، وفي طريقه سألني: هل هذا الحديث إسناده ضعيف؟ فقلت: نعم، إسناده في مسند الإمام أحمد فيه ضعف، وإسناده في معجم الطبراني فيه ضعف، ولكن له ثلاث شواهد يتقوى بها، فهو حديث حسن بشواهده. فقال لي: بارك الله! بارك الله!
وطلب مني أن آتي إليه كلما جئت إلى المدينة المنورة، سواء في حج أو عمرة أن أسلّم عليه.
فكنت أتردد عليه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتعرفت على كثير من المشايخ الذين كانوا يعملون مع الشيخ في ذلك الوقت، مثل الشيخ عمر فلاته رحمه الله، والشيخ حماد الأنصاري رحمه الله، والشيخ عبد المحسن العباد، وغيرهم من المشايخ.
ولما انتقل الشيخ إلى الرياض أيضا كنا نأتي إليه ونزوره، رحمه الله.
وكان لما سمع الشيخ من بعض الأساتذة في الجامعة الإسلامية أني أتقن اللغة الألبانية طلب مني وقال: يجب عليك أن تذهب إلى بلدك في السنة مرة لكي تدعوهم باللغة الألبانية لكي يفهموا عنك الشريعة الإسلامية..
وترددت سنوات عديدة إلى كوسوفا وأنا أدرّس فيها وأخطب فيها وأعلّم فيها، حتى أني طلبت منهم أن يرسلوا بعض الطلاب إلى الجامعة الإسلامية، وكان الشيخ رحمه الله قد قبلهم لكي يكونوا دعاة يرجعون إلى بلدهم يدعون إلى الله عز وجل.
وهكذا إلى قبيل وفاته رحمه الله كنا على صلة معه، حتى إني قبل وفاته بأيام كنت في مكة والمدينة، وطُلب مني أن أقول كلمة عن الشيخ، وتكلمت بها.. وهي موجودة ومسجلة عند بعض العلماء.
كلمة مختصرة في وفاة أهل العلم يا شيخ.
من المصائب في الدنيا أن يموت أهل العلم، ولذلك أيها الإخوة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبْقَ عالمٌ –أو: لم يُبْقِ عالما- اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"، وروى البخاري في صحيحه عن مرداس بن مالك الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير والتمر، لا يباليهم الله بالا"، كذلك روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهَرْج، وهو القتلُ القتل".
ولذلك فموت العلماء مصيبة، ولذلك يجب على طلاب العلم أن يدرسوا ويتعلموا لكي يحُلوا محل أولئك العلماء الذين ماتوا وذهبوا إلى الله عز وجل.
أحسن الله إليكم يا شيخ.. يتساهل بعض رقاق الدين في الصحابي الجليل معاوية، فما حكم ذلك أحسن الله إليكم؟
لا شك أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا بمعصومين، فقد يصدر الخطأ عنهم، وجُمهور العلماء من السلف والخلف على أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحق بالخلافة، وأن معاوية نازعه، ولكن هذه أمورٌ جرت في ذلك الوقت، فلا ينبغي أن نشغل الناس بها، ولذلك كان كثير من العلماء إذا ذُكر مثل هذه الأمور يقولون: "تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون"، فنترضى عنهم جميعا، ونكل أمرهم إلى الله تبارك وتعالى، ولا يجوز الطعن في معاوية ولا سبه، ولا الكلام فيه، وإنما نقول: أخطأ، وأمره إلى الله عز وجل.
أحسن الله إليكم يا شيخ.. ما حكم من سب أم المؤمنين عائشة، واتهمها–عقيدةً يعتقدها- عليها وعلى أبيها رضوان الله تعالى؟
لا شك أن عائشة رضي الله عنها أنزل الله براءتها من السماء، وإن كان بعض الناس قد تكلم بذلك، ولكن بعد نزول براءتها من السماء: من سبّها أو لعنها وتكلم فيها أو قال عنها إنها كذا وكذا يُخشى على دينه، أو يُخشى أن يخرج من الملة.
وأما الكلام في الصحابة رضوان الله عليهم فكثير من الناس –كالروافض وغيرهم- تكلموا في بعض الصحابة، ولكن لا نستطيع أن نكفرهم وأن نخرجهم من الملة، إلا إذا أنكروا نصا قطعيا من القرآنأحسن الله إليكم.. هناك ملة تدعي الإسلام، إلا أنها تقول بتحريف القرآن وألوهية علي بن أبي طالب، ويتهمون جبريل عليه السلام بالزيغ وإلقاء الوحي على غير أهله، فما حكم الإسلام في هذه الملة؟ وهل يجوز نسبتهم إليه؟ أفتونا مأجورين.
أما من قال بتحريف القرآن فيكفر، لأنه كلام الله، لا يتغير ولا يتبدل وإن تغير الزمان وتبدل المكان، وهو محفوظ بحفظ الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وكذلك من قال بألوهية علي كذلك يكفر ويخرج من الملة، فإن الله عز وجل واحد لا شريك له.. وكذلك من يتهم جبريل عليه السلام بأنه ألقى الوحي على غير أهله، فهذا اتهام للوحي واتهام لجبريل، فهو كفر وخروج عن الملة.
نسأل الله العافية.

جزاكم الله خيرا يا شيخ.. ما هو حكم الإسلام في المتعة، فيمن يمارسه، ويقول بحلّه إلى يومنا هذا، وما الفرق بين المتعة والبغاء؟
لا شك أن المتعة كانت في فترة من الزمن أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنود المسلمين الذين كانوا بعيدين عن نسائهم، وكانوا في جهاد متواصل، ولذلك المتعة أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم منعها: ثم حرمها تحريما مؤقتا، ثم أباحها مرة أخرى، ثم حرمها تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، وعندما فتحت مكة بعد ذلك وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملأ من الناس.. وهو حديث صحيح، في صحيح مسلم، عن سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: "لما انتهى فتح مكة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملأ من الناس فقال: إني كنت أذنت لكم بالاستمتاع بالنساء، ألا إن المتعة حرام إلى يوم القيامة".. فهل بعد هذا النص الصحيح الصريح لأحد أن يقول بها كائنا من كان؟
ومن يمارسها إذا كان بنظره أنه لم يسمع مثل هذا الحديث الذي نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحرمها تحريما مؤبدا قد يكون معذورا!! وأما إذا عرف ذلك وقال بها فإنه كأنه يدعو إلى البغاء!

أحسن الله إليكم يا شيخ.. هل تكون العصمة لغير الأنبياء؟ وما حكم الإسلام فيمن سمى أحد عشر شخصا؛ وألصق بهم الثاني عشر؛ وادعى لهم العصمة وصدّق بذلك ودعا إليه؟
أما العصمة فليست إلا للأنبياء بوحي من السماء، فألئك معصومون بأن الله أنزل عليهم الوحي من السماء، وأما بقية الناس من الصحابة وغيرهم فليس أحد منهم معصوما، حتى نحن نقول: العشرة المبشرون بالجنة.. رسول الله بشّرهم بالجنة لأعمالهم العظيمة التي قاموا بها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبوبكر في الجنة، عمر في الجنة، عثمان في الجنة، علي في الجنة، سعد بن أبي وقاص في الجنة، سعيد بن زيد في الجنة، الزبير بن العوام في الجنة، طلحة بن عبيد الله في الجنة، عبد الرحمن بن عوف في الجنة، أبوعبيدة بن الجراح في الجنة".. ولكنهم ليسو معصومين، فقد يصدر الخطأ منهم ومن أمثالهم ومن غيرهم، فليست العصمة لأحد إلا للأنبياء فقط.
أحسن الله إليكم يا شيخ.. حصلت بين الشيخ وبين بعض المبتدعة كالسقاف وبعض مشايخ الرافضة بعض المواقف.. هل يذكر لنا الشيخ شيئا منها؟
لقد زارني مرة هذا السقاف، وكنت لا أعرفه شخصيا، فجاء رجل من تجار دمشق وقد جاء به، وكنت مع بعض طلاب العلم أقول لهم: ارجعوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقام وقال: يعني مثل ناصر الدين الألباني الذي ألّف أحاديث وأكثرها كذب وكذا!! فقلت له: الله أكبر عليك، أنت تقول هذا! إنها سبعة آلاف حديث –قال لي- كلها أخطأ فيها الشيخ، وهو لم يجمع أولا سبعة آلاف حديث في هذه الكتب التي نشرها من الأحاديث الصحيحة! وأنت كيف تقول ذلك؟! وهل أنت تعرف بالحديث؟!! فهذا الرجل قال: نعم، عنده شيء. قلت: لو كان عندك علم في الحديث لما تكلمت بهذا الكلام! وإياك أن تطعن في هذه الأمة.. في هذا المحدث.. فخرج من عندي!
وقد كنت يوما من الأيام أخطب خطبة الجمعة في جامع المحمدي، فجاء رجل من مشايخ الشيعة الكبار، وكان معه هذا الذي يسمونه سفير إيران بدمشق، فلما رأيتهما وأنا أصلي قبل الخطبة، وكنت في تلك الأيام أفسر الآيات الأولى من سورة المؤمنين، وقد وصلت لقوله تعالى: "والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون". كنت ذكرت –وأريد أن أسمعهم– أن بعض الناس لا يزالون حتى الآن يقولون بإباحة المتعة مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحها، ثم حرمها تحريماً مؤقتاً، ثم أباحها مرة أخرى، ثم حرمها تحريماً مؤبداً، ثم ذكرت حديث مسلم في الصحيح: عن سبرة بن معبد الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى فتح مكة وقف وقال: "يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء، ألا إن المتعة حرام إلى يوم القيامة". وقلت: هل بعد هذا النص الصحيح الصريح لقائل أن يقول بها مهما كان شأنه؟
فأراد هذا الشيخ أن يجتمع بي وقال: هل بالإمكان أن أجتمع بك في دارك؟ فجاء يزورني وقد جاء بالكتب والأوراق الكثيرة وقال: يا شيخ.. أنا سمعت منك حديثاً من صحيح مسلم في تحريم المتعة وأنا معي خمسين حديثاً في إباحتها!! قلت: قبل أن نتكلم في ذلك، هذه الأحاديث التي معك إن كان منها صحيح فهو منسوخ، أو وإلا فضعيفٌ وموضوع، ولا ثالث لهما!! فأخذ يذكُر لي بعض الأحاديث من البداية والنهاية وتاريخ بغداد! وأنا كلما ذكر لي حديثاً أرجع إليه بالصفحة فأقول له: إسناده ضعيف.. إسناده ضعيف، فقال: الله أكبر أنت تضعف أهل البيت؟!! فقلت له: لا يا شيخ! أنا أضعف من يكذب على أهل البيت! فأهل البيت على العين والرأس، ولكن هذا لم يثبت عن أهل البيت بأسانيد صحيحة، وإنما هي أسانيد ضعيفة أو موضوعة، ولذلك لا بحث في الموضوع.
) مداخلة) يا شيخ.. ألم يعد مرة أخرى ويذكر على لسانك قولاً؟؟
بلى! فهذا الشيخ ذهب بعدما اجتمع بي إلى بعض الشباب كان قد تعرف عليهم في جوار المسجد الذي أخطب فيه، فقال لهم: لقد ذهبت إلى الشيخ عبد القادر الأرناؤوط فوافقني في كل ما قلته!! وكان في ذلك المجلس شاب من الشباب يعرفني، وكان أمام الهاتف، فرفع الهاتف وسألني: يا شيخ.. هذا الشيخ يقول عنك كذا؟؟! فقلت له: كذب!! قل له: تفضل لنذهب عند الشيخ عبد القادر الآن نناقشه. فقال: لا! هذا الشيخ لا يناقش ولا يباحث!! فقال له: الآن كنت تقول يوافقني؟!! فلم يأت، قلت له: كذب! ولذلك لا يأتي!
ولذلك تبين له أن الرجل لا يريد أن يرجع إلى الحق، بل أن يبقى على باطله.

)مداخلة) أهو الذي يقول أن علياً أرسله ؟؟؟؟
نعم! ثم قال لي بعدما بحث معي موضوع العصمة –وقلت له: يا شيخ.. العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله وللأنبياء والمرسلين، فعندنا أبو بكر غير معصوم، عمر غير معصوم، عثمان غير معصوم، علي غير معصوم.. وعندما قلت علياً وقف وقال: الله أكبر، وقف على رجليه. فقلت: ماذا؟؟؟!!! لماذا تحمست لعلي؟؟ هؤلاء كلهم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم، وجميعهم أخذوا العلم عن، وكلهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) من الصحابة الكرام ونحن نحترم الجميع. فسكت، ولكنه بعد ذلك تغير لونه، وقال لي: أنا أرسلني إليك علي بن أبي طالب!!! فقلت مازحاً: الله أكبر! يعني هل كان هذا يقظة أم مناماً؟؟، فقال: لا.. يقظة!! فقلت له: يا شيخ.. علماء الحديث يقولون عن أمثالك: خلّط الشيخ في آخر عمره!! قال: أنا مجنون؟؟ قلت له: نعم، أنت مجنون! لأنك تحدث بأشياء لا يقولها إلا المجانين.


رحم اللهُ الشيخَ وأسكنه فسيح جناته.
2
510

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

-_ أميرة الدبيات-_
نبذةٌ رائعةٌ من عضوةٌ أروع ..

فلكي جزيل الشكر على هذا المو ضوع الرائع وليس بغريب هذا على أمثالك ...:26: :26: