الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ ...
قد لا يكون منا من عايش " سيل الربوع " ، وكان في مكة ، وبما أننا نعيش تسونامي جدة فقد بينت لنا الصور ما أحدثه " سيل الربوع " ، ووجدتُ التأريخ لسيل الربوع (1388هـ) ، وآخر (1360هـ) ، ولا أدري أيهما أصح ؟! .
وقد جمعت نتفا من أخبار ذلك السيل لتقارنوا بينه وبين تسونامي جدة ، وما قام به الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع ذلك السيل ، وتعويض الناس .
سيل الربوع عام 1388هـ ...كان يوم اربعاء في 4 /11/1388 ، وقيل 1360هـ هطل المطر من الساعة التاسعة تقريبا واستمر لمدة تتراوح من ساعة الى ثلاث ساعات اول ساعة من هطوله كان غزيرا جدا ..فدخل السيل على اثر المطر الحرم ووصل الى باب الكعبة وجرف مركبات كثيرة ومات فيه خلق كثير...وهذا السيل بالتحديد مازال اهل مكة يذكرونه الى الان .
وللمزيد من أخبار هذا السيل الكبير ، نورد وصف فؤاد شاكر له حيث يقول : " لقد صحا الناس من نومهم بمكة في الفجر من يوم الاربعاء 6 من ربيع الأول على صوت الغيث وهو يهطل رذاذاً من السماء ، ثم أخذ ينهمر قليلاً ، ثم كف الشيء ، إلى قبل شروق الشمس حيث تلبدت السماء بغيوم داكنة ممطرة شحنت أطرافها بطبقات كثيفة ، من تلك الغيوم القائمة المنذرة ، وكانت السماء في حالتها وفي معناها أشبه بمظاهر القرب السوداء التي انتفخت أوداجها من شدة ما تحمل بين جلودها من المياه الحبيسة المتدافعة أو كأنها فوهات الأنابيب المتدافقة ، التي تندفع منها المياه مجنوة صاخبة ثائرة ، أو كأنها كل قطرة من قطراتها تفتحت عن ميزاب من الميازيب أو عن بئر من الآبار ، وأخذ المطر ينهمر على تلك الصورة الرائعة من اعتدال النهار إلى أصيله ، وقد أحصيت المدة التي انهمرت فيها الأمطار ساعات سوية إلى أن خفت سورتها وهبطت حدتها واعتدلت حالتها وخفت وطأة شدتها
ومن تلك الميازيب تدفقت المياه الهائلة إلى المسجد الحرام ، وما أدراك ما المسجد الحرام
فالمسجد الحرام وهو أكبر مسجد وتبلغ مساحته الألوف من الأمتار غمرته المياه وطغت فيه وطغت على أرضه وحصبائه ، فكيف يكون إذا لقد كان بحيرة عظيمة صخابة الأمواج ارتفعت فيها المياه إلى علو مترين أي إلى باب الكعبة ، ولا تسل عن المصلين والعاكفين من العباد ، وكيف انتهى بهم الحال ، ولكن أظرف مناظر هذا السيل على الإطلاق هو أن سبح الناس الذين كانوا في المسجد على وجه ذلك البحر فمنهم من قصد النجاة عن طريق الأبواب للخروج من مأزق الغرق ، ومنهم من اتجه شطر الكعبة للطواف حولها سابحاً ، ومنهم فريق ثالث التجأ إلى الله فإذا هناك دكاك خشبية ، أعدت قواعد لشرب ماء زمزم طاف بها السيل وعامت عليه فالتجؤوا إليها وركبوها وسيروها بأرجلهم فكانت كالزوارق طافوا بها حول الكعبة طوفاص منظماً ، حتى إذا ما انتهوا منها تركوها بعد أن أوصلتهم إلى ساحل النجاة ، ساحل النجاة من المعاصي بالطواف حول البيت ، وساحل النجاة من الغرق بالالتجاء إلى الأبواب والخروج منها إلى اليابسة ، وكان هذا أروع ما في مناظر السيل من الطرفة وتأصل العبادة والتقوى في النفوس ، وأروع ما استرعى الانتباه ولفت الأنظار
وقد بدأت مرحلة الإنقاذ منذ استهل الخطر ، وقد استهل الخطر بهطول المطر وهلول السيول ، فكانت أعمال المكافحة متكافئة في ابتدارها وسرعتها وقوتها بالبداهة العاجلة المتكافئة مع سرعة الحادث وقوته وخطورته ، حتى تمت الوقاية من الأخطار بإذن الله وأعيد تنظيف المسجد وتطهيره في ساعات قليلة لا تتجاوز عدد الساعات التي نجم عنها ذلك الحادث الخطير المستطير ، إذ خف إلى العمل السريع جميع رجال الدولة وفي مقدمتهم معاون نائب جلالة الملك الشيخ عبد الله الفضل ووكيل وزارة المالية الشيخ حمد السليمان ، ومدير الأمن العام مهدي بك المصلح ومدير وزارة المالية الشيخ محمد سرور الصبان ، حيث قصدوا إلى مكتب مدير الأمن العام مهدي بك في دار الحكومة ، وقام كل منهم بنصيبه من الواجب المشترك في تلك الحالة الرهيبة العاجلة كان مهدي بك مدير الأمن الام يبذل من ذات نفسه مجهوداً مشكوراً في هذا الصدد جعل له اليد الطولى في هذا العمل الجليل
وتضافرت الجهود الموفقة والهمم المبذولة في مكافحة السيل وتصريفه من المسجد الحرام بهمة عاجلة متواصلة ابتغاء رضاء الله تعالى ، وقياماً بالواجب حتى لا تتعطل الصلاة في المسجد ، بحيث لم يمض الشطر الأكبر من سواد تلك الليلة حتى تم تطهير صحن الكعبة من أكوام الرمال وتصريف تلك المياه الغزيرة حتى استطاع الناس أداء فريضة الصبح في وقتها بصحن الكعبة ، وفي الأجزاء التي تم تطهيرها من المسجد
وقد أمر سعادة الشيخ حمد السليمان وكيل وزارة المالية بتقديم عدد وفير من السيارات الكبيرة نقلت عليها جبال الأتربة التي تركها السيل في الحرم طيلة الثلاثة أيام التي تلت هطول ذلك المطر وما تبعه من السيول وظل سعادته يشرف بنفسه على عملية الإنقاذ والتطهير مدة ساعات عديد من ذلك الليل الأليل
وبعد ذلك السيل التاريخي العظيم الذي غمر مكة يوم الأربعاء 1360هـ وترتب عليه إصابة بعض الناس بأضرار مادية ، وما كاد يصل نبأ ذلك إلى مسامع جلالته حتى أصدر أمره الكريم فوراً إلى وزارة المالية بتخصيص مبلغ كبير من المال حدده جلالته بالأرقام لتعمير منازل الفقراء التي نالها شيء من ضرر ذلك السيل ، وأمر بإنفاق مبالغ أخرى للذين فقدوا شيئاً من أمتعتهم بذلك السبب نفسه ، وتسامح الناس بعد ذلك بمبرة جلالته هذه ، فخف الكثيرون منهم شاكين ما نالهم من أضرار مادية فهذا فقد سيارته ، وذلك فقد متاعه ، وكان جلالته يعنى بكل شكوى من هذا القبيل ، ويأمر بتعويض صاحبها بما يخلف عليه ما ضاع
وأما جانب الفكاهة والتنادر فينحصر في بعض حوادث فردية ترتبت على وقوع السيل ومفاجأته للناس ومداهمته لبعض شؤونهم وهم غفلة عنه ومن الأمثلة على ذلك منظر سيارة جرفها السيل بسائقها فكانت كالزورق العاطل حين تتقاذفه الأمواج ، أو منظر بعض الأمتعة التي جرفها السيل فكانت تتقاذفها أمواجه على مرأى من الناس ، ومنها صناديق حديدية وأمتعة أخرى وأواني منزلية وحاجات إلى جانب ما يماثل هذه الحوادث من المظاهر
فهناك كثير من البيوت التي على ضفاف سيل وادي إبراهيم أو غيره من مسالك السيل هاجمها الماء ، أو على الأقل هاجم مبانيها السفلى فاغترف ما فيها من الأمتعة وجرفها فكان منظر تلك الأمتعة وهي تتراقص على نغمات المطر . . حتى إن صندوقاً من الصناديق الحديدية التي يستعملها الصيارفة لحفظ نقودهم لم يستطع ثقله وثقل ما فيه من فضة وذهب أن يستعصي على تيار المياه التي جرفته إلى مسافة عشرات من الأميال ثم حطمته شر تحطيم .
ويختم شاكر وصفه لذلك السيل بقوله : (هناك مروءة جديرة بالذكر وجديرة أن يسجلها التاريخ ، فهي ناصعة لمروءة (الأهليين) من كافة الطبقات وغرة مشرفة في جبين النجدة الإنسانية لا يمكن إغفالها .
فقد وجه النفير إلى (الأهليين) من أبناء المحلات والاستنجاد بهم وبمروءتهم وشهامتهم للمساهمة في ذلك العمل الخطير السريع الذي يحتاج إلى الأيدي العاملة الكثيرة وإلى سرعة الإنجاز في أقرب وقت ، وقد لقي النفير الأذن الصاغية ، ولبت همم المروءة في القلوب والصدور فخف مئات الأشخاص من شباب المحلات عن طيبة خاطر ، وبادرت كل من أمانة العاصمة ومديرية الأوقاف العامة بأدوات الإنقاذ والتطهير من زنابيل ومساح وما إلى ذلك ، وفي ساعات قليلة كان مئات من الأهلين يعملون ليل نهار في تطهير المسجد الحرام حتى انته تطهيره تماماً في مدة لا تجاوز اليومين بحيث لم يتعطل فيه ولا وقت واحد من أوقات الصلوات الخمس ، ومن ثم انصرفت الهمم إلى تطهير الشوارع الرئيسة الملتفة حول المسجد من هضبات الرمال والأوحال التي خلفها السيل وظلوا يعملون في ذلك بضعة أيام وبضعة ليال حتى تم تطهير العاصمة من آثار ذلك السيل التاريخي الخطير
والحق أن ذلك العمل وما فيه من سداد الرأي وسلامة التفكير في الاستنجاد بمروءة الأهلين ، كان عملاً جليلاً جديراً بالتسجيل لأنه أظهر سجية الشهامة وطبيعة النجدة والمروءة ، الكامنتين في نفوس أبناء هذه الأمة ، علاوة على ما أدى إليه من أطيب النتائج في إنقاذ العاصمة والمسجد الحرام – بإذن الله تعالى – من خطر داهم خطير فادح الضرر بعيد الأثر وإن لذلك كله في نفوس الشعب العربي السعودي أحسن الوقع وأنبل التقدير) انتهى ـ
على أثر هذا السيل تدفقت أريحية حضرة صاحب الجلالة بمشروع عظيم لوقاية مكة والمسجد الحرام م أخطار السيول المتدفقة ، فأمر ب***** سد في أعلى مكة بالطريقة الفنية الهندسية ، وخصص له أكثر من مليون ريال ، وتضافرت جهود المخلصين من رجال المملكة على سرعة إقامته للانتفاع بفوائده ، وأقيم احتفال كبير لوضع الحجر الأساسي فيه بيد سمو الأمير فيصل شهده ألوف من الأهلين ، فكان احتفالاً مهيباً رائعاً يتناسب مع أهمية موضوعه ، أنشدت فيه الخطب والقصائد . . كما بذلك الشيخ عباس قطان أمين العاصمة في ذلك الوقت همة كبرى وسهراً متواصلاً وجهداً عظيماً في هذا العمل
عبدالله زقيل
كاندريل @kandryl
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة