شاب يعاني من الاكتئاب!! مو العلاج ؟؟؟ بسرعة أرجوكم !!!

الملتقى العام

السؤال : أنا طالب جامعي أدرس السنة الرابعة هندسة معمارية وأعاني من اكتئاب شديد لدرجة أني لم أعد أطيق الحياة، ذهبت إلى طبيب نفساني ولكن لا جدوى أرجوكم أفيدوني وجزاكم الله خيراً ؟

الإجابة :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...
فإن الهم والغم والاكتئاب وضيق الصدر تعرض للإنسان في أثناء حياته لأسباب مختلفة منها ما قد يكون مادياً من ضق ذات اليد، ومها ما يكون اجتماعياً ونفسياً بسبب سوء المعاملة من المقربين والشعور بالإقصاء أو الامتهان ، ولكل سبب وحالة ما يناسبها من العلاج ومعرفة السبب معين على ذلك، وأول نصيحة للسائل أن يرجع إلى الوراء قليلاً ليستعرض شيئاً من مسيرة حياته ويفكر ويحل ليصل إلى السبب أو الموقف أو مجموعة أسباب التي بدأت معها حالة الاكتئاب ، وستكون هذه المعرفة معينة على جوانب محددة من العلاج .

وبالجملة فإن الاكتئاب منه ما هو عارض يمر بالإنسان في فترة وجيزة لأسباب عارضة ثم تنقضي الأسباب وما أحدثته من ضيق ، وهذا قد لا يعد مرضاً ولا يكاد لا يسلم منه أحد ، ومن الاكتئاب ما يطول أمده ويعظم أثره وهذا هو المرض الأخطر ، وهذه جملة من الحقائق والإرشادات المهمة بغض النظر عن سبب الاكتئاب :
1- الإيمان بالله تعالى، أقوى فطرة في النفوس وأعظم حقيقة في الوجود وتعميق الإيمان بالله هو الذي يسد حاجة النفس ويبدد همومها، وينير ظلمتها، وهو الذي يعيد الثقة المفقودة ، ويزيد القوة المؤودة، ومن جميل ما أشار إليه ابن القيم رحمه الله أن الإنسان ركب من العجز لينظر إلى كمال قدرة الله، وركب من الفقر لينظر إلى سعة غنى الله، وركب من الضعف لينظر إلى عظمة قوة الله .
إن إحياء الإيمان باللجوء إلى الله ، والافتقار إليه والذل بين يديه، والاستمداد منه والتوكل عليه، وكل ذلك يبدد الهموم ويزيلها، ويشرح الصدور وينيرها .

2- الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان العظيمة الأثر في حياة المسلمين، فانتبه لذلك وأدرك حقيقة معناه وتحقق بمضمونه ومغزاه ، فإن كل مصيبة تحل وكل كرب ينـزل إذا نزل بإيمان العبد بالقضاء والقدر ، وجد تسليماً بأن الله إذا قضى أمراً أمضاه، ويقيناً بأن ما قضاه فيه الرحمة السابغة والحكمة البالغة ، وتأملاً في المحنة بما يكشف وجوه المنحة، واستشعاراً لعظمة الخالق مما يجري به القضاء، فالمؤمن يسلّم فيصبر، ويحتسب فيؤجر ويتوكل فينهض ، ويعتبر فينتفع، وحسبك هذه الوصية النبوية العظيمة التي وردت في سياق وصية الرسول – صلى الله عليه وسلم - لابن عباس – رضي الله عنه - : ( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك )، فكل شيء بقضاء الله وقدره والأمور كله بيده وإليك كذلك الحديث العظيم الذي يجعل في الإيمان بالقضاء أعظم عون على مواجهة البلاء :" ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" والإيمان بالقضاء والقدرة قوة لا يضعف صاحبه فيستسلم لعظمة بلائه أو لشدة كربه فيحزن قلبه ويضيق صدره وتظلم نفسه وتيأس روحه كلا بل يكون له من قوة إيمانه ما يدرك به الحكمة ، وتزول به المحنة، ويثبت القلب وينشرح الصدر { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .
3- الإيمان باليوم الآخر فيه عزاء عن كل مفقود، ورجاء في كل مبذول، فالمؤمن لا تنحصر نظريه في الدنيا وما فيها من بلاء وعطاء، أو شدة ورخاء ، بل إنه ينظر إلى ما وراء الحياة الدنيا من الآخرة، فلئن ضاق في الدنيا رزقه عظم في الآخرة ونعيم الجنة بذله، ولئن اشتد في الأولى بلاؤه زاد في الآخرة رجاؤه ، ولئن بذل وأعطى وقدّم وضحى لم يستعظم ذلك أو يحزن على فواته بل يقينه يعلق قلبه بأن هذا ذخره عند الله وزاده يوم لقاه، {لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم }.

4- التضرع والدعاء لرب الأرض والسماء، انطرح بين يديه، وتضرع إليه، واسكب دموعك ، وارفع هجوعك، وارفع إليه يديك، واستحضر عظمته في قلبك واذكره ومجده بمناجاتك، واطلبه واسأله بدعائك فما ضل من استهداه وما ضاع من استكفاه وما خاب من رجاه وما حرم من دعاه خزائنه ملأى ، والقلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء ، اقبل – يا أخي – إليه ، وترقب الأسحار، واملأها بالاستغفار، وترصد الثلث الأخير من الليل واجعل فيه أنسك بذكره، وقوتك بشكره، وسعادتك بقربه، وأفضي بهمك فإنه إلهك وربك ، يسمع نجواك ويجيب شكواك ويكشف كربتك ويسكن لوعتك" وإن الله حي ستير، يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً " أنت موقن بأنه قوي قادر، وأنه رحيم رحمن ، وأنه غني كريم فانزل به حوائجك في دعائك ، وأدم صلتك بذكره :
إذا لم يكن عون من الله للفتى **** فأول ما يقضي عليه اجتهاده

5- تلاوة القرآن الكريم مع التدبر والتأمل علاج ناجح { وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة } وهو علاج النفوس والأرواح، وفيه ما فيه من سائر المعاني التي ذكرتها فيما سبق ففيه عظمة الله وحقائق الإيمان بقضائه وقدره، وصورة اليوم الآخر ونعيمه وعذابه وفيه التسرية والتسلية والتعزية عن كل بلاء وفيه الأمل والرجاء { فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسراً } .

6 - صحبة الصالحين من أهل الإيمان واليقين يعبر عن أثرها قوله سفيان الثوري عندما قال :" إني لأرى محمد بن كعب القرظي فأعقل برؤيته أياماً " وذلك من رؤيته فكيف بمصاحبته وكيف بمشاورته أو كيف بمعاونته إنها الصحبة التي ستدلك على كل ما سبق وستعينك بعون الله عليه .
7- اتق المحارم واجتنب المعاصي فما قسوة القلب إلا منها وما ضيق اصدر إلا بسببها، أطب مطعمك واضبط جوارحك وطهر بيئتك وذلك يهيئ نفسك وقبلك لتنتفع بكل ما سبق، ومن روائع ابن القيم بيانه أن من نتائج المعصية : قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع إجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق البركة في الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل وإهانة العدو وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذي يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطول الهم الغم وضنك المعيشة وكسف البال.

8 - اقرأ الكتب النافعة من كتب الأذكار الجامعة، ككتاب الأذكار للنووي، أو كتيب حصل المسلم للقحطاني ففيهما تجد – على سبيل المثال – هذا الحديث عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله فرحاً، قالوا: يارسول الله أفلا نتعلمه؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن ) .

واقرأ كتاب " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " لابن القيم، وأحسب أنك ستستمع وتنتفع إن قرأت كتاب " جدد حياتك " لمحمد الغزالي رحمه الله، وكتاب " لا تحزن " لعائض القرني حفظه الله .
ولعلك بعد ذلك كله تدرك أن الأمر في متناول يدك، فاعزم أمرك، وثق بربك، وأقبل على مولاك وتزود من رفقة المؤمنين والله أسأل أن يزيل همك ويكشف كربك ، اللهم آمين .
1
538

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كفى بالموت واعظا
جزاك الله خيراً