شباب السعودية فاشلون، والدولة ليست مسؤولة عن توظيفهم، والآباء فقط هم من يتحملون مسؤولية عدم توظيف أبنائهم، ويجب على كل أب أن يفتح لأبنائه حسابات في البنك، ويقوم بإيداع مبلغ شهري في تلك الحسابات؛ حتى يستطيع الواحد منهم بعد عشرين سنة أن يُكمل تعليمه، ويتزوج ويفتتح مشروعاً، ويشتري منزلاً، كل هذا من المبلغ المتوافر في الحساب!! أما العنوسة فسببها الوحيد أنه لم يعد هناك رجال!!
.. هذا ليس كلامي، وإنما كلام وحيد زمانه الأستاذ أبو ميشو، هل عرفتموه؟!
إنه والد الطفل مشعل المسمى تدليلاً "ميشو"، وهو طفل سعودي لم يبلغ السابعة من عمره، اكتسب اللغة الإنجليزية لغةً ثانيةً، وقام والده بدور المصوّر والمنتج والمخرج لمقاطع فيديو تم وضعها في قناة خاصة على اليوتيوب سُمّيت "ميشو"، نسبة لاسم الدلع لمشعل، تُصوِّره وهو يتمشى، وهو في الجو، وهو يسبح، وهو يأكل البطيخ على شاطئ جدة، وهو في أمستردام، وهو في الرياض، وهو في مكة، وهو يقرأ، وهو يشرح عن الديناصورات والقطب الشمالي، وهو يتحدث عن قيادة المرأة السيارة، وهو يجيب عن أسئلة المعجبين، وهو ينتقد القصص العربية ويشيد بالقصص الأجنبية، وهو يشتكي من جلوسه على الأرض في المطاعم السعودية، وأنه لم يجد الشوكات والملاعق فاضطر للأكل بيده، كل هذا وهو يتحدث باللغة الإنجليزية، وبعبارات لقنها له والده، ولا تسألوني كم عدد البروفات قبل التصوير!!
الحمد لله أن مَنّ الله عليّ بوظيفة من حكومتي - أعزّها الله - وإلا لكنت من فريق الفاشلين حسب رؤية "أبي ميشو"؛ فوالدي - حفظه الله - لم يفتح لي حساباً بنكياً منذ صغري، ولم يعلمني اللغة الإنجليزية ويصوِّرني وأنا أتحدث عن الحنيذ باللغة الإنجليزية على شواطئ الشقيق، ولم يترك شَعري دون حلاقة بالماكينة على نمرة (2) أكثر من شهر خوفاً من القمل، ولم نكن نجلس على الطاولات أنا وأسرتي عندما نزور أحد المطاعم، بل كنت وإخوتي من يباشر البحث عن الجلسات العربية، وكنا نسخر من الذي يستعمل الشوكة أو الملعقة في الأكل، ولم نكن نعرف من المتنزهات إلا السودة صيفاً، وشاطئ البحر الأحمر في الشقيق شتاءً، وكانت القصص التي نستمع إليها من الوالد والأقارب هي الضفدع السباح، والحمامة الحزينة، والثعلب المكار، ومع هذا استطعت أن أكمل تعليمي الجامعي، وأحصل على وظيفة، وأتزوج، رغم عدم توافر العناصر السابقة التي يرى أبو ميشو أنها السبب في نجاح الطفل!!
لستُ أنا من عاش بهذا النمط من الحياة، بل معظم أو الغالبية الساحقة من أبناء هذا الوطن، عاشوا حياة بسيطة، لم يعرفوا معها الديناصورات ولا الفضاء ولا أمستردام إلا في مادتَيْ الجغرافيا والأحياء في الصف الأول الثانوي، وعلى الرغم من ذلك فإنه يوجد ممن عاش بهذا النمط الكثير ممن يتربع اليوم على أعلى المناصب في الدولة، ومنهم من يحمل أعلى المؤهلات في الهندسة والطب والتعليم الأكاديمي وغيرها.
وإذا كانت الفرصة قد أُتيحت لأبي ميشو لأن يُبتعث من الدولة، إما دارساً أو موظفاً خارج السعودية؛ فقام بتدريس ابنه في إحدى المدارس الأجنبية؛ فاكتسب ابنه اللغة الإنجليزية؛ فهذا أمر طبيعي جداً، وليس في ذلك أية معجزة حتى يتباهى أمام العالم بهذا الولد الذي أسماه أينشتاين العرب، لدرجة أنه يتمنى أن تتخذ وزارة التربية والتعليم في السعودية ابنه نموذجاً ومثالاً يُحتذى لتغير من طريقة تعليمها لأولادنا كما يقول.
اكتساب اللغة، خاصة من قِبل الأطفال، أمرٌ طبيعيٌّ وفطريٌّ، ويتم عن طريق الممارسة اليومية والاستماع والاختلاط فقط، وليس فيه ما يجعلنا نعتقد أن كل من تعلم اللغة قد حقق درجة عظيمة على مقياس الذكاء والعبقرية، كما يظن أبو ميشو!
لا أخفيكم أنني كنت من المعجبين بهذا الطفل، وما زلتُ، ولم أكن أنوي الكتابة عن أبي ميشو في مقام الانتقاد، ولكن عندما يُتَّهم الآباء بأنهم سبب فشل أبنائهم، والأدهى من ذلك أن يُتَّهم شباب بلد بأكمله بأنهم فاشلون، فهذا ما يُحتّم عليّ القول إنه ليس بالضرورة أن يكون وراء كل شاب ناجح والد ناجح، وليس بالضرورة أيضاً أن يكون وراء كل شاب فاشل والد فاشل؛ فكم وجدنا من الشبان الناجحين والمتفوقين في الحياة والفاعلين في مجتمعاتهم وآباؤهم فاشلون أو من أصحاب السوابق أو متوفون، وكم عرفنا وسمعنا عن أبناء فاشلين ومتعثرين دراسياً ومنحلين أخلاقياً وآباؤهم من خيار الناس، أو ممن يُشار إليهم بالبنان في مجالات الخير المختلفة، وأنا هنا لا أنفي دور الأسرة والوالدين في تربية أبنائهم وتوجيههم التوجيه الصحيح، والسعي لتعليمهم التعليم الأفضل، وأعظم وأهم ما يتعلمه الأطفال كتاب الله وسُنن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ومنها التواضع، وعدم احتقار الآخرين، ونبذ الطبقية، وكذلك الأكل باليد اليمنى ولعقها بعد الانتهاء.
أما الدولة التي يزعم أبو ميشو أنها غير مسؤولة عن توظيف الشباب فخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - يرى رأياً يختلف عن رأي أبي ميشو، وما يهمنا هو رأي الملك فقط؛ فهو دائماً حريص على متابعة وضع الشباب، ويُشدّد على سرعة استحداث وتنفيذ خطط عاجلة لمكافحة البطالة من قِبل الوزراء المختصين، وأمر كذلك بصرف مكافأة للعاطلين الذين يبحثون عن عمل، وأصدر ضمن قراراته الأخيرة أمراً يقضي باستحداث ستين ألف وظيفة عسكرية؛ لاستيعاب الشباب العاطلين.. كل هذه القرارات تأتي من خادم الحرمين الشريفين استشعاراً منه لدوره - حفظه الله - في ضرورة توفير مصدر دخل لكل عاطل من أبناء هذا البلد، وهذا من فضل الله علينا أن وهب لنا حكاماً يستشعرون ما حمَّلهم الله من أمانة تجاه رعاياهم وشعوبهم.
ثم يأتي أبو ميشو - الله يسعده - على موضوع العنوسة، وأن سببها الوحيد أنه لم يعد هناك رجال، ولا أخفيكم أن القلق بدأ يتسلل إلى نفسي عندما سمعت هذا الكلام خوفاً أن تظل ابنتي التي تودّع عامها الثاني عانساً، ولكن من باب الحكمة التي تقول "اخطب لبنتك ولا تخطب لولدك" فسأتقدم عبر هذا المقال للأخ أبي ميشو طالباً يد ميشو لابنتي؛ فهي - ولله الحمد - تجيد الحروف الإنجليزية والعربية شكلاً وحفظاً، وكذلك الأرقام العربية والإنجليزية أيضاً، وتحفظ الفاتحة والمعوذات، عيبها الوحيد أن شعرها أقصر من شعر ميشو، وليس لديها حساب بنكي!!
أختم بالقول تعليقاً على السؤال الذي أطلقه أبو ميشو وأجاب عنه بنفسه، وهو: لماذا لا تعود إلى السعودية وتطوِّر بلدك؟
فأجاب عن سؤاله بما نصه: "حب الوطن مغروس في قلوبنا، وقد أعود لأتولى أحد المناصب العليا بعدما أكتسب خبرة طويلة في الخارج".
تعليقي على هذا الكلام: الوطن يزخر بكفاءات وطنية تؤمن فعلاً بمعنى الوطنية، وتتوافق آراؤها مع آراء القيادة الحكيمة لهذا البلد، والوطن ليس بحاجة إلى مسؤول يتحدث مع أبنائه من برج عاجي وبلغة استعلائية، ويُسقط حقاً من حقوق أبناء الوطن بدعاوى واهية، وهو الحصول على وظيفة، ويتهمهم بالفشل.
إن بقيت يا أبا ميشو خارج السعودية، في إحدى دول العالم الأول، فهو أفضل؛ فقد تجد هناك من يُقدّر مؤهلاتك وخبرتك، وقد تحصل على جنسية البلد، مع خالص تمنياتي لميشو، هذا الطفل البريء، بمُستقبل باهر يتحرر فيه من بعض الأفكار التي أُدخلت في رأسه.
علي محمد الثوابـــي
متجر ضي القمر @mtgr_dy_alkmr
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخخ
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههاي يابطني والله عجبني رده
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههاي يابطني والله عجبني رده
الصفحة الأخيرة
شكرا صاحبة الموضوع