

نْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : أَوصِنِيْ، قَال : لاَ تَغْضَبْ. رواه البخاري
هذا الحديث مهم في باب إصلاح أخلاق الناس وتزكية نفوسهم وهو جليل القدر مع صغره.
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقبلون عليه متسابقين بنفوس متعطشة ليسمعوا الى كلمة توجيه ورشد منه صلى الله عليه وسلم , وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، وقيل رجل اسمه جارية بن قدامه , فأقبل إلى المربي العظيم ،صلى الله عليه وسلم يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ،قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ أَوصِنِي" . أي دلني على عمل ينفعني. والوصية: هي العهد إلى الشخص بأمر هام، وقيل هي الطلب بما ينفع الإنسان، أو بما يحذر منه الإنسان.
فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .كلمة جامعة موجزة ، أشار بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فردد مرارًا ، قال: لا تغضب ) ،أي أحذر الغضب، أو أحذر أسباب الغضب، أو أحذر فيما يوقع الغضب، أو تجنب مقدمات، أو عوامل الغضب .واضبط نفسك عند وجود السبب حتى لاتغضب.
تعريف الغضب :الغضب يعبر عنه العلماء بأنه غليان دم القلب وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، يظهر أثره على الجوارح.
ويعبر بتعبير آخر يقال: هو حالة انفعال تسبب سرعة في الدورة الدموية تظهر أثر هذه السرعة على وجه الإنسان وعلى حواسه عموما وعلى حركاته وعلى سلوكه . فبعد أن كان هادئا متزنا إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كليا عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد . والغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ،كما يسبب أمراض عضوية مثل كثير من أمراض الصداع و آلام المفاصل و كثير من آلام البطن، بالذات القولون و أمراض نفسية مثل الوسواس، والشك، والاضطراب، والتردد، وعدم إحكام التصرفات، وضعف الإرادة عند الإنسان. فالشيطان كما ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم –: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
وذكر أهل العلم في نوعية الجريان إما أن يكون الجريان حقيقي يدور مع الدورة الدموية، وما دامت الدورة الدموية طبيعية، فقوة الإنسان أقوى من الشيطان, لكن عندما يغضب، وتنتفخ الأوردة، ومن ثم الشيطان يبحث عن المكان المناسب؛ ليؤثر عليه، فيمسك نقطة الضعف عند هذا الإنسان؛ لذلك بعض الناس نقطة الضعف رأسه، فيحصل معه صداع مثلا , وهكذا, أو أن يكون الجريان معنوي.
قال عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالأرض ).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال: ( لا تغضب ولك الجنة ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
والغضب نوعان: غضب مذموم وغضب محمود
فالغضب المذموم وهو الذي نهى عنه النبي صبى الله عليه وسلم ويُطلب من المسلم أن يعالجه ويبتعد عن أسبابه، وهو ما كان انتقاماً للنفس، ولغير الله تعالى ونصرة دينه , وهوخُلُقٌ وطبع سيء وسلاح فتاك وهو جماع الشر، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
فإذا لم يغضب المرء فقد ترك الشر كله، ومن ترك الشر كله، فقد حصل الخير كله.
أماالغضب المحمودصفة طبيعية عند الإنسان،.وهوما كان لله تعالى غيرة لله لانتهاك محارمه بسبب التعدي على حرمات الدين، من تحدٍ لعقيدة، أو تهجم على خُلُق أو انتقاص لعبادة فهذا غضب محمود شرعا وفاعله يثاب على ذلك. قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ).
قالت عائشةرضي الله عنها: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها). متفق عليه.
وفي صحيح مسلم: (ما ضرب رسول الله صلىالله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله).وكان صلى الله عليه وسلم حليما مع أهله وخدمه.
قال أنس رضي الله عنه: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال أف قط ، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). متفق عليه. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لشيء، فإذا انتُهكتْ حرمات الله عز وجل، فحينئذ لا يقوم لغضبه شيء. رواه البخاري ومسلم
والغضب ضعف وسرعة الغضب والانقياد له عنوان ضعف الإنسان، ولو ملك الأنسان السواعد القوية، والجسم الصحيح. وبعكسه الحلم قوة .
وقد امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".
وروى البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". والصرعة هو الذي يغلب الرجال ولا يغلبه الرجال.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد .
وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب "
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام ليحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام : إني معلمك علماً نافعاً : لا تغضب . فقال : وكيف لي أن لا أغضب ؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل : ذنب ذكرته أستغفر الله منه ، وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به ، وهي حسنة سيقت إليك .
ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".
س" لماذا خص الرسول _صلي الله عليه وسلم _ الوصية بالغضب؟
لماذا لم يوصه بتقوى الله عزّ وجل،كما قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )(النساء: الآية131)
فالجواب: أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله، وهذه قاعدة مهمة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب فأوصاه بذلك.
أوحسب الوقت الذي هو فيه، أولأهمية فعل كان في وقته, أو قد تكون المناسبة التي قال فيها النبي – صلى الله عليه وسلم كما كانت المناسبة في هذا الحديث هي حالة السائل .
ماهي أسباب الغضب؟
1- قد يكون الطبع أحيانا ، والجبلة، يولد الإنسان سريع الغضب، نتيجة وراثة، نتيجة طبيعة معينة.
2- التعالي، والتكبر على الناس .
3- الأنانية، وحب الذات، فإذا كان الإنسان أنانياً، يريد كل شيء له، يكون هو المقدم في كل شيء، فإذا ما اختل هذا الأمر أدى إلى الغضب .
4- الجدل العقيم، عند أدنى أي مسألة يؤدي إلى الغضب، ومن ثم أيضاً، يؤدي إلى آثار خطيرة جدا.
5- تبادل التهم، والظنون وسوء النية يؤدي إلى الغضب الشديد.
6- السخرية بالناس، والتنابذ بالألقاب، والغيبة، والنميمة.
س- ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه أو بمعنى آخر كي نتقي الغضب؟
1- تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين .
2- تجنب أسباب الغضب والابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب .
3- حرص المسلم أن يكون دائما على طهارة، لأن الوضوء يطفئ نار الشيطان.
4- تدريب النفس على التواضع والتحلي بمكارم الأخلاق، كالحلم والصبر والتأني في التصرف والحكم.و معاملة الناس المعاملة الطيبة والابتسامة، فلا يكن المؤمن مكفهر الوجه، مبغضاً عند الناس، مما يؤدي إلى سرعة الغضب. قال النبي – صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم ) .
5- الحرص على كثرة ذكر الله - عزّ وجلّ – ؛لأنه لا يجتمع في قلب المسلم كثرة ذكر الله - عزّ وجلّ والشيطان.
6- أن يقتنع الأنسان بأن الغضب مرض، ويقتنع بأنه يجب ألا يتصرف حال الغضب.
س"إذا وجد سبب الغضب، أو وقع الإنسان في الغضب كيف يعالج نفسه؟
لقد بينت الشريعة العلاج النافع والدواء القولي والفعلي لذلك .
فالعلاج القولي يتلخص في :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأنه كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ( : أن الغضب من الشيطان، وأن الشيطان خلق من نار، والماء يطفئ النار ) وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: "إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد - يعني الغضب - لَوقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ"رؤية الروابط خاصة بالأعضاء فقط . فالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هو الذي يطفيء جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 )
2- على الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .
3- واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) غافر : 60
4- كظم الغيظ والتطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه وقد ورد فضل عظيم لكظم الغيظ. قالتعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره أي الحور شاء). رواه أحمد. وجاء رجل إلى سلمان رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الله أوصني قال: لا تغضب قال: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك. قال: فإن غضبت فاملك لسانكويدك.
وأما العلاج الفعلي يتلخص في :
1- تغيير الحالة التي هو فيها، إن كان قائماً، يجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع ؛ لأن للأرض جاذبية، فستجذب هذه الشحنات الكثيرة التي أدت إلى غضبه في هذه الأرض. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
2- ) الوضوء لأن الوضوء يطفئ حرارة الغضب. كما أن انشغاله بالوضوء ينسيه الغضب فقد أخرج أحمد عن عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطانوإن الشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ). فيتوضأ الإنسان، أو يغتسل، وسيذهب عنه ما يجد.
3- الإمساك عن الكلام. فقد أخرج أحمد من حديث ابن عباس عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضب أحدكم فليسكت قالها ثلاثا).
4- مغادرة المكان، وكثير من الناس يفعل هذا، أي إذا غضب خرج من البيت حتى لايحدث ما يكره فيما بعد . ولا يرجع إلى هذا المكان، إلا بعد هدوءه.
شتمل الحديث على بعض المسائل:
1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على ماينفع، لقوله: "أَوصِنِيْ" ، والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق لايقتصرون على مجرّد العلم، بل يعملون، ونحن الآن للأسف نسأل عن الحكم ونتعلمه لكن لانعمل به أما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم إذا سألوا عن الدواء وعرفوه استعملوه فعملوا.
2- النهي عن الغضب، لقوله: "لاَ تَغْضَبْ" لأن الغضب يحصل فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ الإنسان مقتضاه، فكم من إنسان غضب فطلّق وذهب يسأل، وكم من إنسان غضب فقال: والله لا أكلم فلاناً فندم وذهب يسأل.
2- مشروعية طلب الوصية من العالم والرجل الفاضل سواء في أمر عام أوخاص وهذا ماكان عليه الصحابة والسلف الصالح .
3- التفكر في خطورة الغضب ومآله وعاقبته والآثارالمترتبة على إنفاذه والعمل بمقتضاه.
- 4 الغضب جماع الشر كله. قال جعفر بن محمد: (الغضب مفتاح كل شر). وقيل لابن المبارك: اجمع لنا حسن الخلق فقال: (ترك الغضب )
.4أن الدين الإسلامي ينهى عن مساوئ الأخلاق لقوله: "لاَ تَغضبْ" والنهي عن مساوئ الأخلاق يستلزم الأمر بمحاسن الأخلاق، فعلى المسلم أن يعود نفسه على التحمل وعدم الغضب، فقد كان الأعرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك, مع أن هذا لو فعله أحد آخر فأقل شيء أن يغضب عليه،فعلينا التحلي بالحلم والتأسي بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
5- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) يشمل معنيين:
- 1
أن يتجنب المرء الوقوع في الغضب ابتداء أو يقلل منه وذلك بأن يعمل بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الحلم والكرم والحياء والتواضع وكف الأذى والصفح والعفو والطلاقة وغير ذلك فإن المرء إذا تحلى بذلك لم يحصل منه الغضب عند وجود أسبابه.
-2
أن يجاهد نفسه على ترك ما يأمر به الغضب فإن الغضب إذا ملك الإنسان كان الآمرالناهي له ولهذا قال الله عز وجل في وصفه: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَىالْغَضَبُ). فإذا لم يطع المرء غضبه فيما يأمره به وسكن عنه الغضب كان كأنه لم يغضبكما قال تعالى: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْيَغْفِرُونَ.(
-6
للغضب إذاوقع بالمرء أدوية نافعة إذا عمل بها ذهب عنه وسكن.
-7 المؤمنالقوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب ولا ينساق ورائه ويكف نفسه عن الاستجابة له. ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعةإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وقال مورق العجلي: (ما امتلأت غيظا قط ولاتكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت). وقد كان السلف الصالح إذا غضبوا ملكواأنفسهم عند الغضب. فينبغي على المؤمن أن يوطن نفسه عند الغضب على الصبر وكف النفس والقدرة على التحمل وأن لا يتكلم بكلام أو ينفذ أمرا يندم عليه فيما بعد. ولو تأمل المرء في تصرفاته الهوجاء وأفعاله النكراء حال غضبه لاستحيا من رؤية الناس إليه وهوفي تلكم الحال.
8
- التحلي بالحلم وهو خلقكريم وصفة محمودة وترك الغضب وعدم الانفعال عند الخصومة والمشاحة ولا يقوى عليه إلا من ملك نفسه وراقب الله في تصرفاته وهو صفة محبوبة إلى الله تعالى. قال رسولالله لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة). رواه مسلم.
-9 للشيطان مداخل خطيرة على المرء ينفذ عليه في أحوال الضعف والخور وفقد السيطرة على النفس ،فإذا انفعل المرء وأسرف على نفسه ولم يملكها حال الغضب أو الفرح أو الحزن أو الطمعأو الخوف أو الشهوة وغيرها تمكن منه الشيطان واستولى عليه. قال الحسن: (أربع من كنفيه عصمه الله من الشيطان وحرمه على النار من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوةوالغضب). فمتى طمع المرء في شيء حمله الشيطان على الحصول فيما طمع فيه من أي طريق ولو كان محرما ، ومتى خاف شيئا حمله الشيطان على دفعه بأي طريق ولو كان محرما ،ومتى مالت نفسه إلى شيء وتلذذ به حمله الشيطان على فعله ولو كان محرما ، ومتى غضب حمله الشيطان على إنفاذ غضبه ولو كان محرما ، وهكذا الفرح والحزن. وهذا يوجب على العبد الحذر والاعتدال وتحري حدود الشرع في هذه الأحوال وسلوك القصد في ذلك. وكانالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو: (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق فيالغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى). رواه النسائي.
وفي الحديث الكثير من الفوائد منها :
- 1 النهي عن الشيء نهي عن أسبابه ومقدماته من باب أولى,فالمقصود من ترك الغضب هو اجتنابأسبابه والأمور المفضية إليه.
- 2
فيه الأمر بالأخذ بالأسباب .
3- حرص الصحابة على التفقه في الدين.
- 4 فيه قاعدة سد الذرائع وأن الوقاية خيرمن العلاج .
5
- فيه أهمية جمع المفتي بين العلم والعقل فيعطي كل مسألة حقها وكل سائل ما ينفعه .
-6
التأدب في السؤال وطلب العلم .
-7
فيه عدم جواز كتم العلم عمن طلبه إلا لمصلحة راجحة .
-8
فيه أن الشر كله في الغضب فهو يمنع العدل في القول والعمل .
-9
فيه الحث على حسن الخلق وهو من محاسن الشريعة وكمالها .
-10
أن الغضب منه المحمود ومنه المذموم .
-11
عظم فقه الصحابة حيث لم يفهموا العموم من هذا الخبر بل غضبوا الغضب المحمود وتركوا المذموم على ما علمهمالرسول.
13- أن الغضب من الأسباب المفضية إلى الكفر.
14-أهمية النصيحة وأثرها في المجتمعات ووجوب بذل النصح للمسلمين والإخلاص في إسداء النصيحة .
15---فيه معنى ( أوتيت جوامع الكلم ) ومشروعية النصيحة بلفظ موجز جامع فالعبرة بفائدة الكلام ونفعه لا بكثرته وسجعه .
- 16
أن الغضب من الشيطان .
17-أن القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
18-فضيلة الصبر والحلم .
19- إنزال الناس منازلهم في النصيحة .
-20
فيه أن النهي عن الشيء أمربضده أي عليك بالحلم والصبر .
- 21 طلب النصيحة إنما يكون من ذوي العقل والرأي والدين .
22- فيه أن طلب الوصية والنصيحة رفعة للعبد لا منقصة ولا مذمة فيها,وقبول النصيحة من كمال الإيمان.
- 23
من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه فمن ترك الغضب عوض بالحلم .
24- بيان فضل كظم الغيظ والحث على العفو والنصح .
25- تواضع النبي وسعة حلمه وحسن خلقه .
هذا الحديث مهم في باب إصلاح أخلاق الناس وتزكية نفوسهم وهو جليل القدر مع صغره.
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقبلون عليه متسابقين بنفوس متعطشة ليسمعوا الى كلمة توجيه ورشد منه صلى الله عليه وسلم , وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه - كما جاء في بعض الروايات - ، وقيل رجل اسمه جارية بن قدامه , فأقبل إلى المربي العظيم ،صلى الله عليه وسلم يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة ،قَالَ: يَارَسُولَ اللهِ أَوصِنِي" . أي دلني على عمل ينفعني. والوصية: هي العهد إلى الشخص بأمر هام، وقيل هي الطلب بما ينفع الإنسان، أو بما يحذر منه الإنسان.
فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له : ( لا تغضب ) .كلمة جامعة موجزة ، أشار بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فردد مرارًا ، قال: لا تغضب ) ،أي أحذر الغضب، أو أحذر أسباب الغضب، أو أحذر فيما يوقع الغضب، أو تجنب مقدمات، أو عوامل الغضب .واضبط نفسك عند وجود السبب حتى لاتغضب.
تعريف الغضب :الغضب يعبر عنه العلماء بأنه غليان دم القلب وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، يظهر أثره على الجوارح.
ويعبر بتعبير آخر يقال: هو حالة انفعال تسبب سرعة في الدورة الدموية تظهر أثر هذه السرعة على وجه الإنسان وعلى حواسه عموما وعلى حركاته وعلى سلوكه . فبعد أن كان هادئا متزنا إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كليا عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد . والغضب إذا اعترى العبد ، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله ،كما يسبب أمراض عضوية مثل كثير من أمراض الصداع و آلام المفاصل و كثير من آلام البطن، بالذات القولون و أمراض نفسية مثل الوسواس، والشك، والاضطراب، والتردد، وعدم إحكام التصرفات، وضعف الإرادة عند الإنسان. فالشيطان كما ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم –: ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
وذكر أهل العلم في نوعية الجريان إما أن يكون الجريان حقيقي يدور مع الدورة الدموية، وما دامت الدورة الدموية طبيعية، فقوة الإنسان أقوى من الشيطان, لكن عندما يغضب، وتنتفخ الأوردة، ومن ثم الشيطان يبحث عن المكان المناسب؛ ليؤثر عليه، فيمسك نقطة الضعف عند هذا الإنسان؛ لذلك بعض الناس نقطة الضعف رأسه، فيحصل معه صداع مثلا , وهكذا, أو أن يكون الجريان معنوي.
قال عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ، ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ، فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق بالأرض ).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني علماً يقربني من الجنة ويبعدني من النار قال: ( لا تغضب ولك الجنة ).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما يطفىء النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
والغضب نوعان: غضب مذموم وغضب محمود
فالغضب المذموم وهو الذي نهى عنه النبي صبى الله عليه وسلم ويُطلب من المسلم أن يعالجه ويبتعد عن أسبابه، وهو ما كان انتقاماً للنفس، ولغير الله تعالى ونصرة دينه , وهوخُلُقٌ وطبع سيء وسلاح فتاك وهو جماع الشر، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
فإذا لم يغضب المرء فقد ترك الشر كله، ومن ترك الشر كله، فقد حصل الخير كله.
أماالغضب المحمودصفة طبيعية عند الإنسان،.وهوما كان لله تعالى غيرة لله لانتهاك محارمه بسبب التعدي على حرمات الدين، من تحدٍ لعقيدة، أو تهجم على خُلُق أو انتقاص لعبادة فهذا غضب محمود شرعا وفاعله يثاب على ذلك. قال تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ).
قالت عائشةرضي الله عنها: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها). متفق عليه.
وفي صحيح مسلم: (ما ضرب رسول الله صلىالله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يُجاهد في سبيل الله).وكان صلى الله عليه وسلم حليما مع أهله وخدمه.
قال أنس رضي الله عنه: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال أف قط ، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا). متفق عليه. وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغضب لشيء، فإذا انتُهكتْ حرمات الله عز وجل، فحينئذ لا يقوم لغضبه شيء. رواه البخاري ومسلم
والغضب ضعف وسرعة الغضب والانقياد له عنوان ضعف الإنسان، ولو ملك الأنسان السواعد القوية، والجسم الصحيح. وبعكسه الحلم قوة .
وقد امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".
وروى البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". والصرعة هو الذي يغلب الرجال ولا يغلبه الرجال.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء : ( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ) رواه أحمد .
وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين ، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : " أول الغضب جنون ، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب "
وقال عيسى عليه الصلاة والسلام ليحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام : إني معلمك علماً نافعاً : لا تغضب . فقال : وكيف لي أن لا أغضب ؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل : ذنب ذكرته أستغفر الله منه ، وإن قيل لك ما ليس فيك فاحمد الله إذ لم يجعل فيك ما عيرت به ، وهي حسنة سيقت إليك .
ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب ؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم " ، وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : "يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب ، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم "، وقال آخر : " ما تكلمت في غضبي قط ، بما أندم عليه إذا رضيت ".
س" لماذا خص الرسول _صلي الله عليه وسلم _ الوصية بالغضب؟
لماذا لم يوصه بتقوى الله عزّ وجل،كما قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )(النساء: الآية131)
فالجواب: أن كل إنسان يخاطب بما تقتضيه حاله، وهذه قاعدة مهمة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عرف من هذا الرجل أنه غضوب فأوصاه بذلك.
أوحسب الوقت الذي هو فيه، أولأهمية فعل كان في وقته, أو قد تكون المناسبة التي قال فيها النبي – صلى الله عليه وسلم كما كانت المناسبة في هذا الحديث هي حالة السائل .
ماهي أسباب الغضب؟
1- قد يكون الطبع أحيانا ، والجبلة، يولد الإنسان سريع الغضب، نتيجة وراثة، نتيجة طبيعة معينة.
2- التعالي، والتكبر على الناس .
3- الأنانية، وحب الذات، فإذا كان الإنسان أنانياً، يريد كل شيء له، يكون هو المقدم في كل شيء، فإذا ما اختل هذا الأمر أدى إلى الغضب .
4- الجدل العقيم، عند أدنى أي مسألة يؤدي إلى الغضب، ومن ثم أيضاً، يؤدي إلى آثار خطيرة جدا.
5- تبادل التهم، والظنون وسوء النية يؤدي إلى الغضب الشديد.
6- السخرية بالناس، والتنابذ بالألقاب، والغيبة، والنميمة.
س- ما هي الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه أو بمعنى آخر كي نتقي الغضب؟
1- تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى شؤون الدنيا والدين .
2- تجنب أسباب الغضب والابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب .
3- حرص المسلم أن يكون دائما على طهارة، لأن الوضوء يطفئ نار الشيطان.
4- تدريب النفس على التواضع والتحلي بمكارم الأخلاق، كالحلم والصبر والتأني في التصرف والحكم.و معاملة الناس المعاملة الطيبة والابتسامة، فلا يكن المؤمن مكفهر الوجه، مبغضاً عند الناس، مما يؤدي إلى سرعة الغضب. قال النبي – صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم ) .
5- الحرص على كثرة ذكر الله - عزّ وجلّ – ؛لأنه لا يجتمع في قلب المسلم كثرة ذكر الله - عزّ وجلّ والشيطان.
6- أن يقتنع الأنسان بأن الغضب مرض، ويقتنع بأنه يجب ألا يتصرف حال الغضب.
س"إذا وجد سبب الغضب، أو وقع الإنسان في الغضب كيف يعالج نفسه؟
لقد بينت الشريعة العلاج النافع والدواء القولي والفعلي لذلك .
فالعلاج القولي يتلخص في :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأنه كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ( : أن الغضب من الشيطان، وأن الشيطان خلق من نار، والماء يطفئ النار ) وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: "إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد - يعني الغضب - لَوقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ"رؤية الروابط خاصة بالأعضاء فقط . فالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هو الذي يطفيء جمرة الغضب في القلب ، يقول الله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } ( فصلت : 36 )
2- على الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب .
3- واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) غافر : 60
4- كظم الغيظ والتطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه وقد ورد فضل عظيم لكظم الغيظ. قالتعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره أي الحور شاء). رواه أحمد. وجاء رجل إلى سلمان رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الله أوصني قال: لا تغضب قال: أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك. قال: فإن غضبت فاملك لسانكويدك.
وأما العلاج الفعلي يتلخص في :
1- تغيير الحالة التي هو فيها، إن كان قائماً، يجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع ؛ لأن للأرض جاذبية، فستجذب هذه الشحنات الكثيرة التي أدت إلى غضبه في هذه الأرض. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
2- ) الوضوء لأن الوضوء يطفئ حرارة الغضب. كما أن انشغاله بالوضوء ينسيه الغضب فقد أخرج أحمد عن عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطانوإن الشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ). فيتوضأ الإنسان، أو يغتسل، وسيذهب عنه ما يجد.
3- الإمساك عن الكلام. فقد أخرج أحمد من حديث ابن عباس عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضب أحدكم فليسكت قالها ثلاثا).
4- مغادرة المكان، وكثير من الناس يفعل هذا، أي إذا غضب خرج من البيت حتى لايحدث ما يكره فيما بعد . ولا يرجع إلى هذا المكان، إلا بعد هدوءه.
شتمل الحديث على بعض المسائل:
1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على ماينفع، لقوله: "أَوصِنِيْ" ، والصحابة رضي الله عنهم إذا علموا الحق لايقتصرون على مجرّد العلم، بل يعملون، ونحن الآن للأسف نسأل عن الحكم ونتعلمه لكن لانعمل به أما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم إذا سألوا عن الدواء وعرفوه استعملوه فعملوا.
2- النهي عن الغضب، لقوله: "لاَ تَغْضَبْ" لأن الغضب يحصل فيه مفاسد عظيمة إذا نفذ الإنسان مقتضاه، فكم من إنسان غضب فطلّق وذهب يسأل، وكم من إنسان غضب فقال: والله لا أكلم فلاناً فندم وذهب يسأل.
2- مشروعية طلب الوصية من العالم والرجل الفاضل سواء في أمر عام أوخاص وهذا ماكان عليه الصحابة والسلف الصالح .
3- التفكر في خطورة الغضب ومآله وعاقبته والآثارالمترتبة على إنفاذه والعمل بمقتضاه.
- 4 الغضب جماع الشر كله. قال جعفر بن محمد: (الغضب مفتاح كل شر). وقيل لابن المبارك: اجمع لنا حسن الخلق فقال: (ترك الغضب )
.4أن الدين الإسلامي ينهى عن مساوئ الأخلاق لقوله: "لاَ تَغضبْ" والنهي عن مساوئ الأخلاق يستلزم الأمر بمحاسن الأخلاق، فعلى المسلم أن يعود نفسه على التحمل وعدم الغضب، فقد كان الأعرابي يجذب رداء النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤثر في رقبته صلى الله عليه وسلم ثم يلتفت إليه ويضحك, مع أن هذا لو فعله أحد آخر فأقل شيء أن يغضب عليه،فعلينا التحلي بالحلم والتأسي بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
5- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) يشمل معنيين:
- 1
أن يتجنب المرء الوقوع في الغضب ابتداء أو يقلل منه وذلك بأن يعمل بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الحلم والكرم والحياء والتواضع وكف الأذى والصفح والعفو والطلاقة وغير ذلك فإن المرء إذا تحلى بذلك لم يحصل منه الغضب عند وجود أسبابه.
-2
أن يجاهد نفسه على ترك ما يأمر به الغضب فإن الغضب إذا ملك الإنسان كان الآمرالناهي له ولهذا قال الله عز وجل في وصفه: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَىالْغَضَبُ). فإذا لم يطع المرء غضبه فيما يأمره به وسكن عنه الغضب كان كأنه لم يغضبكما قال تعالى: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْيَغْفِرُونَ.(
-6
للغضب إذاوقع بالمرء أدوية نافعة إذا عمل بها ذهب عنه وسكن.
-7 المؤمنالقوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب ولا ينساق ورائه ويكف نفسه عن الاستجابة له. ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعةإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). وقال مورق العجلي: (ما امتلأت غيظا قط ولاتكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت). وقد كان السلف الصالح إذا غضبوا ملكواأنفسهم عند الغضب. فينبغي على المؤمن أن يوطن نفسه عند الغضب على الصبر وكف النفس والقدرة على التحمل وأن لا يتكلم بكلام أو ينفذ أمرا يندم عليه فيما بعد. ولو تأمل المرء في تصرفاته الهوجاء وأفعاله النكراء حال غضبه لاستحيا من رؤية الناس إليه وهوفي تلكم الحال.
8
- التحلي بالحلم وهو خلقكريم وصفة محمودة وترك الغضب وعدم الانفعال عند الخصومة والمشاحة ولا يقوى عليه إلا من ملك نفسه وراقب الله في تصرفاته وهو صفة محبوبة إلى الله تعالى. قال رسولالله لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة). رواه مسلم.
-9 للشيطان مداخل خطيرة على المرء ينفذ عليه في أحوال الضعف والخور وفقد السيطرة على النفس ،فإذا انفعل المرء وأسرف على نفسه ولم يملكها حال الغضب أو الفرح أو الحزن أو الطمعأو الخوف أو الشهوة وغيرها تمكن منه الشيطان واستولى عليه. قال الحسن: (أربع من كنفيه عصمه الله من الشيطان وحرمه على النار من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوةوالغضب). فمتى طمع المرء في شيء حمله الشيطان على الحصول فيما طمع فيه من أي طريق ولو كان محرما ، ومتى خاف شيئا حمله الشيطان على دفعه بأي طريق ولو كان محرما ،ومتى مالت نفسه إلى شيء وتلذذ به حمله الشيطان على فعله ولو كان محرما ، ومتى غضب حمله الشيطان على إنفاذ غضبه ولو كان محرما ، وهكذا الفرح والحزن. وهذا يوجب على العبد الحذر والاعتدال وتحري حدود الشرع في هذه الأحوال وسلوك القصد في ذلك. وكانالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو: (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق فيالغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى). رواه النسائي.
وفي الحديث الكثير من الفوائد منها :
- 1 النهي عن الشيء نهي عن أسبابه ومقدماته من باب أولى,فالمقصود من ترك الغضب هو اجتنابأسبابه والأمور المفضية إليه.
- 2
فيه الأمر بالأخذ بالأسباب .
3- حرص الصحابة على التفقه في الدين.
- 4 فيه قاعدة سد الذرائع وأن الوقاية خيرمن العلاج .
5
- فيه أهمية جمع المفتي بين العلم والعقل فيعطي كل مسألة حقها وكل سائل ما ينفعه .
-6
التأدب في السؤال وطلب العلم .
-7
فيه عدم جواز كتم العلم عمن طلبه إلا لمصلحة راجحة .
-8
فيه أن الشر كله في الغضب فهو يمنع العدل في القول والعمل .
-9
فيه الحث على حسن الخلق وهو من محاسن الشريعة وكمالها .
-10
أن الغضب منه المحمود ومنه المذموم .
-11
عظم فقه الصحابة حيث لم يفهموا العموم من هذا الخبر بل غضبوا الغضب المحمود وتركوا المذموم على ما علمهمالرسول.
13- أن الغضب من الأسباب المفضية إلى الكفر.
14-أهمية النصيحة وأثرها في المجتمعات ووجوب بذل النصح للمسلمين والإخلاص في إسداء النصيحة .
15---فيه معنى ( أوتيت جوامع الكلم ) ومشروعية النصيحة بلفظ موجز جامع فالعبرة بفائدة الكلام ونفعه لا بكثرته وسجعه .
- 16
أن الغضب من الشيطان .
17-أن القوي هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
18-فضيلة الصبر والحلم .
19- إنزال الناس منازلهم في النصيحة .
-20
فيه أن النهي عن الشيء أمربضده أي عليك بالحلم والصبر .
- 21 طلب النصيحة إنما يكون من ذوي العقل والرأي والدين .
22- فيه أن طلب الوصية والنصيحة رفعة للعبد لا منقصة ولا مذمة فيها,وقبول النصيحة من كمال الإيمان.
- 23
من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه فمن ترك الغضب عوض بالحلم .
24- بيان فضل كظم الغيظ والحث على العفو والنصح .
25- تواضع النبي وسعة حلمه وحسن خلقه .


ياحنين .. وياك يارب وكل مسلم حريص على نشر العلم الشرعي
ممكن شرح الحديث يكون طويل نوعا ما لكن لعظم فوائده فضلت عدم اختصاره حتى تعم الفائده المنشوده وكم دقيقه يستغلها الإنسان بقراءة علم نافع ماتضر بل تنفع ويُكتب له أجرها
فأتمنى من الجميع قراءة الشرح كاملا حتى تتم المنفعه المقصوده .. والله خير معين
ممكن شرح الحديث يكون طويل نوعا ما لكن لعظم فوائده فضلت عدم اختصاره حتى تعم الفائده المنشوده وكم دقيقه يستغلها الإنسان بقراءة علم نافع ماتضر بل تنفع ويُكتب له أجرها
فأتمنى من الجميع قراءة الشرح كاملا حتى تتم المنفعه المقصوده .. والله خير معين
الصفحة الأخيرة
نسأل الله أن ينفعنا ويكتب لنا الأأجر والثواب
راح أنزل الحديث ألحين لأني أخشى أنشغل العصر والعشاء