شرح دعاء«ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم»رووعه

ملتقى الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركته



1-(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
.

2- ( وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
.

هذه أولى الدعوات التي ذكرها المؤلف حفظه اللَّه تعالى من دعوات إبراهيم إمام الحنفاء،

وقدوة الموحدين، وخليل الرحمن، الذي وصفه ربنا ﻷ بأنه الجامع لخصال الخير كلّها:

( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين )
.

فهذه الدعوة المباركة جمعت عدة مطالب عظيمة ﻻ‌ غنى عنها للعبد في أمور دينه ودنياه.

أولها: سؤال اللَّه تعالى القبول في اﻷ‌عمال، واﻷ‌قوال، ‏فقال وابنه إسماعيل عليهما السﻼ‌م:

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
).

وقوله: (( و(يرفع): فعل مضارع، والمضارع للحاضر، أو للمستقبل، ورفع البيت ماضٍ؛

لكنه يعبَّر بالمضارع عن الماضي على حكاية الحال، كأن إبراهيم يرفع اﻵ‌ن، يعني:

ذكِّرهم بهذه الحال التي كأنها اﻵ‌ن مشاهدة أمامهم)) (
).

ففيه تنبيه للعبد أن يستحضر هذه المعاني وكأنها أمامه، ‏من جليل اﻷ‌عمال من رفع القواعد،

وكذلك دعاؤهما، ‏حتى يتأسى العبد بهذه المقاصد والمطالب الجليلة من إخﻼ‌ص العمل للَّه

تعالى، وما يحمل الدعاء في طياته من جميل المعاني من الخوف، والرجاء، ‏والرغبة، والرهبة.

(رَبَّنَا):((ربّ)) منادى حذفت منه (يا) النداء، وأصله: يا ربنا، حذفت ((يا))النداء للبداءة بالمدعو

المنادى، وهو اللَّه جلّ شأنه، أي كلّ واحد يقول بلسانه: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)(
).

فقد جاء في صحيح البخاري((... ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ

إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلًا لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ:

أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلَ، أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ

إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ:( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (
).

انظر يا عبد اللَّه، وتأمّل في شأنهما: يقومان بأجلّ اﻷ‌عمال وأرفعها بإذنٍ من ربهما تعالى،

وهما يسأﻻ‌ن ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) ، فتأمّل كيف كان حالهما من الخوف والرجاء أﻻ‌ّ يتقبل عملهما،

فإذا كان هذا حال إمام الحنفاء، وقدوة الموحدين، ‏فكيف بحالنا وتقصيرنا؟.



فعن وهيب بن الورد أنه قرأ: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا)

ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن ﻻ‌ يتقبل منك؟))(
).

وهذا كما حكى اللَّه تعالى عن حال المؤمنينَ الخُلَّص في قوله تعالى:(وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) (


أي يعطون ماأعطو من الصدقات والنفقات والقربات( وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)10

أي: خائفة أﻻ‌ّ يتقبل منهم، كما جاء في الحديث أن عائشة رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا سألت رسول ‏اللَّه

عليه الصﻼ‌ة والسﻼ‌م عن هذه اﻵ‌ية:((أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ

الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ،(أُولَئِكَ

الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)
، والتعرض لوصف الربوبية في دعائهم؛ ﻷ‌ن إجابة الدعاء

من شأن الربوبية وخصائصها لما فيها من معاني التربية واﻹ‌صﻼ‌ح والتدبير،وقولهما:(تَقَبَّلْ مِنَّا)

((القبول: أخذ الشيء والرضا به، فتقبّل اللَّه سبحانه للعمل أن يتلقّاه بالرضى فيرضى عن

فاعله، وإذا رضي اللَّه تعالى عن فاعله، فﻼ‌ بدّ أن يثيبه الثواب الذي وعده إيّاه)) (
):

وقولهما: (إنَّكَ أنْتَ ‏السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعليل لطلب القبول، ومزيد استدعاء لﻺ‌جابة.

والسميع والعليم اسمان للَّه تعالى من أسمائه الحسنى يدﻻ‌ّن على صفة السمع والعلم، أي:

أنت السميع ﻷ‌قوالنا التي من جملتها دعاؤنا العليم بما في ضمائر نفوسنا من ‏اﻹ‌ذعان لك،

والطاعة في القول والعمل، وﻻ‌ يخفى عليك شيء في قلوبنا.

((وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى ﻹ‌ظهار اختصاص دعائهما به تعالى، وانقطاع رجائهما

عمّا سواه بالكلية)) (
).



((ولمّا كان العبد مهما كان، ﻻ‌بدّ أن يعتريه التقصير ويحتاج إلى التوبة قاﻻ‌:( وَتُبْ عَلَيْنَا) ، قاﻻ‌ه

هضماً ﻷ‌نفسهما، وتعليماً للذرّية بعدهما أن يﻼ‌زموا هذا الطلب، والمقصد الجليل)) (
).

‏وقولهما:( إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ): هذه الجملة كسابقتها تعليل لطلب القبول،

ومزيد استدعاء لﻺ‌جابة.


‏التواب: أي أنك كثير التوبة على عبادك، فهو يقبل التوبة من عبده كلما تكررت التوبة

منه إلى ما ﻻ‌نهاية.

الرحيم: أي ذو الرحمة الشاملة للمؤمنين يوم القيامة، وهذا اﻻ‌سم: يخصّ به المؤمنين يوم

القيامة، أما الرحمن فهي رحمته تبارك وتعالى الشاملة لجميع الخﻼ‌ئق في الدنيا مؤمنهم

وكافرهم، إنسهم وجنهم.



الفوائد: ‏تضمنت هاتان اﻵ‌يتان الكثير من الفوائد الجليلة منها:

1- أهمية القبول حيث إن مدار اﻷ‌عمال الصالحة عليه، وذلك يقوم على اﻹ‌خﻼ‌ص للَّه تعالى،

واﻻ‌تباع لما جاء به الشرع المطهر.

2- دلّت اﻵ‌ية: أنّ على العبد مﻼ‌زمة سؤال اللَّه قبول أعماله بعد أدائه لها، ومنها الدعاء،

فقد كان هذا من هدي المصطفى : فإنه كان يستغفر ثﻼ‌ثاً بعد الصﻼ‌ة، وكان يقول بعد صﻼ‌ة الصبح:

((اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ‏ورزقاً طيباً، وعمﻼ‌ً مُتقبّﻼ‌ً)) (
)، وكان يقول :

((ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي)) (
)، وكان يستعيذ من عمل ﻻ‌ يُرفع:

((اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم ﻻ‌ ينفع، ومن عمل ﻻ‌ يُرفع)) (
)، وغير ذلك.

3- ينبغي للعبد أن يكون في حال عبادته لربه ودعائه، ‏خائفاً راجياً، كجناحي الطائر، فﻼ‌ يغلّب

الخوف، فيقع في القنوط، وﻻ‌ يغلب الرجاء، ‏فيقع في الغرور، واﻷ‌من من مكر اللَّه تعالى.

4- التوسّل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته ما يناسب المطلوب والسؤال؛ فإن (السميع) مناسب

في سماع دعائهما، و(العليم) مناسب للعلم بنياتهما، وصدق تضرعهما، وكذلك (التواب الرحيم)..

5- مﻼ‌زمة التواضع واﻹ‌خبات للَّه تعالى في حال القيام بطاعته ولو بأجلّ العبادات والمقامات.

6- أن الدعاء ملجأ ومقصد كل اﻷ‌نبياء والمرسلين، ‏وأن العبد ﻻ‌ غنى له عنه في كل أحواله

الشرعية والدنيوية.

7- طرد اﻹ‌عجاب بالنفس، وعدم اﻹ‌دﻻ‌ل على اللَّه تعالى بما قام من العمل، فإنّ ذلك مفسد للعمل.

8- أهمية سؤال اللَّه تبارك وتعالى الثبات على اﻹ‌سﻼ‌م، (وهو يشمل على اﻻ‌ستسﻼ‌م للَّه تعالى

ظاهراً أو باطناً) (
).

9- ((أنه ينبغي لﻺ‌نسان أن يشمل ذريته في الدعاء، ‏ﻷ‌نّ الذرية الصالحة من آثار اﻹ‌نسان

الصالحة؛ لقوله تعالى:( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)

10- ((شدة افتقار اﻹ‌نسان إلى ربه تعالى؛ حيث كرر كلمة ((ربنا))،

وأنه بحاجة إلى ربوبيته اللَّه تعالى الخاصة التي تقتضي عناية خاصة))(
).



() سورة البقرة، اﻵ‌ية: 127.
() سورة البقرة، اﻵ‌ية: 128.
() سورة النحل، اﻵ‌ية: 120.
() سورة البقرة، اﻵ‌ية: 127.
() تفسير سورة البقرة للعﻼ‌مة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 57.
() المصدر السابق.
() صحيح البخاري، كتاب أحاديث اﻷ‌نبياء، باب (يزفّون)، 4 / 145، برقم 3365.
() تفسير ابن كثير، 1/ 254.
() سورة المؤمنون، اﻵ‌ية: 60.
() سورة المؤمنون، اﻵ‌ية: 60.
() سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله r، باب ومن سورة المؤمنون،
5/ 327، برقم 3175، وصححه الشيخ اﻷ‌لباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 79، برقم 2537، وسلسلة اﻷ‌حاديث الصحيحة، 1/ 304، برقم 162.
() تفسير سورة البقرة للعﻼ‌مة ابن عثيمين، 2/ 58.
() تفسير أبي السعود، 1/ 161.
() تفسير ابن سعدي، 1/ 2.
() انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم:102.
() انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم: 73.
() انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم: 139.
() تفسير سورة البقرة، ﻻ‌بن عثيمين، 2/ 64.
() تفسير سورة البقرة للعﻼ‌مة ابن عثيمين، 2/ 64.
7
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ضياءالقمرs
ضياءالقمرs
للامانه منقول عجبني وحبيت تنتفعو معي بالفائده

مدري ذالفيس كيف جا:-) 
جنوبيه رومنسيه
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بعدد م خلق
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بملى م خلق

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بعدد م احصى كتابه
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بملى احصى كتابه

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بعدد كل شي
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات و المؤمنين و المؤمنات الاحياء منهم والاموات بملى كل شي
سبيشل مول
سبيشل مول
جزاك الله خير
وووحده
وووحده
جزاك ربي الجنه امين
لااله الاالله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
ضياءالقمرs
ضياءالقمرs
نورتو صفحاتي الله يسعدكم