باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا
ولجميع المسلمين يا رب العالمين، قال المؤلف رحمه الله: باب الخوف
على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين، وقوله تعالى :
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ﴾ الآية، وقوله عز
وجل : ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ
بِهَا ﴾الآية . عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «
إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم
فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك،
قالت أسماء: فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى،
فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال: نم صالحا؟ فقد علمنا إن كنت لمؤمنا، وأما
المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته »
وفي حديث البراء في الصحيح : « أن المؤمن يقول: هو رسول الله،
فيقولان: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت » .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
هذا هو الباب الرابع الذي أشار فيه المؤلف إلى خطورة من لم يتفهم
القرآن وهو يسمعه، وأنه داخل في صفة من صفات المنافقين، أو
داخل في وصف المنافقين الذين ذمهم الله تعالى في كتابه، ثم صدر
المؤلف هذا الباب بقوله تعالى : ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا
خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ﴾ وهذه الآية في سورة القتال، وهي في سياق
أهل الكفر، وقد قال الله تعالى قبلها : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ
أَعْمَالَهُمْ ﴾ وقال بعدها أيضا :
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ ثم
قال بعد ذلك: "وَمِنْهُمْ" أي من
هؤلاء الكفار ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ﴾
هذا صنف من الكفار الذين أسروا الكفر وتظاهروا بالإيمان، وإلا فإن الله
تعالى قد قال في آية أخرى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ
الصُّمَّ ) .
وتقدم لنا في الآية ، "ومنهم " ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ ﴾﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ﴾ إلى أن قال الله:
﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ﴾ ففي هذه الآية صنف من
الكفار الذين هم
المنافقون يحضرون مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، ويستمعون
القرآن، ويستمعون الذكر والمواعظ، ولكنهم لا ينتفعون بها، ولا يجدون
منها فائدة ؛ لإعراض قلوبهم عنها، فإذا خرجوا من مجلس النبي عليه
الصلاة والسلام سألوا الصحابة -رضوان الله عليهم - ماذا قال في
مجلسه وماذا سمعتم؟ ولهذا تكملة الآية :
﴿قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ﴾ أي ماذا قال قبل قليل؟ و ﴿أُوتُوا
الْعِلْمَ ﴾ هنا: هم
الصحابة ولم يذكر المؤلف هذه الآية ولكنه اكتفى بالوصف الذي هو
وصف النفاق في هذه الطائفة، وهذه صفة من يتظاهر بالإسلام فلا
يعرضون عن سماع القرآن كحال المشركين الذين لا يريدون سماع
القرآن، بل إنهم سعوا إلى الطعن واللغو فيه، كما قال الله تعالى :
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ﴾ .
أما هؤلاء الصنف فإنهم يجلسون في مجلس النبي عليه الصلاة
والسلام، ويستمعون القرآن، ويقرءوه، ويسمعون المواعظ لكنهم لا
يستفيدون منها ولا ينتفعون، وهم يظهرون الإيمان ويبطنون خلافه،
فإذا خرجوا من المجلس تغيرت حالهم، وبدءوا يسألون، والسياق في
هذه الآية وما بعدها يدل على ذمهم ؛ لأنهم سألوا سؤالا ينبئ عن
مذمة سائله، ألم تحضروا المجلس وتسمعوا الكلام والمواعظ والحكم
فكيف لا تنتفعون بها؟ تخرجون من المجلس وتقولون ماذا قال آنفا!
وهذا من صفات المنافقين أنهم يستهزئون، يستهزئون بأهل الإيمان،
كما وصف الله تعالى حالهم في سورة البقرة وفي غيرها من سور
القرآن، ربما أنهم قالوا هذا على سبيل السخرية والاستهزاء، فالآية
فيها تحذير شديد من صفات المنافقين الذين إذا تليت عليهم الآيات،
هم يأتون إلى مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، ويريدون الانتفاع
إذا كان فيه مصلحة لهم.
أما إذا كان يخالف أهواءهم وطبائعهم فإنهم يعرضون، قال الله تعالى :
﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴾
﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
هذه صفة أهل النفاق، وصفة أهل الإيمان : ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا ﴾ فهم الذين ينتفعون بهذه الآيات حينما يسمعونها، أو
يقرءونها يستفيدون منها.
وجاءت الآية الثانية في سورة الأعراف: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ وهذه أيضا جاءت في سياق الذم لمن خلق الله له
سمعا وبصرا وفؤادا يستطيع أن يميز بهذه الجوارح الخير من الشر،
والباطل من الحق، والهدى من الضلال ؛ فيستفيد حينئذ، ولكن هؤلاء
لم يستفيدوا، كما قال الله تعالى في آية أخرى : ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا
إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ
سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ ﴾ إلى آخر الآية، لم تغن عنهم ولم تفدهم،
وإنما وظفوها واستعملوها في شهواتهم، وفيما يغضب الله تعالى :
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ﴾ أي خلقنا وجعلنا وهيأنا، هذا معنى كلمة ذرأ: خلقنا
وهيأنا وجعلنا لجهنم أناسا يعملون بعملها، ويكونون من أهلها، كما
أعد الله تعالى للجنة أهلا يعملون لها، ويجتهدون في طلبها، وهذا
يدل على سعة علم الله تعالى بخلقه قبل أن يخلقهم، وحين خلقهم ؛
فهو عالم بما يعملون وما سيعملون.
ولهذا جاء في صحيح مسلم : « إن الله تعالى قدر مقادير الخلق قبل
أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة » فعلمه جل وعلا
شامل ومحيط، وهذه الآية تدل على سعة علم الله، وعلى عدله في
خلقه، وأنه لا يظلم أحدا قد أرسل الرسل وأقام الحجج وأنزل الكتب،
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ من أحسن فله الجزاء جزاء الحسنى، ومن أساء
فله العاقبة، وله العذاب، وهؤلاء قد خلق الله لهم هذه الجوارح ؛ لكي
يميزوا ويعرفوا ويسمعوا الكلام الطيب ويستفيدون منه، ويسمعون
الكلام الباطل وينكرونه ويعرضون عنه، ولكن ضرب الله تعالى لهم
وصفا ذميما أن جعلهم كالأنعام، كما قال في خاتمة الآية : ﴿أُولَئِكَ
كَالْأَنْعَامِ ﴾ ولم يكتف بهذا الوصف؛ بل إن الأنعام خير منهم لأن
البهائم، بهيمة لا تفهم ولا تعقل.
أما هؤلاء فإنهم يفهمون ويعقلون ولم يستعملوها فيما ينفع ويفيد،
﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ فهذه غفلة مذمومة؛
لأن الغفلة قد تكون ممدوحة في حال من الأحوال، ولكن هذه
مذمومة ؛ لأنها غفلة عن الحق، غفلة عن القرآن، غفلة عن
الهدى، أما الغفلة الممدوحة فهي الغفلة عن الشر، كما قال الله
تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ ﴾ ليسوا غافلات عن
الحق، غافلات عن الشر فهذه غفلة ممدوحة، كما في الحديث : أكثر
-ما يدخل- أهل الجنة البله الذين هم يغفلون عن الشر، أو يعلمونه
ولا يقعون فيه، ثم جاء الحديث بعد ذلك من حديث أسماء، والشاهد
في هذا الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: فيقول: محمد رسول
الله جاء بالبينات والهدى، والبينات هي الآيات الواضحات، كما قال الله
تعالى : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ الآيات الدالة على وحدانية الله وألوهيته.
وهذا حديث طويل فيه، جاء ذكره في كتب السنن، وأخرجه في
الأخير في حديث البراء في الصحيح أخرجه كذلك مسلم، أخرجه
أحمد مطولا بإسناد صحيح، وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية،
والطبري في التفسير وغيرهم، وهو في سياق فتنة القبر وما يلقاه
الإنسان في قبره، ما يلقاه: إما نعيما أو عذابا.
والشاهد من سياق هذا الحديث أن المؤمن يجيب بأجوبة موافقة لما
كان عليه في الدنيا، وأنه قد آمن بربه، وصدق بنبيه، وعمل بكتابه
وبما جاء النبي عليه الصلاة والسلام من هذه البينات، حتى إنه يقول:
قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، الله تعالى يقول: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ فالمؤمن قد آمن بهذا الكتاب، واستفاد
منه وعمل، واتبع وتدبر، وصدق ما جاء فيه ؛ فنال ثمرة ذلك العمل أن
كان منعما في قبره ولم يجد فيه فتنة ولا عذابا ولا فزعا ولا خوفا.
وهذا الباب دل على أمور منها: التحذير من صفات المنافقين، ومنها
كذلك سعة علم الله وأنه شامل محيط بكل شيء، ومنها التحذير من
الغفلة، والإعراض عن القرآن، والله جل وعلا قد حذر عباده من الغفلة
في آيات كثيرة في القرآن الكريم، كقوله تعالى : ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا
قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ وقال عن نبيه عليه الصلاة
والسلام مذكرا له: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ .
ودل الباب أيضا على أن القرآن يحفظ الإنسان من فتنة القبر إذا هو
عمل به، واتبعه وتدبره ؛ فإنه يحفظه من فتنة القبر، فخير القرآن
عظيم، وممتد معه في الدنيا وفي حياة البرزخ، وفي الحياة الآخرة يوم القيامة.
شرح فضائل القرآن لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الشثري
نقلتـــه لكــم أختكــــم " أم ريــــــــــــــــــــــم "
ـ أم ريـــــم ـ @am_rym_36
عضوة مميزة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
شموخ سبيع
•
جزاك الله خير على هذا النقل المميز
الله يرضى عنكِ قلبي ع الموضوع المفيد
ويجعله في موازين حسناتك
والله يجعلك من اهل القرآن وخاصة
والله يهدي الجميع يارب ويسعدهم
جزاكِ الله خير الجزاء
شموخ سبيع :جزاك الله خير على هذا النقل المميزجزاك الله خير على هذا النقل المميز
وجزاك حبيبتي على الحضور المميز
الصفحة الأخيرة